مذكرات مجاهـد في العراق

 

حسين المعاضيدي


عرفته في سوح الجهاد حينما كنت أغطي صحفياً مناطق غرب العراق، هو أحد الأبطال الذين قّتل وهو يدافع عن شرف هذه الأمة، التي ابتليت بتعدد أعدائها، وكثرة مريدي الزوال لها، وبكثرة خونتها من المحسوبين على أبنائها، تحدثت إليه حينها، واستمعت له، وطلب مني أمراً كنت أراه فوق طاقتي، حتى حانت ساعة تحقيقه، فقد طلب مني نشر مذكراته التي كتبها، وسلمني إياها حينها، مشترطاً عدم نشرها إلا بعد تأكدي من مقتله..

مرت الأيام ودارت السنون، وسقط الليث قتيلاً بنيران المحتلين الأميركان وهو يقاتل في أرض الجهاد، وبعد سماعي بنبأ مقتله، وتأكدي من ذلك، قررت نشر مذكراته التي استودعني إياها، وأمنني عليها، وكما كتبها قبل أن يُقتل، مقبلاً غير مدبر في أرض الجهاد، مع بعض التعقيبات مني على هذه المرحلة التاريخية من حياة الأمة والإسلام، التي كنت شاهداً على جزء كبير من أحداثها كحال الكثير من المسلمين.

إليكم مذكرات شهيد مجهول لم يعرف عنه يوماً غير الأيمان منهجاً، والبطولة صفةً، فعاش بسيطاً، وقاتل بشراسة حتى قتل، ليموت ميتة الشهداء، أنه (أبو حفص العراقي) الذي سأقوم بنشر مذكراته التي استودعني إياها على شكل حلقات، يوثق فيها بدايات العمل الجهادي في العراق، وبدايات التصدي للمشروع (الأميركي _ الصهيوني _ الفارسي) في أرض الأمجاد.. وإليكم أولى هذه الحلقات التي حملت تسمية (مذكرات مجاهد):

الحلقة الأولى

إلى كل من سالت دمائهم رخيصة في سبيل الله.. شهدائنا الأبرار

إلى كل المجاهدين في سبيل الله.. فوق كل أرض وتحت كل سماء

إلى كل من أثقلهم القيد.. إخواننا الأسرى

إلى كل من آوى ونصر وجاهد وصبر..

ولكل أرملة ويتيمة وثكلى..

إلى أعز إخواني، ومن لهم عليّ الفضل والإحسان، بعد الله عز وجل، (أبو رغد العتيبي) و(أبو محمد اللبناني)..

وإلى هؤلاء.. أبو يونس اليمني، أبو حكيم اليمني، أبو عكاشة اليمني، أبو أسامة الزهراني، أبو العباس المالكي، أبو عبيدة الأردني، أبو عبد الله العتيبي، أبو صقر اليمني، أبو تراب السوري، أبو خالد الأردني، أبو طارق اليمني، أبو حفص النجدي، أبو الدرداء الأردني، أبو مالك الطائفي، أبو البراء العتيبي، أبو عاصم اليمني، أبو حمزة النجدي، أبو بكر النجدي، أبو بصير الثبيتي، أبو ريان النجدي، أبو دجانة اليمني، بلال النجدي، أبو أنس العتيبي، أبو همّام الأردني، أبو مصطفى الجزائري، أبو خطاب الليبي، أبو الدرداء الفلسطيني، أبو تمام اليمني، أبو الفتح السوري، أبو مصطفى السوري، أبو القعقاع الأردني، أبو مجاهد الشمري، أبو خطاب الشمري، أبو الزبير التبوكي، أبو عمر النجدي، أبو شهيد الجزائري، أبو بكر القحطاني، أبو سليمان النجدي، أبو محجن النجدي، أبو صهيب النجدي، أبو القعقاع الجزائري، أبو كنعان اليمني، أبو ماهر النجدي، أبو عبد الله المكي، أبو جابر السوري، حيدرة السوداني، عبد القادر السوري، أبو عماد اليمني، أبو عبد الله اليمني، أبو بلال الكربولي، أبو وقاص الفلوجي، أبو الزبير النجدي، أبو الدرداء اللبناني، أبو مجزءة السوري، أبو دجانة الجزائري، أبو قسورة السوري.. وبقية الإخوة من المعسكر الثاني الذين لم يتسن لي معرفة أسماؤهم، إلا أن صورهم محفورة في ذاكرتي..

