دراسة استراتيجية السيسي الصدمة والرعب

 


دراسة استراتيجية السيسي الصدمة والرعب

مدخل
عند تأمل ماحصل في فض الإعتصام الدموي ( رابعة) يجدر الإشارة لكتاب لمؤلفين عملا معا في معهد (راند) الذي يقدم استشاراته لجهاز المخابرات

وهما هارلان أولمان وجيمس وود أما عنوان الكتاب فهو (الصدمة والرعب) وفيه يذكران ان حروب المستقبل ستدار أساساً بالإعلام أكثر من أي سلاح آخر

وإن نشر الرسالة الإعلامية على أوسع نطاق سيربك المستهدف ويشتت قدراته، ويحقق النصر النهائي.

من أهداف هذه النظرية هو السيطرة السريعة وتدمير و إذهال الإرادة الإنسانية للمستهدف من أجل ألا يجد أي خيار سوى التسليم للأهداف التي ستملى عليه



دراسة استراتيجية السيسي الصدمة والرعب


لنأخذ على سبيل المثال على تطبيق لهذه النظرية فمع تشيلي توضع أمامنا سياسة الصدمة مع الديكتاتوريات العسكرية وكيف قامت الاستخبارات الأميركية


بدعم انقلاب بينوشيه ضد سلفادرو إليندي واغتياله بقصف القصر الرئاسي وذلك بعد نجاح هذا الأخير في تقديم نموذج ديمقراطي ماركسي أرّق كثيرا أميركا


من جراء نجاحاته الكبيرة في سياساته الاقتصادية والسياسية وكيف أنه بعد استلام بينوشيه مقاليد الحكم غرق الناس بظلم وعسف كبيرين حلا بهذا البلد


وكيف أفضى بالديكتاتور بينوشيه إلى تطبيق أفكار الصدمة الاقتصادية الرأسمالي وتحرير أسواقه للمنتج الغربي وتحويل الشعب إلى جحافل من الفقراء


وتمركز المال في يد قلة قليلة ممن يدورون في فلك بينوشيه ونظامه المتوحش وإلغاء القطاع الحكومي وتحويل الدولة إلى شرطي في خدمة الاحتكارات.


وهنا تلتقي الصدمة النفسية بالاقتصادية بالعسكرية وكلنا يتذكر مفهوم «الصدمة والترويع» الذي اتبع في قصف العراق عند غزوه مرورا بآليات التعذيب


وصولا إلى الصدمة الاقتصادية وتبخر كل ما كانت عليه المؤسسات العراقية قبل الغزو وتمركز رؤوس الأموال في يد قلة قليلة محسوبة على الصفويين .


ومما ينجح هذه النظرية هي إرباك أمن المواطن البسيط بالصراعات الطائفية من تفجير الكنائس انتظارا لردة الفعل وإخراط المسيحين بالبطش بالمسلمين


والمزاوجة بين الدولة البوليسية والسلطة الدينية الطائفية وإستجلاب تجارب الدول الوظيفية الإقليمية بتطويع الدين في القمع وكبت الحريات.


ناهيك عن فرز المدن وتقطيع المناطق كونكريتيا وتشجيع شيوع ظواهر البلطجية والقتل خارج القانون ضمن نظرية الصدمة في حرب التغيير الديموغرافية


ربما تمتد تطبيق النظرية في مصر لحرب تطهير طائفي تعمل على خلق واقع ديموغرافي جديد يتسق مع مشروع التقسيم وعبر الزعانف السياسية الإقليمية.


الآن في مصر لديهم هدف واحد محدد مغلف بشيطنة الإخوان والهدف كسر إرادة الشعب وتغيير قواعد اللعبة حتى لو تطلب ذلك إعادة مصر إلى مئة عام للوراء


ان امكانية الأخوان بل وجميع فصائل المشهد السياسي في مصر لا تقارن بإمكانية الآلة العسكرية ومازالت السكرة في أولها وسنشهد مزيدا من عمليات القتل


من السهل على الإنقلابيين شن الحرب على الأخوان وإبادتهم أو على أي فصيل سياسي لايقبل التطويع لكن من الصعوبة بمكان الخروج منها أو معرفة نتائجها


ورغم فظاعة هذه الحرب اللامتكافئة ورغم حجم الخسائر البشرية إلا أن الحيرة والإرباك والخوف من النتائج هي سيدة الموقف لدى معظم قادة الإنقلاب


بعد ان دخل الإنقلابيون المراهقون في حرب مكشوفة مع عموم الشعب المصري وبطوائفه وتجاوز الإخوان إلى التيار الإسلامي ووصف الإسلام بالفاشية الدينية


الادعاء الوحيد المشكوك فيه الذي يتفاخر فيه الآن الإنقلابيون هو ان السيسي قد استعاد قدرة الردع في مواجهة التيار الإسلامي وحسم وجودهم المؤثر


إنه يظل ادعاء مطعون فيه يصعب تصديقه حتى يرى السيسي نفسه النتائج وما زال ادعاء يقوم على تقديس القوة المجنونة والمبالغة في قدرات الجانب الآخر


بل ادعاء يتنكر كليا لمنطق التاريخ ويبخس تجارب الشعوب وعلى عدم تصديق أن قوة الشعوب المناضلة للحرية تعتمد أولا وقبل كل شيء على الإيمان بالحق


وعلى معرفة نقاط ضعف المستبد ونقاط قوته على الدوام إن أساليب المقاومة الشعبية تقوم على مبدأ مقاومة الضعيف للقوي وليس على قاعدة صراع الأنداد.


