والد الشهيد همام البلوي يتحدث عن حياة قاهر cia (أبو دجانة الخراساني)تقبله الله

 

أصبح لزاما علي أن أكتب
بعد أن مضى على تفجير القاعدة الأمريكية في خوست بأفغانستان فترة زمنية ليست باليسيرة، إذ هدأت الأعاصير الإعلامية التي اجتاحت القارات المسكونة جميعها، وبعد أن ملأت فجاج الأرض صخبا، متناولةً خبر الحدث مرة بالتحليل العقلاني المجرد، وتارة بالأهواء البشرية الجامحة، فمنهم مَنْ يقترب إلى الحقيقة، وتشعر أنه ينشدها ، ومنهم مَنْ يُجانبه الصواب، ويأخذه الشطط بعيداً بعيداً عن الحق والحقيقة.
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذلك
ومع إيماني بأن أودية قد سالت بقدرها من حيث اختلاف الأفهام حينا، وشح المعلومات أحيانا. غير أني على يقين، أن كلاً من الأعلام المقروء والمرئي قد أصاب شيئا من الحقيقة، وأخطأ أشياء. فمثلا...هناك من زعم أن منفذ الهجوم ضابطا أفغانياً، وتطوع آخر زاعماً أنّ منفذ الهجوم ليس من الجنسية الأردنية، وصرح ناطق حكومي أن البلوي قد قدّم للأردن معلومات مهمة وخطيرة، وكتب كاتب أن عمر منفذ الهجوم ستة وثلاثون عاماً، وادْعى كاتب مقال أن منفذ الهجوم قد اعتقلته المخابرات الأردنية عشرين يوماً، وزعم آخر أن المخابرات الأردنية بعد أن عاد من الخارج اعتقلته عدة مرات، وأشاع منْ لا يخشى الله أن الطبيب الأردني همام البلوي قد مات في أفغانستان منذ فترة وهو يعالج المرضى ويؤدي دوره الإنساني. وأذيع أن أسرة منفذ الهجوم من بئر السبع، وفريق نفى أن تكون قبيلة بلي التي ينتمي إليها البلوي من قبائل بئر السبع. وتدفقت الأخبار تترى عن حياة منفذ الهجوم وأسرته، فمرة رحلوا من منزلهم في عمان إلى الزرقاء مسقط رأسهم، ومرة ارتحلوا إلى مضارب بني ملال، وهناك من زعم أنهم رحلوا إلى إربد، وطفقوا يخوضون في مقولاتهم وتصوراتهم بدون قيد أو شرط، والله سبحانه يقول " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"
أما أنا والد الطبيب الأردني همام أبوملال البلوي فقد استعصمت بالصبر، ولذْت بالصمت، وحرصت على أن لا أتكلم حتى تنقشع الغمة، وينبلج الصبح لذي عينين، فشمس الحقيقة ستشرق ولن يحجبها سحاب الشائعات أو ضباب التصريحات، وإني كذلك على يقين أن أصحاب البصائر والعقول الراجحة سيقصدونني عند أول تفكير علمي لدراسة الشخصية الهمامية التي فرضت نفسها على القاصي والداني، وقد كان ما توقعت، فتوفيراً للجهد والوقت، قررت كتابة هذه السطور، لعل من يريد الدراسة المنصفة يجد فيها ضالته بعيدا عن الأقاويل المغلوطة، والحسابات الضيقة.
والله أسأل أن يبصرنا في ديننا ويهدينا سبيل الرشاد
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين

أبو دجانه الخرساني
كنية الطبيب الأردني / همام بن خليل بن محمد أبوملال البلوي
(25/12/1973م – 30/12/2009م)
نسبه ومولده ونشأته
نسبه: ينتمي همام أبوملال البلوي إلى قبيلة بليّ الحجازية، وهي أحدى قبائل قضاعة الأربعة: بلي وجهينه وكلب وحرب. وقبيلة بلي من القبائل المعروفة قبل الإسلام وبعد الإسلام. أمّا موطنها الأصلي ففي شمالي غرب الجزيرة العربية حيث تتركز اليوم في تبوك والوجه والعلا. وتذكر مصادر السيرة النبوية لابن هشام وغيره أنه قد شارك من هذه القبيلة في صف الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة بدر الكبرى خمسة عشر رجلا، وقد وردت أسماؤهم مع مواليهم من الأوس والخزرج. وكذلك كان لأبنائها في غزوة أحد من الشهداء في سبيل الله ما يوازي عُشْر شهداء أحد رضوان الله عليهم أجمعين. ومن هؤلاء المجذّر بن ذيّاد البلوي حليف الأنصار، وقد شارك في بدر كما شارك في أحد، وله أبيات يصف فيها ما جرى بينه وبين أبي البختري في غزوة بدر، وقد كان من مشركي قريش، ومن هذه الأبيات قوله:
إمّا جَهلْتَ أو نسيتَ نسبـــي فأثبت النسْبةَ أني من بَلـــــــيّ
الطاعنيــنَ برماح ِ اليَزَنــي والضاربين الكبشَ حتى ينْحني
بَشِـرْ بيتم من أبيه البختـري أو بشِرنْ بمثلـها منيّ بَنـــــي
أنا الذي يُقالُ أصلي من بلي أطعن بالصعدةِ حتى تنثنــــي
وفي غزوة تبوك كانوا ممن عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي السنة العاشرة – عام الوفود- جاء وفد من قبيلة بلي إلى رسول الله وأعلنوا إسلامهم.
وهذه القبيلة لها امتدادها منذ القدم في كل من الأردن وفلسطين ومصر، وما أن نذكر هذه القبيلة حتى نذكر القائد الإسلامي زهير بن قيس البلوي من قادة الفتح لشمالي إفريقيا، وتذكر الأخبار أن رجال هذه القبيلة الممتدة هم الذين هدموا بنيان مملكة النوبة وادخلوها تحت راية الإسلام. وما زال امتدادهم السكاني متصلا رغم الحواجز والعقبات المعاصرة. وقد قربت وسائل الاتصال الحديثة بينهم، وجددت عرى تواصلهم، فقويت اللحمة بينهم- سواء في المملكة العربية السعودية أو المملكة الأردنية الهاشمية أو جمهورية مصر العربية أو فلسطين.
هذه لمحة مختصرة عن القبيلة التي ينتسب إليها د. همام أبوملال البلوي، ولعل الخلط الذي جاء حول نسبه وأصله سببه جهل الكاتبين بما ذكرنا والله أعلم.

