ميشال كيلو لجورج بوش: إن الإسلام كان على مر التاريخ عصيا على الهزيمة

 

رسالة ميشال كيلو إلى الرئيس الأمريكي: "بلدكم سيخسرالحرب" هي بلا شك وثيقة تاريخية - - بل من أكثرها دلالة علي حركة التاريخ. الرسالة من كاتب عربي - - كمايقول "تقول شهادة ميلاده أنه مسيحي" - - نشرتها جريدة النهار

http://www.mafhoum.com/press2/68S99.htm


عبقرية الرسالة تأتي من كونها قراءة مستقبلية لأكثر منعطفات التاريخ تعقيدا صدرت بعد أسابيع قليلة من أحداث أيلول/سبتمبر (في 2 أكتوبر 2001 ) .

وها قد مضت سنوات سبع ما فتئت أحداث أيامها ولياليها تدعم صحة ما كتب ميشال كيلو !

الرسالة لم يحفل بها سدنة البث الإعلامي العربي ولا الغربي ، وكنها ستبقي شاهدا كلما توغلت الأيام في الأحداث ... ستبقي رائعة ميشال كيلو منارة تبدد ظلام الفكر العلماني العربي ما بقي للعلمانية صوت.

منذ أعلن الصليبي السفاح أن أقدامه سوف تتطأ مقدسات المسلمين من أجوار الأقصي إلي أجوار المسجد الحرام وما أراني أجد أنسب ما يقابل به بوش غيرها. ألا سحقا لحكامنا الخونة وسدنتهم .

*********************************

السيد الرئيس، تحية واحتراما وبعد،

لا اعرف إن كنت ستجد الوقت لقراءة ما اكتبه في رسالتي هذه، لأنك، كما اعتقد، في وضع صعب وعصيب تستولي معالجته على وقتك، فضلا عن أن مكانك كقائد للعالم يحول بينك وبين قراءة كل ما يوجه اليك، بما في ذلك رسائل ربما تكون صادقة كهذه الرسالة، التي يخطها مواطن عربي تقول شهادة ميلاده انه مسيحي، كره طوال السنوات الاربعين المنصرمة سياسات بلادك، وانتقدها دون هوادة، ورأى في انفرادها بقيادة العالم، منذ تسعينات القرن الماضي، مصيبة كونية كارثية الابعاد، ستنعكس نتائجها بدرجات واشكال كثيرة على مناطق العالم المختلفة، الغنية منها والفقيرة، قبل ان ترتد على اميركا ذاتها، وقد ارتدت يوم 11 ايلول، حين انقضت طائرات ركاب مدنية مختطفة على موقعين يحتلان قيمة رمزية فريدة في اميركا والعالم، هما مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون، وزارة دفاعك.

هل تود ان تعرف كيف علمت بالهجوم على بلدك، وما المشاعر التي انتابتني والافكار التي راودتني، حين رأيت المركز مشتعلا وهو يتهاوى؟ كنت مستلقيا على اريكة اتفرج على اخبار محطة الجزيرة. يبدو انني غفوت للحظات، قبل ان اصحو فجأة وارى المركز يشتعل. سارعت، عندئذ، الى ايقاظ زوجتي، التي كانت قبل عامين في اميركا، وانا اقول لها: ثمة شيء محزن انسانيا وفائق الخطورة سياسيا يحدث في اميركا، تعالي وشاهدي ما يجري في الدولة التي لم تنزل فيها قذيفة واحدة في جميع الحروب، وينهار في هذه اللحظات نظامها الامني والعالمي.

