هزيمة أعداء الفضيـلة 
  
 حامد بن عبدالله العلي 
، 
 
كانت الحرب على الفضيلة في تركيا عندما انطلقت علمانيتها المتطرفة ، في أوائل القرن الماضـي ، كانت حربـاً شعـواء لاتعترف بحـقّ ، ولاتعـرف حدوداً ، حتى قال أحـدُ دعاتها : ( مادامت الفتاة التركية لاتقدر أن تتزوج بمن شاءت ، ولو كان من غير المسلمين ، بل مادامت لاتعقد مقاولة مع رجل تعيش وإياه كما تريد ، مسلما أو غير مسلم ، فإنَّه لايُعـد أن تركيا قد بلغت رقيـّا ) . 
  
غير أنَّ هذه الحرب في النهايـة ، قـد باءت بالفشل ، فانتشر الحجاب بين نساء تركيا ، وعادت الدعوة إلى حفظ الفضائل الأخلاقية ، وعلى رأسها العفَّة ، تتربع على عرش ثقافة الشعب التركي . 
  
وليس أدل على انتصار الفضيلة ، من لجوء المحكمة التركيّة إلى التدخل فيما ليس من إختصاصها ، وإبطال قرار ممثلي الشعب التركي بالسماح بالحجاب في الجامعات ، مما يدل على عجـز محاربي الفضيلة عن مواجهـة زحـف الشعب التركي نحو إسلامه 
  
واليوم تعـود هذه الحرب هنا في جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم ، ليشعل أوارها أحفاد أولئك المتفسّخين ، وهدفهـم هو نفس الهدف ، أن تصبح المرأة الخليجية (مقاولـة) بغـاء , تعيش مع من شاءت ، كما تشاء ، لاترتدي لباس فضيلة ، ولا تسترها مكارم أخـلاق. 
  
وتلبيسهم هو نفس التلبيس :  العبث بالمفاهيم ، وتخريب المصطلحات ، فيظهرون الدعـوة إلى الرقي ، والتقدُّم ، والحرية ، وهـم يبطنـون إبتغـاء الرذيلة ، والإنحطاط ، وتخريب الإخـلاق !!  
  
 ومع أنَّ نهايـة هذه الحـرب المحتومة هـي إلحاق الهزيمـة بعبثهم بلا ريـب ، غير أن إبليس اللعين ، سينال نصيبهم منهم ، غيـر حانث بقسمه ، حتى يجعل الله الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا ، فيجعله في جهنـَّم . 
  
ولايظـننَّ أحد أن هذه الدعوة قد فاتت معلّمهم هذا الأول ، في أوَّل جولة في معركته لإضلال البشـر ، فهو الذي سنَّ لهــم العبـث بالمفاهـيم ، لتخريب الفضيلة . 
  
كما ذكـر تعالى أن إبليس قال لآدم : (هل أدلُّك على شجرة الخلد ) ، فلم يقل لآدم عليه السلام ، إنّ هذه هي الشجرة التي تعصي ربك إن أكلت منهــا ، بل سمَّاهــا ( شجرة الخلد ) ذكر هذا الإسم الجميل تلبيسا ، وتزييفا للحقائـق . 
  
ولم يـقل لآدم : إنَّ هدفـي هـو  أن أنزع عنك ،وعن زوجـك ، لباسكما لتبدو سوءتُك ، بل دخـل بوساطة العبث بالمصطلحات والمفاهيم ، فغـرَّه بذلك غرورا ، ثم لما أكلا من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عن الأكـل منها ، كُشفت عورته ، وحواء ، كما قال الحق سبحانه : (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما) ، فذعرا من ذلك أشد الذعـر ، وعلما أنهما قد وقعا ضحية خديعـة هذا الملعـون. 
  
وعلما ما ينطـوي تحت ذلك ،  من الإشارة ، أنَّ معصية الله تعالى ، تعني زوال النعـم ، ومن أعظمها نعمـة الستـر ، ولباس الفضائـل ، وأنَّ بين التنكـُّب عن شريعة الله ، والسقوط في وحل الرذيلة ، علاقة وطيـدة.  
  
وأراد الله تعالى أن تعجـن هذه الحقيقة ، مـع عجينة التعلُّم الأول في وعي آدم وزوجه ، إذ بهـذه المعرفة ستستقيم الحياة . 
  