مولده
أمّا مولده فقد كان في الكويت- مستوصف الرميثية الصحي في صبيحة يوم 25/12/1977 وقد وافق مولد المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، من أبوين هما: خليل بن محمد بن عوده (أبوملال البلوي)، وأمه شنارة بنت عواد بن عايد بن فاضل البلوي، وهكذا يكون همام بلوي الأبوين.
ووالده فلسطيني المولد وكذلك أمه، وأردني النشأة والجنسية، هذا وقد عمل والده مدرسا في مدارس الغوث في الأردن، ثم سافر إلى الكويت ليعمل فيها مدرسا لمادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية سنة 1968م، وترقى في سلك التربية إلى مدرس أول للتربية الإسلامية، ثم أصبح موجها فنيا لها حتى عام 1990م. وقد شارك في تأليف مناهج التربية الإسلامية، وأصدر كتابا عنوانه " علماء الكويت" وذلك بمناسبة اليوبيل الفضي لاستقلال الكويت. وقد أعاد طبعه الديوان الأميري بعد أحداث 1990- 1991م. وقد حصل على ثلاث شهادات جامعية وهو على رأس عمله وهي: ليسانس أدب عربي من جامعة دمشق سنة 1967م، ودبلوم دراسات عليا من جامعة القديس يوسف (الجامعة اليسوعية) لبنان عام 1975م، وشهادة الدبلوم العالي في التربية من جامعة الكويت عام 1980م. أما والدته فقد نالت حظا وافرا من الدراسة، إذ تحمل دبلوم الدراسات الإسلامية وشهادة في حفظ القرآن الكريم.
ومن هنا نتبين أن البيت الذي ولد فيه همام وترعرع في جنباته هو بيت علم وتربية وثقافة ودين، وقد حرص الوالدين على تنشئة أبنائهم تنشئة صالحة ،أخلاقا وعلما وثقافة، وظهر أثر هذا التوجيه في مسيرتهم العلمية سواء في المدارس أو الجامعات أو الحياة العامة.
فهمام هو الابن السابع بين إخوته العشرة. وجميعهم يحملون شهادات علمية تؤهلهم ليساهموا في بناء مجتمعهم بنيانا شامخا، ورفده بطاقات علمية هو في أشد الحاجة إليها.
فمنهم الصيادلة والممرضون، ومنهم المهندسون، ومنهم حامل أعلى الشهادات في العلم الشرعي، وكلها تخصصات لها وزنها في البناء المجتمعي، سواء كان هذا البناء روحيا أو صحيا أو اجتماعيا أو عمرانيا، ومن بين هؤلاء وهؤلاء كان همام هو الطبيب الوحيد في أسرته.

الدهشة عند الميلاد
هذا وقد رافقت مولده دهشة والديه. حيث كانت الأم تحمل توأمين، ولم يخبرها أحد من الأطباء بذلك طوال فترة المراجعة الصحية. فلمّا جاءها المخاض ولدت هماما، فقيل لها اصبري هناك طفلا آخر فكانت المفاجأة وكانت الدهشة، فهي لم تتهيأ لهذا نفسيا أو معنويا أو حتى تجهيزا ماديا. فقسمت ما أعدت من الملابس بين الأخوين.
وجاء دور الأسماء، وكان الوالدان قد اتفقا منذ زواجهما على أن يسمي الأب الذكور وتسمي الأم الإناث، فقال الزوج لزوجته إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير الأسماء ما عبّد؛ عبد الله، عبد الرحمن. وأصدق الأسماء همام والحارث" وأنا أسميه هماما، والخير في ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نشأتــــه
بذلت الأم جهدها للعناية بأطفالها وأسرتها بصورة منقطعة النظير، إخلاصا وتضحية وإيثارا. وقد أنصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أحق الناس بحسن صحبتي؟ فقال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك. واستحقت أن يعرف الأبناء أن الجنة تحت أقدام الأمهات.
ولما تجاوز همام مرحلة الطفولة المبكرة بصورة تدعوا إلى الارتياح. وقبل أن يبلغ تمام السادسة من عمره بمائة يوم أدخل في المدرسة أبي سعيد الخدري الابتدائية في منطقة السالمية بالكويت.
تميز همام بالنجابة والجد والاجتهاد، ومعرفة قيمة الوقت، فإذا ما انتهى الدوام المدرسي وتأخر عنه والده قليلا، فتح كتابه وأدّى واجباته المنزلية أمام المدرسة تحت مظلة الانتظار ليستفيد من وقته، وكان والده يكبْره، ويشكره ويثني عليه، لأنه كمعلم ومربي يعرف ما لهذا الإسناد والإمداد من أثر في تفتّح مواهب الموهوبين ونماء قدراتهم. وتواصلت العناية والرعاية بهمام كغيره من إخوانه على صعد ثلاث: المنزل هو الحاضنة الأولى، والمدرسة هي الحاضنة الثانية، والمسجد هو الحاضنة الثالثة. وقد شكلت هذه الصعد الثلاث شخصيته وشخصيات إخوانه مع مراعاة الفروق الفردية.
وإذا كان علماء النفس في حديثهم عن معالم الشخصية يقولون: " إنها مجموعة الصفات الجسمية والعقلية والخلقية التي يتصف بها الإنسان، سواء أكانت حسنة أم قبيحة، وهو بهذه الصفات كثيرا ما يتميز بها عن غيره. وهذه الشخصية توهب بالفطرة، وتكتسب بالتربية، ولكن الفطرية أقوى من المكتسبة. على أن الشخصية لو كانت هبة طبيعية فحسب لكنّا ضحايا الظروف، ولفقدت التربية أثرها في بناء العظماء في شتى ميادين الحياة".
ويقرءون أن للشخصية عناصر أساسية تقوم عليها، فمنها الجاذبية والذكاء والمشاركة الوجدانية، والشجاعة والحكمة والتفاؤل والتواضع وقوة البيان، والثقة بالنفس، والاعتماد عليها، واعتدال المزاج، والمظهر العام للجسم وحسن الهندام، وسيتضح من دراسة شخصية همام أنه كان يتصف بأغلب ما تتطلبه الشخصية المتكاملة من مزايا خلقية وعقلية.

