سنة الاستضعاف ومرحلة التمكين ..

 

بسم الله الرحمن الرحيم
سنة الاستضعاف ومرحلة التمكين

يقول الله تعالى : َ( نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي
الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُم فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) (القصص:5،6) .

ويقول تعالى: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ) (العنكبوت:39).

وقوله تعالى: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ، وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ ، واتبعناهم فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) (القصص:40 ،41 ، 42 ) .

لقد استوقفتني هذه الآيات من سورة القصص كثيرا و أكثرت من التأمل فيها لأنها تتكلم عن سنة من سنن الله سبحانه وتعالى في الأرض تتكرر كثيرا على مر الأزمان وتعتبر هذه السنة هي المطمئنة لنفوس المؤمنين وهي التي تبث الأمل في قلوبهم لما أخبرهم الله به من حال السابقين وعدم انفصال ذلك في الزمان .

إن المتأمل في سورة القصص( اغلب الكلام ليس لي فيه إلا التلخيص والترتيب غالبا ولكن دون ذكر المصادر حتى يقوم طلاب العلم بالبحث والكتابة فهذه محاولة استثارة وبعث أمل ورجاء وربط بالكتاب والسنة والتاريخ الإسلامي العالمي حتى يتجلى للإنسان ما يشاهده من أحداث محيرة وليتعرف على طريقه وسط الألغام) يجدها تتميز بالكلام عن التمكين بعد الاستضعاف فهذه السورة مكية نزلت في مكة على المسلمين وهم قلة مستضعفة والمشركون هم أهل السلطان والجبروت فيها ، فأتت هذه السورة في هذا الواقع لتبين موازين القوى والقيم وأنها تعود إلى قوة واحدة في هذا الوجود ألا وهي قوة الله وأن القيمة الحقيقية في هذا الكون هـــي
قيمة الإيمان فمن كانت قوة الله معه فلا خوف عليه ولو كان مجردا من كل مظاهر القوة ، ومن كانت قوة الله عليه فلا أمن له ولا طمأنينة ولو ساندته جميع القوى .

ومن كانت له قيمة الإيمان فله الخير كله ، ومن فقد هذه القيمة فليس بنافعه شيء أصلا.

ومن ثم يقوم كيان السورة على قصة موسى وفرعون في البدء ، وقصة قارون مع قومه في الختام . ففرعون بغى على بني إسرائيل واستطال بجبروت الحكم والسلطان ،وبغى قارون عليهم واستطال بجبروت العلم والمال وكانت النهاية واحدة ، هذا خسف به وبداره وذلك أخذه اليم هو وجنوده ، ولم تكن هناك قوة تعارضها من قوى الأرض الظاهرة و إنما تدخلت قدرة الله واضحة فوضعت حدا للبغي والفساد حينما عجز الناس عن الوقوف للبغي والفساد - . انظر مازالت عوامل التسلط مستمرة بالسلطان والعلم والمال ولعل النهاية واحدة .


قاعدة :- أنه حين يتمخض الشر ويسفر الفساد ويقف الخير عاجزا والصلاح حسيرا ، ويخشى من الفتنة بالبأس والفتنة بالمال .عندئذ تتدخل قدرة الله متحدية بلا ستار من الخلف، و لا سبب من قوى الأرض، لتضع حدا للشر والفساد.

وتبين السورة فيما بين ذلك أن الأمن إنما يكون في جوار الله ولو فقدت أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس، وأن الخوف إنما يكون في البعد عن ذلك الجوار ولو تظاهرت أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس . وتنتهي السورة بوعد من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو مخرج من بلده ، مطارد بأن الذي فرض عليه القران لينهض بتكاليفه ، لابد راده إلى بلاده ، ناصره على الشرك وأهله ، ويختم السورة بالسبب المؤدي إلى التمكين وإزالة الخوف والأمن في الدنيا و الاخره فيقول تعالى (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍهَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص:88).

