نعم شكرا لخليجي 16 فقد أيقظت فيني وازع المسؤولية ..

 

نعم شكرا خليجي 16 فقد أيقظت وازع المسؤولية تجاه وطني وبني جلدتي بعد قطيعة استمرت زهاء السبعة سنين!

في ليلة باردة من ليالي بوسطن كنت أتصفح شبكة المعلومات (الإنترنت) كالعادة واذا بفأرتي تحط رحالها في موقع الأزرق. انتهزت الفرصة وبدأت أتصفح محتويات الموقع الخاصة بخليجي 16 أملا في قتل الوقت (إثر عطلة رأس السنة) وملبيا نداء ذكرى الأيام الخوالي في الوطن المعطاء.

سبعة سنين وينيف (اللهم من زيارات خاطفة لا تتجاوز الأسبوع سنويا) أمضيتها بعيدا عن الأهل والأحباب بدافع التحصيل العلمي واكتساب الخبرات المهنية اللازمة لبناء الأمة الإسلامية عامة والوطن المعطاء خاصة. مع تعاقب الأيام والسنين وتكرار المحبطات في أرض الوطن وجدت في غربتي الحل الأمثل للهرب من الواقع المرير.

عزمت آنذاك على التركيز شبه الكامل على الهدف الأول الذي ارتجوته من غربتي. ومع تزايد العبء الدراسي والمهني وتردي الواقع المرير للأمة الاسلامية عامة والوطن الحبيب خاصة عمدت إلى إجراء المقاطعة الشاملة للإعلام المحلي التبعي منذ رجب لعام 1422 للهجرة الموافق لتشرين الأول لعام 2001 للميلاد.

وبفضل الله عز وجل ومنته وجدت في البدائل الإعلامية ضالتي وأنست بتكوين تصور أشمل لواقعنا المعاصر بعيدا عما يريده الإعلام التبعي لنا سماعه وتصديقه. بعيدا عن النظرة الضيقة للأمة التي فرضها "شيخ الاسلام" سايكس بيكو (عليه لعائن الله تترى) وتبناها أبناء جلدتي لاسيما أهل الحل والعقد.


نعود إلى خليجي 16 وموقع الأزرق. تصفحت الموقع واخترت قضاء بعض الدقائق في قسم "الديوانية" أملا لجس نبض الشارع الخليجي الشاب. فالديوانية منتدى حواري يجتمع فيه شباب الخليج من شتى أرجاء العالم لمناقشة مباريات وفعاليات خليجي 16. للأسف الشديد وجدت العجب العجاب! شباب جل همه منافسة لا تقدم ولا تؤخر. أحدهم أقسم أنه سيذبح أحد أبناءه إن لم يفز منتخبه! وآخر يخوض في نوايا شعب شقيق وثالثة جاءت لتصلح بين الأخوة (جزاها الله خيرا) على نمط المسلسلات الدرامية القطرية!


تحاملت على نفسي وفتحت رابط القناة الرياضية الكويتية على شبكة الإنترنت في أعقاب مباراة الأزرق مع المنتخب اليمني الشقيق مخالفا بنود المقاطعة الشاملة لبرهة فتفطر القلب ألما والله! اتصالات من أمهات تجاوزن العقد السادس من العمر يحللن المباراة والمستوى الفني لللاعبين! تصريحات من الإداريين وأهل الحل والعقد في البلد بشأن المنتخب! مساءلات نيابية عن تدهور الأزرق!


يا الله يا الله يا الله! أصبت بغم واحباط مضاف إلى سلسلة المحبطات. في الليلة ذاتها استلمت رسالة اليكترونية من صديق عزيز من إمارات الخير تحمل عنوان "كلمات مضيئة". من جملة الكلمات المضيئة كانت الكلمة التالية:

"الحياة مليئة بالحجارة .. لاتتعثر بها بل اجمعها وابن بها سلما تصعد به نحو النجاح"

وقد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم عدة تساؤلات:

1- أي واقع مرير تتكلم عنه؟ الحمد لله ننعم بالأمن والأمان ووافر الخير. سقط النظام البعثي الكافر في العراق الشقيق والأمور في تحسن إن شاء الله تعالى.

