ابنُ آدم .. وابنُ آوى !!

 

ذات مرة نَشبَ جناحُ غرابِ في أغصان هذه الشجرة .. ثم جَهِدَ الطائرُ الأسيرُ أن يُخلِّص جناحَه بالإضطرابِ والإجتذابِ فما استطاع .
فحطَّ بالقربِ من غرابٌ راح ينعب نعيب المستغيث وهو يثبُ صاعدا هابطا حتى أقبلَ على صوت الإغاثةِ غرابان حوَّما فوق أخيهما المصاب ثم أطلقا في الفضاء نعيقا مُنذرا.
فلم تكن غير لحظات حتى تتابعت الغربان التي عقدت على رؤوس الأشجار مناحةً ظلت طيلة النهار لاينقطع لها صوت .. ولاتفتر بها حركة .
كانت الغربان تُحدِّق بي وكأنها تضرع اليَّ أن انقذ أخاها المسكين فأنقذتُه لينطلقَ مع رفاقه الأوفياء ..
الغرابُ لم يتركه قومُه حتى أنقذوه ولارسول ارسل اليهم ولاكتاب انزل عليهم !!
أما الآدميون فقد تركوا اخوتهم لعدوهم
وتركهم عدُوهم للجوع والموت ..

***
وطنٌ يستبيحه الغريب ..
وشعبٌ يتخطفه الموت ..
وحقٌ يتحيفه الباطل ..
وحالٌ من الحصار تقطع الرجاء .. وتوهي الجلد .. لولا إيمانُ المسلمِ وإستماتة ُالمظلوم ِ!!

وطنٌ َتستبيحُ ذِمارَه طرائدُ البشر ِ وأخواته في العروبة والاسلام مطمئناتٌ على ضفافِ الأنهُر النضّاحة بالنعيم ..
ينظرون نظرَ الأبْلَه المشدوه وهو يعيشُ الحصار .. ويمشي في النار .. ويخوضُ في الدم ..
وابناؤه الاُباةُ يغاديهم الفزع .. ويراوحهم الموت وهم يدافعون عن حقهم في الحياة .. وينافحون عن مرقدهم من الارض .. يقولون للواغل الدخيل :
( لئن تنثر أشلاؤنا على اديم الوطن .. وتقبر اجسادنا في ثرى الأجداد أحب الينا من العيش شرداء في كل طريق .. طرداء في كل بلد !!
**
الغراب لم يتركه قومه حتى أنقذوه
والآدميون لايملكون لإخوتهم في النّسب والعقيدة الاّ عزاء المجامل .. ورثاء الشاعر .. ودعاء العاجز .. وبكاء النساء ؟
ياقوم .. إن ذهبت عصبية الجنس فهل ذهبت نخوة الرجولة ؟
إن ضعفت مروءة الانسان فهل ضعفت حمية الدين ؟
إني لا أقول لكم تطوعوا فهذا عليكم كثير ..
ولكني أقول تبرعوا !!
فهل ترون أن التبرع للجريح بالدواء .. وللجائع بالغذاء نقض لمعاهدة او غدر بصداقة ؟ !!

إن أقل مايجب للقريب على القريب .. وللجار على الجار :
يدٌ تواسي في الشدة ..
وقلبٌ يخفق في المصيبة ..
ولسان يعتلج في المظلمة ..
فهل ستظلون واقفين موقف الخَليِّ المتفرج .. يسمع الانين فلا يهتم ..
ويبصر الدم فلا يكترث ..
**
أقول لنفسي والخجلُ والعجبُ يتعاقبان على وجهي :
جيراننا كرامٌ يُصفون المودّة ويصدقون العطف فلماذا نجعل بيننا وبينهم سدَّا ؟
أما انهم قطعة من جسمنا .. وكلمة من اسمنا .. فهذا محفور في قلوبنا ..
إن من وراء حدودنا البرية ياقوم أنسابا تتصل بأنسابنا يجب ان تُؤلف ..
وأسواقا تفتقر الى انتاجنا ينبغي ان تُوفَى ..

فمن ذا الذي يفتح عيونه ويمد قرونه ويقول ان ابن آدم خيرٌ من ابن آوى ..
وهل نجد في كتاب الحياة ابلغ في تسجيل العجز على الانسان من المقارنة بين الغراب واخوته .. وبين الآدميين واخوتهم ؟

العبّادي


الكاتب: العبّادي
التاريخ: 16/01/2010