خاطرة مهاجر ...!! ( 16 ) كـلـنـا نـبـكـيـك أبـا مـصـعـب ..!!.

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :


كلنا نبكيك أبا مصعب ..!!


رحل البطل إلى الجنان إلى الخلود *** يمضي وحيدا راجيا ربا غفور


آه أبا مصعب ... حتى قلبي يتلكأ عن الكتابة من شدة حزنه ...
لأول مرة في حياتي أتلعثم ولا أدري ما أقول في موقف يهز الأركان ...
أبو مصعب لقد كنت معي دائما وأبدا ... في حلي وفي ترحالي ... في حزني وفي فرحي ..


خيالك في عيني وذكرك في فمي *** ومثواك في قلبي فأين تغيب ؟


في كل التفاتة أتذكر بسمتك وأنت تقول " والله لتهزمن أمريكا في العراق بإذن الله تعالى ، ولتخرجن من أرض الرافدين مهزومة ذليلة حسيرة حقيرة بعون الله تعالى "


وفي كل شردة ذهنية أسمع صوتك وأنت تنادي " إلحق بالقافلة " ... آه شيخي .. كم توقفت في تسجيل هذا الشريط من كثرة بكائك ..!! وكم تعز علينا هذه الدمعات ..!!


شيخي وأميري أبو مصعب ... في كل طريق أسير فيه أراك أمامي تشحذ همتي ، وتضاعف قوتي ، وتفجر في مكامن الرجولة ، وتحرضني على نصرة الدين ... إن صوتك وأنت تقول " أمتي الغالية؛
حديثي اليوم إليك ذو شجون، أو ما تسمعين فحيح الأفاعي تخط طريقها في ظلام غفلتك لتغتال فجرك!
دعيني - أمتي الحبيبة - أبث حديثاً معدنه ترابي ولكن جرت في لفظه لغة السماء.
دعيني أحدثك بأمرنا ونحن في منعرج اللوا؛ لتستبيني الرشد وتستجمعي القوى؛ مخافة أن نندم ولات ساعة مندم " يتردد في أذني دائما ... لطالما سالت أدمعي وأنا أسمعك تصيح بهذا الكلام " كلما تذكرت أخواتنا الحرائر في سجون الصليبيين ، وكلما تراءت أمامي صورة تلك الحرة الثكلى وهي تكره على تجرع كأس ملئ بمني عباد الصليب تميد بي الأرض وأعاهد الله على الانتقام من كل يد ساهمت في صنع فصول هذه المؤامرة


أبكي على تلك الكواعب ويلها *** سيقت إلى أحضان نذل مجرم

بالأمس كـنّ حرائراً لا يرتـقـى *** أبـداً لـهـنّ بَـعُـدن بُـعـد الأنجم
واليوم ذقن الأسر ذقـن هوانه *** فـبـكـيـن دمـعـاً قـانـيـاً كالعندم
"



أواه .. إن تنفع المحزون أواه ... لا أدري ما الذي جعلني أهجر النوم في ذلك اليوم مع شدة حاجتي إليه ، وجلست أتابع الأخبار ... صدمت بخبر عاجل على الجزيرة نزل علي كالصاعقة وإذ بصوت من داخلي يصيح " هذا هو اليوم الذي تخشى مواجهته وتفر منه " ..!! في البدابة قلت الخبر كاذب وهم يريدون أن يخفوا خسائرهم في أفغانستان والعراق بهذا الخبر ... وكنت بين التكذيب والتصديق .. حتى رأيت المالكي الخبيث على الشاشة والكل يصفق ... كانت صاعقة فأصبحت صاعقة وزلزال وعاصفة ... ما تمالكت نفسي وإذ بدموعي وجبيني في سباق أيهما يصل إلى الأرض أولا ... اختلطت الأحرف والكلمات ، بالدموع والعبرات .. حاولت أن أتمالك نفسي ما استطعت فالخطب جلل ، والجرح عميق ، ورب جرح وقع في مقتل ...!!


أبو مصعب ...


