كتاب أنصحكم بقراءته : شيشينيا .. العار الروسي اختاره لكم

 

تأليف: انا بوليتكو فسكايا

الناشر: بوشيه وشستل ـ باريس: 2003

الصفحات: 187 صفحة من القطع المتوسط


انّا بوليتكوفسكايا، مؤلفة هذا الكتاب هي صحفية روسية، الصحفية الروسية الوحيدة تقريباً التي تقدم بقدر كبير من الاستقلالية ما يحدث في شيشينيا (الجمهورية الشيشانية) وقد نالت العديد من الجوائز عن التحقيقات التي قامت بها وحصلت في عام 2003 على جائزة «الصحافة والديمقراطية» في الدنمارك والتي تقررها منظمة الأمن والتعاون في اوروبا شاركت اثناء احتجاز الرهائن الروس في احد مسارح موسكو بالمفاوضات لكن العملية انتهت بمجزرة سبق لمؤلفة هذا الكتاب ان نشرت عملاً سابقاً تحت عنوان «رحلة الى الجحيم». تؤكد المؤلفة في تمهيدها لهذا الكتاب بأنها قامت منذ شهر اغسطس 1999 بأكثر من اربعين زيارة للجمهورية الشيشانية كي تقوم بتحقيقات لمجلة «نوفايا غازيتا» التي تعمل لحسابها كانت الحرب الشيشانية «الثانية»


قد بدأت هناك شاهدت بأم عينيها ما يشهده الشيشانيون البسطاء من غير المقاتلين من قطاعات وادركت كما تؤكد في هذا الكتاب بأشكال كثيرة بأن استمرار النزاع سيجعله اكثر فأكثر خارج اطار السيطرة وبات العنف يصب مباشرة في مصلحة الأقلية الشيشانية الاكثر تطرفاً من المقاتلين المتزمتين وذلك على حساب الاكثرية التي تسعى الى العيش بسلام في اطار من الديمقراطية لكن القناعة الكبرى التي توصلت اليها هي ان مستقبل روسيا نفسها ومستقبل الديمقراطية الحقيقية فيها انما هو متعلق


ما تؤكده المؤلفة هو ان الجنود الروس ينهبون ويغتصبون ويقتلون دون ان يطالهم اي عقاب؟ وبشكل مجاني احياناً هذا ما يعبر عنه المقطع التالي الذي تنقله عن محضر استجواب جندي روسي عمره 19 عاماً فقط حيث نقرأ:


«ـ لماذا قتلته؟


ـ لا اعرف..


ـ ولماذا قطعت أذنيه؟


ـ لا أعرف..


ـ ولماذا سحلته؟


ـ لكن هذا شيشاني.


ـ لقد فهمت.


وفي مواجهة عنف الجنود الروس يمارس المقاتلون الشيشانيون، كما ترسمهم المؤلفة، عنفاً مقابلاً بدافع الثأر وتصفية الحسابات ورغبة البقاء مع ما يرافق هذا كله من انحرافات محتملة في مثل هذه الحالات نحو عالم الجريمة، بالمعنى المحدد لهذه الكلمة ان المؤلفة تكرس الفصل الثالث من كتابها لـ «المقاتلين الشيشانيين حيث تحاول الاجابة على بعض الاسئلة الجوهرية حول الأسباب التي جعلت النزاع الشيشاني يستمر هذه الفترة الطويلة كلها؟ والأسباب التي أعاقت انتصار الجيش الروسي الذي جند اكثر من مئة ألف جندي في «المعركة الشيشانية» على حوالي خمسة آلاف مقاتل شيشاني حسب الارقام الرسمية للكرملين في مطلع شهر سبتمبر من عام 1999


وبعد ان تسهب المؤلفة في شرح الدور الذي لعبه اصلان مسخادوف الرئيس المنتخب عام 1997 وبقية «قادة الحرب» الشيشانيين تؤكد بأن وحدة او اعادة توحيد المقاومين في اطار «الاسرة» الشيشانية انما قد «انفجرت الى شظايا» على هذا الأساس قولها: «لذلك عندما يبدأ البعض، الذين لا يعرفون حقيقة الوضع في الداخل، بالحديث الواثق عن النضال من اجل الاستقلال والسيادة في شيشينيا فإنني اقول لهم الحقيقة وهي ان المقاومة المنظمة لم تعد موجودة».