صفاته الجسدية والعقلية والخلقية
لقد كان ربعة الجسم يميل إلى الطول، أبيض البشرة، مُشْرَبٌ بالحمرة، معتدل القوام لا هو بالسمين ولا هو بالنحيف، عُرف بالذكاء والنجابة مبكرا، وشهدت سيرته المدرسية والجامعية على ذلك.
ومن صفاته الخلقية أنه كان أليفا ودودا، حسن المعاشرة، متواضعا، لين الجانب، يهبُّ لنجدة الضعيف المحتاج، يكره الظلم، ولا يضن بماله ومروءته على منْ حوله، كان يصل رحمه، يوقر والديه، يعين أسرته؛ إخوانه وأخواته على نوائب الدهر. وكان شديد الاعتداد بنفسه، جريئا, شجاعا، إلا أنه ليس عدوانيا ولا متهورا. لقن حجته، وسما بيانه، وتتدفق عاطفته الإيمانية جياشة إذا ما تلا كتاب الله، أو تصفح سيرة رسول الله أو حياة صحابة رسول الله، ويقول عنهم دوما: إن أصحاب رسول الله مصابيح الدجى بأيهم اقتديتم اهتديتم.
كان يقول لوالده وهو في مراحل عمره الأولى، يا أبي إن الصعود عندي سهل ، والنزول صعب، فيسأله والده كيف؟ فيقول: انظر في سني دراستي لا أكون في نهاية العام إلاّ أفضل مني في أوله. وقد صدق وظل هذا ديدنه حتى أنهى الثانوية العامة.
غير أنك تلمح فيه حدة يغالبها، ولا يستعصي عليه أن يكبح جماحها، إلاّ أنها حدة تنم على سرعة التأثر فيه،يميل إلى الحزن والأسى، ويعطف على المحزونين، وكان إذا قام الليل غزير الدمعة، و قيذ الجوانح، شجي النشيج. كانت أمه تلاحظ عليه مسحة الحزن، وتبوح إلى والده بذلك، فيطمئنها، مذكرا لها بصفاته الراشدة، فلا طيش شباب، ولا انحرافات المنحرفين، بل استقامة في الضمير، واستنارة في العقل. وكان له الحظ الوافر من الملكة الروحية إلى جانب ما عنده من الملكة الذهنية، وتلك الملكة الخلقية. ونقصد بالملكة الروحية ما نسميه اليوم بيقظة الضمير أو حاسة التقوى، ومناط الضمير أن يرعى الإنسان حق غيره، وأن يحسن ولا يسيء، وهي خصلة كانت ملحوظة في همام، فامتنع عن التعامل مع البنوك الربوية خشية الحرام، فإنه لا يطيق أن يستقر في جوفه أو جوف أطفاله شيء من الحرام.
هذه صفاته وملامح عرف بها همام، فهو من أصحاب المزاج العصبي، وقد تميز أصحاب هذا المزاج بحدة الذكاء، وسرعة التأثر، والطموح إلى المثل العليا، والحماسة لما يعتقدونه، والتعلق بما يؤمنون به ويصدقونه، يسترخصون في سبيل المبدأ الغالي والرخيص، يقرأ قول الله تعالى: "انفروا خفافاً وثقالا...." فيقول لم يبق لنا عذر في القعود.

