شبهات المستشـرقين حول دوافـع الجهـــاد عند المسلمين و الـرد عليهــا

 

بســـــم الله الرحمــن الرحيم

شبهات المستشـرقين حول دوافـع الجهـــاد عند المسلمين و الـرد عليهــا

إعداد: أم الليوث الكويتية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الذي أعزّ أمـّتهُ بالجهادِ و أكرمها بالاستشهاد..
الحمدُ لله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء
نشهدُ أن لا إله إلا الله و أن محمداً عبد الله و رسوله للعالمين ، أما بعد ...

أولا : مفهوم الاستشراق :

يطلق عادة على اتجاه فكري يعنى بدراسة الحياة الحضارية للأمم الشرقية بصفة عامة و دراسة حضارة الإسلام و العرب بصفة خاصة . (1)

ثانيا : أهدافه :

أن حركة الاستشراق خضعت لظروف و ملابسات عدة ، فكانت نتيجة ذلك أن تنوعت دوافع الكتابة عن الإسلام فكانت أهدافهم إما :
دينية تبشيرية ، علمية مجردة ، مصلحية شخصية أو لخدمة استعمارية .
فمنهم المتجرد و المنصف بل من أعلن إسلامه مثل : ليورس ، البرت كادلر ، جرمانس ، و بوكهارت و غيرهم . و كان منهم أيضا المتعصب الذي يطعن في الإسلام و يتقصد تشويهه . (2)

ثالثا : مصادر التشريع عند المستشرقين :

يقسم المستشرقون مصادر التشريع الإسلامي إلى ثلاثة أقسام :
1- المصادر الرئيسة : و هي الأصلية من القرآن و السنة و القياس و الإجماع .
2- المصادر التابعة أو المكملة : كالاستحسان و الاستصلاح أو المصلحة المرسلة .
3- المصادر المادية : و هي العرف و عمل الخلفاء و عمل الفقهاء و القضاة و الأعمال الإدارية التي تقدرها إدارة الدولة الإسلامية .
و ينبغي التنبه هنا إلى أنهم ينطلقون في تناولهم لهذه المصادر كوحدة واحدة ، باعتبار أن مصادر القسم الأول ليست مصادر متكاملة ، لذا جاءت مصادر القسم الثاني مكملة . و لن ينقضي بك العجب حين ترى أنهم حينما يتناولون أي مصدر من تلك المصادر ، يوهنونه ثم يجمعون سلبياته و يضمونها إلى سلبيات مصدر آخر ، ثم ينتهون بك إلى أن هذا التشريع لا يمكن أن يكون إلهيا ، بل هو من عند محمد صلى الله عليه و سلم و أصحابه ، و هو بالتالي لا يصلح لمسايرة التقدم و الحضارة . (3)



توطئة :

اهتم المستشرقون بأمر الجهاد الإسلامي و ناقشوه كثيرا و أثاروا حوله الافتراضات و الشبه و حاولوا أن يشوهوا روح الجهاد . و قبل البدء في عرض الشبه نشير إلى اختلاف في معنى الألفاظ ، إذ يستخدم المستشرقون لفظ القتال أو الجهاد و غالبا ما يعنون به ذاك السفك الدموي ، بل نرى نص القانون الدولي في تعريف الحرب ، الذي لم يراعوا في تعريفهم سوى الاستيلاء و السيطرة و سفك الدماء بغير حق .
و في الحقيقة فإن كلمة الجهاد كلمة واسعة عظيمة المعنى ، صغيرة المبنى ، و هي في الشريعة الإسلامية تطلق على معان ثلاث :
1- مجاهدة النفس و دفع الشيطان و وساوسه .
2- اقناع المشركين عن طريق الحجة ، و الصبر على أذاهم .
3- مجاهدة العدو و قتاله ، و هو المقصود بالبحث . (4)
و فيه ضوابط و شروط ليس هنا محل بسطها ، و إنما أبين معنى الجهاد و كيف أخطأ المستشرقون و غيرهم سوء فهمه .