علو في الحياة وفي الممات *** لحق أنت إحدى المعجزات
لم أر قبل جذعك قط جذعا *** تمكن من عناق المكرمات
غليل باطن لك في فؤادي *** يخفف بالدموع الجاريات
ولو أني قدرت على قيام *** بفرضك و الحقوق الواجبات
ملأت الأرض من نظم القوافي *** وبحت بها خلاف النائحات
عليك تحية الرحمن تترى *** برحمات غواد رائحات


رحلت .. واليتامى لم تجف دموعهم .. رحلت .. وأسرانا ما زالوا في الأسر ...
رحلت .. ونساؤنا في كل يوم تهتك أعراضهن .. رحلت أبو مصعب .. رحلت ونساؤنا كلهن أملٌ أن تأخذ بثأرهن ... آه يا سيفنا ... آه يا عزتنا ... آه لو تدري كم نفخر بك ، لقد كنت السند الذي نتكئ عليه بعد الله جل وعلا ...




سقطت ممددا بعد عناء طويل ، وغربة شديدة ، ووجهك يشع نورا .. وإذا بي أسمع صوتك العذب وأنت تقول :


فيا ربي إن حانت وفاتي فلا تكن *** على شرجع يُعلى بخضر المطارف
ولكن قبري بطن نسر مقيله *** بجو السماء في نسور عواكف
وأمسي شهيداً ثاوياً في عصابة *** يصابون في فج من الأرض خائف
فوارس من بغداد ألف بينهم *** تُقى الله نزالون عند التزاحف
إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى *** وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف


ألم أقل لك إنك معي في جميع لحظاتي ...


نم قرير العين .. بعد عناء وغربة ، وقتل وقتال ... يالله ما أجمل حياتك قبل وبعد الاستشهاد ... نعم أحبتي هو صار إلى حياة غير حياتنا ..!!


أبو مصعب حق لك أن تقول :


أنا الذي نظر العمى إلى أدبي **** و أسمعـت كلماتي من به صمــم

أنام ملء جفوني عن شواردها **** ويسهر الخلق جراها و يختصم

الخيل والليل والبيــداء تعرفنــــي **** والسيف والرمح والقرطاس و القلم

صحبـت في الفلوات الوحش منفردا ****حتى تعجـــب مني القور و الأكــم


وحق لي أن أقول :


يــــا من يعز عليـــنا أن نفارقهـــم **** وجداننـا كل شيء بعدكم عــدم

شــر البلاد مكان لا صــديق بــه **** و شر ما يكسب الإنسان ما يصم



أبو مصعب .. قتلت ولكنك تعيش بيننا ..


ذكراك حاضرة تهز كياني *** وتثير في مكامن الأشجاني
أتجرع الغصص المريرة كلما *** مرّت علي خواطر السلواني


أبو مصعب ..


ستبكيك العيون وأنت نائم *** بأرض الخلد أهديك السلام
ستبكيك البطولة وهي ثكلى *** وأنت الليث إذا جد احتدام


تغطّت أيامنا بالسواد بعد فقدك يا شيخنا ... الكل حزين ويبكي فراقك ... السماء والأرض ، الطيور والأطفال ، النساء والرجال ، الشباب والشيب ، حتى جدتي التي فرحت بظهورك في السابق ... الكل يندب فراقكم يا شيخنا ..


أما الطواغيت فنقول لهم ولأعوانهم في مشارق الأرض ومغاربها ، على قمم الجبال ، بين الأودية والسهول ، وفي الصحاري الشاسعة ، والأمواج المتلاطمة ، والسجون المظلمة ، في البر والبحر والجو ، نقول : " والله الذي لا يخلف الميعاد ، إن مدد الجهاد متواصل ، ومسيرته لا يردها راد ، ونعاهد الله على السير قدما في درب العزة ، ولن يثنينا عنه بإذن الله إرجاف المرجفين ، وتخاذل المتقاعسين" أو حتى قتل الأولياء والصالحين ..


