تحذير الجميع من مؤتمر بوش للتطبيـع ، ودعـوة لمؤتمر مضـاد
،
حامد بن عبدالله العلي
،
لـم يكن ، ولن يكون ، شيءٌ أعظـم أهميـّة لدى الكيان الصهيوني من إنفاذ مشروع التطبيع ، ولن يرتاح الصهاينة قبل أن يروْا هذا الحلم ـ ولن يتحقق بإذن الله ـ واقعــا ، وقبل أن يشهدوا أعلام كيانهم المسخ المغتصـب ترفرف في جميع العواصم العربية ، وفي المحافل التي تجمع دول المنطقـة مع الكيان الصهيوني تحت إسم جديد ، ليس هـو الجامعة العربية تلك البائسة أصلا ، بل قـل ( شرق أوسط أمريكي جديد ) ، أو أيّ عنوان آخـر ، فاقد للهويّة ، منسلخ من الإنتماء
والتطبيع يعني بكلّ وضوح ، منح الصهاينة صـك براءة لأكبـر جريمة سطو منظـّم في التاريخ ، وهو اغتصاب فلسطين المدعوم غربيـّـا .
وتَبخُّـر كلّ الجرائم المهولة التي اقترفها الصهاينة عبر عقود في الشعب الفلسطيني.
وتزوير الوعي ، وتزييف التاريخ ، ومحـو فلسطين منه ، ومن الجغرافيا .
وأخطـر من ذلك ، إلغاء مستقبلي لأيّ حـقّ في استرداد ما سُلب من الأمّـة ،
بل .. جعله جريمة عدوان ، ومرتكبها مستحقّ لأعظم النكال ، لا من الكيان الصهيوني ، بل من الدول العربية نفسها التي ستنصّ قوانينهـا ، وتدعم مناهجها ، على أنّ الكيان الصهيوني دولة صديقة ممثـّلة بسفـارة ـ كما تفعل اليوم الدول المطبّعة ـ وحينئذٍ فإنّ المساس بها عدوان ، بل تهديدها باللسـان ، ظُلمٌ ، وطغيان ،
وسيتمّ توزيع تعميمات حتّى على خطباء الجمعة بالحذر من المساس بدولة الصهاينة الصديقة ، مشفوعة بفتوى ( وسطيّة ) ، من أصحاب الفضيلة الناضجين ذوي البصيرة ، والحكمة ، وبعد النظـر ، الذين لايزجُّون بشباب الأمّة في الفتـن !
ملحق بها كتيّب عن (فقه النوازل ، والنظر في المصالح ) لمثقفي الشريعـة (الوسطية) ، معه دعوة لحضور مؤتمر عن (خطر التطرف على أمّة تحت الإحتلال ) !! في فندق (سداسي النجوم) ، و(شيك) تقديرا لجهودهم في خدمة الإسلام الوسـطي!
وكتيّب آخـر عن (وجوب طاعة ولي الأمر) ، وهـذا للغوغاء والدهماء !
هذا كلّه ، أخطـر ما يشتمل عليه التطبيع ، وبلا ريب مؤتمر بوش الذي يتجه إليه .
ثـمّ ..قبل ذلك كلّه ، وأخطـر من ذلك كلّه ، ما يشتمل عليه من نقض عقيدة الأمـّة ، وتقويض وحدتها ، وطمـس كيانها ، والعبث بثقافتها .
ولايرتاب أيّ مراقب للمشهد السياسي العام حولنا ، في أنّ أحـد أكبر أهداف السياسة الأمريكية هو التمهيـد لتحقيق هذا الحلم الصهيوني ، أعني جعـل الكيان الصهيوني في وضع طبيعي في المنطقة ، يقوم جيرانه العـرب بأعباء حمايـته رسميا وبصفة دائمـة بعـد أن يجعلوا شعوبهـم تؤمـن بأن حماية الصهاينة واجبهـم أيضا .
فكان إعلان ما يُسمّى بالحرب العالمية على الإرهاب ، إثـر تحوّل العالم إلى القطبيّة الواحدة ، في إطـار زخم إعلامي عالمـي ، يضخّ التخويف من الشذوذ عن ( المجتمع الدولي ) وما هو سوى دوائر السياسة الغربيّة المتحالفة مع الصهاينة ، وعن (المنظومة الدولية) ، وما هي سوى أداة بيد تلك الدوائر ، وينشـر قوائم الإرهابيين ، وما هي سوى أسماء المعارضين للهيمنة الصهيوغربية .
كان هذا الإعلان ، في الدرجة الأولـى ، لنظـم جميع الدول العربية ، في منظومـة أمنيـّة واحـدة ، تجعـل على سلم أولياتها تحقيـق هذا الهدف ، إذ كانت الحركة الجهادية داخل فلسطين وخارجها ، أخطـر ما يواجه مشروع التطبيع .
وغيـر خافٍ ما تحـقق تحت ذريعة خطر الإرهاب ، من أكبـر حملة منظّـمة لإسكات الصوت الإسلامي المعارض للتطبيـع ، بإيداع الرمـوز السجون ، وترهيب من هم خارجها ، ومحاصرتهــم ، وإشغال من تبقّـى بتخليص أنفسهم من الملاحقة بتهمة الإرهاب ، أو بإغـراق أوقاتهـم في محاربته لإرضاء السلطات العميلة ، ونيل المكاسب والمناصب ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
ولا أدلّ على هذا أنّـّه لاتجرُؤ حتى المنابر الإسلامية العامة على المساس بدعوة بوش إلى المؤتمـر المزعوم حول السلام ، والذي يرمي إلى تحقيق التطبيع مع الصهاينة في آخر مطافـه ، كما صمتـت غالب الأصوات الإسلامية ، حتى عن التنديد بإنجرار الزعامات العربية لتلك الدعـوة ، إنجرار الأذلاّء العبيد ، لمن يوثقهـم بأغلال الحديـد.