ولعل في قصة موسى عليه السلام في سورة القصص ما يـبين للمسلم كيف تتدخل قدرة الله سبحانه وتعالى في نصر المستضعفين متى ما أستعلن الإيمان في قلوبهم واستعدوا لاحتمال التعذيب وهم مرفوعو الرؤوس يجهرون بكلمة الإيمان في وجه الطغيان دون تلجلج ودون تحرج ودون اتقاء التعذيب.

فالله سبحانه وتعالى هيأ لموسى عليه السلام الحياة في وسط ظروف صعبة علا فيها فرعون وتسلط وتجبر على بني إسرائيل حيث تربى في بيت عدوهم الذي يريد القضاء عليهم - وهذا ما قاله فرعون لموسى عليه السلام - وهنا تبرز قدرة الله فالغلام الذي يبحث عنه فرعون لقتله، فالغلام الذي اخبره المنجمون بأن زوال ملكه يكون على يديه ، يقوم فرعون بالعناية به وتربيته (قارن بين هذا وبين ما تدعيه أمريكا بشأن المجاهدين ففرعون لم يوجد موسى بل أراد أن يستفيد منه ويتبناه ، وكذلك أمريكا لم توجد المجاهدين بل أرادت أن تستفيد منهم وتظن أن المر يعود إليها لا الى الله تعالى) .

فلا معنى لذلك إلا أن الشر حين يتمخض يحمل سبب هلاكه في ذاته ، والبغي حين يتمرد لا يحتاج إلى من يدفعه من البشر بل تتدخل قدرة الله وتأخذ بيد المستضعفين المعتدى عليهم فتنقذهم وتستنفذ عناصر الخير فيهم ، وتربيهم ، وتجعلهم أئمة ، وتجعلهم الوارثين .

وعودا على بدء فان المؤمنين متى ما تعلقوا بالله وتمسكوا بدينه واستضعفتهم الأرض فهذا أول الطريق للتمكين لأن التمكين لا يكون إلا بالتمحيص والتمحيص لا يكون إلا بتجبر الكفرة وضعف المؤمنين حتى يغتر الكافر بقوته وسلطانه وينسى مكر الله وحتى يزداد المسلم ارتباطا بربه ويتطهر الصف من المنافقين بعد ذلك (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) (القصص:5،6) فإذا فعلوا ذلك فان ما يحذره الكفار من زوال ملكهم وذهاب سلطانهم وعلو دين الله في الأرض وأن العبودية لا تكون إلا لله يحصل ويصبح واقعا ملموسا فما كان خيالا في الذهن يصبح حقيقة وهذا من أقوى النصر ومن أشد الحسرة عليهم وليعلم المؤمنون أنه لا يمكن أن يحصل ما تطيب به نفوسهم على أرض الواقع إلا بأمرين سابقين :

1ـ عتو الكفار وتسلطهم على رقاب المسلمين لإزالة ما ركن إليه المسلمون من شهوات الدنيا وما ركن إليه الكفار من حب الظهور والسلطان وظنوا أنه لا يقدر عليهم أحدا(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ) (العنكبوت:39) تبرز هنا قدرة الله بإخراج مؤمنين صادقين يقابلون هذا الواقع الكافر بما معهم من الحق وبنصرة الله لهم – وليس الأمر يعود إلى العدد والعدة بل بوضوح الصف وظهوره .

وليعلم المسلم انه لا يمكن للكافر أن يستكين لحظه عن نشر باطله ومحاربة الحق ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) وان هناك من يسمع لهم ممن يحسب على المسلمين هذا كله حتى يعلم المسلمون أن العدو قوي ومتمكن ولا يدخر وسعا عن الكيد , وعند النصر عليه يعلم إن ذلك ليس بحوله ولا قوته – لأنه لا مقارنة بين الاثنين في ذلك – بل الأمر يعود إلى أمر آخر هو قدرة الله ونصرته للمؤمنين وقد يكون النصر بعوامل طبيعية يأمرها الله فتحول الكبرياء ضعف والغرور خوفا والفرح حزنا والسعادة ألما والشجاعة خوفا والكثرة قلة والجيوش أشلاء ممزقة في لحظة يلحظها الله فيدمرهم! ويجعل عاليهم سافلهم (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ).

