السقرطة في المرجعيات

 

الحمدلله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد : فعلى غرار عبارات شيخ الإسلام -رحمه الله - الجامعة في بيان مناهج المخالفين ( القرمطة في السمعيات والسفسطة في العقليات ) بدا لي أن أخترع مصطلح ( السقرطة في المرجعيات ) اقتداء بالشيخ - رحمه الله - ..

فالسقرطة نسبة إلى سقراط الفيلسوف المعروف وهو رمز للفلسفات الأجنبية .. والمرجعيات هي المصادر التي يُرجع إليها في تقرير المفاهيم الكبرى وتحديد القيم الكلية التي تهيمن على مالا يُحصى من الجزئيات في مختلف مجالات المعرفة وميادين الفكر ..

والذي أوحي لي بهذه الفكرة ما رأيته وسمعته وقرأته من منتجات الفكر العلماني المهترئ البغيض ..فقد بات مألوفا لي أن أري صعلوكا علمانيا يتسلق جدران الشهرة من خلال مقتطفات كفرية لسقراط وأفلاطون ومن على شاكلتهم من المتقدمين والمتأخرين ..

ويملأني العجب وأنا أرى أغرار العلمانية والليبرالية يستشهدون في تقرير ضلالاتهم بكل شئ أجنبي عن الإسلام من مقالات لفلاسفة ونتائج لدراسات أجنبية وأمثلة صينية وتجارب أمريكية ومواد دستورية وحوادث تاريخية وكل شيء مما له قيمة أو لا قيمة له أو يناقض القيمة ذاتها .. حتى أن أحد قساوسة الليبرالية الكويتية يستشهد في ندوة عامة متلفزة بمقالات لشكسبير أكثر من مرة - وكأنه حديث عهد برواياته - .. وهكذا كل من له قدم راسخة في الكفر وسابقة مأثورة في الضلال يعد مرجعا ويتخذ إماما وتتلى هرطقاته على مسامع المسلمين أهل القرآن وأتباع السنة المحمدية ! ..

والواقع أن المشكلة الحقيقية في الطرح العلماني والخطاب الليبرالي ترتكز في الأساس على سقرطة المرجعيات .. ومن جراء هذه الضلالة الكبرى تتوالد الضلالات الصغيرة وتتكاثر وتكبر وتنمو لتعود كفريات خالصة ومناقضات سافرة لأصول الدين الإسلامي ...

ولهذه السقرطة وجوه متنوعة لا تكاد تحصى .. فمن أمثلتها العكوف على أضرحة الموتى - من أمثال نجيب محفوظ وطه حسين - لتلقي مبادئ الضلال في متون الانقلاب على على الثوابت والطعن بالمقدسات .. ومن أمثلتها الحج المبارك لمشاهد الأولياء في واشنطن وباريس وفرانكفورت لتلقي أصول التشكيك بالسنن في أقسام الاستشراق من كليات الجامعات العريقة ..

ومن أمثلتها إنشاد الابتهالات. الغربية في محاربة الإرهاب والتطرف بشكل جماعي منتظم في كل مناسبة سياسية ..وخصوصا في مناسبات الذبح والسفك عندما تتدفق شلالات الدم من عروق المسلمين هنا أو هناك .. ومن أمثلتها مغازلة الأنظمة العميلة بقراءة مقتطفات من كلمات القيادات السياسية الموغلة في التبعية للغرب الكافر ..

ومن أمثلتها الرجوع للدساتير والقوانين والكتب الشارحة لها فإن لم تف النصوص بالمطلوب لجؤوا إلي روح الدستور المعادل غير الشرعي لمقاصد الشريعة .. ومن أمثلتها تقديس الاستبيانات الأجنبية والإيمان الغيبي المطلق بمصداقيتها وسمو مراميها ورقي أهدافها وعظم آثارها على أهل الإسلام ..

ومن أمثلتها التغني بموشحات الثقافة الأمريكية في كل احتفال يقام في أعياد التغريب المتنوعة ...

والأمثلة كثيرة وإنما الجامع لكل هذه التجليات لسقرطة الفكر التنويري أنها تقدس كل شيء إلا الإسلام وترجع لكل مصدر إلا القرآن وتهتم بكل مقالة إلا لعلماء الإسلام وتحتفي بكل متقدم إلا في العلوم الشرعية وتقرر كل شيء إلا الحق وتهدم كل شيء إلا الباطل ..

وهم مختلفون في كل الجزئيات عدا معاداة التدين ومحاربة أهله .. والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله


الكاتب: حسين الخالدي
التاريخ: 27/11/2010