لكنها تضيف مباشرة «كيف حدث ذلك؟ ليست لدى اجابة واضحة على هذا السؤال» اما موضوع الشقاق الرئيسي فإنها تجده بـ «الشرح الكبير الذي يرتسم داخل المقاومة حول المبادئ والمفاهيم الخاصة بمستقبل شيشينيا» او ما تعبر عنه المؤلفة بالتمايز بين وجهتي نظر «المستغربين» و«المستشرقين».


وما بين هاتين الفئتين تتحدث المؤلفة عما تسميه بـ «القوة الثالثة» والتي تتألف من «مجموعة من الافراد لهم برنامجهم الخاص وربطت حرب الشيشان الثانية مصيرهم ببعضهم البعض ان الجسد الأساسي لهذه القوة يتكون من عدد كبير من الوحدات الصغيرة المقاتلة التي بدأت بـ «تنظيم» نفسها منذ عام 2000 عندما حاول الجيش الفيدرالي الروسي ان يفرض ارادته عن طريق «العنف الدموي» وينتمي اغلبية اعضاء هذه «القوة الثالثة» الى عائلات موالية لروسيا الى هذا الحد او ذاك بل ومن الذين كانوا قد اعلنوا تأييدهم في البداية لـ «فرض النظام» لكن بعد مرور عام فقط على بداية الحرب الشيشانية الثانية،


دفعت السياسة الرعناء التي انتهجتها روسيا في منطقة القوقاز والحرب التي دفع المدنيون الابرياء ثمنها قبل غيرهم الى تزايد حدة العنف مما دفع اولئك المقاتلون الشيشانيون الى الانقلاب ضد روسيا والدخول في حقوق المقاومة «ان الطرق التي استخدمها الجيش الروسي من اعمال قتل واغتصاب وخطف من اجل المطالبة بدفع فديات وسلب واذلال دفعت هؤلاء البشر الى ان يأخذوا السلاح للنضال ضد التعسف والفوضى وكما تتطلب قواعد الشرف الشيشانية لم يكن امامهم اي حل آخر سوى الثأر لاقاربهم الذين تم اغتيالهم او خطفهم» تقول مؤلفة هذا الكتاب.


واذا كانت «انا بوليتكو فسكايا» تنتهي في تحليلاتها الى القول بأن «السلام سيحل ذات يوم في شيشينيا، فإنها تؤكد بنفس الوقت على ان ما يجري على الارض لن يساعد ابداً على تحقيق ذلك بسرعة اذ لن يكون من السهل العيش المشترك بعد مقتل الآلاف من البشر ومن الطرفين واذا كانت مؤلفة هذا الكتاب تستبعد في سياق الظروف الراهنة قيام دولة شيشانية مستقلة فإنها تؤكد ان مثل هذا الاستقلال سوف يكون نسبياً بسبب الجو المحيط المعادي المباشر وحيث ستكون شيشينيا بلاداً محاصرة بألد اعدائها لكن المؤلفة تصل في التحليل النهائي حول هذا الموضوع الى القول بأنه من الصعب جداً التعايش الآن ولاحقاً بين الروس والشيشانيين ذلك ان الطلاق اصبح نهائياً وبالتالي غدا انفصال شيشينيا مسألة وقت فقط ثم تتساءل مباشرة: لكن كيف يمكن تجنب ان يثير مجنون جديد في الكرملين حرباً ثالثة في منطقة القوقاز لخطة الطلاق؟».


