حكم قتل المسلم بالكافر ...

 

حكم قتل المسلم بالكافر

بقلم خالد الهولي

مقدمة :
ـــــــ
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا و لم يكن له شريك في الملك و أشهد أن لا إله إلاالله وحده لا شريك له ، و أن محمدا عبده و رسوله و صفيه و خليله أرسله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون ، فأتم الله به النعمة و أكمل به الدين و رفع راية التوحيد على ثرى الجزيرة فما انتقل إلى الرفيق الأعلى إلا و قد دخل الإسلام بيت المدر و الوبر و الحجر بعز عزيز أو بذل ذليل .

فلم تزل جموع المؤمنين ترد معين التوحيد و حتى يرث الله الأرض و من عليها . ثم حمل الراية من بعده شموس الدجى و مصابيح الهدى خير الناس بعد الأنبياء و المرسلين أصحاب محمد –صلى الله عليه و سلم – فأوصلوا الدين و بلغوا به مبلغ الليل والنهار ، و صاروا سادة الدنيا بعد أن كانوا في آخر الركب \" لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا
تعقلون \" (1).

ثم حمل الراية تابعوهم من العلماء العاملين الصادقين فكتب الله لدينه النصر و التمكين " كتب الله لأغلبن أنا و رسلي إن الله قوي عزيز \" (2)و كتب للجميع الرضى " و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم و رضوا
عنه \" (3) .

ثم توالى الزمان و دالت الدولة على أهل الإسلام ، و راحت عراه تنقص عروة عروة ، حتى عادة أمة الإسلام ضعيفة كأنها لم ترفع بالعز رأسا ، و لم تهز بالقوة سيفا ، فبدلت أحكام الشرع ، و تمرد جملة من المسلمين على دينهم ، و أصروا على رفع رايات عمية لا تغني عنهم من الله شيئا.

و لا شك أن الأمة خذلت بأبنائها و تراجعت بذنوبها – فإلى الله المشتكى ، و لا حول ولا قوة إلا بالله – و لا ريب أن القوانين الوضعية التي تطبق في أكثر بلاد المسلمين ، كان
من أعظم آثارها السيئة أنها ساوت بين المسلمين والمجرمين ،فاليهودي ، و النصراني ، والبوذي ، و الهندوسي ، و المسلم ، كلهم سواء في الأحكام ، خلافا لما أمر الله به في شريعته .

حتى جعلت هذه القوانين ، دماءهم سواء في الحرمة ، بل إن ميثاق أمم الكفر المتحدة ينص على أنه " لا يجوز التفريق في معاملة الإنسان على أساس دين " .

و لم تعد عامة دول هذه الأمة الإسلامية مترامية الأطراف ، قادرة على أن تخالف تلك الشروط التي ليست في كتاب الله ، بل تناقضه ، و لئن خالفت ضربت عليها الذلة ، وعوقبت ولوحقت في كل محفل.

و لما كان الأمر كذلك أحببت أن أتبين الحق ، و أبينه ، في حكم تسوية دم المسلم بغيره ، و هل هناك ، فكتبت هذه الوريقات على عجلة من أمري و الله حسبي وهو ولي التوفيق ؛ و توضيحا للمراد و تحريرا للكتاب رأيت أن أبدأ الكلام على بعض المصطلحات التي لابد منها
فجعلتها في الباب الأول، ثم أعقبته بباب ثان هو لب هذا البحث و مقصوده على ما يلي:-

(1)سورة الأنبياء [9] .
(2)سورة المجادلة [21].
(3)سورة التوبة [100].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الباب الأول :- تعريف القتل و بيان أنواعه .

و قد قسمته إلى فصلين :

الأول لبيان تعريف القتل في اللغة و الاصطلاح

و الثاني بينت فيه أنواع القتل .

أما الباب الثاني :- أنواع الكفار و حكم قتل المسلم بكل نوع منهم و قسمته إلى مبحثين :

الأول : أنواع الكفار .

و الثاني : حكم قتل المسلم بكل منهم .

و تحته ثلاث مباحث :

أولا: قتل المسلم بالحربي .

و ثانيا: قتل المسلم بالذمي .

و ثالثا: قتل المسلم بالمستأمن .

