خطاب السقوط بامتياز

 

تساءل الشعب السوري أين رأس هذا النظام؟!
قمع في الليل وقمع في النهار فمن يتحمل المسؤولية؟ لا نجد من الحكومة من يكترث لهذه الانتفاضة وما سال فيها من دماء وما حصل فيها من اعتقالات وما تواصل فيها من قمع بل لا نرى رئيسا ولا نرى رئيس وزراء ولا وزراء إلا لقطات سريعة لوزير الإعلام وتصريحات غير مسؤولة لأبواق تعمل لحسابه! ولم يرى الشعب إلا القوى القمعية (الأمنية) ممثلة بفروع المخابرات السبعة عشر وشيء من الشرطة وواجهة من الجيش!
وعندها سرت الشائعات عن الرئيس (وهو من يرتهن بوجوده كون الدولة قائمة ونظام الحياة مستمر على وتيرة لا تؤدي إلى الفوضى) هل الرئيس موجود أم مفقود؟!
إن كان موجودا فكيف يرضى عما يحصل وقد وعد من قابله من اللجان الشعبية بقطع دابر الفساد وكف أيدي القوى الأمنية العابثة في حياة الناس؟! فهل كذب على اللجان؟ وهل كذب على الناس في خطاباته؟ لا يحتمل كثير من الناس فكرة أن رأس الدولة يمكن أن يكذب! فلم يفعل وبيده السلطة وينبغي ألا يخاف أحدا فليس مضطرا للكذب وهو ذو الشخصية القوية الذي يرأس الجيش والحزب والحكومة وجميع أجهزة المخابرات في بلده!
إذا فهو مفقود! وهنا ذهبت الإشاعات في عدة اتجاهات:
فمن قائل أنه ينتظر أن يقضي جهازه القمعي على الثورة ليخرج بعدها ويتبرأ من أفعالهم وعلى رأسهم أخيه ماهر ويعود إلى الحياة ثانية بوجه نظيف! كسيناريو أبيه مع عمه عقب مجزرة حماة!
ومن قائل أن حقيقته أنه رجل مسالم لا يرضى بما ترتكبه أجهزته القمعية وحاول كف أذاهم عن الشعب ليقوم بمشروعه الإصلاحي! وهذا ما أجج الصراع بينه (ومعه بعض المدنيين في الدولة كفاروق الشرع) من جهة وبين أخيه والأجهزة الأمنية من جهة أخرى مما أدى إلى عزله ووضعه تحت الإقامة الجبرية لحين قضاءهم على الثورة ليعيدوا الأمر إليه ثانية كرئيس شرعي للدولة!
ومن قائل أنه رجل ضعيف وشخصيته مهزوزة وليس له من الأمر شيئا وكونه لم يتحمل ما يسيل من دماء وما ينتهك من كرامة المواطنين فقد أصيب بجلطة أدت به إلى الشلل!
وجاء اليوم الموعود ورأينا الرئيس الأسد بشحمه ولحمه وسمعنا حديثه كاملا: 1 - لم يكن مشلولا بل كما عهدناه رياضيا متألقا 2 - ولم يكن متلعثما نتيجة إجباره على قول مالا يريد بل كان منطلقا في عباراته كما عهدناه وبنفس أسلوبه المعتاد أسلوب المعلم الفهمان أمام جمهور التلاميذ المؤدبين ولو كان مجبرا على التصريح بشيء لاستغل فرصة النقل المباشر لخطابه ولألقى على مسامع الشعب السوري والعالم براءته مما يحصل ولأقال على الهواء مباشرة قادة أجهزته القمعية (ولو فعل لوقف الشعب معه وهب بكل قوته إعصارا يقتلع هؤلاء القمعيين في أيام ثلاثة وأعاد له السلطة المغتصبة ولكن الأمر ليس كذلك) 3 – ولم يكن مغيبا عن الأحداث بل تكلم على أدق التفاصيل عن المندسين والمندسات حتى الحدود التركية بل وزاد على ذلك أنه استمع إلى اللجان الشعبية التي قابلته حتى جاوزت معاريضهم الألف معروض فهو مطلع على كل ما يجري 4 – ولم نلحظ امتعاضه عند ذكر الشهداء وخاصة الأطفال منهم ولا أسفه عند ذكر المعتقلين بل عدهم مجرمين ولا عند ذكر الثوار فقد عدهم جراثيم وأسمعنا الأغاني نفسها التي يبثها إعلامه الصادق! حول السلاح! (وزادنا أنه متطور) والارتباط بالخارج! (وأنه المحرك والداعم) وإذ به نسخة من قناة الدنيا أو قناة الدنيا نسخة منه!
لقد ألقى بشار الأسد وهو رأس الدولة والمسؤول الأول في هذا النظام خطابه هذا وقد عرفَّنا من خلاله أنه ليس مطلع على كل ما يحدث فقط بل هو مبرر له راض به بل آمر له كون السلطات كلها بيده ولقد أخرس بشار الأسد بخطابه هذا كل مدافع عنه وملتمس له أيا من المعاذير.
وعليه فقد سقط بشار من منصة الرئاسة وخلع الشرعية عن نفسه بنفسه
إنه يتحمل المسؤولية الكاملة عن دم كل شهيد ارتقى وكل ثائر أصيب وكل معتقل عذب وضرب وأهين وعن كل الممتلكات العامة والخاصة التي تسبب في إتلافها هذا فضلا عما سبق من جرائم قبل الثورة ومعه كل من وقف في صفه بفعله أو قوله ولا تخفف مسؤوليته من عقوبتهم ولا مسؤوليتهم من عقوبته
لقد كان الخطاب مرحلة فاصلة في تاريخ سوريا فهذا يوم له ما بعده وكما توقع المحللون أن الخطاب الثالث سيكون الخطاب الفيصل فقد كان لقد انتقلنا اليوم من مرحلة المراوغة واللف والدوران من رأس هذا النظام الحاكم إلى مرحلة إعلان الحرب على الشعب السوري وليتحول به بشار الأسد من رئيس مشكوك بشرعيته للجمهورية العربية السورية إلى رئيس العصابة المتحكمة في رقاب السوريين لقد كان خطاب السقوط سقوط بشار بامتياز (منقول)


الكاتب: نزار الشامي
التاريخ: 20/06/2011