بيئتــــــه
قيل: إن المرء غبن بيئته مكانا وزمانا، أما بيئته الأسرية فقد سبق أن ذكرنا أنه نشأ في أسرة متوسطة لا هي بالغنية، ول هي بالفقيرة، بل هي الحسنة بين السيئتين، أي لا غنى مطغي، ولا فقر مدقع، تتميز بالثقافة والتدين المعتدل، والحرص على أبنائها تربية وتعليما وتوجيها.
أما البيئة الجغرافية فقد تمثلت في الكويت، بلد الأمن والأمان، و الراحة والاستقرار، هادئة هدوء بحرها، سمحة سماحة بيدائها، فالناس فيها يشعرون بطيب المعاملة من أهلها والقائمين عليها، الحقوق محفوظة، ومصانة بسياج العدل، فالكل مؤمن صحيا وعلميا، ولا نبالغ إذا قلنا إن الكويت لها قصب السبق بين أقطار العروبة من حيث الحريات والعدالة والنظام، لقد كان لهذا الجو أثره في نفس كل من احتضنته الكويت وكان منصفا.
مناهجها التعليمية اختيرت من قبل أهل الاختصاص والخبرة بعناية فائقة تحقق الأهداف المرسومة من حيث الانتماء إلى العروبة والإسلام، والاعتزاز بالقيم السمحة، أو الحفاظ على أمن الأمة، ودفع المعتدين عنها، وعن غيرها من أقطار العروبة والإسلام.
شكلت هذه البيئة المكانية والزمانية من حياة همام اثني عشر عاما حتى عام 1990م، ثم انتقل مع أسرته إلى الأردن انتقالا جبريا وذلك بعد غزو العراق للكويت، وأكمل دراسته الإعدادية والثانوية في مدارسها. وقد شاهد مع غيره الأحداث الجسام من غزو العراق للكويت، وكيف حولها الغزو من واحة خضراء إلى صحراء قاحلة. فكأنما أسراب جراد قد غزت رياضها الفيحاء فتركتها أرضا مواتا لا حياة فيها.
ومن وراء هذا الحدث يتدخل الأعداء في الأمة فأضعفوها، وبثوا بين بنيها الفرقة والعداوة والبغضاء، وغدا حال الأمة لا يسر صديقا. وماجت الشعوب وهاجت، ولكن كما قال الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي.
والناشئة يرقبون الأحداث، ويختزلون في نفوسهم ما يشاهدون من ذل وهوان، ويستدركون ماضي الأمة الزاهر، وعزها الباهر، ويقارنون ويتساءلون، كيف نهضت الأمة وتشكلت بعد أن كانت في جاهليتها قبائل متفرقة متناحرة يضرب بعضها رقاب بعض، يتلاعب بها الأعداء من فرس وروم، إلى أن أصبحت خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف، وتنهي عن المنكر وتؤمن بالله؟ ما هذه الروح التي وحدت الأمة، وعملت على تماسكها حتى غدت كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضا، ثم اندفعت تحمل مشاعل الهداية ومصابيح الفضيلة، والقيم النبيلة، تعمّر ولا تخرّب، تبني ولا تهدم. فلا يجدون جوابا غير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنتي.
إن جيل الناشئة يقرؤون الواقع، فلا يرون كتاب الله محكّما، ولا سنة نبيه متبعة، بل انتكسوا على أعقابهم إلى ما كانوا عليه في الجاهلية، قبائل عربية كبيرة ومتناحرة، تسمى دولا، كالقط يحكي انتفاخا صولة الأسد. يلعب بها الأعداء، ينشرون بينهم الفتن، ويزرعون العداوة والبغضاء بين مكوناتها بدلا من الحب والتعاون، وذلك لكي لا تقوم للأمة قائمة، فينهبوا خيراتها، ويتركوها ترزح في دياجير التخلف والفقر، والمرض والجهل والفساد.
إن هماما كان ملازما لكتاب الله، شغوفا بالعلم والاطلاع عليه في نطاقه، يقول: يكفي العلم فخرا أن الجاهل يدعيه. ثم يتلوا قول الله تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات......." .
وسفينة الأيام تبحر بهمام من بلد إلى بلد، ومما يتلاءم مع مراحل عمره، فما أن أنهى الثانوية بالنزهة ونال معدلاً في القسم العلمي مقداره 96.5% حتى تهيأت له منحة علمية لدراسة الطب في تركيا. وسارت به سفينته إلى تركيا، فدرس اللغة التركية وأتقنها وأجادها قراءة وكتابة ومحادثة، وقد سهل إتقانه اللغة التركية دراسة الطب بها في جامعة اسطنبول، غير أنه كان يضيف إلى مراجعه الطبية باللغة التركية مراجع الطب بالإنجليزية لأنه يعلم أن اللغة التركية لغة محدودة، وأن اللغة الإنجليزية هي لغة العلوم في بلادنا العربية، وقد أكمل دراسته الطبية بدرجة جيد جدا، ومن الأوائل على دفعته، وكان مثاراً للعجب والدهشة من زملائه الأتراك لكونه عربيا. وفي سنة الامتياز، استشار والديه حول الزواج، فوافقاه على أن تكون من يقع الاختيار عليها ذات خلق ودين وعلم. أما مواصفاتها الجمالية فأمر متروك لاختياره، فهو صاحب الشأن، فتعرف على زوجته التركية دفنه بيراق، وهي تصغره بعامين، صحفية، متدينة، متيمة بحب العروبة، وأمنيتها العيش في بلاد العرب حبا في الإسلام وشغفا بلسانه العربي المبين.
رزقه الله منها ابنتين: الأولى واسمها ليلى وعمرها اليوم ثماني سنوات، والثانية لينا وعمرها اليوم خمس سنوات.
كان همام نعم الزوج مع زوجته، ونعم الأب مع بناته، ينظر إليهما نظرة الأب الحاني الرحيم،يحوطهما بحنانه ورعايته، ويحرص على التكلم معهما بالعربية والتركية، فهما بالنسبة إليه- ريحانة الفؤاد، وفلذات الأكباد. وكان يقول إن الله سبحانه وتعالى جعل لي ليلى ولينا سترا من النار، فأن لي بهما القدح المعلى، ثم يقول: "....فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ".