و قد عمدت إلى كتب العلماء المعتمدة في كل مذهب فجمعت أقوالهم و مذاهبهم و أدلتهم و
ناقشت ذلك مفصلا .

و قد حرصت أن لا أذكر قولا عن إمام أو مذهب ، إلا من كتاب معتمد في المذهب ، و أن أنقل الحديث من مرجعه في كتب الحديث ، ثم أشير إلى موضعه في الهامش مكتفيا بالصحيحين ، فيما أخرجاه ، و أحد أصحاب السنن فيما لم يخرجه الشيخان .

و قد بينت الكتاب و الباب و الجزء و الصفحة ، و لا ريب أن الكمال عزيز ، و أن الخطأ من طبيعة البشر ، و قد نسي آدم عليه السلام ، فنسيت ذريته ، فأرجو من كل من وجد عيبا أو نقصا ، أن يكمله ببذل النصح لأخيه ، و الدعاء له بظهر الغيب ؛ أسأل الله العظيم رب العرش الكريم القبول و التوفيق و السداد كما أسأله أن يعز دينه و كتابه و سنة
نبيه-صلى الله عليه و سلم-و عباده المؤمنين و الله المستعان و عليه التكلان و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم . و هذا أوان الشروع في المقصود .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الباب الأول
ـــــــــ

الفصل الأول : تعريف القتل لغة و اصطلاحا .
القتل لغة :-
إزهاق النفس و إذهابها (1) .
و قد عرفه ابن عرفه في الاصطلاح بقوله :\" زهوق نفسه بفعلة ناجزا أو عقب غمرته \" (2) .
و يراد \"بالزهوق \": خروج النفس – بسكون الفاء - .
و قوله \" بفعله \" : أي بفعل جاني ، سواء كان متعمدا أو غير ذلك .
و قوله \"عقب غمرته \" : أي عقب إصابة الجاني له أي أن تزهق نفسه بسبب إصابة الجاني
عمدا أو خطئا .
و للقتل أنواع ثلاثة نعرض لها في الفصل التالي .
ــــــــــ
(1)لسان العرب لابن منظور 11/547 .
(2)شرح حدود ابن عرفة للرصاع 2/614 .


@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الفصل الثاني :أنواع القتل .
قبل أن أشرع في بيان المقصود أود أن أشير إلى أن عبارة الفقهاء قد اختلفت في التعبير عن أنواع القتل، لكنه اختلاف تنوع لا اختلاف و قد قسم العلماء القتل بحسب صفته إلى عدة أقسام (1) . و المقصود من هذه الأقسام
هي التي يترتب عليها الأحكام فهي كالآتي :-
الأول :قتل العمد و هو أن يقصد إنسان قتل آخر بآلة تصلح له غالبا . أي أن الآلة تصلح لأن تكون قاتلة كالسيف و السلاح و نحوه . و هذا المذكور في قوله تعالى : ( و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) (2). و العمد فيه القصاص أو الدية إن عفي
أولياء الدم .
الثاني :قتل شبه العمد (3) . و هو أن يقصد إنسان قتل آخر بآلة لا تصلح للقتل غالبا كالعصا و نحوها . و يلاحظ في هذا القسم أنه لم يلحق بالعمد لأنه لم يضرب بما يقتل ، كما أنه لم يلحق بالخطأ لأنه تعمد الاعتداء فكان قسما ثالثا بينهما . و أصله ما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص أن الرسول – صلى الله عليه و سلم – قال : \" …….. ألا إن دية
الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط و العصى و مئة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها
\"(4) .
الثالث:قتل الخطأ . و هو أن يفعل ما له فعله فيصيب آدميا معصوما لم يقصد فيقتله . أو يقتل مسلما في صف الكفار يظنه كافرا .
الرابع :ما جرى مجرى الخطأ (5). كما لو حفر حفرة في طريق أو بئرا أو أوقف فيه سيارة فتلف بسبب ذلك إنسان فقتلة . فذاك جار مجرى الخطأ . و هو ما يسمى القتل بالسبب .
و في النوعين السابقين قال تعالى : ( و من قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة و دية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم و بينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله و تحرير رقبة
مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ) (6) . ففي هذه الآية أوجب الله على
القاتل الكفارة و هي عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد وجب عليه الصيام شهرين متتابعين
. كما أوجب عليه الدية و قد أجمع أهل العلم على أن الدية في قتل الخطأ تجب على
العاقلة .
ـــــــــــــ
(1)شرح فتح القدير 10/203 ، المعونة 3/1306 ،شرح حدود ابن عرفة 2/614 ،الإقناع للشربيني
2/395 ،شرح الزركشي على مختصر الخرقي 6/46 ، الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان 2/375 .
(2)سورة النساء [93] .
(3)في رواية عن مالك أنه يجعل هذا من قسم العمد و لا يعتد بشبه العمد .
(4)رواه أبو داود في سننه ،كتاب الديات باب دية الخطأ شبه العمد (4535) .
(5)هذا عند الحنابلة و الحنفية .انظر شرح فتح القدير 10/203 ،و انظر شرح الزركشي 6/46 .
(6)سورة النساء [92] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
\" ودليل ذلك ما رواه الإمام مسلم من حديث المغيرة بن شعبة : \" أن امرأة ضربتها
ضرتها بعمود فسطاط فقتلتها و هي حبلى ، قال فجعل رسول الله – صلى الله عليه و سلم –
دية المقتول على عصبة القاتل \" (1) .
و الحكمة في ذلك أن إيجاب الدية في مال المخطئ فيه ضرر عظيم من غير ذنب تعمده و
الخطأ يكثر وقوعه ففي تحميله ضمان خطئه إجحاف بماله و لا بد من إيجاب بدل للمقتول
لأنه نفس محترمة و في إهدار دمه إضرار بورثته لا سيما عائلته , فالشارع الحكيم
أوجب على من عليهم موالاة القاتل و نصرته أن يعينوه على ذلك ، و ذلك كإيجاب
النفقات و فكاك الأسير و لأن العاقلة يرثون عنه لو مات في الجملة منهم يتحملون
عنه جنايته الخطأ من قبيل الغنم بالغرم \" (2) .

