خلـف النـاتو!
حامد بن عبدالله العلي
( سنقوم في لشبونة بتنسيق نهجنا، بحيث يمكننا الشروع في نقل المسؤوليات إلى الأفغان في مطلع العام المقبل ، وتبنّي هدف الرئيس كرزاي القاضي بتولـّي القوات الأفغانية الأمن في أفغانستان بحلول نهاية 2014 ) .أوباما يتحدث عن مؤتمر حلف الناتو الذي عقد في لشبونه هذا الأسبوع
( يتوجب على الحلف مواصلة عملياته خارج الحدود، حتى بعد أن ينسحب من أفغانستان ) أمين عام حلف الناتو
( إنّ قادة دول الناتو أقروا مفهوما استراتيجيا جديدا يشكل خارطة طريق للحلف للسنواتالعشر المقبلة) أمين عام حلف الناتو
( يعكس المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف أهمية شراكات الحلف ليس فقط في القارةالأوروبية ، بل أيضا في جميع أنحاء العالم ، لاسيما في البحر الأبيض المتوسط ومناطقالخليج في3 قضايا رئيسية هي : الدفاع الجماعي والردع ، وإدارة الأزمات ، وتعزيز الأمنوالاستقرار الدولييـن ) مصادر صحفية عن قيادة الحلف
ويختفي وراء الدفاع الجماعي والردع ، عبارة : القضاء على أيّ قوة تنافس دول الحلف ، ووراء إدارة الأزمات ، عبارة : زرع الفوضى في مناطق المصالح الإستراتيجية وإدارتها لتحقيق أهداف الحلف ، ووراء تعزيز الأمن والإستقرار الدوليين عبارة : شن الحروب الإستباقية لفرض الهيمنة .
خلف حلف الناتو ، وألـ 400 لجنة التابعة له ، وألـ 14 وكالة التي تعمل تحت أمرته ، تقبع السياسة الأمريكية التي جعلته كالمظلة العسكرية لهيمنتها ، وقـد غدت تسيطر على الحلف ، وتدفع به إلى الهاوية التي تهوي إليها .
وقد صدقمارتن كيتيل كاتب الغارديان عندما قال : ( إنَّ ما جعـل أوبامـاوغيره من قادة الحكومات ، هرعوا إلى قمة الحلف في لشبونة في البرتغال ، هي قضية التورُّط في الحرب على أفغانستان ، والمستنقع الأفغاني برمّته على الأخص ) .
من المفارقات العجيبة أنـّه بينما كانت أعظم نجاحات الناتو في حقبة الصراع المعقـّد الإستراتيجي مع الإتحاد السوفيتي ، يشكل عجزُ الناتـو في أفغانسـتان ، عجزاً لايبـدو له حـلُّ في الأفـق ، عبئـاً ثقيلاً جـداً على كاهل الحلـف ، مما جعله يرهـن سمعته ومستقبله على النجاح في أفغانسـتان !
ولاريب أنه لن ينجـح ، بل سينتهي دوره بإذن الله تعالى ، وسيجعله هذا التحـدِّي يشهد نهايته ، وذلك لعـدة أسباب :
أحدهـا : أنَّ عدوَّه في أفغانسـتان هو ثورة شعـب ، وأصعب التحديـّات هي التي تتحـدّ فيها الحالة الإجتماعية والثقافية بالجهادية ، فتصبح صورة الثـورة أشبه بإجتياح جيش مـن النمل الأبيض لقطيع من أشد الضبـاع ضراوة دخـل مستعمرات النمـل ، في حـرب تنشـلّ فيهـا كلّ عوامل قوة الضبـاع وسط دهشتها مما يجـرى ، ويتحـوّل القطيع إلى ركام هياكل عظمية في مشهد النهاية المذهـل !
ولهذا السبب يسجـَّل التاريخ غالبـا هزيمة الإحتـلال المباشـر ولو طال ، بينما كثيـراً ما تتحـوّل الحركات الثورية المعزولـة ساذجـة التخطيط ، إلى (مشكلة مفيدة) لمشاريع الإستعمار ، ولهذا قـد تنفخ فيهـا إعلاميـا ، لتحصد أكبر قدر من فوائدها !