نبذه مختصرة:
ولا يسعنا إلا أن نذكر نبذة مختصرة عن حياته العلمية والعملية.
 درس في الكويت المرحلتين الابتدائية والمتوسطة حتى عام1990م.
 ثم درس جزءاً من المرحلة الإعدادية والثانوية في الأردن حتى عام 1995م، وقد نال في الثانوية في القسم العلمي معدل 96.5%.
 ثم التحق بجامعة اسطنبول في تركيا في بعثة دراسية لدراسة اللغة التركية والطب.
 وفي عام 2002م تخرج طبيباً عاماً .
 وفي السنة الأخيرة - سنة الامتياز- تزوج من فتاة تركية متدينة ومتعلمة ومثقفة.

همام الطبيب الإنسان:
عمل بعد عودته إلى الأردن كطبيب امتياز مرة ثانية في مستشفى الجامعة الأردنية، وقدم امتحان الامتياز الأردني، وبذلك أصبح طبيبا ممارسا.
استطاع أن يحصي ما يقارب مائة وثمانين سؤالا من امتحان الامتياز، وقام بتدوينها مع إجاباتها. وقد انتفع بها طلبة الامتياز من بعده. وكان يقول هذه صدقة جارية أقدمها لمن يحتاجها.
عمل في مستوصف جمعية المركز الإسلامي في مخيم البقعة، فأتاح له عمله الجديدة أن يرقب أحوال البائسين وعوزهم، فتتقطع نفسه كمدا وحزنا، ويقول: إن الظلم الذي لحق بهؤلاء لظلم فظيع، أخرجوا من ديارهم وأموالهم، وحلّ الصهاينة محلهم في أرض الإسراء والمعراج، ولا من أحد يهب كصلاح الدين الأيوبي فيحررها ويسترجعها.
ثم عمل في مستشفى الجامعة كمقيم باطني فترة يسيرة، عدة شهور، وفي يوم ما اتصل صديق قديم بوالده، فقال له يا أبا محمد ألك ابن طبيب في مستشفى الجامعة، فأجابه: نعم فأثنى عليه، وعلى إخلاصه وتفانيه في عمله، ودعا له ولوالديه. لقد كان همام متواضعا يألفه كل من يتعامل معه.
ثم انتقل إلى المستشفى الإسلامي وعمل فيه كمقيم باطني، وبرز في أدائه الوظيفي والمحاضرات الطبية والحوارات العلمية.
ولما تم تعيينه في وزارة الصحة ترك العمل في المستشفى الإسلامي، وباشر عمله الطبي في البادية الشمالية – منطقة المفرق صبحا وصبيحة، ثم ترك العمل في وزارة الصحة دون أن تقبل استقالته، وعمل في مستشفى النخبة بماركا، ثم تحول عنه للعمل في مستشفى المواساة بماركا، وواصل العمل فيه حتى تمّ تعيينه في وكالة الغوث في مركز صحي مخيم حطين التابع لصحة الزرقاء حتى قدم استقالته في نهاية شهر مارس 2009م، بحجة أنه يريد التفرغ ليتخصص في الخارج.

همام يرصد الأحداث
منذ تخرجه عام 2002م وحتى مغادرته 2009م والأحداث تتوالى على هذه الأمة، وهي أحداث جسام. فعاين همام الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، ولاحظ سفك دماء الأبرياء، وقتل المدنيين واستكبار أمريكا والغرب الظالم، وتكشفت دعاوى الغزو وأهدافه الرخيصة من حيث نهب الخيرات البترولية، وتفتيت العراق وإزالة خطر قوته التي كانت تخيف إسرائيل.
شاهد همام انطلاقة المقاومة العراقية الباسلة التي قلبت الموازين،حولت وجود الغزاة إلى جحيم، وتبخرت أحلامهم، وتقلصت أهدافهم في تخطيط شرق أوسط جديد، أي إعادة تفتيت الوطن العربي كما فتت الاتحاد السوفيتي، ولم تفطن دول العرب إلى هذا المخطط الخبيث، كما أنها لم تفطن من قبل إلى أن غزو العراق قد اضمر منذ أوائل السبعينات، بعد أن أمم العراق بتروله، ولم يعد للشركات الغربية تلك الامتيازات، فقررت بريطانيا وأمريكا العمل بصورة مختلفة لإعادة الوضع إلى سابق عهده. وقد تحقق هذا الهدف، وعجزت قوى الاستكبار والظلم أمام الضربات المتتالية للمقاومة العراقية، وتوافد المجاهدين من كل مكان وإدراك بعض الدول العربية لما يحاك لها من شر مستطير، فتركوا الغزاة في مستنقع العراق يحصدون ثمار مكرهم السيئ،تدميراً وقتلاً لجنودهم، واستنزافاً لمواردهم، وما طار طائرٌ وارتفع، إلاّ كما طار وقع.
وفي صيف 2006م اندلعت حرب إسرائيل – حزب الله، وما كان العّراب الأمريكي عنها ببعيد، وأظهر بعض الرسميين العرب شماتتهم بحزب الله، لكنّ انقلب السحر على الساحر، وكانت هزيمة إسرائيل النفسية والمعنوية والمادية، وتبخرت أحلامهم في القضاء على حزب الله، وإيجاد شرق أوسط جديد، وخجل الأعراب من صنيعهم، ولأول مرة يشعرون أن إسرائيل انهزمت، وما هي إلاّ قدم أميبا كاذبة لكل من أمريكا والغرب. فكانت هذه الحرب الزلزال الذي هزّ إسرائيل من أعماقها، وكشف زيف قوتها وهوانها، وفتح الطريق لزوالها.
وفي نهاية عام 2008م تحركت إسرائيل إلى قطاع غزة لتعيد لنفسها الاعتبار، ولتظهر لأعوانها والمتخاذلين العربان أنها لا زالت قوية،، فظنت أن خطة عنترة في ضرب الضعيف بقوة تزلزل قلب القوي وتهز كيانه. إنها دائما صحيحة لكنها فوجئت بعد أن استنفذت كل قوتها التدميرية وقتلت من الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ ما لا يقل عن 1500 شهيد مع آلاف الجرحى، نعم فوجئت بصمود قوة الحق العزلاء أمام جبروت القوة الظالمة، وانسحب الصهاينة، وبقيت غزة هاشم صامدة. تلملم جراحها، وتداوي الغدر العربي الرسمي، وتآمرهم مع الصهاينة عليها.