فإننا مستمرون، وإننا متناسلون ، وإننا باقون مادام أن هناك أرض وسماء ، وأمريكانأغبياء ... وكلما رأينا نحور الكافرينالمحاربين ، ازددنا شوقا للقاء رب العالمين ، وقطف رقاب المجرمين ، وكما قال ربالعزة المتين " لأخذنا منه باليمين ، ثم لقطعنا منه الوتين "


والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
والحمدلله رب العالمين


" كلنا نبكيك أبا مصعب ..!! "


أي خطب أقض مضجعي *** أي خطب سار في الأكوان
أي خطب أسال مدمعي *** أي جرح غاص في أركاني
قتلوا الفارس حامي الحمى *** قتلوا الشجاع القائد الرباني
قتلوا أبا مصعب سحقا لهم *** من للنساء في قبضة السجاني
من لليتامى يداوي جروحهم *** ويعطف عليهم بقلب حاني
من لأسرانا والخطوب عظيمة *** من لأعراضنا عند اقتحام الجاني
تبكيك الثكالى واليتامى كلهم *** يبكيك أطفال العراق والنسواني
تبكيك ربات الحجال في أخدارها *** يبكين فقد سيف ذاد عن أوطاني
تبكيك بعقوبة وديالى وأرضنا *** تفديك أرواحنا وما نحوي من الأثماني
تبكيك بغداد والأنبار تندب حظها *** يبكيك دجلة والفرات بدمع قاني
تبكيك القدس يا ويح قلبها *** من يعيد عزها في هذه الأزماني
تبكيك زرقاء صغيرها وكبيرها *** تبكيك المنابر تشكو من الصلباني
تبكيك أم المساجد(1) يبكيك ترابها *** يبكيك حي نزال والعسكري والجولاني(2)
يبكيك بيت الشهداء وجدرانه *** يبكيك أبو حنظلة وسائر الإخواني
تبكيك ساحات المعارك كلها *** يبكيك أبو الليث وأبو ناصر القحطاني
تبكيك كوبا يبكيك آسادها *** يبكيك ابن شامان مع الشجعاني
يبكيك أسامة بحزن وحق له *** يبكيك أبطالنا وسائر الفرساني
حسبنا يا شيخنا أنك في جنة *** ويأتيك من أجمل حورها الأعياني
يا ربنا ارحم حاله والطف به *** واسكنه في فردوسها يا رحماني
بلغ سلامنا يا أميرنا لأحبة *** سكنوا قلوبنا هم أفضل الخلاني
بلغ سلامنا لشيخنا أبي أنس *** ولأبي البراء هو الشجاع الثاني
ولأبي الخطاب والعوفي صالح *** وجميع من سبقونا من الشباني
أبكيك مرة أخرى وأكفكف أدمعي *** وأقول أبشر من الله بالرضواني
ويا أعداؤه من كل صوب أبشروا *** بالعبوات والشلكات والنيراني
أيها اليهود والنصارى مع مجوسكم *** لا تفرحوا فموتكم جزما داني
والله والله لن نغض طرفنا *** سنسحقكم ونفنيكم إلى النيراني
أتتكم كتيبة الموت تنفض غبارها *** فأعدوا لها ما استطعتم من الأكفاني
والله حتما غالب على أمره *** وقليل من الناس ذو عرفاني


(1) أم المساجد : الفلوجة
(2) أحياء في الفلوجة


" عذرا يا أهل الشعر لتطفلي ... ولكنها مشاعر وأحاسيس كان لابد أن تكتب ... وعذرا مرة أخرى "



زفرة مهاجر غريب يبكي
يــوســف الــبــتــار
44 : 2 صباحا
الأربعاء 18 / 5 / 1427 هـ
14 / 6 / 2006 م
بعد صراع مع النفس ، وخطاب مع الروح ، جمعت قواي من شتات ، واستعدت عقلي من ضياع ، وكتبت كلنا نبكيك أبا مصعب ..!!

الكاتب: .يوسف البتار
التاريخ: 01/01/2007