وقد ذكرنا فيما مضى أنَّ الحالة الباكستانية تلعب _ في إطار إزدواجية خفيّة _ دورا في عجز الناتو فـي أفغانسـتان ، بسبب خوفها من التهديد الهندي الجديد القادم من تحت مشروع النيتو في أفغانسـتان ، وهاجسـها من تقسيم باكستان ، كما تؤدّي دول أخـرى إقليمية أدوارا خفية وإن كانت محدودة التأثير ، وأنّ سمعة حركة الطالبان الطيبة في الشعب الأفغاني ، والتي استمرت من فترة حكمها ، وسوء سمعة الدُّمى التي نصبتها أمريكا على الشعب الأفغاني ، كلُّ تلك العوامل تساعد في فشل النيتـو الذريع في أفغانسـتان .
الثاني : الأزمـة الإقتصادية الآخذة بخنـاق كثير من الدول الأوربية أعضـاء حلف الناتـو ، إلى درجة الإفلاس ، وآخرها إفلاس إيرلندا هذا الأسبوع ، والتي تضطّرهـا إلى تقديـم إصلاح أحوالها الإقتصادية إلى سلم الأوليات ، ولو على حسـاب تورطات الناتو الخارجية التي هي نتاج حماقات أمريكية .
الثالث : الإنهيار الإقتصادي الأمريكي الذي لم يشهد بعـدُ مراحله الأشدّ كارثية ، وقد تسبـَّب حتى الآن بإنهيار مئات البنوك ، والحبـل على الجـرار .
الرابع : أنَّ أعباء الناتو قد غدت أكبـر من قدراته الفعلية ، ولهذا فقـد أنهكتـه الحرب في العـراق ، ثم انتقل إلى المستنقع الأفغانـي فزاد الطين بلـّة ، والنتيجة الحتمية لذلك هي أن ينحسـر دوره ،
الخامس : أنَّ الشعوب الأوربية قد ضاقت ذرعا من ( تواصل الإضطراب في أفغانسـتان بعد تسع سنوات من الحرب ).
هذا وقـد لفت الأنظـار _ إضافة إلى عدم ذكر إيران في البيان الختامي _ في مؤتمر الحلف الهاجس من الحرب الإلكترونية ، ولا عجـب فإنَّ من عجائب السنن الإلهية أن الباغي يُصرع بأدواته ذاتها ، فلاجرم أدرج على نتائج قمة الناتو الأخيرة ، التهديد الإلكتروني الذي غدا قادرا على شـلّ دولة بكاملها ، ولـذا تعهد الحلف بتحسين إمكاناته لحماية أنظمة الإتصال ، والمعلومات الحرجة من خطـر الهجمات الإلكترونية
ولاريب أنّ إنهيار حلف الناتو حتمي ، وأنّ لذلك أسبابا عديدة ، مرجعها إلى استنزافه أمريكيا في حروبها الخاسرة ، وفـي بغيها وإستكبارها في الأرض ، وعلى الباغي تدور الدوائـر .
لكنه حتى لو تراجع دوره ، فإنَّ أمام النهضة الإسلامية من التحدّيات الكبيرة في عالم يتطـوّر تطـوُّرا مجنونا ، ما سيحرمها من الإستفادة الحقيقية من إنهيار القوى العظمى مالم تستجمع عوامـل النجاح في البناء الحضاري ، ذلك أنـّه _ كما ذكرنا مرارا _ تحدي البناء الحضاري الذي يبلغ التفـوُّق الأممي ، في هذا العصـر الذي لاينتظـر ، _ ولا يرحم _ من يتأخـر يومـا واحدا في سباق آلات النجـاح والتفـوُّق ،
ثـم تحدّي الحفاظ على هذه القمة ،
أعظـم بكثيـر من تحدي إلحـاق الهزيمـة العسكرية بالأعـداء.
وجهـل هذه الحقيقية هو أفضـل تعريف للجهـل نفسه .
والله تعالى نسأل أن يجمع أمّتنا على كلمة سواء ، ويهديـها لوسائل النصـر ، ويسلك بأمتنـا سبيل العزة والتمكيـن ، كي تكون رحمة للعالمين ، ونـورا وهدى للبشـرية أجمعيـن . الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 22/11/2010 عدد القراء: 24516
أضف تعليقك على الموضوع
|