إلى كل هؤلاء أقول لهم بارككم الله على نصرة أخوانكم في العراق، يا من التحقتم بجحافل الجهاد في أرض العراق، نصرة لدين الله، ونصرة لنبي هذه الأمة، ونصرة لكل مظلوم، ولكل حرة سبيت على يد الطواغيت، الكفرة الفجرة، في كل أركان العالم من حولنا، ولكل هؤلاء اُهدي إليهم هذه المذكرات، التي قد ترى النور يوماً بعد مقتلي على يد المحتلين أو على يد عملائهم، أو ربما لا ترى النور فتضيع، فتموت بموتي حقائق ما جرى من أحداث يشيب لها الولدان، من بطولات وأحداث لا يكاد يصدقها عقل!!

للمرة الرابعة أعاود كتابة هذه القصة، دون ملل من العيش في أجوائها، واستذكار لحظاتها، بعد أن كان الدافع الرئيسي هو الطلب من أخي الحبيب أبو محمد اللبناني، ففي المرتين الأوليتين كانت القصة من نصيب الأمريكان، أما المرة الثالثة فقد أهملتُ الطباعة، وضاعت المسودة، حتى أصبحت للقصة قصة، ثم عاودت الكتابة دون يأس من إتمام ما بدأت، وفاءً مني للإخوة، ورغبة في تدوين أحداث ما جرى، ولا يزال يجري في بلاد الرافدين.. ولقد أجهدتُ نفسي بكتابة كل صغيرة وكبيرة من الأحداث، متحرياً الصدق والأمانة والدقة في ذلك، مع إدغام بعض التفاصيل، لمحاذير أمنية تخص أمن الأشخاص، ولا تمس بصلب القصة، سائلاً الله، عز وجل، أن ييسر لنا الأمور، ويكتب لنا الأجور.

بشديد من الاختصار، وبمرور الكرام، سأتناول هذه المرحلة، التي لا يخفى شيء من تفاصيلها على أحد، لأنها تتناول أحداث البلد عموماً..

بطبيعة الحال كان الجهاد بالنسبة لأهل العراق ضرب من التأريخ القديم، فقد كان الناس مُغيَبين عما تمر به الأمة من ويلات وأحداث جسام، فأفغانستان حرب أهلية، والشيشان حركة انفصالية، وكوسوفو أطماع دولية، وهلم جراً، أما أنا ففي تلك الأيام، وكلما قرُب شبح الحرب بت أشعر بقرب نهاية الجلوس، واقتراب أيام الجهاد، ولكي تكون البداية مدروسة قمت بكتابة مجموعة من النقاط والمبادئ المهمة في تشكيل الجماعة المسلحة، تناهز الأربعين نقطة، إلا أنني لم أجد من يهتم بقراءتها حتى بعد بداية الحرب، وكان هناك بعض الإخوة يشاطرونني نفس الشعور، ويحملون نفس الهم, فضلا عن أن مصير البلاد سيبقى رهن المجهول في ظل احتلال لا يوقر كبيراً ولا يرحم صغيراً، بل وحتى هوية العراق العربية والإسلامية مهددة بالتحريف والتزييف.

لذلك فقد قررنا التهيوء لمرحلة مبهمة قادمة أحد أطرافها احتلال أمريكي، فقررنا إعداد العدة المعنوية والمادية قدر الإمكان لحمل السلاح، مع أن أحدنا كان لا يمتلك ثمن بندقية، ولكن المهم هو العزم والأخذ بالأسباب ليكون عملنا هذا معذرة إلى الله عما تمر به الأمة من ويلات، فقد كان الحال هو أن ننتظر بداية الحرب، لنحمل لواء المعركة.

وعلى هذا كان الأمر بأن نسعى لإعداد العدة المعنوية والمادية قدر المستطاع، فكنت دائم الزيارة لبعض إخوان العقيدة فأحرّضهم على امتلاك السلاح، وأحثهم على ذلك، دون ذكر شيء من هذه الأمور لهم.. وقد بدأنا بهذه الأمور على قلة العدد وانعدام العدة، فتبلورت نواة صغيرة جداً لجماعتنا، مما شجعني على كتابة (الرايات السود) والاحتفاظ بها في منزلي، وذلك قبل بدء الحرب ببضعة أشهر، ولم أكن اعرف أن هذا الإعداد كان يجري أيضاً في بعض المناطق الأخرى، وعلى مستوى متفاوت من ناحية الترتيب والعدة المادية.

