ربط المجاهدين بأسماء رب العالمين ـ الجزء الثاني

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد


فهذا الجزء الثاني من ربط المجاهدين بأسماء رب العالمين

إسم الله الغافر- الغفور-الغفار:

أصل الغفر التغطية والستر , غفر الله له ذنوبه أي سترها
وهو سبحانه الذي لم يزل ولا يزال يغفر الذنوب لعباده , كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته, وقد وعد بالمغفرة لمن أتى بأسبابها بل من فضله وجوده وكرمه, وأنه تعهد بأن يبدل سيئات المذنبين إلى حسنات قال تعالى :"فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما"
وقوله تعالى :" إن الله لا يغفر أن يشرك به "
يبين المقيم على الشرك حتى الوفاة لا غفران لذنوبه ,لأنه لم يبدل حسنا بعد سوء , ولا نهم لم يخلصوا دينهم لله , ولم يصلحوا من أحوالهم, وأما إذا حصل ذلك فإن المغفرة تحصل لهم مع المؤمنين قال تعالى :" إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما"
واتصاف الله سبحانه بأنه ((غفار)) للذنوب والسيئات, فضل من الله ورحمة عظيمة للعباد, لانه الغني عن العالمين , ولا يغفر لهم خوفا منهم ايضا لأنه القوي العزيز, وقد نبه الله عباده إلى هذا الامر في القرآن الكريم عدة مرات ,باقتران اسمه الغفور مع العزيز كقوله تعالى :"إن الله عزيزا غفورا "
فإذا علمت وفقك الله إلى التوبة النصوح بهذا الاسم ازداد رجاؤك بالله ,وكثر دعائك بهذا الاسم طلبا للمغفرة , فان العبد لا ينفك عن ثلاث إذا أذنب استغفر , واذا ابتلي صبر , و إذا أنعم شكر .
ولا تنسى وفقك الله أن للذنوب أثر في هزيمة المسلمين وتأخر نصرهم بل هي من أعظم أسباب الهزيمة , فلاتكون ذنوبك سبب في تأخر النصر ولا يخفى عليك قول عمر بن الخطاب إنكم لا تقاتلون عدوكم بعددكم ولا عتادكم إنما تقاتلون بأعمالكم ,فافقه هذا بارك الله فيك واعمل الصالحات وتب إلى الغفور الغفار من الصغائر والكبائر ولا تنسى سنة المصطفى المهجوره فلقد كان لا يقوم من مجلس يجلسه إلا يستغفر الله مئة مرة .
والاستغفار من صفات الصالحين كما قال تعالى :" وبالاسحار هم يستغفرون"
فعليك بهذا الوقت الشريف الدعاء بهذا الاسم بالمغفرة
نسأل الله لنا ولك المغفرة وللمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات
ولاتمام الفائدة ولما فيه من سورة النصر من ترابط مع هذا الاسم سأنقل لكم ما قال الشيخ السعدي رحمه الله وسيد قطب.
يقول سيد قطب في تفسير سورة النصر:في قوله تعالى لرسوله "فسبح بحمد ربك وستغفره انه كان توابا"
قال الاستغفار لملابسات نفيسه كثيرة دقيقة لطيفة :
الاستغفار من الزهو الذي قد يساور القلب أو يتدسس إليه من سكرة النصر بعد طول الكفاح إليه وفرحة الظفر بعد طول العناء . وهو مدخل يصعب توقيه في القلب البشري ,فمن هذا يكون الاستغفار.
والاستغفار مما قد يكون ساور القلب من ضيق بالشده واستبطاء لوعد الله بالنصر وزلزلة كالتي قال عنها في موضع أخر" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا أن نصــــر الله قريــــب"
والاستغفار من التقصير بحمد الله وشكره فجهد الانسان مهما كان ضعيف محدود, وآلاء الله دائمة الفيض والهملان ..:" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"
وهناك لطيفة آخرى للاستغفار لحظة الانتصارففيه إحاء لنفس واشعار في لحظة الزهو والنصر بأنها موقف التقصير والعجز.
فأولى لها أن تطامن من كبريائها وتطلب العفو من ربها.إنتهى.
(ولقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لكم أيها المجاهدون فقد أمره ربه أن يستغفر ويسبح ربه في حالة النصر فقتدوا برسولكم صلى الله عليه وسلم)
قال السعدي رحمه الله في تفسيره لسورة النصر:وأما الامر بعد حصول النصر والفتح, فأمر الله رسوله أن يشكر ربه على ذلك, ويسبح بحمد ربه ويستغفره .
وأما الاشارة فإن في ذلك اشارتين : إشارة لأن يستمر النصر لهذا الدين ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره من رسوله , فإن هذا من الشكر , والله يقول : "ولئن شكرتم لأزيدنكم"
وقد وجد في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم ي هذه الامة , لم يزل نصر الله مستمرا ,حتى وصل الاسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الاديان, ودخل فيه ما لم يدخل في غيره , حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث فابتلاهم الله بتفرق كلمة وتشتت الأمر فحصل ما حصل. وقد عهد أن الامور الفاضلة تختم بالاستغار والحج وغير ذلك .انتهى.
ونختم في بيتين لأبن القيم قالها في نونيته:
وهو الغفور فلو أتى بقرابها من غير شرك بل من العصيان
لأتاه بالغفران ملئ قرابها سبحانه واسع الغفران
وإلى لقاء قريب مع اسم آخر بإذن الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين


الكاتب: أبو هاجر
التاريخ: 08/01/2011