وقد تحرك الأحرار في العالم، وتحرك الأطباء، وتدفقت المساعدات الإنسانية، وكان همام يرصد كل ما جرى للمسلمين والمستضعفين من أهالي غزة، وحاول أن يذهب متطوعا لكنه لم يتمكن، فحصار العرب لغزة هاشم أشد من حصار الصهاينة، فرضي من الجهاد بالكلمة القوية يدونها في منتديات الجهاد على الشبكة العنكبوتية.
وفي بداية عام 2009م تم احتجازه من قبل المخابرات الأردنية ثلاثة أيام، ثم أخلي سبيله، وقد لاحظ والداه تغيراً قد ظهر عليه، فقل كلامه، وباع سيارته مدعيا أنها أتعبته بكثرة إصلاحها، ثم قال لأسرته إنه يريد أن يقدم امتحانات لأجل التأهل للتخصص في أمريكا، ولكن الإمتحانات ستكون في تركيا وليس في الأردن مع أنه قد دفع الرسوم في الأردن، لم يجد غير التشجيع والمباركة، وغادر منزله في منتصف مارس 2009م وهذه نيته المعلنة، إلا أن أخباره انقطعت عن أهله، ولم يتكلم معهم مدة غيابه، حتى كان النبأ العظيم المدهش في صبيحة يوم الخميس 14 من محرم عام 1431هـ والموافق 31/12/2009م. إذ دق جرس الهاتف الأرضي لمنزل والده في حدود الساعة السابعة صباحا بتوقيت الأردن،فقام والده ليرد على الهاتف، وهو يقول: اللهّم اجعله طارقا بخير، فرفع السماعة ليسمع متكلما يتكلم بلغة عربية فيها لكنة أعجمية يقول: إن همام، أبا ليلى، ولدك قد قام بعملية كبيرة في الأمريكان في قاعدة خوست بأفغانستان، وقتل منهم عددا كبيرا، واستشهد همام رحمه الله، فقال الوالد: الحمد لله، ثم تابع المتحدث: نحن نعرف أن هذا الخبر سيسبب لكم معاناة، فقال والده: الله المستعان، وهو خير حافظا والسلام.
كان هماما - رحمه الله – مدهشا في يوم ولادته، كما إنه كان مدهشا يوم استشهاده، إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد غادر دنيانا غير آسف عليها، فهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، غادرها مخلفا زوجته أرملة وبناته يتامى، وخلف والدين كبيري السن هما في أشد الحاجة إليه، وما تسمع منهما إلاّ قول: إنا لله وإنا إليه راجعون، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل.
وإن المتأمل لسيرة همام منذ أن غادر بيته في شهر مارس 2009م، وتكتمه الشديد طوال ما يقارب العام حتى عن أقرب الناس له وألصقهم به، ليضعه في صف أولئك الدهاة المعروفين، وقد ورد في وسائل الأعلام المختلفة " إنك لتعجب أشد العجب، وتندهش أشد الإندهاش من عبقرية رسمت خطتها بحذق ودهاء، وعرفت كيف تصل إلى ما تريد بخداع أعتى القوى المخابرات العالمية على اختلاف أنواعها وتضارب مصالحها، أخترق الحواجز، وذلل الصعاب، وتحمل ما تحمل من شظف العيش ولئواء الطريق. لكنه أنجز هدفه، وحقق غايته التي سعى إليها بشجاعة وجرأة وإقدام. فحق له أن يضمّ إلى دهاة العرب المعدودين، لأنه مكر مكراً عجز عنه العرب والعجم والإفرنج، وسيكتب التاريخ أن الدكتور همام أبوملال البلوي من دهاة العرب المعدودين.




صور من حياة د.همام أبوملال البلوي
والمكنّى أبودجانة الخراساني

هذه صور من حياة همام تكشف عن جوانب من أخلاقه وسلوكه، وتنم عن بعض مؤهلاته وقد أوردتها متسلسلة زمنيا: طفولته وصباه وشبابه.

1. طهره وعفته
كان والده حريصا على اصطحابه مع إخوته بعد صلاة الفجر لممارسة الرياضة والسباحة في بحر السالمية بالكويت على الكورنيش يركضون، وبرمل البحر على الشاطئ يلهون، وفي مياه البحر يسبحون، فإذا ما عادوا إلى منزلهم يقوم والدهم بتحميمهم وغسلهم عن آثار البحر ورماله، فكان همام مع صغره- بين السنة الرابعة والسنة الخامسة- يعارض ذلك ويقول صارخا: أتكشفون عورتي؟! أنا أستحم وحدي، فيقابلوا ذلك ضاحكين متعجبين من حرصه الشديد على عدم كشف عورته.