و حين لم تظفر القوى المعادية للإسلام برفع ركن الجهاد في سبيل الله من عقول المسلمين و قلوبهم ، اتخذوا لهدم هذا الركن سلاح مهاجمة الإسلام عن طريق المستشرقين ، و ذلك أن الإسلام لم ينتشر بالإقناع و الحوار و التبشير و إنما بالقتل و الإكراه عليه . و استغلالا لردود الأفعال الناتجة عن توجيه هذا الاتهـــام ، استطاع المستشرقــون أن يستدرجوا بعـض المسلمين و يستخدموا بعض عملائهم من أبنـــاء المسلميــن للدفـاع عن فكــرة الجهاد بمفـاهيم مبتدعـة تحصر الجهـاد ببعض مجالاته كادعائهم أن الحروب الإسلامية لم تكن إلا حروبا دفاعية فقط . (5)

لقد أغفل كثيرون هذه الحقيقة ، و هي كون الجهاد أحد ركائز دولة الإسلام ، فالإسلام جاء بنظام عالمي ليحكم العالم بأسره و يعلي كلمة لا إله إلا الله في أنحاء المعمورة ..

قال العلامة أبو الحسن الندوي في كتابه القيم الرائع ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين : (6)
" إن الزعامة الإسلامية تقتضي صفات دقيقة ، واسعة جدا ، نستطيع أن نجمعها في كلمتين :
الجهاد و الاجتهاد ، فهما كلمتان بسيطتان و لكنهما عامرتان بالمعاني الكثيرة "

الشبهة الأولى :

من الشبه التي يلقيها المستشرقون دعوى أن الإسلام إنما انتشر بالقهر و القوة و سفك الدماء ،وأن المسلمين كانوا متوحشين يبطشون بالناس و يكرهونهم على الدخول فيه.
- قال نلسون : " و أخضع سيف الإسلام شعوب آسيا و أفريقيا شعبا بعد شعب "
- و يزعم لطفي ليفونيان " أن تاريخ الإسلام كان سلسلة مميتة من سفك الدماء و الحروب و المذابح " (7)
- أيضا أثارت دائرة المعارف الإسلامية هذه المسألة في معرض حديثها عن الجهاد :
" نشر الإسلام بالسيف فرض كفاية "
و هذا يحتمل معنيين أحدهما حق و الآخر باطل و هما : (8)
1- إن كان المراد بتلك العبارة أن انتشار الإسلام إنما كان بإكراه الناس على الدخول فيه ، فهو باطل مردود و تشهد له وقائع التاريخ .
2- أما إذا أريد بالعبارة السابقة أن المسلمين استعملوا السيف لإزالة العقبات التي تحول دون دخول الناس عن طواعية في الإسلام ، أو لإزالة العقبات التي لا تشجع على الدخول فيه و الكيانات و السلطات المستبدة ، فهذا صحيح لا غبار عليه ، و إن كانت تلك العبارة فيها غموض و لبس يؤديان إلى فهم معاكس للحقيقة ، كما أن فيه تشويه لصورة الجهاد في الإسلام ، و هذا يعمد و يهدف إليه المستشرقون .

قال الأستاذ المودودي رحمه الله موضحا تصوير أعداء الإسلام لمعنى الجهاد و تشويههم إياه :
" لقد جرت عادة الإفرنج أن يعبروا عن حكمة الجهاد بالحروب المقدسة - إذا أرادوا ترجمتها بلغاتهم – و قد فسروها تفسيرا منكرا و تفننوا فيه و ألبسوها ثوبا فضفاضا في المعاني المموهة الملفقة . و قد بلغ الأمر في ذلك أن أصبحت كلمة الجهاد عندهم عبارة عن شراسة الطبع و الخلق و الهمجية و سفك الدماء . و قد كان من لباقتهم و سحر بيانهم أنه كلما قرع سمع الناس كلمة الجهاد تمثلت أمام أعينهم صورة مواكب من الهمج المحتشدة متقدة صدورها بنار التعصب و الغضب تتطاير من عيونها شرار الفتك و النهب ، عالية أصواتها بهتاف الله أكبر " (9)
و قال الأستاذ العقاد في معرض دفاعه عن السيف في الإسلام :
أولا : الاعتراف بأن في الإسلام سيف و هو قول صحيح إذا أراد قائله أنه دين يفرض الجهاد بالسلاح .
ثانيا : و قد غلط من قال بأن الإسلام قد انتشر بالسيف و استدل بعدة شواهد منها :
أ – أن الواقع الثابت أن المسلمين في مكة كانوا هم الضحايا و من عذبوا .
ب – أنه جعل حد السيف حقا مرادفا لحق الحياة ثم دافع عن هذه القضية بأنها كانت اضطرارا حتى لا يتخلى الإسلام عن حياته و حقه في الدعوة و الاعتقاد . (10)