ـــــــــــــــ
(1)رواه مسلم في صحيحه 11/179 . و رواه أبو داود كتاب الديات باب دية الجنين .
(2)انظر الملخص الفقهي للشيخ العلامة صالح الفوزان 2/373 .


@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الباب الثاني
الفصل الأول : أنواع الكفار .
أرى من المناسب قبل أن ندخل في الحديث عن مسألة قتل الكافر بالمسلم ، أن أبين
أنواع الكفار.
النوع الأول : الكافر الحربي .
هو من اعتنق ملة غير ملة الإسلام ولم يكن بينه و بين المسلمين ذمة أو
ميثاق (1). و سمي حربيا لأن الله تعالى أمر بقتاله و محاربته ، قال تعالى
: ( و قاتلوا المشركين كافة ) (2) . و قال:( و اقتلوهم حيث وجدتموهم
)(3).و قال : ( و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة )(4) . و في الصحيحين
مرفوعا:\" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله \" (5) .
و أمثلة الكفار المحاربين في زماننا كثيرة منها اليهود الذين يقتلون
المسلمين في فلسطين و الهندوس الذين يقتلون المسلمين في كشمير و النصارى و
الشيوعيين في بلاد البلقان و بلاد القوقاز . و لا حول و لا قوة إلا بالله
العلي العظيم .
النوع الثاني : الكافر الذمي .
هو من يؤدي الجزية(6) .
فالكافر إذا كان في بلاد المسلمين فهو بين خيارين إما أن يسلم و إما أن يدفع الجزية فإن
أبى هذه و تلك فقد قال تعالى : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا
يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون )
(7) . و قد اختلف الفقهاء – رحمهم الله – في من يجوز أن تأخذ منهم الجزية ، فمذهب
الشافعي و أحمد تأخذ من جميع الكفار عدا مشركي العرب . و عند أبي حنيفة تأخذ من جميع
الكفار بما في ذلك عبدة الأوثان الأعاجم دون العرب(8) . و في الزمن المعاصر بعد غياب
الخلافة الإسلامية و ضعف الدويلات المتفرقة لم يعد هناك جهاد أو جزية ، فلم يعد هناك
أهل ذمة . و الله حسبنا و هو نعم الوكيل .
ــــــــــــــــــ
(1)انظر تكملة شرح فتح القدير 10/237 . شرح حدود ابن عرفة 2/220 . الإقناع للشربيني
2/517 . المطلع على أبواب المقنع صـ222 .و انظر أيضا معجم لغة الفقهاء لشيخنا محمد رواس
قلعة جي .
(2)سورة التوبة [36] .
(3)سورة النساء [89] .
(4)سورة الأنفال [39] .