2- هل تقصد بالواقع المرير التأخر النسبي؟ نعم هناك بيروقراطية مقيتة في الكويت ولكنها شر لا بد منه وهي أفضل من مثيلاتها والحمد لله في كثير من الدول المجاورة. نعم بعض الدول المجاورة سبقتنا نسبيا ولكننا في درب الإصلاح سائرين إن شاء الله تعالى.

3- ماذا قدمت للوطن بدلا من نعي الواقع؟ دع عنك المثالية غير العملية وارض بالواقع أو غيره إن كنت فاعلا. شمر عن ساعديك وأصلح إن كنت جادا بدلا من الهروب مما تسميه واقعا مريرا.


قد أتفق معك في الرأي أخي القارئ الكريم فيما تبادر إلى ذهنك إن كنت أرى الواقع من منظور وسائل الاعلام التي طلقتها طلاقا بائنا لا رجعة فيه. ولكن هلا تفضلت أخي القارئ الكريم بلبس نظارة الواقع التي ألبسها لثواني معدودة؟


1- أولا وقبل كل شيء يتحتم علينا الترفع عن النظرة المحدودة للواقع بحصره في الكويت بمعزل عن العمق الإسلامي الأم. ولله الحمد والمنة أنت أعرف مني أخي القارئ الكريم بأن حدود المستعمر لم ولن تؤطر الإلتزامات الشرعية تجاه الأمة الإسلامية. ولا يخفى عليك أخي القارئ الكريم أن دماء وحرمات المسلمين تنتهك في هذه اللحظة (ونحن لا نحرك ساكنا) في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان والفلبين وتركستان والأيغور وكشمير والقائمة تطول ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.


قد تتساءل ثانية:

إننا الحمد لله لم نقف موقف المتفرج من هذه الملمات فالحمد لله الكويت بلد صغير بحجمه كبير بعطائه فخيرات أهل الكويت عمت أرجاء المعمورة ولله الحمد والمنة ..

الأقربون أولى بالمعروف ..

المصاب جلل والمشاكل عديدة لذا لنحل مشاكلنا أولا قبل حل مشاكل الآخرين.

ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ..


أتفق معك أخي القارئ الكريم فيما تبادر إلى خلدك ولتجنب جدلا عقيما ناجما عن محاولة إرغامك للبس نظارتي للواقع سأتنازل وألبس نظارتك لوهلة.


نعم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع بلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان. لا نستطيع نصرة المسلمين كافة بالنفس ولسنا مطالبين بذلك إن كانت الكفاية موجودة في البلد المنكوب وما يحيطه من بلدان. حسبنا النصرة بالمال (الذي قدم بنص القرآن الكريم على النفس) بتجهيز المجاهدين وكفالة أهليهم وما إلى ذلك من دعم مادي ملتمس أشد الإلتماس.


ولكن أين نحن من زكاة المعادن (النفط) الواجبة؟ نعم الزكوات والصدقات مؤداة ولله الحمد والمنة من غالب الشعب المعطاء ولكن أين حق المسلمين المشروع من نفطنا الذي حبانا الله إياه؟ أما نخشى أن يجعله الله غورا فلن نستطيع له طلبا كما حل بصاحب الجنة المذكور في سورة الكهف- لاقدر الله جل في علاه؟