أي أن إتباع شريعة الله تعالى معـه الفضائل ، إذ هي ستـر  
دون كلِّ سـوء ، وتركُ شريعته معها كـلّ ما يسـوء البشـرية ، وفيها كـلّ المساوئ . 
  
قال تعالى : ( فدلاهما بغرور ، فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إنّ الشيطان لكما عدوّ مبين ، قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين). 
  
في عام 1938م ، في صحيفة مصرية تبنَّت ثقافة تخريب الفضيلة قبل قرن من الزمان ، مع حلول الإستعمار الماضي ديارنا ، قال أحد أسـلاف هؤلاء المخرّبين ، ( إننا لم نخـط بعد الخطوة الحاسمة ، في سبيل تطبيق روح الحضارية العصرية على عاداتنا ، وأخلاقنا ، وأساليب حياتنا ، إن نساءنا العصريات المتعلمات اللواتي يطالعن الصحف ، ويقرأن القصص ، ويغشين المسارح ، ودور السينما ، ما يزال يحال بينهن وبين الظهور في المجتمعات أمام رجل غريب ، فنحن قد سلمنا بمبدأ تعليم نسائنا ، ولكنا لم نسلم بعـد بقدرة هؤلاء النساء على الإنتظام في حفـل كبير يضم عددا مختاراً من أفراد الجنسين ) ! 
، 
 
وقـد بدءوا بمحاربة الخمار، ثم دعـوْا إلى فتح أبواب الإختلاط على مصاريعهـا ، ثـمَّ لم ينتهوا حتى نشروا الفواحـش في المجتمع ، فأسقطوه في وحلها ، وتلك كانت بغيـتهم الأولـى. 
  
والعجـب أنك ترى هؤلاء المفسدين في الأرض ، كماكانوا في القرن الماضي ، يتخطـّـون كلّ ما في بلادنا من إنتهاكات لحقوق الشعوب ، وعلى رأسها الاحتلال أو الهيمنة على المقدرات ، ومصادرة حق الشعوب في المشاركة في السلطة ، وإدارة ثروة بلادها ، وحفظ حقوق الإنسان الأساسية ، يتخطـّون كلَّ ذلك ، إلى التركيز على إختلاط النساء بالرجال ، ومحاربة الستر ، والعفاف. 
  
فهم يدعون إلى ما يسمونه حقوق المرأة ، بينما هم متواطئون مع أولياءهم الغربيين على إنتهاك حقوق شعوب بأكملها! 
  
فمثلهم في ذلك ،  مثل من يبكي أمام قفص فيه عصفور ، فهـو يزعـم أنه يتحسَّر على حريتـه ، وبينمـا أنت ترى الدموع الكاذبـة من عينيْ هذا الدجَّال تنهمـر ، فإذا رأيت الصورة الكاملة ، وجـدته يقف على جثث هائلة من الأبرياء ضحايا سكينـه بيده ، والتي تقطـر من دمـاء ضحايـاه !! 
  
وذلك كلُّـه ، إنـما  يدل على أن بغيتهم ليس الحرية ، ذلك المطلب الشريف ، الذي لايقـدر إلاّ الأحـرار قـدرَه ، بل بغيتـهم هي طـلب أخسّ الأرزاق ، بدنيء الأخلاق. 
  
وسبحان الله العزيز الحكيم .. إذا تأملت تاريخنا الوضّـاء ، وجدت أن نساءنا فيما مضى من الزمان عندمـا كَّـن في سترهنّ ، وعفافهـنّ ، وحفظهـنّ الفضائل ، كـنَّ أعظم أثرا في المجتمعات ، وأكثـر بركة ، وأعلى ذكـراً في الناس . 
  
من خديجة رضي الله عنها ، صاحبة المقام الأول في الإسلام ، والصحابيات الجليلات ومواقفهن العظيمة في صناعة تاريخ الأمـة ، مرورا بالسيدات الماجدات عبر قرون الإسلام ، من أمثال السيدة نفيسـة ، والسيدة ستيتة المحاملي ، والمحدثة كريمة رواية صحيح البخاري ، و العالمة المحدثة شهدة المشهورة كان قد انتهى إليها إسناد الحديث ببغداد ، ولما توفيت عام 574 هـ ، شهـد جنازتها خـلق كثير ، وعامّة العلمـاء ، وعائشة زوجة الإمام المزي ، إلى وقتنا المعاصر وما فيه من عالمات صالحات ، وداعيات راشدات . 
  
