الفساد الإداري، والمسؤولية الفردية

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الفساد الإداري، والمسؤولية الفردية


الشيخ الدكتور الصادق بن عبد الرحمن الغرياني


التقرير السنوي للمنظمة العالمية للشفافية:

تصدرت الدول الغربية القوائم في التقرير السنوي الذي أعدته الهيئة العالمية للشفافية، فجاءت على رأس القائمة وحازت الترتيب الأول في شفافية التعامل والانضباط والعدل واحترام القانون، كل من الدانمرك والنرويج وسنغافورة، فكانت حسب هذا التقرير أقل دول العالم فسادا في الإدارة، وأكثرها انضباطا والتزاما بالقانون.
وكان أكثر بلاد العالم فسادا وخرقا للقانون، وأقلها شفافية وانضباطا، الصومال والعراق، العراق ترتيبها 175 والصومال 178 فجاءت في آخر القائمة.
والمؤسف أنه ليس ضمن العشرة الأوائل في هذا التقرير واحدة من الدول العربية أو الإسلامية، جاءت هذه الدول كلها متأخرة، أو في ذيل القائمة، أحسن الدول العربية حالا هي قطر، كان ترتيبها 18، وتليها الإمارات العربية 28، وجاءت سلطنة عمان 41، والسعودية 50، ومصر 98.
وبعض البلاد المذكورة في التقرير قد تراجعت عما كانت عليه في الماضي، فمثلا ليبيا كان ترتيبها في السنة الماضية (2009) 130، وفي هذه العام هي والكاميرون وساحل العاج وهايتي وإيران ونيبال والبارغواي واليمن، جميعها في المرتبة 146! فالإصلاح فيها حسب هذا التقرير يتقهقر!
هذا لم يعد خافيا بسبب سرعة نقل المعلومات وقرب المسافات وانكشاف ما لم يعد بالإمكان حجبه عن الآخرين، وهو من إيجابيات العولمة، إن كان للعولمة إيجابيات!
معنى الفساد والإصلاح:

الفساد في القواميس والمعاجم معناه: الاختلال والتلف ومجانبة الحكمة والصواب، ومعناه عندما يقترن بسياسة الدول: عدم التخطيط، وضياع الأهداف، والاستبداد، والقهر، والظلم، والعبث، وانتهاك الشرائع والقوانين، والتحايل عليها، وشراء الذمم، واختلاس الثروات ونهب المال العام، والتزوير في الانتخابات، والغش في العمل والإنتاج، واختلاق المشاريع الخاسرة أو الوهمية لسرقة الأموال، واستغلال النفوذ، والهيمنة على الضعفاء، وذلك بالنسبة للأمة يعني التخلف والانحطاط والخراب والدمار والتبعية، وأنها في القضايا المصيرية تكون مسلوبة الإرادة، منزوعة القرار.
والفساد الإداري هو أحد أركان هذا الفساد الكبير، بل أهمها، ومعناه باختصار: التفلت والتفريط والتهاون في الأداء الوظيفي أو في الواجبات والمسؤوليات، وعدم الانضباط، بما يؤدى إلى فساد الذمم والظلم وإضاعة الحقوق.
والإصلاح: خلاف الفساد، فهو العدل، والحكمة، والتنمية والازدهار، والأمن والاستقرار، والحرية، واحترام الشرائع والقوانين، وأكل الحلال، وإيصال الحقوق إلى الضعيف والصغير والمرأة ولكل صاحب حق وإن لم يطلبه، وسد أبواب الغش والتزوير والاحتيال، كما يعني تكافأ الفرص بين الناس وإنزالهم منازلهم، والتقديم بينهم بالكفاية والمهارة والخبرة والإتقان والإخلاص والعطاء للبلد والمؤَهَّل، والمنافسة الحقيقية العادلة، التي تُوَلِّد الطموح وتبعث الرغبة في الاختراع والإبداع والتفوق والنبوغ ومزيد البذل والعطاء، ولا يكون التقديم بين الناس في تولي المناصب والنفوذ والمسؤوليات والمشاريع والأعمال ـ في ظل الإصلاح ـ على أساس القرابة والعائلة والقبيلة والعصبية، أو الارتشاء وفساد الذمم، أو التقارير الأمنية التي منها ما لا يخلو من الكيد ومجانبة الصدق، أو الاختيار العشوائي، الذي يفوز فيه بالمنصب عادة الأقدر على المداهنة وتزويق الكلام ومدح من بيده القرار، وهذه هي المؤهِّلات التي تصحب من يولَّى الوظائف المهمة في البلاد المتخلفة، ومن وُلِّيَ فيها على هذا الأساس المعْوَجِّ عليه أن يَتعهَّد هذه المؤهِّلات النفاقية مدة بقائه في منصبه، وأن يكون أقدر عليها من غيره وأخبر بها حتى لا يُفقده من سبقه فيها كُرسيَّه، وليكون مدة بقائه بمنجًى عن كل مساءلة مهما اختلس وأفسد وارتكب من مخازي وموبقات، هذا هو الغالب، ولا يعنى أنه ليس في هذه البلدان المتخلفة مخلصون وأمناء، لكن ذلك فيهم نادر، والنادر لا حكم له.
والإصلاح الإداري جزء من الإصلاح بمعناه الواسع الكبير، وهو أحد أركانه، ومعناه الانضباط في الأداء الوظيفي كَمًّا وكيفا بما يحقق أعلى مستوى في التنمية والإنتاج، والتقيد في ذلك كله بالقوانين.
التدين الخاطئ:

العجب أن بلاد العرب والمسلمين التي تتصدر قوائم الفساد، وتتأخر في قوائم الإصلاح، بها في السنينَ الأخيرة صحوة دينية، وعناية فائقة بتحفيظ القرآن الكريم، وطبع المصاحف وإهدائها بسخاء، واعتناء بتشييد المساجد وزخرفتها وصرف الأموال الطائلة عليها، وتُعقد فيها المسابقات المحلية والدولية لحفظة القرآن، وتُرصد لها الجوائز الرفيعة، ولكن ما العمل؟ الحروف محفوظة، والحدود والأحكام مُضَيَّعة، والفعل والعمل يخالف الشعار والقول، وكأن القرآن الذي نعقد له المسابقات ونعتني بمصاحفه ونهديها بسخاء يخاطب سنغافورة والدانمرك، فقفزت في أعلى القائمة، ولا يعنينا، فرجعنا إلى أُخْرَياتها.
فالقرآن يا بلاد المسلمين خَصَّنا نحن بالنداء دون غيرنا، حين قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (الصف آية 2 ـ 3)، وصور لنا الذين حُملوا التوراة ثم لم يحملوها (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) (الجمعة آية 5)، صار حالنا ونحن نقرأ القرآن ونُقرؤه أولادنا، ونربيهم على مخالفته، كالحال التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ، لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ) (مسند أحمد حديث رقم 706)، كناية على أنهم يُحَسِّنون به أصواتهم ويعرضون عن أحكامه، أو يؤولونها تأويلا فاسدا باطلا على غير وجهه.
كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءتهم الآية أو السورة يقفون عندها، ولا يجاوزونها في الحفظ والتعلم إلى غيرها حتى يعملوا بها ويلتزموا حدودها، قالوا: فتعلمنا العلم والعمل معا، فمثلا لا يقدر الواحد منهم أن يُفسد أو يتبع سبيل المفسدين وهو يقرأ (وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (الأعراف آية 142)، ولا أن يغش أو يخون فيما وُلِّيَ عليه من عمل الأمة وأُسند إليه وهو يقرأ قول الله تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة آية 205)، فكان شعارهم في فهم نصوص الوحي وتعاليم القرآن (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة آية 105)، مع تنزيل العمل والطاعات منازلها، وترتيبها في الأولويات مراتبها، فكان منهجهم أهدى سبيلا وأقوم قيلا، وبذلك كانوا أكثر أمم الأرض عدلا واستقامة وانضباطا ونموا وازدهارا، فكانوا في الإصلاح والشفافية على رأس القائمة في زمانهم.
لا شك أن رفع ظلم عن مظلوم واحد خير من التصدق بألف مصحف وبناء مسجد، لأن الأول فرض ونفعه متعد للغير، والثاني نفل وفضله قاصر على فاعله، وقد جاءت السنة الصحيحة بهذا، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (... وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ) (البخاري رقم 6137)، وقال صلى الله عليه وسلم في صوم المرأة النوافل: (لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (البخاري رقم 4899)، لأن الصوم تطوع والقيام بحقوق الزوجية والبيت واجب، ولا يُضيَّع واجب لتحصيل نافلة وعمل مندوب، وقال صلى الله عليه وسلم للذي أراد أن يتطوع بالخروج إلى الغزو وقد خرجت امرأته حاجة: (اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ) (البخاري رقم 2844)، إذ لا يحل للمرأة سفر من غير زوج ولا محرم.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَوْقِفُ سَاعَةٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) (صحيح ابن حبان 10/462)، وفي الموطأ: (أَنَّ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَدَ سُلَيْمَانَ بن أَبِي حَثْمَةَ في صَلاةِ الصُّبْحِ ... فَمَرَّ عَلَى الشِّفَاءِ أُمِّ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ لَهَا: لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ في الصُّبْحِ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: لأَنْ أَشْهَدَ صَلاةَ الصُّبْحِ في الجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ ليلةً) (الموطأ1/131).
ومن النمط المخالف لهذا الهدى في الأولويات وترتيب الطاعات في سلوك المسلمين اليوم وفهمهم المنحرف للتدين من الكثرة والشيوع ما لا يحصى ولا يُعد، فتجد الموظف في المصرف يأتيه من تأخر مرتبه فيوقع له على سلفة ربوية ويرى أنه أعان محتاجا على شراء الأضحية، وتجد الموظف كذلك الذي يخرج من مكتبه، أو المدرس الذي يغيب عن طلابه، ليعود مريضا في المستشفى أو ليُعَزِّيَ في ميت، ورئيس المؤسسة الذي يختلس أموالها، والمسؤول عن الإدارة الذي لا يراعي في دماء المسلمين ولا أموالهم وأعراضهم إلاًّ ولا ذمة، يودعهم السجون ظلما، أو يشترط لتوقيعه في إصدار ترخيص، أو إعطاء إذن في تخليص حق، أو إفراج عن أموال أو سلع، أو الحصول على عطاء في مناقصة، أو التكليف بعمل، أو القبول في وظيفة أو دراسة، أو إصدار شهادة أو معادلة، أو تقرير طبي، أو للحكم لأحد أو عليه في النيابات والقضاء، أو إعادة فتح محل تجاري كان قد قفله ظلما لإباء صاحبه الرشوة، يشترط لذلك كله الحصول على مال يأكله ظلما وسحتا، أو يشترط توظيف ابنه أو قريبه، أو إشراكه في العمل المرخَّص له، بل تجد ـ من بعض من أُسند إليه جبي الضرائب، أو الشُّرَط (جمع شرطي) الذين تولوا أمر الحسبة ومراقبة الأسواق والحفاظ على حق العامة من الغش والظلم وغلاء الأسعار ـ من يتسلط على أصحاب هذه الأسواق فيأخذ حاجياته منها دون أن يدفع الثمن، ومن طلب منهم الثمن خولف بقفل محله أو تغريمه الغرامة الموجعة، ومنهم من يشترط ـ على من يريد أن يكون في مأمن من تلك المخالفات ـ أن يخصص لهؤلاء وأمثالهم لمن يملكون قفل المحلات أو سحب التراخيص أو فرض الضرائب المجحفة مُرتبا شهريا، حتى تأشيرة الحج والعمرة التي تصدر مجانا بلغ ثمنها في حج هذا العام (1431 هـ) 5000 دينار، فذلك وأمثاله كله من الفساد والظلم يحرمه الشرع تحريما غليظا، (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا) (الفرقان آية 19)، ويعيبه كذلك عرف الناس وقوانينه الوضعية، إذ ليس له تعريف سوى الرشوة التي لعن النبي صلى الله عليه وسلم آخذها ومعطيها، ونجد من يسلك هذا السلوك الشائن من المسؤولين في الإدارات والمصالح، لا ُيعرف بين الناس وفي وسط موظفيه إلا (الحاج فلان) لأنه لا يغيب عن أفراحهم، ويواسيهم في أمواتهم، ويرونه يحافظ على التطوع بالعمرة أو الحج، وقد يكفُل ببعض المال ـ الذي تعدى عليه سحتا ورشوة ـ الأيتام، وينفق منه على المحتاجين، ويبنى منه المسجد، أو يجلس يومه فيه صائما، أو يتفقد أحواله.