نعم المصاب جلل والمشاكل كثيرة فحري بنا حل مشاكلنا أولا ففاقد الشيء لا يعطيه. منطق سليم وموزون. هل حللنا أم مشاكلنا (تحكيم شرع الله) أم انشغلنا بسفاسف الأمور؟ تعلم أخي القارئ الكريم أن تطبيق حدا من حدود الله خير من أن نمطر أربعين صباحا. لا نريد حصر تحكيم شرع الله بالمفهوم الضيق الذي يصوره إعلامنا المعلول بتطبيق الحدود فحسب. فالحدود أمر يرسخ بها النظام الاسلامي بعد تطبيقه. فلا يحسن تطبيق الحدود ونحن نحارب الله عز وجل جهارا نهارا (بنص القرآن الكريم) بالبنوك الربوية ومظاهرة الكافرين على المسلمين وبإعطاء البشر حق التشريع المنافي لشرع الله عز وجل وبنشر الرذيلة والخنا عبر شتى وسائل الاعلام.


2- أين نحن من التطور العلمي والتقني؟ الحمد لله تستثمر الدولة بابتعاث أبنائها لأرقى الجامعات أنجع الإستثمار فما المشكل؟ المشكل أخي القارئ الكريم أن هذه الطاقات يوأد جلها حالما تحط أقدامها في أرض الوطن الحبيب إما بفعل بيروقراطيات مقيتة أو وساطات مفروضة أو تعقيدات مرسومة أو .. أو ..


لا يعجب المرء أن جل هذه الطاقات استساغ الإنخراط في البيئة العليلة ورضي السباحة مع التيار بحجة أن يدا واحدة لا تصفق وبذلك ضاع الإستثمار وصرنا "محلك سر". والله إن القلب ليتفطر على حال أبناء هذا البلد الفائقين وذويهم الذين اكتووا بنار الفراق والغربة ليجلسوا في نهاية المطاف على مكتب فاره ويضيعوا أوقاتهم في غرف الدردشة على الإنترنت. اغتربوا وأبدعوا في ديار الغربة لتدفن مخترعاتهم وإنتاجهم العلمي خارج أرض الوطن ويتكسب من ورائها الأجنبي على طبق من ذهب. لماذا لا نأخذ من الغرب إلا انحلاله وقشوره بدلا من الإستفادة من تقدمه وعلومه؟


ماذا عن الإقتصاد العليل الهزيل؟ ماذا عن البدون؟ ماذا عن المخدرات والمسكرات؟ ماذا عن الطبقية الاجتماعية؟ أين الإسكان؟ أين الخدمات الصحية؟ أين التعليم؟ أين وأين وأين وثم أين؟!! أم أن هذه المشاكل وجدت لتبقى كي يتكسب من ورائها أناس؟


جعلنا من الغزو العراقي الغاشم شماعة للفشل. أما آن لنا الأوان أن ننتفض من طور الصدمة ونهب ماضين في أطوار الوعي والمحاكاة كما يسميها خبراء علم النفس؟


3- هلا شمرت عن ساعد الجد بدلا من نعي الواقع؟ صدقت وبررت ووضعت يديك الكريمتين على مكمن الخلل. نعم كفانا كلاما وتنظيرا وتحليلا. أما آن لنا الأوان أن نطبق النظرية بدلا من الإستمرار في الجدل البيزنطي في كل فرصة ومحفل (مجلس "الأمة" ، الحملات الانتخابية ، الدواوين ، المجالس العامة والخاصة ، وغيرها)؟ قتلنا القضية بحثا وتمحيصا (هذا إن أحسنا الظن) وكنا بذلك قد خدرنا "بفشة خلق" –إن جاز التعبير- إلى حين موعد "الفشة" القادمة. وحينما نلام على ذلك نركن إلى الدخول في دوامة التعلل بصعوبة أو شبه استحالة التغيير على المستوى الفردي والمحلي.


إليك أخي القارئ الكريم إطار العمل لخطة الحل المقترحة. إن استسغت الفكرة فحي هلا وضع يمينك بيميني ولنرد شيئا يسيرا للأمة قاطبة. لا أطالبك بتبني فكري كي تعمل معي فكلنا نعمل لهدف واحد: بناء جيل التمكين لهذه الأمة إن شاء الله عز وجل. إن خالفتني الرأي (وهو حقك المشروع) فأرجو ألا تكون معول هدم لما يبنى من حولك فكل على ثغر إن شاء الله تعالى.