2. معرفته قدر نفسه بين أقرانه، وإدراكه مدى جده واجتهاده
عندما كان في السنة الدراسية الأولى في مدرسة أبي سعيد الخدري الإبتدائية في منطقة السالمية بالكويت أحضر شهادته في نهاية العام غاضبا لأن علاماته لم تكن معبرة عن جده واجتهاده، فهو يرى أنه أفضل طالب في صفه، لكن الشهادة جاءت مخيبة لتوقعاته، فقال له والده: أنا أعرفك يا همام فلا تهتم، وستثبت لك الأيام أن شهادتك المدرسية هذه صورة غير صادقة لتحصيلك العلمي، وقد سبق أن أخطأ المعلمون تقدير أينشتاين ولم يفهموا مدى عبقريته وتميزه، وكذلك أخطئوا فهم اسحق نيوتن، وقد أثبتت الأيام صدق ما ذهب إليه والده.

3. همام يقوّم معلم التربية الإسلامية
كان معلم التربية الإسلامية شابا سكيرا يقضي بعض لياليه مخمورا، كما أخبر الأخصائي الاجتماعي في المدرسة والد همام إذ جاءه مراجعاً حول تدني علامة همام في التربية الإسلامية (10/ 20)، وكان همام قد أخبر والده أن هذا المدرس يدخل الصف ويضع جريدة على وجهه وينام خلفها. فلما قدّر درجة همام تلك تعجب وقال كيف حصل هذا وأنا أحفظ من القرآن أكثر مما يحفظ !!؟

4. همام يتحدى نفسه
يقول لوالده: أنا يا والدي الصعود عندي سهل والنزول صعب. فيسأله والده: كيف ذلك؟ فيجيب: انظر إلى علاماتي منذ بداية العام إلى نهايته، لا تجدني إلا في صعود دائم، وفعلا كان هذا ديدنه طوال سني دراسته.
5. الوقت أغلى ما نملك
هذه حقيقة كان همام يتعامل معها بصدق، فإذا انتهى الدوام المدرسي وتأخر عليه والده قليلا لاختلاف اليوم المدرسي بين المرحلة الابتدائية والثانوية،فتح كتابه وأدى واجباته المنزلية، أمام المدرسة في ظل مظلة الانتظار، حتى يستفيد من وقته، وكان والده يقدر له هذا ويشكره، ويثني عليه لإيمانه العميق بما للإسناد والإعداد من أثر عظيم في تفتح مواهب الموهوبين، وتنمية قدراتهم.

6. أنا لا أحفظ القرآن الكريم ابتغاء الجوائز ولكني أحفظه ابتغاء الأجر الثواب من الله
لما عاد همام مع أسرته من الكويت إلى الأردن، كان يحفظ من كتاب الله ستة أجزاء وقد دخل فيها المنافسة المسابقة في الكويت تلاوةً وفهما وحفظا لكنه لم يفز أبداً بينما كان إخوانه وأخواته من الأوائل في هذه المسابقة، فكان يعلن لهم من حين لأخر أنا لا أحفظ القرآن لأجل الجوائز، ولكني أعرف الأجر الكبير الذي أعده الله لحافظ القرآن وتاليه.

7. وللنشاط اللامنهجي دوره في تنمية المهارات والقدرات، وإشباع الهواياتولما كان متدينا من نعومة أظافره، كان النشاط الديني هوايته، وقد تصدر قيادة هذا النشاط بالأحاديث الإذاعية في طابور الصباح، والصحف الحائطية، والإرشادات الوعظية والتوعية.

8. استشعار بحاسة التقوى
صيام رمضان في صيف الكويت معاناة للكبار قبل الصغار، وقد صام همام رمضان في الكويت، وبلغ به الجهد مبلغا، وحثه والده على الإفطار و الصيام قضاء، فأبى وواصل حتى أدخله والده مستشفى مبارك لما لحق به من جفاف إثر الصيام.

9. همام الابن البار بوالديه
وبر الوالدين له مظاهر منها:
 حرصه على استشارة والديه عند زواجه، وكذلك استشارة والده عند التفكير في التخصص.
 حرصه على إحضار الطعام لوالديه برا بهما، ويخصهم بلذيذ الطعام يبتغي إدخال السعادة على قلبيهما، ويستذكر حديث صاحب الغبوق الذي لا يقدم أحداً على والديه، ويستذكر حديث من حجج أمه على ظهره والرسول يقول له " وما قدمت لها بما يفي بمقدار طلقة من طلقات الوضع.
 أما العناية الصحية كشفا وعلاجا ودواء وتزويدهم بالفيتامينات فقد كانت هذه ميزته وفرصته،لأنه يحب أن يراهم في صحة جيدة يرفلون.
 عاد والده يوما من المسجد يشكو عدم قدرته على الصلاة قائما، فوالله ما اطمأنت نفسه ولا هدأت حتى أخذه إلى مستشفى المواساة الذي كان يعمل فيه، وأجرى له كل الفحوص السريرية والمخبرية، وكل ذلك كان يؤديه بنفس راضية وهمة عالية.
 أما والدته فما كان يناديها إلاّ "يا ست الحبايب" يسمع نصحها ولا يرد لها طلبا، ويبوح لها بهمومه ومتاعبه وكأنه يفرغ شحناته السلبية في قلبها لتزوده بشحنات الأمومة الحانية، فتمسح ما علق في نفسه من هموم ومتاعب، وتقوي عزيمته، وتبث فيه روح العطاء والتضحية، مصرحة له بعباراتها المعهودة " يا بني السعادة في العطاء وليست في الأخذ".

10. همام طبيب الأسرة
فما مرض كبير ولا صغير إلاّ همام فوق رأسه، ليلا أو نهاراً، يكشف ويعالج ويتابع حتى يكون الشفاء التام بإذن الله .

11. رأفته بالأطفال ورحمته بهم وحرصه على إدخال السعادة على قلوبهم الطاهرة
يقول أخوه الأكبر إنّ أطفالي يحبون عمهم هماما لأنه يلاعبهم، ويصطحبهم معه في الرحلات وزيارة الحدائق، يشتري لهم الألعاب يركبهم على كتفيه، فتعلقوا به كثيراً، وكانوا يقولون "نحن نحب عمو همام".