(5)صحيح البخاري ، كتاب الإيمان باب فإن تابوا و أقاموا الصلاة …… .
(6)الجزية هي المال الذي للكتابي عليه الذمة ، انظر المطلع صـ218 .
(7)سورة التوبة [29] .
(8)انظر المغني لابن قدامه 13/28 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النوع الثالث : الكافر المستأمن و المعاهد .
وهو من دخل بلاد الإسلام بأمان طلبه(1) . قال تعالى : ( و إن أحد من المشركين
استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ) (2) . فإذا أجاره أحد من
المسلمين أو أجاره الحاكم أو نائبه صار مستأمنا و الجوار له أحكام ليس هذا مجال
بسطها .
أما المعاهد فمن أبرم معه أو مع دولته معاهدة صلح أو عدم اعتداء (3). قال تعالى :
( و إن جنحوا للسلم فاجنح لها و توكل على الله ) (4) .
و من الصور المعاصرة للمستأمن و المعاهد البعثات الدبلوماسية و دولها فالبعثة تدخل
بأمان و الدولة تعتبر معاهدة ما لم يأت أحد منهم بما هو ناقض للعهد أو مبطل للأمان
كمظاهرة أعداء المسلمين أو قتل شعوبهم أو نحو ذلك فإن فعلوا فقد نقضوا عهودهم . و الله
أعلم .

(1)المطلع صـ221 .
(2)سورة التوبة [5] .
(3)انظر معجم لغة الفقهاء صـ438 .
(4)سورة الأنفال [61] .

@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الفصل الثاني

المبحث الأول:قتل المسلم بالحربي .
أجمع أهل العلم –رحمة الله عليهم- أن المسلم لا يقاد بالحربي و ذلك لأن الحربي
لا عصمة لدمه لمناوئته الإسلام و أهله . بل قد أمر الشرع المطهر بقتله , قال
تعالى:( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ) (1) و قال :( فاقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم) (2) , و لأن من شروط وجوب القصاص على القاتل كونه معصوم الدم(3،4).
و من صوره المعاصرة لو قتل مسلم يهوديا أظهر العداوة للإسلام فلا يجوز أن يقتاد
به لأن الدماء غير متكافئة . و لعل هذا ما حدث في فترة الثمانينيات عندما قتل
مسلم مصري مقاتلين يهود لسبهم إياه , فأقامت دولة يهود الدنيا لأجل هؤلاء فسجن
هذا المصري و مات في سجنه حسب ما أعلنت السلطات المصرية آن ذاك .
المبحث الثاني : قتل المسلم بالذمي .
إذا قتل مسلم ذميا خطأ أو شبه عمد فلا يوجب ذلك قودا لأن القود لا يجب إلا في قتل
العمد(5) . أما إذا قتله عمدا عدوانا ففيه ثلاثة مذاهب لأهل العلم .
المذهب الأول :-
لا يجوز قتل المسلم بالكافر أبدا(6).و هذا مذهب الشافعية . و الحنابلة(7) و بعض
المالكية(8)و هو مذهب ابن حزم الظاهري .
المذهب الثاني :-
ذهب الحنفية إلى أن المسلم يقتل بالذمي إذا قتله(9) .

ــــــــــــــ
(1) سورة التوبة [29] .
(2) سورة التوبة[5] .
(3) بداية المجتهد 8/425 .
(4) الإقناع للشربيني 4/402 .
(5) بداية المجتهد لابن رشد 8/413 .
(6) الحاوي للماوردي 12/14 .
(7) المغنى للموفق 11/3 .و شرح الزركشي 6/63 .
(8) الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البرصـ587.
(9) بدائع الصانع للكاساني7/233 .