أما نحن فقد استقر الأمر على جعل أحد الإخوة أميراً للجماعة، سنسميه في قصتنا هذه، (أبو نسيم)، وهو من الإخوة الأعزاء الأفاضل، وكانت للكفاءة الكلمة الفصل في تقييم القادة.

وهكذا مضت الأيام، والأحداث تتأزم وتتابع، وباتت الأحداث تلهو بنا، كما يلهو الريح بزورق صغير في يوم عاصف، حتى جاء يوم (20/3/2003)، حيث بدأت شرارة المعركة الأولى، لتبدأ معها صفحة جديدة من صفحات التاريخ، لترفع شأن أناس، وتضع شأن آخرين، وليصبح ذلك التاريخ نقطة تحول في تاريخ المنطقة، وتاريخ الإسلام، بل والعالم بأسره!

كان الوضع في مدينة القائم بعيداً نوعاً ما عن أحداث المعركة، فلم تكن هناك ثمة جبهة قتال في تلك المناطق، وأذكر عندما كنت استقل القطار فيمر بتلك الصحاري الشاسعة غرب العراق، أقول في نفسي، لا شك أن هذه المناطق ستكون من نصيب الأمريكان منذ اللحظة الأولى، بل أن (صدام) لن يضع جندياً واحداً في هذه المناطق، لأنها خسارة لا شك فيها.

ولما بدأت الحرب، كان الأمر كما توقعت، إلا أن هناك أمراً قد طرأ على ساحة الأحداث غيّر مجرى الأمور، ولم يكن بالحسبان، آلا وهو دخول الإخوة العرب للمشاركة في القتال، فقد تدفق الإخوة من كل حدب وصوب نحو الحدود العراقية، ليدخلوا بالمئات، إن لم يكن بالآلاف، ليكون لهم نصيب من هذه الحرب.

أما المنظر في مدينة القائم فقد كان يبعث على الفرح أحياناً، وعلى الحزن أحياناً أخرى، أما الأفراح فكانت تتمثل في رؤية هذا الكم من الشباب المسلم وهو يحمل هذا العزم والهمة ومجيئهم من كل بلد ليقاتلوا أعداء الله، وأما ما يبعث على الحزن فهو المصير المجهول الذي ينتظر البلاد في نهاية نفق هذه الحرب، وكم كان يحزَّ في النفس أن نرى هذه الجموع المجاهدة بهذه الهمة والحماسة تزفهم سيارات الجيش إلى خط المعركة الأول دون تدريب، بل ودون سلاح أحياناً، وكان القلب يتقطع أسىً وحزنا على هذا الأمر.

في خِضم تلك الأحداث لم يتردد الإخوة بمفاتحة عدد من العرب بالانضمام إلينا وفعلا رحب الأخوة العرب بالفكرة ولم يكادوا يصدقوا ما سمعوا، بل أن هؤلاء الإخوة أخذ يُبلّغ بعضهم بعضاً بهذا الأمر المستجد، كما أن بعضهم كان قد رفض الدخول إلى العراق تلك الفترة وفضل البقاء لحين تمايز الصفوف ثم يدخل ليباشر القتال.

أن السبب وراء هذا الانتظار وعدم المشاركة في الحرب في أولها يعود لسببين أولهما، رفض المنظمات الحزبية تسليح ومشاركة الكثير من أبناء تلك المناطق، خوفاً من انقلابها عليها، مستذكرين بذلك حرب الخليج 1991 وما حصل في الجنوب، والسبب الثاني، أننا لم نكن نطمح لقتال الأمريكان فحسب، وإنما كانت غايتنا إعداد (مشروع جهادي إسلامي) مدروس منذ خطواته الأولى، لهذا فإن الفكر والدافع في كل حركة أهم من العدد والإمكانيات، وبالطبع بعد هذه الخطوة لم نكن لنترك الإخوة جالسين في المساجد فلابد من أخذهم معنا، وفعلا تم تجهيز بيتين فارغين كان احدهما يعود للأخ (عمر حديد)، حيث كان يسكن فيه حينما كان مطارداً قبل الاحتلال، علماً أنه كان في الفلوجة حينها، لكن لم يكن لديه أي علم بهذا الأمر، وكان عدد الإخوة قرابة الثلاثين أخاً من شتى البلدان، وكان في مقدمتهم أحد الإخوة مبتور الساق، يتجاوز عمره الثلاثين عاماً يدعى(أبو رغد العتيبي)، وقد أصبح مسؤولاً على الإخوة في هذين البيتين نظراً لسابقته في الجهاد في أفغانستان.