في احد فصول هذا الكتاب ـ الفصل الثاني ـ تستعرض المؤلفة رسالتين كانت قد تبادلتهما مع عسكريين كانت الاولى منهما هي رسالة مفتوحة وجهها ضباط من الفرقة العسكرية 68 التي شاركت في الحرب الشيشانية وافتتحها مرسلوها بالجملة التالية: «السيدة بوليتكو فسكايا، المحترمة قليلاً». ثم: «ليست الاولى او الاخيرة بين اولئك الذين وجهوا هجومهم ضد عسكريي القوات المسلحة الروسية خلال الحقبة ما بعد السوفييتية اننا نحس بالحاجة للكتابة لك ايتها السيدة المحترمة قليلاً جداً وليس لانك مرغتنا بالوحل وانما بالاحرى لاننا آسفون جداً للاحتفال الكبير بك في الصحافة بينما لا يستحق شخصك ولا عملك مثل هذا التمجيد».


وتضيف نفس الرسالة في مقطع آخر: «انه لمن الخساسة الاساءة الى بشر يخاطرون في كل لحظة بحياتهم كي يقوا بيتك ايتها السيدة من التعرض للتفجير ذات يوم والاشخاص الذين توجهين نقدك العنيف لهم انما يعملون من اجل ان يستتب النظام في شيشينيا كي لا يتم استدعاء ابنك او حفيدك او اي فرد آخر من اسرتك للخدمة العسكرية هناك ان سلوكك هو سلوك العدو ومن الصعب علينا قبول ذلك (...) واذا صممت ان تكوني رغم كل شيء في صفوف اعدائنا فعليك ان تدركي بأننا في الجمهورية الشيشانية لا نرحم الاعداء واننا سوف نتابع نهجنا هذا اذا وجدنا انفسنا امام مواجهة جديدة».


ان هذه الرسالة تلخص الى حد كبير موقف العسكريين الروس من المسألة الشيشانية وهذا ما ردت عليه المؤلفة برسالة جوابية نشرت الصحافة الروسية الرسالتين جاء في بعضها: «اسمي انا بوليتكو فسكايا واعمل في مجلة نوفايا غازيتا، لا استخدم ابداً اسماً مستعاراً ولا اخفي اسمي، وذلك على عكس الضباط الروس في شيشينيا الذين يغطون وجوههم ببرقع اسود ويخفون رتبهم ووظائفهم واسماءهم بالنسبة لي لا يحرص المرء على ان يبقى مجهولاً عندما يكون صاحب حق».


وعلى الجملة التي قال فيها الضباط الروس لمؤلفة هذا الكتاب: «انه لمن الخساسة الاساءة الى بشر يخاطرون في كل لحظة بحياتهم..» ردت في رسالتها: «انني اجيبكم لا تكذبوا! فخلال هذه الحرب لاحظت جيداً الطريقة التي يخاطر فيها الكثيرون منكم بحياتهم حيث يغرقون في تعاطي المسكرات يومياً ويقومون بعمليات السلب ويناقشون مكافآت الحرب وهم بعيدون عن ارض المعركة فيا للعار ان العسكريين الذين شاركوا حقيقة في العمليات العسكرية في شيشينيا نادرون» وتقول في مقطع آخر: «نعم انا عدوة جيش لا أخلاقي ومنحط انا عدوة الكذب حول شيشينيا وعدوة الأساطير المفبركة من قبل جهاز دعاية الجيش (...) وفي الجملة الاخيرة يبدو بوضوح انكم تهددوني بالموت العار لكم! ان عادة اطلاق النار على كل شخص لا يروق لكم ودون ان تحاولوا الدخول معه في اي حوار هذا يشكل شاهداً ـ توقيعاً ـ على اعمالكم في شيشينيا».