2ـ أن تطيب نفوس المؤمنين بقضاء الله وقدره وانه ما شاء الله فله الحمد والمنة على ما قدر وأيضا تطيب نفوس المؤمنين بما يعلمونه من الحق ويعيشونه ويتعاملون في ما بينهم به ويستعلون به على الكفار وان كانوا قلة وان كانوا معذبين مشردين , فعليه الاستعلاء بإيمانه .

ومتى حصل ذلك بأن استعلى المؤمن بدينه فوالله الذي لا اله إلا هو حصل التمكين وما الضعف إلا علامة على هذا التمكين .

ولكن لابد من ملاحظة أمور معينة من أهمها عدم الاستعجال لذلك فنوح عليه السلام مكث المدة الطويلة حتى مكن الله له في الأرض وإبراهيم عليه السلام وموسى عليه السلام , وانظر إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم بقوا ثلاثة عشر عاما في مكة وقرابة ثمانية أعوام في المدينة حتى مكنه الله في جزيرة العرب ,وانظر إلى الدعوة السلفية في هذه البلاد ( دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ) عانت ما عانته حتى مكنه الله في أخر الأمر >

والواجب على المسلم ألا يستعجل التمكين بل من صدق الإيمان أنك تحاول وتبذل وان لم تعنك الحياة لعيش تلك المرحلة لأن الواجب عليك بذل الجهد في طريق التمكين أيضا العلم الشرعي القائم على الكتاب والسنة لأنه لكل دعوة معادون لها وقد يكونوا من المحسوبين عليها وأيضا لا يخفى على أحد بعض المحسوبين على أهل العلم الذي باع دينه بدنيا غيره أو خاف على دنياه فهل ينتظر الإنسان حتى يدرس الإسلام على يد هؤلاء أو أن يصبح هو محتاجا لهم ولأجل ذلك لابد من طلب العلم الشرعي وكذلك الالتفاف حول العلماء الصادقين لتوحيد الصف والخروج بالرأي السديد وأيضا ألا يعجب كل أحد برأيه فالعلماء هم تاج هذه الأمة ولعله لا يخفى على أحد محولة زعزعة الثقة بالمشائخ وذلك بإبراز نماذج مشوهة من أهل العلم فيعمم الإنسان ذلك على كل العلماء فهذا من الظلم ومن الاستدراج الذي يبحث عنه أعداء الإسلام.

وأيضا الحرص التام على العبادات البدنية والمالية فهي السياج المنيع للمسلم في وقف الفتن وهذا الحرص على العبادات يربط القلب بالله ويحصل التثبيت من الله لمن قام بما أوجبه الله عليه.

والحرص على الأعمال الجماعية التي تخضع للمشورة والمساندة من الآخرين حتى يضمن استمرار العمل وتقليل نسبة الخطأ فيه ةليعلم أن نصر الدين والقيام به مسؤولية الجميع.

وأخيرا أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يمكن لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في أرضه لأنه لم يمر على هذه الأمة مرحلة استضعاف كهذه المرحلة وإنني على يقين أنه سيتبع هذه المرحلة مرحلة التمكين.

ولا بد من إيضاح أمر أن هذا الصفحات كتبت على عجالة والمقصود منها تنبيه المسلمين أن النصر قادم وان الفجر مقبل بإذن الله وان مع العسر يسرا وأيضا ما هي إلا محاولة لإثارة الفكر لدى الشباب خاصة طلاب العلم للبحث فيما ينفع وترك ما لا نفع فيه , واعلم إن ما كتبته فيه من الضعف اللغوي والعلمي ولكن رأيت أن هذا لازم علي كتابته فأسأل الله التوفيق فما كان من صواب فلله الحمد والمنة وهذا منه سبحانه وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان , وكتاب الله وسنة نبيه بريئان منه والحمد لله رب العالمين .

الكاتب: عبدالله بن سالم الجهني
التاريخ: 01/01/2007