تلك هي المشاعر التي أحسست بها، والكلمات التي قلتها. كنت اشعر بالضيق والحزن، لأن أبرياء يموتون في المركز الهائل، واشعر، في الوقت نفسه، إن احتراقه والبنتاغون هو بداية انهيار نظام اميركا العالمي الجديد، وبداية خضوعها للقوانين والممارسات التي لطالما أخضعت هي الآخرين لها، خصوصا في العالم الفقير، حيث اعتادت ان تضرب دون ان تُرد لها الضربات، وتقرر مصير غيرها كي لا يتأثر مصيرها بأقدارهم البائسة والمهلكة. كنت اشعر، اذاً، بالاسى على المواطنين الاميركيين، الذين يحترقون او يلقون بأنفسهم الى الموت من طوابق المركز العليا، وأتمنى لو أنهم لم يتعرضوا لهذا المصير المؤلم والمثير للحزن. وكان شعور بالشماتة يجتاحني، في الوقت نفسه، لأن رجال البنتاغون يموتون بالطريقة التي كثيرا ما استخدموها في قتل الآخرين. وأصارحك أنني تمنيت لو أن الهجمات وفرت المركز واستهدفت البنتاغون وحده، ولو ادت الى قتل عدد كبير من "موظفيه" ودمرته وجعلته اثرا بعد عين.

بعد قليل، كان الغبار يغطي نيويورك، درة امبراطوريتك، والتي تريدون لنا ان نرى فيها مدينة المدن، وعاصمة العالم. وكنت انت تنتقل من موقع الى آخر، لأنك لم تكن تعلم، كما يبدو، ما يحدث، او لأن جنرالاتك ورجال امنك ظنوا انك ستكون عرضة للهجوم، الذي كان يتواصل بطائرات لم يخطر ببالهم ابداً انها يمكن ان تتحول اداة حرب على وطنك، الذي خالوه حصينا وغير قابل للاختراق. وحين قررت، بعد ساعات، القاء كلمة من التلفاز كنت تبدو حائراً مشتت الذهن، وكنت تبحث عن كلمات تشحن مواطنيك بقوة بدا انك تفتقد انت نفسك اليها، فخلق هذا كله الانطباع بأنك مشوش وحزين، لأنك تعرف جيدا حقيقة ما يجري، وما يحمله من معان بالنسبة الى نظام ارادت استراتيجيات بلدك فرضه على العالم، فانهار بانهيار مبنيين يرمزان الى مصدري قوته: رأس المال والقوة المسلحة.

ومع انك لم تتطرق في حديثك الى هذه النقطة، فقد كان واضحا انها موضوعه الرئيس، اذ كيف يمكن نظاما عالمياً ان يقوم، بينما يتعرض مركزه لهجوم عجزت اجهزته عن كشفه، ولم تعرف كيف توقفه او ترد عليه، مع انه طاول عاصمتها: درة امبراطوريتها العالمية، التي اعلن والدك قيامها، وجئت انت تستكمل اسسها ومقوماتها، فشاهدت بأم عينك تهاوي رمزيها، ولم يبق لك غير ان تحاول، من الآن فصاعدا، تأكيد سيطرتها وفرادتها، في شرط عالمي لم يسبق لك او لأي رئيس اميركي آخر ان واجه ما يماثله في الصعوبة.

السيد الرئيس،

دعني اخبرك كيف افهم، انا المواطن العربي، مشكلتك، التي بدأت مع الهجوم على اميركا، والتي اعتقد ان بلادك لن تنجح في التصدي لها، خلال ما بقي من زمن في قرننا الحادي والعشرين هذا. كنت، ببساطة، تعتقد ان الدرع الصاروخية ستقيم هوة تقدم بين بلدك وبقية العالم تمتد لخمسين عاما، على اقل تقدير، وانها ستمكنه من ان يكبّر الى ابعد حد عرفه التاريخ البشري قدرته على تقرير مصائر الآخرين واقدارهم. وكنت تظن ان هوة التقدم الجديدة ستمكنه من التحكم بمشكلات العالم، دون ان ينغمس في تفصيلاتها الكثيرة وتعقيداتها المنهكة، بما انها ستقيم، لأول مرة في التاريخ، نظام تحكم عن بعد، يستحيل على احد في العالم تحديه او العيش خارجه، تمسك انت بمفاصله ومفاتيحه، وتقرر اموره بطرق وكيفيات ستمتص النتائج المريعة التي ستنجم عنه، وستحول بينها وبين ان تنعكس على مركز الامبراطورية او مكانتها او قيادتها، وستتيح له ادارة ازمات الكون بالطريقة التي تخدم مصالحه وتعزز تفوقه.