ــــــــــــــــــــ
المذهب الثالث:-
لا يقتل المسلم بالكافر إلا إذا قتله غيلة**(1) .
سبب الخلاف : هو تعارض عموم الآيات الآمرة بالقصاص مع عموم الآيات التي تجعل
المؤمن أفضل من الكافر و قياس الذمي على الحربي أو عدم صحة قياسه عليه.وكذلك
النزاع في ثبوتالحديث العاضد لعموم الآيات الموجبة للقصاص بين الدماء دون النظر
إلى الأديان.و الأدلة كما يلي :-
أولا : دليل المذهب الأول :-
الدليل الأول :قوله تعالى : ( لا يستوي أصحاب النار و أصحاب الجنة ) (2) ,و قوله : (
أفنجعل المسلمين كالمجرمين ) (3).
وجه الدلالة :أنه نفى التساوي بين الكفار و بين المسلمين , فنفي التساوي يدل على عدم
استواء نفوسهما و عدم تكافؤ دمائهما (4) .
الدليل الثاني : قال تعالى : ( و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) (5) .
وجه الدلالة : أن كلمة ( سبيلا ) نكرة في سياق النفي , فتعم كل سبيل فلا يجوز أن يكون
للكافر على المسلم سبيل إلى نفسه و دمه .
الدليل الثالث : من السنة النبوية حديث أبي جحيفة قال : قلت لعلي – رضي الله عنه - هل
عندكم كتاب؟ قال : لا , إلا كتاب الله , أو فهم أعطيه رجل مسلم , أو ما في هذه الصحيفة
. قال قلت : فما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل , و فكاك الأسير , و لا يقتل مسلم
بكافر(6) .
وجه الدلالة : أن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ذكر أن مما عندهم مكتوب عن رسول
الله – صلى الله عليه و سلم – كما توضحه الروايات الأخرى(7). و من ذلك , أن لا يقتل
مسلم بكافر . و فيه وجهين , الأول : قوله ( مسلم ) نكره في سياق النهي فيعم كل مسلم .
والثاني : مثله ( كافر ) نكره في سياق النهي فتعم كل كافر فكأنه قال : [لا تقتل أي مسلم
قتل أي كافر سواء كان ذميا , أو معاهدا , أو مستأمنا , أو حربيا.

ــــــــــ
(1)الكافي لابن عبد البر و المعونة للقاضي عبد الوهاب 2/ 1065 . و بداية المجتهد
لابن رشد 8/424 .
(2)سورة الحشر [20] .
(3)سورة القلم [35] .
(4)الحاوي للماوردي 12/11 .
(5)سورة النساء [141] .
(6)رواه البخاري كتاب العلم باب كتابة العلم .
(7)انظر فتح الباري للحافظ ابن حجر 1/246 .
**الغيلة :أي غدر و خديعة على حين غفلة من المقتول .انظر حدود ابن عرفة 2/675 . و انظر
شرح الزرقاني على الموطأ 4/236،248.

الدليل الرابع :روى قيس بن عباد قال: \" انطلقت أنا و الأشتر إلى علي – رضي الله عنه –
فقلنا : هل عهد إليك رسول الله –صلى الله عليه و سلم – شيئا لم يعهده إلى الناس عامة ؟
فقال : لا , إلا ما في كتابي هذا . فأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه , المسلمون
تتكافأ دماؤهم و هم يد على من سواهم و يسعى بذمتهم أدناهم ، ألا لا يقتل مسلم بكافر و
لا ذو عهد في عهده ، من أحدث حدثا فعلى نفسه . و من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة
الله و الملائكة و الناس أجمعين .\" (1)
وجه الدلالة : ما ذكر في الحديث الذي قبله من النفي أن يقتل مسلم بكافر و فيه وجه آخر
أيضا : أنه قال:( المسلمون تتكافأ دماؤهم ) ، فدل بمفهوم المخالفة أن غير المسلمين لا
تكافئ دماؤهم دماء المسلمين و عليه فلا يصح الاقتياد للكافر من المسلم .
و لكن اعترض الحنيفية على هذا من وجهين :-
الأول : أنهم لا يحتجون بمفهوم المخالفة .
الثاني : أنه قوله ( و لا ذو عهد في عهده ) معطوف على ( لا يقتل مسلم بكافر ) فيكون
المعنى لا يقتل ذو عهد في عهده بكافر فوجب تقدير لا يقتل مسلم بكافر حربي أو مستأمن
جمعا بين هذا الحديث و بين غيره كما سيأتي (2) .
و أجيب عن هذا الاعتراض من وجوه :-
الأول : بأن النبي – صلى الله عليه و سلم – ندبنا إلى قتل المحاربين فلم يتكلف بعد ذلك
و يقول أنه لا قود علينا بهم (3) .
الثاني : أن لفظ الحديث ( لا يقتل مسلم بكافر ) عام في كل الكفار كما تقدم فلم يجز أن
يخصص بإضمار أو تأويل إذ فيه تكلف و تحميل للكلام ما لا يحتمل .
الثالث : أن المعروف من كلام النحاة أن المعطوف و المعطوف عليه لا يجب أن يشتركا في كل
شئ بل في الحكم الذي لأجله تعاطفا و هو القتل هنا ، فكان المعنى ( و لا يقتل ذو عهد في
عهده بكافر حربي ) لإجماعهم أنه إذا قتل كافرا معاهدا مثله فإنه يقتل به .
الرابع : أن ما صنعه الحنفية إنما هو مفهوم الصفة و الحنفية لا يقولون به .

