عبادة الوطن ..

 

الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا محمدٍ و على آله و صحبه أجمعين ، أما بعد :

يقول الله سبحانه و تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} البقرة (165)

و في هذه الأيام التي تشيع الفتن فيها ، تشيع عبادة تسمى عبادة الوطن ، و هذا الشيء الخطير لا يدركه الإنسان إلا بعد فوات الأوان ، فهو يجعل عمله خالصاً لله تعالى قولاً و لكنه يعمله من أجل الوطن ، فترى الإنسان يجمع بين عمله للوطن و لله ، و هذا ما هو مرفوض ، فنحن كمسلمين نقدم الله و الإسلام على الوطن ، و نحن أصلاً لا نهتم بأوطاننا إلا لأن الله أمرنا أن ندافع عنها لا غير ...

و لكن الشائع في هذه الأيام هو المبالغة في مديح الوطن ، فترى أن الإنسان يذكر الوط أكثر من ذكره لله ، فشخص يقول : فلسطين حبي ، و شخص يقول : فلسطين روحي ، و شخص يقول وطني وطني ...

لعلّ الإخوان الذين يقولون ذلك يتعللون بهذا الحديث ، عندما كان رسول الله يودع مكة: «مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلِدٍ وَأَحَبّكِ إِلَيّ, وَلَوْلاَ أَنّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ». و مع أني أنظر إلى هذا الحديث بنظرة أخرى و هي أن رسول الله أحب هذه البلد لأنها أطهر مكان في الأرض و لأن فيها مسجد الله الأول و ليس للوطن ، إلا أني سوف أتغاضى عن هذا و أقول : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتمنى أن يدفن في بيت المقدس ، و لم يتمن أن يدفن في مكة رغم أن مكة المكرمة هي موطنه إلا أنه اختار بيت المقدس ، هذا أولاً ...

ثانياً : الرسول - لو أننا افترضنا أنه كان يقصد الوطن - فإنه لم يكن يذكر الوطن كثيراً بل كان يذكره قليلاً حتى أن الأحاديث النبوية التي وصلتنا عن الوطن قليلة جداً لا تكاد تحصى على اليد ، فما بال بعض الأقوام ينسجون الأشعار و القوافي و الكلمات من أجله ، و أشخاص [ في المنتديات ] لا تكاد مشاركة تمر إلا يقولون ( فلسطين أنت المنى والرجا، فلسطين أنت الحب والفدا ، فلسطين نفديك بالمال والولد .... ألخ ) ..

ثالثاً : بلغ عدد الصحابة أكثر من عشرة آلاف صحابي و صحابية ، الجزء القليل منهم مات في أرضه ووطنه ، و معظمهم قد خرج مهاجراً إلى وطن آخر و أرض أخرى لنشر الدين الإسلامي و الجهاد في سبيل الله ، و ما ضريح أبو عبيدة عامر بن الجراح إلا دليل على ذلك ، و ما قبرا خباب بن الأرت و عبادة بن الصامت عند باب الأسباط في القدس إلا دليل قوي على ذلك
...
رابعاً : لا يستطيع الإنسان ألا يحب وطنه ، هذه إحدى الغرائز التي زرعت في نفس الإنسان ، و الكلام العلوي لا يعني أن الإنسان يجب أن يمقت وطنه و يهاجر منه ، إلا أنه يجب عدم المبالغة في الكلام و الفعل من أجل الوطن ، و أن يكون حب الله تعالى و رسوله أكبر من حب الوطن بكثير ، و إلا وقع صاحب حب الوطن في الشرك و عندها يكون حبه للوطن مجرد طريق أعده الشيطان الرجيم له ، يؤدي إلى هلاكه ، و ذلك لإبطال عمله و قوله .

فيصبح الجهاد من أجل الوطن لا من أجل الله ، و الكثير من الناس يقعون في فخ أن حب الوطن من حب الله ، و لكنهم لا يطبقونه ، يقولونه و لا يفعلونه ، و يقنعون أنفسهم أنهم كذلك و لا يكونوا كذلك، و لا ينتبه الإنسان إلى ذلك إلا عندما تمر عليه 70 سنة ، و قد لا ينتبه إلى ذلك إلا عندما يأتي يحاسب ، فيقال له : أين عملك ؟؟؟ فيقول عملت ... و لكن يجد عمله قد ذهب للوطن فلم يغنه وطنه شيئاً فيندم على ذلك ...

خامساً : أريد أن أذكر فقط ، أن الله سبحانه و تعالى قد عاب على أقوام كثيرون تمسكهم الشديد بأوطانهم ، فأهلكهم و أرسل عليهم عذابه ...

و أخيراً و ليس آخراً ، أسأل الله سبحانه و تعالى أن يهدينا إلى الصراط المستقيم و أن يجعل الرسول قدوتنا في كل شيء ... آمين آمين ..

الكاتب: هاني المقدسي
التاريخ: 01/01/2007