وبالطبع كان عدد الإخوة كبيراً مما ضَيّق عليهم المكان نوعاً ما، وقد بدأت المعاناة من هاهنا، وبالرغم من الجلوس في البيوت دون خروج أو تنفيه عن الصدور إلا أن (أبا رغد) كان قد وضع جدولا وبرنامجاً للإخوة، يتضمن عدة تفاصيل أهمها الإعداد الإيماني والذي يتمثل بالدروس وحفظ سورتي التوبة والأنفال، مع بعض الدروس الأخرى، خاصة وأن في الإخوة نماذج فريدة من طلبة العلم وغيرها من الاختصاصات والخبرات، وكذلك وضع (أبو رغد) برنامجاً غذائياً صارما للإخوة مع أن اغلبهم لا يزال حديث عهد بالدعة والرفاهية، إلا أن كل شيء يهون في سبيل الله..

في تلك الأثناء جاء الأخ (عمر حديد) بزيارة للمنطقة، ولم يكن أحد يعلم بوجودهم في هذين البيتين، وعندما وصل المدينة توجه إلى بيته ليتفقده، ففتح الباب وتفاجأ برؤية الإخوة في البيت، كما تفاجأ الإخوة بدخوله أيضاً، فأخذ يسأل كل واحد منهما الآخر وعن سبب وجوده هنا، إلا أن (عمر حديد) كان قد علِم أن الإخوة الأنصار(وهي التسمية التي تطلق على المجاهدين العراقيين)، قد أجلسوا الإخوة في بيته، فأخذ يمازحهم ومن ثم أخبرهم بأنه صاحب الدار، عندها جلس معهم واستأنس بعضهم ببعض، فقد كان بشوش الوجه، لا يمِل ولا يُمل.

إلا أن أمراً كان يقطع على الإخوة نشوتهم وفرحتهم ألا وهو نقص السلاح، أو انعدامه بعبارة أصح، فلم تكن في حوزة الإخوة سوى بندقية واحدة، يتناوبون عليها في الحراسة، عند ذلك ذكر أحد الإخوة وهو (أبو همّام الأردني) أنه وحينما كان يقاتل في الرمادي كان بحوزتهم بعض الأسلحة، منها ثلاث عشرة بندقية، وبعض قاذفات الـ (RBG) ، عندها لم يتردد الإخوة في الذهاب لإحضارها، وفعلا سار من الغد إلى الرمادي الأخ (عمر حديد) والحاج (حسن عارف) و(أبو همّام) و(أبو أحمد)، وهو شقيق الأمير، ووجدوا الأسلحة في مكانها فحملوها في السيارة، وقفلوا راجعين إلى القائم، وفي غمرة تلك الفرحة واجهتهم في الطريق نقطة تفتيش للأميركان لم يكن لهم عنها مفر، ولم يكن أمامهم سوى المواجهة، أو التسليم، ولكن هيهات لهؤلاء الأبطال أن يسلموا أنفسهم!

أمسك الحاج (حسن عارف) بمسدسه الذي لا يفارقه، وحمل (أبو همّام) سكيناً، فيما قام (أبو أحمد) بسحب بندقية من تلك البنادق بينما كان (عمر حديد) يقود السيارة، وجهز الأخوة أنفسهم للمواجهة، وعندما وصلت سيارتهم إلى نقطة التفتيش، أشار إليهم الجندي الأمريكي بأن يسيروا ويعبروا نقطة التفتيش دون أن يتم تفتيش سيارتهم، فنجّاهم الله، وما أن تجاوزوا السيطرة حتى أوقفوا السيارة، وسجدوا لله شكراً، فكانت لهم فرحتان، فرحة النجاة، وفرحة إيصال السلاح للإخوة، وعندما وصل السلاح للإخوة فرحوا به فرحاً عظيماً.