فهذا حصـاد ثقافتنا العظيـمة الداعية لكلَّ فضيـلة ، وهذه نماذجها ، هي النجـوم في علياءهـا ، والكواكب النيـّرة في سماءها . 
  
وأما نماذج الغزو الغربي الإستعماري ، فما ترونه على قنوات العُهْـر من التفسـخ ، والتهتـُّك ، واللخانـة ، فشتـَّان بين الثريـّا ، والثــرى . 
  
تلك كانت صنائعنا عندما كانت شريعتنا نبراسنا ، وكان ولاة أمرنـا ، هم ولاة أمـرنا الذي هو ديننـا ، لاغيـره . 
  
أما وقد ضيَّعوا الشريعة ، وأُسْلـمت الأمـّة لكل ساع عليها بالخبال ، فكيف لاتكون كرامة المـرأة أول ضحاياهم؟! 
  
وإذا كان الإمام الذهبي يقول عن زمانه :  
  
(قلت الإمام إذا كان له عقل جيد ، ودين متين  ، صلح به أمر الممالك،   فإن ضعف عقله ، وحسنت ديانته ، حمله الدين على مشاورة أهل الحزم ، فتسددت أموره ، ومشت به الأحوال،  
  
 وإن قل دينه ،  ونبل رأيه ،  تعبت به البلاد ، والعباد ، وقد يحمله نبل رأيه على إصلاح ملكه ، ورعيته للدنيا ، لا للتقوى ،  فإن نقص رأيه ،  وقل دينه  ، وعقله ، كثر الفساد ، وضاعت الرعية ، وتعبوا به ، إلاّ أن يكون فيه شجاعة ، وله سطوة،  وهيبة في النفوس ،  فينجبر الحال . 
  
فإن كان جبانا ، قليل الدين ، عديم الرأي ، كثير العسف ، فقد تعرض لبلاء عاجل،  وذهبت عنه الدنيا ،  وأحاطت به خطاياه ، وندم والله حيث لا يغني الندم ،  
  
 ونحن آيسون اليوم من وجود إمام راشد من سائر الوجوه ، فإن يسر الله للأمـّة إمام فيه كثرة محاسن ، وفيه مساوىء قليلة  ، فمن لنا به  ؟!  
  
اللهم فأصلح الراعي والرعية ، وارحم عبادك، ووفقهم ، وأيد سلطانهم ، وأعنه بتوفيقك) . سير أعلام النبلاء 20/418 
  
فليت شعـري ، ماذا نقول نحن عن هذا الزمـان !  الذي عـمَّ فيه نفاق العلماء ، وتسلَّط فيه الأعـداء ، فتطاولوا على الشريعة ، وانتهكوا الحرمات ، وعاثوا في أرضنا بالفسـاد ، فأهلكوا العباد ، والبلاد . 
  
غيـر أننا بحمد لله واثقون بأنَّ ما اعترف به حتى أعداؤنا ، كما قالوا في أوائل القرن الماضي مع بدء استعمار بلادنا ، في كتاب ( إلى أين يتجه الإسلام ): ( إن الحركات الإسلامية تتطور عادة بسرعة مذهلة ، تدعو إلى الدهشـة ، فهي تنفجر إنفجارا مفاجئا ، قبل أن يتبين المراقبون من أماراتها ما يدعوهم إلى الإسترابة في أمرها )  
"إلى أين يتجه الإسلام"  تأليف مجموعة مستشرقين بإشراف مستشار وزارة الخارجية الإنجليزية هـ .أ.ر. جـب  365 
  
أنه هو الحـق الذي لاريـب فيه ، ولهذا يأتيهم الله في كلِّ مرة من حيث لم يحتسـبوا ، ويردُّهم على أعقابهـم خاسئين ، وتعـود الفضيلة بححاب الكرامة ، فتكـرُّ على رذائلهم بعريِّها ، فترديها صريعة . 
  
ويهـزم الله أعـداء الفضيــلة 
ونقول الحمد لله رب العالمــين ،،  الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 14/06/2008 عدد القراء: 11262
  أضف تعليقك على الموضوع 
 |