لم يجد المستشرقون ما يقولونه حول المعجزة الربانية في انتشار الإسلام في فترة وجيزة لم و لن يشهدها تاريخ البشرية إلا أن يقولوا ( إن الإسلام انتشر بالسيف )
و يكفي تكذيب هؤلاء تعريف الإسلام نفسه بأنه انقياد و خضوع للأوامر و اجتناب للنواهي عن رضا و اختيار ، قال تعالى : " أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " و قال تعالى : " لا إكراه في الدين " و من السنة " إنما أنا رحمة مهداة "
و الرحمة و الهداية ليس من لوازمهما الإكراه و إنما الرضا . (11)
إن قضية الجهاد في سبيل الله بالقتال لتأمين رسالة الدعوة و حمايتها و إقامة العدل قضية حق رباني و إن غايته من أشرف الغايات .
و لم ينتشر الإسلام إلا بسبب وضوح الإسلام و فطريته و المعاملة الحسنة التي كان يستخدمها أولو الأمر من المسلمين . (12)

إن وقائع و حقائق التاريخ الإسلامي- و هي وقائع و حقائق و ليست نظريات- تقول :

* إن الدعوة الإسلامية قد مكثت بمكة ثلاثة عشر عاما ـ أي أكثر من نصف عمر هذه الدعوة ـ يتحمل أهلها كل صنوف العذاب والتعذيب والحصار والفتنة في الدين، دون أية مقاومة مادية لهذا العذاب والتعذيب . بل إن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم كان يدعو للذين ينزلون به وبالمؤمنين هذا العذاب فيقول : "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" !! .
و في هذا الوقت بالتحديد دخل مجموعة من عظماء مكة الدين الإسلامي أمثال أبي بكر وعثمان وسعد بن أبي وقاص وطلحة ثم عمر فهل هؤلاء دخلوا بالقوة في الإسلام ؟؟ وأين القوه في ذلك الوقت ..

لقد صدر عن "المعهد الوطني للدراسات الديموجرافية" ـ في فرنسا الكاثوليكية ـ كتاب [المسيحيون واليهود في التاريخ الإسلامي العربي والتركي] ليثبت ـ بالحقائق والأرقام والإحصاءات ـ أن نسبة المسلمين بين رعية الدولة الإسلامية وشعوبها ـ في مصر والمشرق العربي وفارس ـ بعد قرن من الفتوحات الإسلامية وقيام الدولة الإسلامية، لم تتعد 20% من السكان !!.. فأين كان هذا السيف الإسلامي الذي يزعمون أنه كان السبيل لانتشار الإسلام؟ .. والذي يفترونه على رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام ؟! . (13)