ويتبين من خلال ردة فعل الشارع المصري المتحدي الذي ظهر في جمعة الغضب أن نظرية الصدمة والرعب لم تؤت أكلها بعد, بل وأن التحدي إمتد لبيت كل مصري


وإن الشعب المصري لن يرجع للوراء , ربما تتعثر الخطى ويقف قليلا منشغلا إلا أن المصريين علموا والعالم أجمع أنهم سادة في الصمود والنضج والتصحيح


وأنك أيها السيسي لن تبلغ ما فعله الاميركان في فيتنام حين استعملوا اقصى قواهم النارية فابادوا قرى بأكملها وحطموا مدنا وقتلوا 3 ملايين فيتنامي


معتمدين على النظرية ذاتها مؤملين من انتقالها من مكان الى مكان لعل يتعظ الفيتنامي فيتراجع لكن المسألة أخذت اطارا معاكسا لآمالهم وستأخذ آمالك


الخلاصة : هل فشل الإنقلاب في نظريته؟
الاجابة نعم للاسباب الاتية :
اولا :ان المعتصمين فعلا اصحاب قضية عادلة .وهم من يمثلون الشعب المصري ...


ثانيا:ان السيسي فعلا لا يمثل الجيش وهذا طبيعي فالمخابرات الحربيةعادة لا تمثل كل الجيش بقدر تمثيلها للقيادة السياسية التى وضعت قواعد ولاءاتها


ثالثا:ان السيسي لا يعتمد على الجيش في هذا الانقلاب بل يعتمد على بعض الكتائب التابعة له والمبرمجين استخباراتيا كالفرقة 21 حرس جمهوري


وبعض القنوات الاعلامية المشبوهة في تزييف الوعي المصري ولن يصمدوا طويلا مع إفاقة الوعي المتنامي وقوة النضج التي إلتهبت في الشعب المصري ...


رابعا : ان الانقلاب تم تأسيسه على تغطية اعلامية كاذبة مع غلق الاعلام المضاد وبالتأكيد أثبت فشل إستمرارية هذا المحور بعد التغطية المتعددة


من بعض القنوات ووكالات الانباء العالمية اضافة الى صفحات التواصل الاجتماعية الرهيبة المفعول والمتعاطفة مع المصابين والمتأثرة بالتضحيات.


خامسا : ان الانقلاب تم تأسيسة على نظرية الصدمة والرعب ومن خصائص تلك النظرية هو قصر الوقت عمل اجراءات سريعة جدا لتثبيت الواقع الجديد


واستغلال ارتباك الخصوم من المفاجأة لان اطالة الوقت هنا تكشف كل الوقائع المزيفة السريعة ... فالوقت ليس في صالح الانقلابيين


وهذا ما يفسر ارتباكهم الشديد وتبعثرهم وتأثرهم الواضح بضبابية القرار الأمريكي وعدم الدعم الصريح للإنقلابيين مما حدا بالسيسي بوصفه بالتخلي عنه


سادسا: ان الغرب وان كان يتمنى نجاح الانقلاب بل وكان جزء منه بشكل او بآخر ولكن بطول مدته وصمود الشعب المصري وسلميته إرتبك مشهد المتآمرين.


سابعا: ان من يدعون بمعارضة النظام المولود بعد ثورة يناير لم يستطيعوا اخفاء كراهيتهم للاسلام وليس للاخوان بل تشجعوا بالهجوم على الاسلام نفسه


ووصفوه بالفاشية الدينية وهذا ما لن يقبله المصريين ابدا, فالتدين والإسلام جزء مهم وضارب الأعماق في النسيج المجتمعي ولن يرحموا التطرف العلماني


ثامنا:أن تلك القوى المتمردة يعلم الجميع وعلى رأسهم السيسي انهم لا كيان قوى لهم ولاعمق شعبي لهم بل هم في داخلهم عداءات وأطماع ولن تصمد جبهتهم


تاسعا: المسألة لازالت داخل اطار ممارسة ضغوط كبيرة على التيارات الاسلامية المؤهلة لقيادة المرحلة بمشاركة للتيار العلماني الإنقلابي


على ان يقوم التيار الاسلامي ببناء هيكل الدولة الحقيقي ولكن يوجهها الفكري العلماني المتطرف المحمي بالجيش على الطريقة التركية


وبالتأكيد تمكين ذلك التيار الموالي للغرب من المؤسسات السيادية وإشغال العشرين سنة قادمة بهذا المنعطف وما فعله السيسي هو خير دليل على هذا .


اخيرا: هل كان يعلم الرئيس مرسي هذا ؟
أعتقد نعم كان يعلم ولكنه دفع بالانقلابيين الى هذا الانقلاب مبكرا قبل التمكن من امتلاك ادوات نجاحه كاملا


وهذا من خلال تصريحاته المسجلة آخرا لعلمه المسبق بفشل الانقلاب واثاره الايجابية على مصر وشعبها وعلى المشروع الاسلامي . وأيقظ الشعب بالتنبه !


وجعل الإنقلابيين في مواجهة مكشوفة مع الشعب بصموده البطولي مع كل الإغراءات له ولجماعته من السفيرة آن باترسون وأنه ضحى من أجل الشعب وإرادتهم.

المصادر متعددة


الكاتب: مسلمة
التاريخ: 04/10/2013