في تلك الأثناء كانت الحرب قد وضعت أوزارها بين الطرفين المتنازعين، لترجح كفة الأميركان على كفة الطرف العراقي، مما حدا بالكثير من الأخوة العرب الرجوع ليجتازوا الحدود مرة أخرى ولكن عائدين هذه المرة إلى ديارهم وبلدانهم، إلا أن البعض الآخر من الأخوة العرب كان قد فضل البقاء لقتال الأميركان، فانتشروا في ربوع المناطق الوسطى والغربية، أو ما تسمى بالمناطق السُنية، وخاصة في الأنبار، وكان من هؤلاء (أبو قسورة السوري) و(أبو دجانة الجزائري) حيث لحقوا بركب الإخوة في هذين البيتين، إلا أن الأمر ما كان ليبقى على هذا الحال، فالمكان بدأ يضيق بالإخوة، كما أن الظرف الأمني ليس ملائماً حيث أن الوضع الراهن لا يزال مجهولاً ولا شيء يبدو واضحا في الأفق، مما حدا بالإخوة لتغيير المكان، فقاموا بنقل الإخوة إلى بيت آخر كبير، على مقربة من ناحية (العبيدي) في مدينة القائم أيضاً، وظل الإخوة مستمرين بمنهاج التدريب الروحي إضافة إلى البرنامج الغذائي الصارم، حيث كانت وجبة الطعام عبارة عن تمرة واحدة فقط، أي ثلاث تمرات لا غير في اليوم والليلة!

لم يدم بقاء الإخوة في هذا المكان حيث أن البعض قد لاحظ وجود الإخوة وحركتهم، رغم أن هذا البيت كان معزولاً، بل أنه الوحيد في تلك المنطقة، وهنا انقطع التفكير بمسألة البيوت، مما حث الإخوة على البحث عن مكان بديل وبعيدٍ جداً عن المدن،ليوفر للإخوة حرية الحركة وإمكانية التدريب البدني والعسكري.

انتهت تفاصيل الحلقة الأولى في رحلة الألف ميل والتي بدأت بخطوة، والخطوة الأولى هي أصعب مراحل العمل، فمنها تكون الانطلاقة وفيها أساس العمل، وأن كانت راسخة وثابتة تكون مسيرة الرحلة مهما صعبت تظل مستمرة..

من هنا لم تكن بداية العمل الجهادي والمقاوم في أرض العراق بالسهلة، فمن تأمل بسيط لما تم استعراضه في هذه الحلقة نرى صعوبة الحال وضيق ذات اليد، ومثلما بدأت الرسالة المحمدية برجل، بدأت مسيرة الجهاد في بلاد الرافدين بثلة بسيطة من الشباب المؤمن المجاهد الذين شكلوا نواة حقيقة لعمل جهادي انتشر بعد ذلك في كل ركن من أركان البلاد، هذه البلاد التي وصفها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه بجمجمة العرب ورمح الله في أرضه، هذه البداية، رغم بساطتها وصعوبتها في ذات الوقت، فتحت الطريق على مصراعيه للوقوف بوجه المخطط (الصهيوني - الصليبي - الفارسي) ضد بلاد الإسلام ولتثمر بعد ذلك عن ولادة فصائل وجماعات مسلحة إسلامية وأخرى مقاومة والتي حاول المحتل بمختلف الطرق والوسائل التهرب من المواجهة معها وجهاً لوجه، ما دفعه لاستخدام الطرق الخسيسة والوضيعة والتي لا تحمل شهامة فرسان المعارك ضدهم!

كما ويتبين لنا من استعراض الحلقة الأولى أن للمجاهد في سبيل الله رسالتين في الحياة، رسالة الدفاع عن الإسلام ورفع رايته، وأخرى تأسيس أرضية صحيحة لمشروع جهادي ينهض بالإسلام ويعيد الحق السليب للمسلمين..

وستقرأون في الحلقة القادمة كيف أن أبطال الجهاد انتقلوا من البيوت الضيقة في المدن إلى الصحاري الواسعة المكشوفة، ليقيموا هناك أولى معسكرات التدريب في أرض الجهاد والرباط، أرض العراق، وما سيرافق ذلك من صعاب وابتلاءات لنفر، لا يتجاوز عددهم الخمسة وثلاثين شاباً، تركوا حطام الدنيا نصرة لدين الله، وسعياً لتحرير أرض الإسلام المغتصبة على يد الصهاينة والأميركان والفرس في بلاد الرافدين، ليسيروا نحو الذرى، وكل طعامهم آنذاك تمرات ثلاث في اليوم والليلة ليس إلا !!




الكاتب: ابومحمد العراقي
التاريخ: 18/07/2010