و للتاريخ شهادة :
و قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة ، فلما قهر النصارى عرب الأندلس ، فضل هؤلاء القتل و الطرد عن آخرهم على ترك الإسلام ، و لم ينتشر الإسلام بالسيف إذن بل انتشر بالدعوة وحدها و مثال على ذلك انتشار الإسلام في الهند و الصين مع أن المسلمين لم يكونوا غير عابري سبيل فيها . (14)
قال العقاد : إن البلاد التي قلت فيها حروب الإسلام هي البلاد التي يقيم فيها اليوم أكثر مسلمي العالم و هي : بلاد أندونيسيا و الصين و الهند و سواحل القارة الافريقية، فإن عدد المسلمين فيها قريب من ثلثمائة مليون و لم يقع فيها من الحروب بين المسلمين و أبناء تلك البلاد إلا القليل الذي لا يجدي في تحويل الآلاف عن دينهم بله الملايين . (15)
و لقد قيل إن "جستنيان" – الإمبراطور الروماني – أمر بقتل مائتي ألف من القبط في مدينة الإسكندرية ، و إن اضطهادات خلفائه قد حملت كثيرين على الالتجاء إلى الصحراء . و قد جلب الفتح الإسلامي إلى هؤلاء القبط حياة تقوم على الحرية الدينية التي لم ينعموا بها من قبل ذلك بقرن من الزمان ، و يظهر أن حالة القبط في الأيام الأولى من حكم المسلمين كانت معتدلة نوعا ما .
و ليس هناك شاهد من الشواهد على أن ارتدادهم عن دينهم القديم و دخولهم في الإسلام على نطاق واسع كان راجعا إلى اضطهاد أو ضغط يقوم على عدم التسامح من جانب حكامهم الحديثين ، بل لقد تحول كثير من هؤلاء القبط إلى الإسلام قبل أن يتم الفتح ، حين كانت الإسكندرية – حاضرة مصر وقتئذ – لا تزال تقاوم الفاتحين ، و سار كثير من القبط على نهج إخوانهم بعد ذلك بسنين قليلة ..(16)
إن الإسلام لم يأت ليكره الناس على اعتناق عقيدته ، فالإسلام ليس مجرد عقيدة بل
هو منهج و نظام يحكم الحياة ، كما أنه إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد ، فهو يهدف ابتداء إلى إزالة الأنظمة و الحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر ، ثم يطلق الأفراد بعد ذلك أحرارا في اختيار العقيدة - فلم يخير الإسلام الكفار بين الإسلام و القتل بل خيرهم بين البقاء على كفرهم و دفع الجزية و من ثم الأمان لهم ، و بين الحرب - .
و إن من حق الإسلام أن يتحرك ابتداء ، فالإسلام ليس نحلة قوم و لا نظام وطن و لكنه منهج الله و نظامه العالمي الذي من حقه التحرك لإبادة النظم و الأوضاع التي تغل من حرية الإنسان في الاختيار ..
إن محاولة إيجاد مبررات دفاعية للجهاد الإسلامي بالمعنى الضيق للحرب الدفاعية ، وإثبات أن وقائع الجهاد كانت لمجرد صد العدوان ، هي محاولة تنم عن قلة إدراك لطبيعة هذا الدين ، كما أنها تشي بالهزيمة أمام ضغط الواقع الحاضر و أمام الهجوم الاستشراقي الماكر على الجهاد . (17)


أما عن الدوافع الحقيقية للجهاد عند المسلمين بل من الأسباب التي تدفع المسلم دفعا قويا للعمل المتواصل من أجل رفع راية الإسلام في الأرض بالدعوة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قتال أعداء الله هي : (18)
1- قوة الإيمان و ذلك باليقين التام الذي لا ينتابه شك و لا ارتياب ، قال تعالى
" إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله ، أولئك هم الصادقون " .
و الحقيقة التي لا يعلمها المستشرقون أو يعلمونها و لكن يتجاهلونها أن الإيمان القوي يدفع القلة من أهله لتقف أمام الكثرة من أعداء الله مستهينة بكثرتها ، و قال تعالى " قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، و الله مع الصابرين " .
و علنا نتساءل هنا ما الذي جعل الغلماء الذين لم يبلغوا سن الجهاد يتسابقون لخوض المعارك ؟ و ما الذي جعل الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يستبطئ أكل تمرات في يده فيرميهن و يخوض المعركة حتى يقتل ؟ إنه الإيمان بالله و العقيدة الراسخة و ابتغاء رضوان الله و لا شيء سواه .
2- معرفة ما أعده الله للمجاهدين في دار الكرامة ، من المنزلة العظيمة و الشفاعة لسبعين من أهله و تزويجه بحور العين و غيرها من الكرامات .
3- استمرار محاربة أعداء الله لأوليائه : إذ لا زالوا يحملون السلاح ضد المسلمين ، و إذا كان الأمر كذلك ، فإن المؤمن يجد من ذلك ما يحفز همته للبذل و الجهاد في سبيل الله .
4- إحقاق الحق و إبطال الباطل : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة "
و إظهار الحق حمله و تطبيقه و الدعوة إليه و الجهاد في سبيله ، و الإسلام كله حق لأنه من عند الحق سبحانه ، و إبطال الباطل لا يحصل إلا بالقضاء على زعماء الباطل و كسر شوكتهم ، قال تعالى :" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر "

و قد سن الإسلام دستورا أخلاقيا للقتال – قبل أربعة عشر قرنا من معرفة البشرية لمواثيق أخلاقيات القتال – فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " اغزوا باسم الله ، في سبيل الله ، تقاتلون من كفر بالله و لا تغلوا و لا تغدروا و لا تمثلوا و لا تقتلوا وليدا " و نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قتل النساء و الولدان "
و لقد صاغ الراشد الأول أبو بكر الصديق هذا الدستور بوصاياه العشر لقائد جيشه يزيد بن أبي سفيان و هو ذاهب إلى الشام " إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فذروهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له وإني موصيك بعشر: " لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ولاتعقرن شاة ولابعيرا إلا لمأكلة ولا تحرقن نخلا ولا تفرقّنه ولا تغلل ولا تجبن"


بعض من شهادات المستشرقين :

1- قال ويفانج لنجر ميش : " إن القرآن صريح في تأييده لحرية العقيدة ، و الدليل قوي على أن الإسلام رحب بشعوب مختلفة الأديان ما دام أهلها يحسنون المعاملة و يدفعون الجزية " .
2- و قال السير ريتشارد وود : " إن من أكبر بواعث سوء الفهم بين أوروبا و الإسلام هو انتشار الظن في أروربا بأن الإسلام دين القوة و السيف و لكن هذا الظن مخالف في الواقع لما جاء في القرآن " و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا " .
3- و قال ريفونويت : " إنه من الحماقة أن نظن أن الإسلام قام بحد السيف وحده ، لأن هذا الدين الذي يهدي للتي هي أقوم ، يحرم سفك الدماء و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر " (19)
4- و قال جورج سيل - و هو مترجم القرآن إلى الانجليزية - :
لقد صادفت شريعة محمد ترحيبا لا مثيل له في العالم ، و إن الذين يتخيلون أنها انتشرت بحد السيف إنما ينخدعون انخداعا عظيما "
5- وقال "سير توماس أرنولد": إن الفكرة التي شاعت أن السيف كان العامل فى تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة عن التصديق .. إن نظرية العقيدة الإسلامية تلتزم التسامح وحرية الحياة الدينية لجميع أتباع الديانات الأخرى .. (20)
* بل وأثبت هذا ـ سير توماس أرنولد ـ أن المسيحية الغربية هي التي انتشرت بالسيف والعنف !! .
ـ ففي الحبشة جعل الملك "سيف أرعد" الإعدام عقوبة للمسلمين الذين يرفضون التحول إلى المسيحية .. أو النفي من بلادهم ! .. وكذلك صنع ملكها "جون" الذي أجبر 1880م ما يقرب من خمسين ألفا من المسلمين على التعميد! .. كما أجبر نصف مليون من قبائل الجلا على اعتناق المسيحية! .
ـ وفي المجر أرغم الملك "شارل روبرت" جميع رعاياه ـ من "الباشغردية" ـ بعد 1340 م على اعتناق المسيحية ـ بعد أن كانوا مسلمين ـ أو مغادرة البلاد .
ـ و فرض "شارلمان"[742 - 814م ] التعميدات المسيحية على السكسونيين الوثنيين بحد السيف . (21)



الشبهة الثانية :

و من الشبه التي يلقيها المغرضون و المستشرقون أن قسوة الحياة المادية و الاقتصادية هي التي دفعتهم إلى التطلع إلى ما في البلاد التي فتحوها من موارد اقتصادية . و هذا ادعاء باطل ، لأنه لو صح لاقتصر المسلمون على فتح البلاد الخصبة الغنية التي حولهم و لما ذهبت جيوشهم و قبائلهم الزاحفة إلى البلاد الفقيرة الشحيحة النائية عن مواطنهم و لكن الحقيقة هي أنهم كانوا يهدفون أساسا إلى نشر كلمة الله تبارك و تعالى و رسالته إلى الناس كافة و في كل مكان ، مهما احتملوا في سبيل ذلك من العسر و المشقة . و لو كان لهذا التفسير المادي أي ظل من الحقيقة لأسرع الخلفاء الراشدون الأولون الموجهون لتلك الفتوح إلى نقل مقار سلطانهم و حكومتهم من مكة و المدينة و صحراء الجزيرة العربية إلى غيرها من البلاد المفتوحة . (22)
و قد حذر الله تعالى المؤمنين من ما يشوب روح الجهاد و أصله ، قال تعالى :
" يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة " (النساء:94)