أولا: فأول خطوات الحل هي غربلة أهل الحل والعقد والأخذ على يد من تصدر هذه المنزلة دون كفاءة كائنا من كان. ولتجنب اتخاذ منزلة أهل الحل والعقد كسبيل لديكتاتورية تفرض سياسة (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) يتوجب وضع الأسس والمعايير ونظم المحاسبة للنخبة المختارة كأهل الحل والعقد.


ثانيا: يجب أن نعرف حقيقة المشكل المراد حله. فلا يعقل أن نحل ما نجهل. لذا يتحتم على أهل الحل والعقد المؤهلين التزام الأسلوب العلمي لحل المشاكل


ثالثا: تهيئة العامة لتفعيل مشاركتهم في خطة الحل المقترحة.


رابعا: الشروع بالتطبيق لخطة الحل المقترحة تدريجيا


أذكرك أخي القارئ الكريم أن ما سبق كان يطرح بواقع النظرة المحلية القاصرة (كما اتفقنا آنفا) فكيف بالمشكل إذا ارتضيت لبس نظارتي للواقع؟! لا تيأس وتذكر الكلمة المضيئة الواردة في صدر المقال:


"الحياة مليئة بالحجارة .. لاتتعثر بها بل اجمعها وابن بها سلما تصعد به نحو النجاح"


بما أن كثرة الكلام ينسي آخره أوله ، يحسن بنا تدارس الخلاصة المرجوة من هذا المقال:

1- يجدر بنا الترفع عن النظرة المحدودة للواقع المعاصر واستبدالها بنظرة أكثر شمولية تتخذ من العمق الإسلامي الأم محور ارتكاز.

2- بعد معاينة الواقع المرير وتكوين صورة أشمل عنه ، يتحتم علينا تبني "بناء جيل التمكين للأمة الإسلامية قاطبة" كهدف.

3- لتحقيق الهدف المنشود يتوجب علينا تهيئة نواة الإصلاح في البعد المحلي كخطوة عمل مرحلية تصب في تحقيق الهدف الأساس.

4- الإصلاح في البعد المحلي موقوف على تفعيل خطة حل مبنية تبعا للأسلوب العلمي لحل المشاكل.

5- إن كنت مستعدا للمشاركة الفعالة فمرحبا بك.


وبعد هذا المقال وحديث الأشجان نصل إلى: عود على بدء. شكرا خليجي 16 على نقلي من معسكر "المتحلطمين" إلى معسكر "المشمرين" باذن الله عز وجل. شكرا خليجي 16 على مساعدتي للتخلص من مبدأ الهرب من الواقع واستبداله بالمواجهة والعمل الكؤود.


ولكم مني فائق الاحترام والتقدير.


فالقوم قدموا غيرك من ألســـن الأمم
عذرا يــا ضاد عن عجمــة القلـم

ولكن عل كليمـــي يهز مهجـة القوم
والله ما سطرت من عجز، منطق العجم

ما أخطأ حافظ عن وصفك يا أبلغ الكلم
أنت البحر في أحشائــــه الدر كامن

كان هذا ما جال في الخاطر واسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه. إن كان ما قلته حقا فمن الله عز وجل وحده وإن كان غير ذلك فمن نفسي المقصرة والشيطان. هذا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا اله إلا أنت أستغفرك وأتوب اليك.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخوكم:

د. أيمن عبدالله العوضي

بوسطن – ماساتشويوستس

فجر الحادي عشر من ذي القعدة الحرام لعام 1424 للهجرة -على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم- الموافق للثالث من كانون الثاني لعام 2004 للميلاد

aal-awadhi1@babson.edu

الكاتب: د. أيمن العوضي
التاريخ: 01/01/2007