بين أول آية نزلت وآخر آية ..

 

أول آية نزلت في كتاب الله القول الراجح أنها قوله تعالى( اقرأ باسم ربك الذي خلق) .

وآخر آية بإجماع العلماء كذلك( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) ..وفيما يأتي بعض اللطائف بالنظر إلى الآيتين معا .

*ذكر الرب في الآية الأولى دليل على توحيد الربوبية..وذكر ( الله) في الآية الثانية دليل على توحيد الألوهية..وهذا مناسب للمقام لأن الأولى مكية..فيناسبها بيان الربوبية بما في ذلك من معاني التربية للرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم ولأمته..تمهيدا..لإظهار الدين ونشره والقيام به..وهذا من توحيد الألوهية..منسجما مع كون الآية مدنية..وأن الأمة كانت قد نضجت وأقامت أمر الله .

*الآية الأولى..فيها الخطاب بالإفراد( ربك) والثانية بالجمع ( اتقوا) ..وفيه أن الرســولصلى الله عليه وسلم..كان وحده المسلم إذ اختاره الله للرسالة..وكان السابقون من الصحابةيقول أحدهم..أمسيت وإني ربع الإسلام..وخمس الإسلام..أي أنه رابع أربعة من المسلميـن وخامس خمسة..بينما في الآية الثانية ناسبها الجمع للخطاب للأمة كافة..

*الآية الأولى فيها الأمر بالقراءة والعلم..وفي الثانية الأمر بالتقوى..وذلك لأن العلــــم أولا..والتقوى متحصلة عن العلم ونتيجة له لأن العلم يقتضي العمل..

*في الأولى جاء الأمر \"اقرأ\" مجردا من عاطف قبله..وفي الثانية..سبق الأمر واوالعطف.. كأنه قال..اقرأ....قم فأنذر..قل هو الله أحد..أطعيوا الله ورسوله..وأقيموا الصلاة..وآتــوا الزكاة..وجاهدوا..و..و..و..و......................و إلى قوله واتقوا..وهي أعظم وصية لأن الأمر بالتقوى هي وصية الله لكل الأمم\"ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله\" فجاء ذكرها مناسبا أكثر من أي وصية أخرى..لأنها جامعة للفضائل كلها .

*الآية الأولى فيها ذكر الخلق وليس قبل الخلق إلا العدم..والثانية فيها ذكر الوفاة( "توفى كل نفس) ....فانظر إلى المقابلة في النظم القرآني يرحمك الله..

*الآية الأولى فيها وصف الله بالإثبات( الذي خلق) ..والثانية وصفه بالنفي ( ولا هــــم يظلمون) ..لأن نفي كون الناس مظلومين..يقتضي نفي كون الله تعالى ظالما..وهذا ديدن أهل السنة والجماعة..إثبات الكمال وتنزيه عن النقائص .

*الأولى جاء فيها قوله \"باسم ربك\" على وزن ( فاعلاتن) وفي الثانية جاء قوله( كـــل نفس) على ذات التفعيلة( فاعلاتن) ..وكأنه يقول لك ( كل نفس باسم ربك) ..على غرار قوله تعالى ( ‏ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها‏) .

*الآية الأولى..جاءت بنسق درس معلم لطالب مبتديء( اقرأ بسم ربك الذي خلق) ..بمنزلة قول الأم لولدها ( ادرس يا ولدي لتنجح) ..وهذا يناسب بداية العهد المكي..والثانية جاء بنسق وصية مودع!( واتقوا) ( ترجعون) ( إلى الله) ..مع طولها قياسا للأولى..مناسبة انتهاء الوحي وقرب وفاة الأجل للرسول صلى الله عليه وسلم .

*الآية الأولى فيها ذكر أن الله ( خلق ) ..وفي الثانية ذكر ما خلقه الله( كل نفس) .

*الآية الأولى لو فتشت في حروفها ما تحصل لك جمع كلمة نفاق أو منافق..بينما حروف هذه الكلمة منثورة في الثانية..والنفاق لم يكن في مكة..وإنما ظهر في المدينة..وكذلـــك ( الأعراب) الذين هم أشد كفرا و\"نفاقا\" موجودة حروفها في الآية المدنية .

*في الأولى ذكر من توحيد الأسماء والصفات( الذي هو ثالث أنواع التوحيد بعد الربوبيــة والألوهية) الشق المقتضي لتوحيد الألوهية وهو صفة الخلق ..فالله يقول \"ألا له الخلــق والأمر\"..والأمر من توحيد الألوهية..وفي الثانية ذكر من توحيد الأسماء والصفات الشـق
المقتضي لتوحيد الربوبية حيث فيها إثبات المعاد والجزاء وهذا من توحيد الربوبيـة أن الله رب وسيد..ويحاسب العباد بأعمالهم .

*في الأولى..جاء التصريح بذكر توحيد الأسماء بإثبات أن لله اسما( باسم ) ..وفــــي الثانية..جاء ذكر هذا الاسم صريحا..وهو \"الله\" ..وحين ُيسأل أهل القبر من ربــك..يجيب
المؤمن :ربي الله .

*في الأولى حذف المفعول وبين الوسيلة, فلم يبين ماذا يقرأ..( اقرأ) وكفــــى..فأطلق القراءة وبين الكيفية والوسيلة ( باسم ربك) ..وفي الثانية أثبت المفعول..( يوما) وذكــر الغاية..وهي ( "توفى كل نفس ما كسبت ).

*في الأولــى..تكرر حرف القاف مرتين..للدلالة على القرآن..وفي الثانية تكررت السين مرتين للدلالة على السنة التي كانت قد اكتملت قرب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .

*في الآية الأولى عرف الرب بالاسم الموصول..فقال اقرأ باسم ربك:الذي خلق.. وفي الثانية لم يعرف(الله ) لأنه كان قد عرف ..والدين قد اكتمل .

*مخاطبته رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله \"اقرأ\" إثبات للرسالــة بشخص (الرسول ) ..وفي الآية الثانية إثبات الرسالة بذكر الذين أرسل إليهم هذا \"الرسول\" ..فنفي الظلم (وهم لا يظلمون) يقتضي أن الرسالة وصلتهم..( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) .

* يأتي بعد الآية الأولى ثماني عشرة آية..إلى نهاية تمام السورة..ويأتي بعــــد الآية الثانية خمس آيات إلى نهاية السورة وحاصل المجوع ثلاثة وعشرون..وهو زمـن الرسالة وحاصل الفرق ثلاث عشرة سنة..زمن العهد المكي قد تكون آخر فيها تكلف..وقد يكون فيها دلالة وحق..

فانظر يا رعاك الله..ما أقصر الآيتين وما تفتق عنهما من علم....

وإذا قلت بعد ذلك.. إن القرآن بحر مازلنا على ساحله..فهل أكون كاذبا؟؟

الكاتب: أبو القاسم المقدسي
التاريخ: 01/01/2007