- ادعى مارجوليوت أن غزوات الرسول صلى الله عليه و سلم كانت للسلب و النهب، و هذا ادعاء رخيص فقد ذكر في كتابه " محمد و شروق الإسلام " : " قد عاش محمد هذه السنين الست بعد هجرته إلى المدينة على السلب و النهب ، ولكن نهب أهل مكة قد يبرره طرده من بلده و مسقط رأسه و ضياع أملاكه ، و كذلك بالنسبة إلى القبائل اليهودية في المدينة فقد كان هناك على أية حال سبب ما حقيقيا كان أو مصطنعا يدعو إلى الانتقام منهم "

إن أهل خيبر طلبوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلح بعد قتال مرير فأجابهم إلى طلبهم ، و قد تناس هذا المدعي ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه و سلم معاذ بن جبل حين وجهه إلى خيبر بأن لا يفتن اليهود عن يهوديتهم . (23)

- و قال كارل بروكلمان " حاول النبي أن يعوض من فشله الظاهري في الحديبية ، فقاد المسلمين في حملة على المستعمرة اليهودية الغنية في خيبر "
يقول شوقي أبو خليل : عجيب غريب أتراه لا يعلم أن وفد اليهود برئاسة حيي بن أخطب جعل لغطفان تحريضا على الخروج لقتال المسلمين ، نصف تمر خيبر كل عام ؟!! (24)


إن الدافع الاقتصادي بالنسبة للمسلمين ليس إلا ثمرة من ثمرات الجهاد ، تمثل مظهرا من مظاهر نصرة الإسلام فتكون الثمرة مرغوبة بهذا الاعتبار ، بدون أن تتعلق بها النفس تعلقا يشغلها عن الدافع الحقيقي من وراء الجهاد . و يشهد لذلك : (25)
- قول عبادة بن الصامت للمقوقس " و ليس غزونا عدوا ممن حارب الله لرغبة في الدنيا ، و لا حاجة للاستكثار منها ، إلا أن الله عز و جل قد أحل ذلك لنا ، و جعل ما غنمنا من ذلك حلالا "
- و كذا قول وفد المسلمين لرستم قبيل القادسية " و الله ، لإسلامكم أحب إلينا من غنائمكم "
و قد قرر الدكتور محمد هيكل حقيقة مهمة ، حيث قال : (26)
" هناك فرق بين الدافع نحو شيء ما ، و بين الاستفادة من هذا الشيء الذي أوجده ذلك الدافع ، في سبيل تحقيق أغراض أخرى .
فالشي الذي يدفع الناس إليه هو الجهاد .و الدافع نحو الجهاد هو نشر الدعوة الإسلامية و تطبيق النظام الإسلامي،
والأغراض المشروعة التي يمكن أن تستفاد من الجهاد كثيرة منها :تحقيق منافع اقتصادية "
فينبغي التفريق بين الدافع للجهاد و بين المصالح المستفادة من الجهاد .



الشبهة الثالثة :

القول بأن الجهاد إنما كان دافعه هو استرداد الأراضي العربية و تحريرها من احتلال الفرس و الروم لها ، و يسمى بالدافع التحريري .
إن أصحاب القول بهذا الدافع فيما يبدو كانوا من حيث يشعرون أو لا يشعرون متأثرين بالمفاهيم القومية الحديثة في تفسير حركة الجهاد و الفتح الإسلامي .(27)
و من الأمور التي تنقض هذا الدافع :
أن المسلمين لم يقفوا عند حدود البلاد العربية التي حرروها من حكم الروم أو الفرس كأطراف العراق و الشام بل تجاوزوا ذلك حتى أخضعوا بلاد فارس كلها للحكم الإسلامي .
2- أن بلاد مصر و الشمال الإفريقي لم تكن من البلاد العربية حتى يقال إن تخليصها من سيطرة الروم إنما هو تحرير للبلاد العربية من احتلال الأجانب لها .
3- أنه بعد تحرير المسلمين للأراضي العربية التي كان يحتلها الأجانب لم يكونوا يقومون بطرد هؤلاء الأجانب من البلاد .
4- و مما يؤكد بطلان هذا الزعم أنه لا مانع في الإسلام من أن تبقى السلطة في البلاد العربية التي يحتلها الأجانب في يد هؤلاء الأجانب أنفسهم إذا ما أعلنوا إسلامهم كما حدث على عهد النبي صلى الله عليه و سلم بالنسبة لليمن العربية و كانت تحت احتلال الفرس ، الأمر الذي يؤكد أنه لا دور للدافع القومي في حركة الجهاد و الفتح الإسلامي .(28)