ما جاء في هذه الرسالة تشرحه المؤلفة على مدى صفحات كتابها الذي تختمه بفصل اخير يحمل عنوان: «اسباب عدم محبتي لبوتين» وبعد ان تؤكد بأنه «النحات الرئيسي» الذي صاغ الفيدرالية الروسية في مطلع هذا القرن الحادي والعشرين، تقول: «بالنسبة لي، انني لا احبه وتحديداً بسبب روسيا هذه التي نحبها» ثم تحاول ان تشرح الاسباب التي دفعتها وهي المواطنة الروسية العادية التي تدفع الضرائب الى عدم محبة رئيس بلادها الذي انتخبته اكثرية ساحقة من الشعب الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2000 ولا يزال يحظى بشعبية كبيرة بين مواطنيه انها لا تعرفه شخصياً كما تشير لكنه يمثل لها وظيفة وليس شخصاً ووظيفة الرئاسة تتطلب من الرئيس ان يعمل من اجل ان تصبح بلاده افضل واكثر ازدهاراً وهذا ما تؤكد بأنه لم يحصل في روسيا التي لا تراها اليوم اكثر اخلاقية مما كانت عليه في عهد بوريس يلتسين تقول:


«هناك أسباب عديدة لذلك، ولكن السبب الرئيسي هو الحرب الشيشانية الثانية التي تورط فيها الشعب الروسي كله، بما في ذلك بوتين». ولا تتردد المؤلفة في التأكيد بأن «عقلاً شوفيينياً» يسود في الجهاز الحكومي ولكنه عقل شوفييني تحت غطاء الحس الوطني كما تتحدث في هذا السياق ايضاً عن نزعة عنصرية مناهضة للشيشانيين وموجودة على الصعيدين الشعبي والرسمي وانها تجد امتداداتها حيال شعوب اخرى في روسيا تقول: «انني لا احب بوتين لانه وكي يجلس على العرش ويحكم كسيد مطلق قام بتشجيع الغرغرينا الأخلاقية التي اصابت روسيا».


وبعد ان تستعرض المؤلفة العديد من الشهادات حول ممارسات الشرطة والميليشيات الروسية حيال الشيشانيين تقول: «ان بوتين ومثل جميع الحكام الدكتاتوريين في القرن العشرين، يلعب على اكثر العواطف خساسة لدى الشعب انني لا احبه لانه يمكنني ان اتخيل بسهولة ماذا سيكون رد فعل مراهق روسي بعد ان سمع خطابات الرئيس حول شيشينيا انه سوف ينهض عن مقعده مبدياً استعداده لمحاربتهم ـ اي الشيشانيين ـ لكن ماذا سيكون شعور مراهق شيشاني؟ انه التشدد والمقت الشديد لنا...» وضمن نفس السياق تؤكد المؤلفة بأنه لا يوجد في الأفق ما يشير الى ان بوتين يريد ان يوقف او يكبح الآلة الجهنمية التي كان قد حركها وذلك لسبب بسيط هو الفوز في الانتخابات الرئاسية الروسية التي تلوح في افق عام 2004 ويبدو انه سيحقق ما يسعى اليه ذلك ان الملايين من الروس يقولون اليوم بآراء عنصرية راسخة كما تؤكد المؤلفة وتضيف بأن «الطرق السوفييتية تصبح فاعلة من جديد».


ان الرسالة الاساسية التي تريد مؤلفة هذا الكتاب ان توصلها تقول بأن السلطة في روسيا تبدو بحاجة الى كبش فداء كي تضع على كاهله مسئولية ما يعاني منه الروس في فترة ما بعد الشيوعية كبش الفداء هذا اسمه اليوم هو شيشينيا.


«العار الروسي» كتاب محظور في روسيا.


Le Deshonneur Russe


Tchetchenie


Anna Politkovskaia


Buchet - Chastel - Paris 2003


P. 187

الكاتب: أسامة الكابلي
التاريخ: 01/01/2007