ــــــــــــــــــــ
(1)رواه الإمام أحمد في المسند 1/149 ، برقم 992 . و أبو داود من طريقه كتاب الديات باب
أيقاد المسلم من الكافر .
(2)بدائع الصانع للكاساني 7/237 .
(3)المحلى لابن حزم 10/232 .



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدليل الخامس :من المعقول : أن الذمي كافر و الكفر نقص فلا يقتل به المسلم كالمستأمن
(1) .
الدليل السادس :من المعقول أيضا , هو قياس الكافر الذمي على الحربي و المستأمن ، لأن
الله سوى بينهما في عدم جواز موالاتهم و أنهم في النار و حكم أن لا يرث المسلم من أحد
منهم و العكس فإلحاقه بالحربي و المستأمن أقرب و أولى (2) .
ثانيا : أدالة المذهب الثاني :-
استدل الحنفية و من وافقهم من المعقول و المنقول من الكتاب و السنة ، و الأدلة
كما يلي :-
الدليل الأول :قوله تعالى : ( كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر و العبد بالعبد و
الأنثى بالأنثى ) (3) . و قوله تعالى : ( و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) (4) .
وجه الدلالة :أنه لم يفصل بين قتيل و آخر فكل من قتل وجب أن يقتص منه(5). أجيب عنه من
عدة أوجه : الأول :أنها مخصوصة بحديث ( لا يقتل مسلم بكافر ) (6) .
الثاني :أنها في حق المؤمنين لأنه سبحانه وتعالى قال في أولها : ( يا أيها الذين آمنوا
كتب عليكم القصاص في القتلى ) .
الثالث:كما أنه قال في آخرها : ( فمن عفي له من أخيه شئ ) . و باتفاق أن المسلم ليس أخا
للكافر . فسقط الاستدلال بالآية .
الرابع :أن آية المائدة في شرع من قبلنا و قد ورد في شرعنا ما يعارضه . فلم يصح
الاستدلال به .
الدليل الثاني :قوله تعالى : (و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) (7) .
وجه الدلالة :أن ( مظلوما ) نكرة في سياق الشرط فتعم كل من قتل ظلما كافرا كان أو غيره
، فلوليه سلطان على من قتله و ذلك بأن يقتص ممن قتله(8).و أجيب على هذا الدليل(9) :-
الجواب الأول :إن الآية في المؤمنين دون غيرهم بدليل أن الكافر ليس له سبيل على المؤمن
كما قال سبحانه و تعالى : ( و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) (10).بل إن
الله تعالى لم يجعل للكافر سلطانا على المسلمين بل جعل لهم الذلة و الصغار ، قال تعالى
: ( حتى يعطوا الجزية و هم صاغرون ) (11) .