12. همام الإنسان الرحيم، الراحمون يرحمهم الله
حدثني يوما أن امرأة فقيرة دخلت عليه ليعالجها- وذلك في مستوصف مخيم حطين- ولما تمم الإجراء الطبي أعطاها وصفة لتصرفها من إحدى الصيدليات فقالت له: إنها لا تملك ما تشتري به طعامها، فكيف تشتري دواءها. فأخرج من جيبه مبلغاً من المال، وقال لها خذيه واشترى الدواء وما زاد فأنفقيه على نفسك. فخرجت المرأة وهي تدعو الله أن يحفظه ويبارك له في رزقه.

13. سيارة همام ظهر من لا ظهر له
جعل سيارته أشبه بسيارة أجرة،يركّب من هو في طريقه، ولا يطلب إلا الدعاء له بظهر الغيب. لأنه يعلم أن دعاء المؤمن لأخيه في ظاهر الغيب مستجاب.

14. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى
يتفقد أقاربه ليتعرف على صاحب العوز والحاجة، ويفاجئ الفقير بسيارته المملوءة بالمواد الغذائية ويوصلها إلى باب المنزل، وهو يقول: الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

15. خير الناس أنفعهم للناس، ومن أحق بالمساعدة من الجار ذي القربى؟
كم من جار جاء يطلب عونه ليلا، فهجر همام فراشه، ولبّى مطلبه بالعلاج، وأبى أن يأخذ على عمله هذا أجرا. ويقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"

16. لا يخشي في الله لومة لائم يقول الحق ولا يتردد ، فهو يعلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس
أخبرني-أنه بينما كان يدرس اللغة التركية في معهد متخصص كانت تدرسهم شابة تلبس لباسا قصيراً فإذا جلست على الطاولة ووضعت ساقا على ساق، تكاد عورتها أن تنكشف وكان همام ينظر إليها شزراً، فسألته: ما رأيك يا همام في الحب؟ فأجابها بلغة حازمة شديدة الوضوح: إني أحب الله سبحانه، وأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب والدي وإخواني وأحب ديني ووطني، لكن إن كنت تستفسرين عن ممارسة الحب بين الشاب والشابة خارج إطار الزوجية فهذا حرام، حرام، حرام.

17. شهادة من كان معه من زملائه، أطباء وممرضين وعاملين
الكل يشهد لهمام بطبيب المعاملة، والإخلاص في عمله، والتواضع الجم والاقتدار العلمي المهني.

18. شهادة مراجعيه في مستوصف مخيم حطين التابع لوكالة الغوث
مع أن فترة عمله في هذا المخيم ليست طويلة إلا إن اسمه قد لمع لإخلاصه، وحرصه على خدمة مرضاه، بروح لا تعرف الكلل ولا الملل.

19. شهادة أصحابه في ساح الجهاد
جاءت في مقالات تتفق مع ما سبق ذكره حتى وصلت إلى حد التواتر، وقد قيل إن ألسنة الخلق أقلام الحق، والناس شهداء الله في الأرض.

20. رحم الله أبا دجانة قد قالها وهو محتجز (والله إني لأفضل أن أموت في زنزانتي على أن أوذي مسلما، أو أكون سببا في إيذائه).


أثر هذه الشخصية

بهذه الشخصية العظيمة القوية , وبهذه الأخلاق العالية النبيلة , وبهذا التفوق الفكري, والثقافة الزاخرة التي أفاض منها ابودجانة الخراساني – الدكتور همام البلوي – على محاوريه وقارئي منتدياته الجهادية في الحسبة وغيرها على الشبكة الافتراضية, تبوأ مكانة عالية في حياته, اختتمها باستشهاده, فكان كالنسر فوق القمة الشماء, علو في الحياة وفي الممات.
 وحق للمعجبين به أن يسطروا فيه كتبا مستقلة, وأن يجمعوا تراثه الفكري، ويدرسوا تجربته الحية التي طابقت بين القول والعمل، وبين النظرية والتطبيق، والعاطفة والعقل، وبين الدنيا والآخرة.
 وحق للعاملين في دنيا الأعلام أن يبحثوا عن الحقيقة ويعلنوها نقية شفافة خالية من كل لبس، فالحقيقة هي أغلى ما يملك بنو البشر، ولو كانت مرة كطعم الحنظل.
 وحق للحيارى أن يبحثوا عن منارات الهدى،ليسلكوا الدرب على منهج " وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".
ولا عجب, إذا بكاه الناس يوم استشهاده بكاء العارفين بفضله . لقد كان لاستشهاده , وللطريقة التي استشهد بها دويا عالميا شغل القارات الخمسة وسيشغلها ردحا من الزمن , فقد عاش هماما ومات هماما .
وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم .
واسمع ما قاله فيه فضيلة الشيخ حامد العلي من الكويت لتعرف المكانة المرموقة لهذا الأسد الهصور في نفوس أبناء هذه الأمة الأبية
لله ما شاهدتـه من فـارس في المكرمات يجاوز الإجلال
من لي بمثل كتيبة في واحد ضرب العداة فزلزلوا زلزالا
إذ راح يخدع بالدهاء عدونا والحرب تطلب ماكرا محتالا
حتى إذا بلغ المقر بحيلـــــة جعل الهزبر مقرهم أطـلالا


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

منقول من الدكتور ايمن البلوي اخ الشهيد همام البلوي


الكاتب: أبي عائشة الخراساني
التاريخ: 10/01/2011