لا شك أن قيامه على المسجد وصيامه في ذاته طاعة، لكن لا تنجيه هذه الطاعات من المساءلة العسيرة عما اختلسه، ولا القصاص منه ممن ظلمه، وما أنفقه من المال الحرام لا أجر له فيه ولا ثواب عليه ولا يُقبل منه، فإن الله تبارك تعالى طَيِّب لا يقبل إلا طَيِّبا كما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (مسلم رقم 1015)، ومن كف من المسؤولين في إدارته عن الظلم، وحافظ على مال الأمة في وظيفته، وَوَضَعَه موضعه، وأنصف الناس فأوصل لهم حقوقهم وأقام العدل بينهم، هو أفضل من الأول وأعظم منه أجرا، ولو لم يبن مسجدا ولم يكفل يتيما ولم يظل يومه صائما متطوعا، واقتصر في شعائره على الفرائض، فمن فعل ذلك دون زيادة أو نقصان أفلح، كما قال صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي أخذ أركان الإسلام وقال: (وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ) (البخاري رقم 46)، (فإِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا) (مسلم رقم 1827)، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا ـ وخبره صدق ـ أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (إِمَامٌ عَادِل) (البخاري رقم 6421)، وفي الخبر: (عَدْل ساعة أفضل من عبادة سنة)، وفي حديث ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (يوم من إمام عادل، أفضل من عبادة ستين سنة، وحدٌّ يقام في الأرض بحقه أزكى فيها من مطر أربعين يوماً) (سنن البيهقي الكبرى 8/162).
فأين هذا ممن بنى المسجد وأحسن إلى اليتيم ومات وفي جيبه أموال المؤسسة، وفي عنقه تبعات العباد والبلاد وظُلاماتهم.