ـــــــــــــ
(1)المغني للموفق 11/ 466.
(2)حاشية الروض لابن قاسم 7/190 .
(3)سورة البقرة [178]. (4)سورة
المائدة [45].
(5)بدائع الصانع للكاساني 7/237 (6)سبق
تخريجه .
(7)سورة الإسراء [33] .
(8)بدائع الصانع للكاساني 7/237 .
(9)المحلى لابن حزم 10/233 . (10)سورة
النساء [141] .
(11)سورة التوبة [29] .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب الثاني :أن ما ذكروا لو صح لهم فهو مخصوص بالحديث السابق .
الدليل الثالث :قوله تعالى : (و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ) (1) .
وجه الدلالة :أن المعنى من إيجاب القصاص هو حفظ النفوس و هذا أبلغ فيما إذا أوجب القود
للكافر من المسلم لأن مبررات قتله أكثر و هو اختلاف الدين فالحاجة إلى الزاجر أكبر فكان
شرع القصاص فيه معنى الحياة أبلغ . و أجيب عن ذلك :-
الجواب الأول :أن الخطاب لأولي الألباب و لا شك أن الكفار ليسوا من أولي الألباب و لو
كانوا كذلك لدخلوا في الإسلام .
الجواب الثاني :لو صح استدلالهم فهو مخصوص كما تقدم بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
الجواب الثالث :أنه قصاص لهم فلم يجز أن يكون قصاص عليهم(2) .
الجواب الرابع :أن ما ذكرتم من زاجر موجود في المستأمن فلم منعتم قتل المسلم بالمستأمن
، فإن قلتم لكفره فالعلة هنا موجودة .
الدليل الرابع :ما رواه ابن البيلماني\" أن رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الكتاب
فرفع إلى النبي –صلى الله عليه و سلم – فقال : أنا أحق من وفى بذمته . ثم أمر به
فقتل(3) .
وجه الدلالة :أن النبي –صلى الله عليه و سلم – قتل المسلم بالكافر إيفاء بالذمة فدل على
أن الذمي يقتل به المسلم .
الجواب عن الحديث :قال العلامة ابن القيم \" هذا الحديث مداره على ابن البيلماني ، و
البلية فيه منه ، و هو مجمع على ترك الاحتجاج به فضلا عن تقديم روايته على أحاديث
الثقات الأئمة المخرجة في الصحاح كلها.\" أ.هـ(4).و قد اتفق الحفاظ على تضعيفه كما ذكر
العلامة ابن القيم .
جواب آخر :أن ابن البيلماني هذا ليس بصحابي فحديثه مرسل ، ومرسل غير الصحابي ليس بحجة
على الصحيح .
جواب ثالث :لو سلم الاحتجاج به فهي قضية عين لا عموم لها(5) .
الدليل الخامس :من العقل أجمع المسلمون على حرمة مال الذمي و أن المسلم تقطع يده بسرقة
مال الذمي فإذا كانت حرمة المال متساوية ، فحرمة الدم متساوية أيضا(6) .
ــــــــــــ
(1)سورة البقرة [179] .
(2)الحاوي للماوردي 12/14 .
(3)رواه البيهقي في السنن الكبرى و ضعفه 8/49 .
(4)تهذيب السنن لابن القيم ، حاشية عون المعبود 12/171 .
(5)الحاوي للماوردي 12/14 . انظر في الأجوبة الثلاثة .
(6)بداية المجتهد 8/428 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أجيب عن هذا الدليل بعدة أجوبة :-
أولها :أنه قياس في مقابل النص فهو فاسد الاعتبار .
ثانيها :لأن القود حق للذمي له طلبه و له تركه – على التسليم – و هذا هو السبيل الذي
منعه الله على الكافرين . أما في السرقة فالشأن أنها حق لله تعالى ليست للمسروق فيأخذ
الحق من المسلم شاء ذلك الذمي أم أبى(1) .
ثالثها:لما جاز قطع يد المسلم بمال المستأمن ولم يجز أن يقتل به جاز أن يقطع بمال الذمي
دون أن يقتاد به(2) .
الدليل السادس:قياسهم المسلم على الذمي بجامع أن كلا منهما محقون الدم على التأبيد(3).و
أجيب عنه بجوابين :-
الأول :أن المسلم محقون الدم لدينه لا شئ آخر و برهان ذلك أن دينه مانع من استرقاقه
بخلاف الذمي(4) .
الثاني :أن الذمي لو التحق بدار الحرب صار محاربا غير معصوم الدم . فتبين أن حقن الدم و
إباحته كان لأجل الإسلام و أن عصمة دم الذمي ليست على التأبيد كما زعموا .