كما كان من أعظـم دوافع إحتلال العراق ، ثم تدميره ، بعد حصاره القاتل ، هو تحقيق هذا الهـدف.
هذا ،، وليس العجـب هنـا ، من كيد اليهود وأولياءهم ، فهذا هو ما يحسنونـه وجـه الدهـر ، بل العجـب مـن كل هذه النجاحات الصهيونية منذ كامب ديفيد ،
رغـم أنهـم لم يعطـوا شيئا البتـة ، بل إنه دائمـا يحدث الضـد تماما !!
فنحن الآن بعد 28 سنة من كامب ديفيد ، و16 سنة من مؤتمر مدريد ، و13 سنة من توقيع إتفاقيات أوسلو ، فماذا جنينا من الصهاينة :
لاشيء سوى المزيد من قتـل الفلسطينين ، ودسّ العملاء بينهم ، وبثّ الفتن ، وإلتهام الأراضي ، وإزالة البيوت، والاعتقال للرجال ، و النساء ، وأحيانا مع الرضـع، والتعذيب البشع للسجناء ، وتحويلهم إلى أجساد للتجارب ، واغلاق وعزل المناطق الفلسطينية ، وتجويع الشعب ، ومحاصرته ، وابتزازه في رزقه ، وتطويق القدس ، وطمس معالمها الإسلامية ، والعمل الدوؤب على تهويدها .
وكان آخر ما جنوْا هـم إعلان حكومة عباس الخائن إسقاط المقاومة ، مقابل إطلاق سجناء ليقوموا بدور الصهاينة في التصدّي للمجاهدين ، وإطـلاق أموال يرشون بها من أُتخموا بفساد الذمّـة ، وخيانـة الأمّـة .
ولاريب أن أشـدّ الناس غباءً ، قـد غــدا اليـوم يفهم الخديعة اليهودية في شأن القضية الفلسطينيـة ،
فهي لم تـزل لعبة مكوّنــة من مسارين :
أحدهمـا : إلهاء الطرف الآخر بوهـم السلام ، ليتفرغ الصهاينة لتمرير أمنهم على حساب دماء الشعب الفلسطيني ، وحقوقه .
الثاني : إطلاق بالونات مكروره لمبادرات جديدة ، بين الفينة والأخـرى ، تعرض فيها الصهاينة الرجوع إلى آخر نقطة حصلوا فيها على أكبر مكاسب ، مقابل التطبيع ، بمعنى آخـر لايعطون شيئا ، ويأخذون كلّ شـيء.
وأقـرب مثال هو ما يفهم من زيارة وزيري خارجية مصر والأردن قبل أسبـوع للكيان ، تحت ذريعة تسويق مبادرة السلام العربية التي تنتهي إلى تطبيع العلاقات مع الصهاينة مقابل إنسحاب ، فلم يعد المطـلب سوى إعادة الوضع إلى ما قبل أوسلو ، لينال الصهاينة ما يشتهون !
ثـمّ زاد المسار الثالث الأخطـر ، وهـو تكوين سلطة فلسطينية ، تقبل ما عجز ، أو أحجم عنه عرفات فدفع حياته بسبب ذلك بالسـمّ ، سلطـة تضع المقاومة الفلسطينية في خانة الإرهاب ، وتقف صفا واحدا مع الحملة الصهيوغربية ضدّهـا ، وتستهلك الشعب الفلسطيني في اقتتال داخلي .
وبعـــد ،،
فرغـم يقيننا أن هذا الكيـد على أمّتنا ، سيرجع بالخسـران المبين ، ويعود على كائديـه بالسـوء .
غيـر أنـّه قــد آن الأوان لصيحـة مدويـّة يطلقها العلماء، والدعاة ، والمفكرون ، في مؤتمر عام ، ليس ضد مؤتمر بوش لخيانة أمتنا فحسـب ، بـل ضـدّ كلّ المؤامرات الصهيوغربية التي غـدت تبيض وتفـرّخ في بلادنا كــلّ يوم .
ويُدْعـى فيه إلى وقـف هذه الهرولـة إلى الهاوية ، تحت التأثير الزائف لزعيق التخويف من الإرهاب .
وإلى ضـربة على الرأس ترفع هذه الغفـلة عـن الحالة الشعبية العامّة في أمّتنــا .
وإلـى إعادة الأمـّة إلى وعيها ، وجهادها إلى مساره ،
وإلى دعـم مقاومة العدوان على أمّتنــا ، والشـدّ على يـد كلّ المجاهدين الشرفاء الذين وقفوا بشموخ في زمـن الهزائم النفسيـة يدافعون عن عـزّة الأمـّـة .
ويجـب أنّ يتزامن مع مؤتمـر بوش في سبتمـبر القادم .
والله المستـعان ، وهو حسبنا ونعم الوكيــل ، نعم المولى ونعم النصيـر .
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 04/08/2007 عدد القراء: 10952
أضف تعليقك على الموضوع
|