ترك الحرام أفضل من العبادة:
يدل على أن ترك الحرام أفضل من العبادة بالصوم والصلاة وقيام الليل، قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ بِأَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَلَا شَرَابَهُ) (البخاري رقم 1804)، وفي حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِن اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) (أخرجه ابن ماجه رقم 4245، وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُقْعَدُ، فَيَقُصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الخَطَايَا، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار) (مسلم رقم 2581) .
قد يقول قائل ما الحل؟ المسلمون يعرفون هذا، وما من أحد له قدر من الفهم والعلم إلا ويشعر بهذا الفساد والتخلف الذي يعانى منه المسلمون في بلدانهم المختلفة، بل حتى العامة من الناس الذين هم جزء من نسيج هذا الظلم وممارساته لا تخلوا بواحد منهم إلا ويشكوا ـ مما يقع وما يراه من انحراف بأشكاله ـ مُرَّ الشكوى؛ من اختلاس ورشوة وغش واحتيال، والكل عاجز، ويرمى بالمسؤولية على غيره، ولسان حاله ومقاله يقول: هذه مسؤولية الحكام لا مسؤولية الأفراد! وكأن المسؤولية الفردية معطلة ولا وجود لها في أحكام المسلمين ودينهم، وللكلام بقية عن المسؤولية الفردية في مقال قادم إن شاء الله تعالى.

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
01 ذو الحجة 1431 هـ
الموافق 07 / 11 / 2010


الكاتب: ابوطلال من ليبيا
التاريخ: 12/11/2010