ثالثا : دليل المذهب الثالث : -
الدليل الأول:قوله تعالى :(إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض
فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ) (5).
وجه الدلالة :أن قتل الغيلة من الحرابة و عليه يقتل المقاتل حدا لا قصاصا , فلا يشترط
المماثلة إذ أن القاتل قد أفسد في الأرض بقتله للمقتول(6) .
الدليل الثاني :ما رواه ابن حزم في المحلى أن : [ عبد الله بن عامر كتب إلى عثمان بن
عفان – رضي الله عنه – أن رجلا من المسلمين عدا على دهقان فقتله على ماله . فكتب له
عثمان \" أن اقتله فإن هذا قتله غيلة \" ] (7).
وجه الدلالة :أن عثمان أمر بقتل المسلم الذي قتل الدهقان الكافر لأنه قتله على ماله و
نص أن العلة هي قتله على المال و هي الغيلة و لا يعلم لعثمان مخالف فكان إجماعا .
ـــــــــــ
(1)المحلى لابن حزم 10/233 .
(2)الحاوي للماوردي 12/15 .
(3)المبسوط للسرخسي 26/132 .
(4)الحاوي للماوردي 12/14 .
(5)سورة المائدة [33].
(6)شرح الزرقاني على الموطأ 4/236 . (7)المحلى
لابن حزم 10/222.
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الترجيح :-
مما سبق يتضح أن قول الجمهور أقرب للصواب و ذلك لصحة ما استدلوا به و سلامته من
المعارض و لأن ما ذكر الحنفية من أدلة قرآنية مخصوصة بحديث الصحيح \"لا يقتل
مسلم بكافر \" ، أما الأقيسة فهي على فرض سلامتها , هي فاسدة الاعتبار لأنها في
مقابل النص .
أما أدلة مالك فالأثر رواه ابن حزم و قال أنه مرسل ، و المرسل لا يحتج به . أما قولهم
أنه محارب فعنه جوابين :-
الأول :أنهم يقولون أن الإمام مخير في الحد بين الأربعة المذكورة في الآية ، فلم تعيين
القتل!؟ (1)
الثاني :نقل ابن حزم اتفاق من قال بالترتيب من العلماء أن من قتل في الحرابة من لا
يقتل به في غير الحرابة فإنه لا يحكم بقتله حدا أو قصاصا (2) .
الثالث :أن حديث الباب صحيح الإسناد ظاهر الدلالة و استثناء بعض الصور منه لا بد أن
يكون بخبر صحيح عن الله و رسوله –صلى الله عليه و سلم – و إلا لكان ضربا من التحكم لا
يجوز .
الرابع :الأدلة الشرعية دلت على أن المسلم و الكافر لا يتكافئان ، فكيف يجعل دم المسلم
و نفسه مقابل نفس الكافر .
المبحث الثالث : قتل المسلم بالمستأمن .
تقدم نقل قول جمهور أهل العلم على أن المسلم لا يقتل بكافر ذميا كان أو حربيا أو
مستأمنا(3).
و تقدم خلاف العلماء مع الحنفية في المسلم إذا قتل ذميا . أما لو قتل مسلم مستأمنا ،
ففيه وجهان في مذهب الحنفية :-
الأول :لا يقتل به . و هو مذهب أبي حنيفة و المشهور عن أبي يوسف(4) .
الثاني :يقتل به . و هو رواية عن أبي يوسف(5) .

ـــــــــــــ
(1)المحلى لابن حزم 10/224 . و انظر المدونة 4/552 .
(2)المحلى لابن حزم 10/224 .
(3)انظر المبحث الأول و الثاني .
(4)شرح فتح القدير للكمال ابن الهمام 7/220 .
(5)المبسوط 26/133، 134 .

وسبب الخلاف هو تردد المستأمن بين كونه ملتحق بالذمي لأنه أمن على دمه أو يلحق
بالحربي لأنه غير معصوم الدم على الدوام .
و استدل أصحاب القول الأول بالقياس على الحربي و الجامع أنه غير محقوق الدم على
التأبيد فأشبه الحربي إذ أنه على قصد الرجوع إلى دار الحرب فجعل في الحكم كأنه في
دار الحرب(1) .
أما أصحاب القول الثاني فقد استدلوا بمثل أدلتهم في جواز قتل المسلم بالكافر . و
تقدم الجواب عنها .

@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الراجح :-
أن المسلم لا يقتل بكافر على كل حال ، أيا كان هذا الكافر(2) . و هذا مذهب
الجمهور على ما تقدم – والله تعالى أعلم - .

الكاتب: الشيخ خالد الهولي
التاريخ: 01/01/2007