الشبهة الرابعة :

أثار ايرفنج في كتاب أعده عن الرسول صلى الله عليه و سلم موضوع الجبرية و ادعى أن الرسول أصدر هذا القانون بعد هزيمة المسلمين في أحد و كثرة القتلى في صفوفهم و هو في إدعائه هذا غير صادق ، قال إن الرسول اعتمد اعتمادا كبيرا على الجبرية ، ضمانا لنجاح شئونه الحربية ، و برر مذهبه بأن كل حادث يقع في الحياة قد سبق في علم الله و تقديره و كتب في لوح الخلد قبل أن يبدأ الله العالم ، و قال أن المسلمين ءامنوا بهذا المنطق إيمانا بعيدا و أنهم خاضوا المعارك تحت تأثير هذا المنطق دون أن ينال منهم خوف ، فما دام الموت في المعارك هو عدل الاستشهاد ، فإن الثقة بالفوز في حالتي النصر أو الاستشهاد هي التي كانت تدفع بهم إلى المعارك دون تردد "

و ايرفنج فيما ادعاه مخطئ ، ذلك أنه اعتبر الاستشهاد في سبيل الله هو الجبرية بذاتها ، و هذا خلط و تشويه للحقيقة ، و قد نسي هذا المدعي أن القرآن جعل من إرادة الإنسان و عمله مصدر مثوبته أو عقابه ، و حاول أن يؤكد بهذا القانون أن الإسلام دين تواكل و قعود و هذا مخالف لصريح القرآن ، قال تعالى " قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه و من أضل فإنما يضل عليها " .
و هذه الآية و غيرها تحث الناس و تدعوهم إلى السعي و التفكير و العمل و البذل و الجهد و لا تدعو إلى القعود و التواكل كما يدعي المستشرق ايرفنج .
و لقد منحنا الله تعالى العقل لنميز به الخير من الشر قال تعالى " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره " و قال تعالى " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "
كيف لنا إذن أن نتصور أنه في ظل هذا القانون الذي يدعو إلى الكسل و التواكل ، قد اندفع المسلمون الأوائل إلى التضحية بالنفس و النفيس من أجل إعلان كلمة لا إله إلا الله . (29)






من هنا ندرك خطر تفسير المستشرقين لدوافع الجهاد عند المسلمين
و قد لخصت فيما يلي :
1- قاسوا المعارك الإسلامية بمقاييس مادية بحتة .
2- التركيز على المعارك و إهمال الجانب الخلقي للحضارة الإسلامية و كأنه تاريخ غزوات و حروب .
3- التوسع العربي و كأن الفتوحات الإسلامية توسعات استعمارية مع وجود الفوارق بين هذه و تلك .

و الواقع أن التفسير الإسلامي للتاريخ هو وحده القادر على طرح المفهوم الأصيل لهذا الانتشار العظيم للإسلام ، فإن أمره فريد عجيب ، لأن المسلمين لم يكونوا من الكثرة العددية و لا من قوة العدة و السلاح و لا من حيث استيعاب الفنون العسكرية و لا من حيث حضارة العالم و العلم و المدنية بهذه المثابة .
غير أن التفسير الصحيح و السليم أن سرعة انتشار الإسلام إنما ترجع إلى أنه كان أفضل نظام اجتماعي و سياسي تمخضت عنه العصور ، و أن سعادته ترجع إلى أنه وجد في كل مكان ذهب إليه أمما استولى عليها الخمول و نشأ فيها النهب و العسف ، فلما جاءها الإسلام لم يجد إلا حكومات مستعبدة مستأثرة متقطعة الروابط بينها و بين رعاياها .
و كان نظام رأس المال في الامبراطورية الرومانية مبنيا على الاسترقاق ، و كانت الآداب و الثقافة الاجتماعية آخذة في الانحلال – بل كانت منحة لأنها تمجد الفحش و تكافئ على البطولة بالفواحش – و من ثم وجدت جماهير الأمم في الإسلام منقذا و محررا ، ذلك لأنه أقام العدل ، و لكنه لم يفرض عقيدته بل ترك الناس يدخلون فيه باختيارهم ، و قد دخلوا في هذا الدين حين تبين لهم صدق الداعين إليه . (30)


أسأل الله تعالى أن يعيد لهذه الأمة مجدها و عزها .. و أن يهيئ لها خلافة راشدة تحكم بشريعة الله تعالى وحده ، و تعلي راية الجهاد و الحق ..
اللهم انصر المجاهدين في كل مكان ، اللهم ثبت أقدامهم و سدد رميهم
و قوي شوكتهم و أيدهم بجنود من عندك و ألحقنا بهم ...
اللهــم من أراد بهم كيدا فرده في نحره ، و أشغله في نفسه ..
آمين آمين آمين






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاستشراق و المستشرقون ( ص / 15 )
(2) المستشرقون و مصادر التشريع ( ص / 10 )
(3) المصدر السابق ، بتصرف ( ص / 25 )
(4) نظرية الحرب في الشريعة الإسلامية ( ص / 27 )
(5) تصحيح مفاهيم حول التوكل و الجهاد ( ص 132 ، 133 )
(6) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ( ص / 144 )
(7) التبشير و الاستعمار
(8) الجهاد و القتال في السياسة الشرعية ( 3 / 1619 )
(9) الجهاد في سبيل الله منهج و تطبيق ( ص / 324 )
(10) المصدر السابق ( ص / 315 ، 316 )
(11) تصحيح مفاهيم حول التوكل و الجهاد ( ص / 135 )
(12) الاستشراق و الدراسات الإسلامية ( ص / 74 )
(13) الفاتيكان والإسلام ، د . محمد عمارة
(14) الاستشراق و الدراسات الإسلامية ( ص / 75 )
(15) الجهاد في الإسلام منهج و تطبيق ( ص / 316 )
(16) الفاتيكان والإسلام .
(17) الجهاد في الإسلام ، بتصرف ( ص / 320 ، 321 )
(18) الجهاد في سبيل الله حقيقته و غايته ( 1 / 547 ، 548 )
(19) العبقرية العسكرية في غزوات الرسول ( ص / 150 )
(20) الفاتيكان و الإسلام .
(21) المصدر السابق .
(22) سموم الاستشراق و المستشرقين ( ص / 63 )
(23) العبقرية العسكرية في غزوات الرسول ( ص / 145 ، 146 )
(24) كارل بروكلمان في الميزان ( ص / 62 ، 64 )
(25) الجهاد و القتال في السياسة الشرعية ( 1 / 564 ، 565 )
(26) المصدر السابق (1 / 561 ، 562)
(27) المصدر السابق ( 1 / 576 و ما بعدها )
(28) المصدر السابق .
(29) العبقرية العسكرية في غزوات الرسول ( ص / 147 ، 148 ، 149 )
(30) سموم الاستشراق و المستشرقين ( ص / 62 ، 63 )

المراجع :

1- الاستشراق و الدراسات الإسلامية / عبد القادر داود العاني
2- سموم الاستشراق و المستشرقين / أنور الجندي
3- المستشرقون و مصادر التشريع الإسلامي /
4- الجهاد في سبيل الله حقيقته و غايته /عبد الله أحمد القادري
5- الجهاد في الإسلام منهج و تطبيق / رءوف شلبي
6- نظرية الحرب في الشريعة الإسلامية / د . إسماعيل أبو شريعة
7- العبقرية العسكرية في غزوات الرسول صلى الله عليه و سلم / محمد فرج
8- تصحيح مفاهيم حول التوكل و الجهاد / عبد الرحمن الميداني
9- التبشير و الاستعمار / للدكتورين مصطفى الخالدي و عمر فروخ
10- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين / أبو الحسن علي الحسني الندوي
11- الجهاد و القتال في السياسة الشرعية / د . محمد خير هيكل
12- الاستشراق و المستشرقون / عدنان وزان
13- كارل بروكلمان في الميزان / شوقي أبو خليل
14- موقع المشكاة www.almeshkat.net قسم الكتب و البحوث العلمية / و يضم 18 مقالا موضوعها الفاتيكان و الإسلام و المقال المشار إليه برقم (11) / د. محمد عمارة


الكاتب: أم الليوث الكويتية
التاريخ: 29/11/2008