فاذا بالهجوم يطيح هذا كله، واذا بك تجد نفسك مجبرا على التعامل مع وضع جديد كل الجدة، يكره بلدك على تغيير اسلوب ادارته للعالم، ولشؤونه الداخلية والخارجية، ويفرض انغماسه في تفاصيل لا حصر لها، تغطي مختلف زوايا البسيطة ومجاهلها، وقيامه بمطاردة اشخاص ومجموعات سرية وعلنية، ومقاتلة عشائر وقبائل وفئات وزمر، يعرف بعضها ويجهل معظمها وبالتعامل مع دول لطالما افتقرت الى اية اهمية بالنسبة اليه، فضلا عن انه سيجبره على صعود جبال شاهقة والخوض في صحارى مهلكة، لأن ارهابيا واحدا يمكن ان يلجأ اليها، وسيكرهه على الصراع ضد نظم فكرية ومذهبية ودينية كنتم تؤمنون بأن الحكومات الاخرى، والمحلية، تكفلت تحييدها ومنعها من التأثير في سياساتكم وحساباتكم الدولية الكبرى، يتطلب نجاحكم فيها محاربة الاستبداد تارة والديموقراطية تارة اخرى، على جبهة السياسة حينا وجبهات الاقتصاد والمجتمع والثقافة احيانا، مثلما يتطلب خوض حروب معقدة وطويلة، قد تكون تلفزيونية وعلنية اليوم، سرية وخفية غدا، وقتل بشر ومهاجمة شعوب مختلفة الالوان والمعتقدات والاوطان، وتكبد خسائر في مناطق نائية لم يسبق لأميركي ان شاهدها او فكر في احتمال ان يكون لها وجود.

باختصار: بعدما كنتم تخططون لزيادة قدرتكم بطريقة غير مسبوقة على التحكم بالعالم، وعلى ضبطه وتقرير مصائره، وتعتقدون ان تقدم بلدكم وقوته يتيحان له البقاء بعيدا عن مشكلاته الكثيرة والمتشعبة، ونفض يديه من مشكلاته المعقدة، وجدتم انفسكم فجأة في وضع معاكس، يحتم وجودكم في كل زاوية وشبر منه، وسط اقوام لا يعرفون كيف تؤثرون في طريقة حياتها وتفكيرها، وكيف تسوقونها الى حيث تريدون، تتمرد عليكم لألف سبب وسبب، بينها ان نظامكم الرأسمالي لم يُبق لها شيئا تعيش عليه او منه، وانه قتل آمالها ايضا.
كيف ستواجهون وضعا كهذا، كان تحاشيه هدف جمع استراتيجياتكم وسياساتكم، قبل صباح يوم 11 ايلول، فصار هدفها الرئيس الانغماس فيه والسيطرة عليه، منذ ذلك الصباح الرهيب؟ لا شك في انكم وضعتم سيناريوات مواجهة، تحدثت عنها اوساطكم ومصادركم، وان كنتم لم تحددوا بعد خياراتكم بصورة نهائية، لأسباب بينها انه لم تتوافر لكم بعد معطيات كافية حول طبيعة المشكلات التي ستواجهونها، والردود التي يجب ان تطوروها، في سبيل السيطرة عليها، وهي مشكلات لا حصر لها، يصعب معرفة التعقيدات التي يمكن ان تنجبها، حتى بالنسبة الى قوة عظمى كبلدكم.

السيد الرئيس، ثمة، من الناحية النظرية، خيارات ممكنة، تقول الصحافة ان مستشاريكم يحددونها على الشكل الآتي:

- تعبئة الشمال ضد الارهاب، واستخدام قواه العسكرية والاقتصادية والسياسية ونمط حضارته المتفوق في الحرب ضده. في هذه الحالة، يجب عليكم ان تحددوا ما هي قوى الشمال وما هو الارهاب، وهل تخوض قوى الشمال الحرب من اجل اميركا ام من اجل نمط الحضارة الغربية، وهل تخوضها كحرب تهم اميركا، الدولة التي تقوده، فتكون حربا سياسية واقتصادية واجتماعية وحضارية، ام تخوضها دفاعا عن نمط حضارتها، فتكون حربا حضارية /ثقافية/ دينية بالدرجة الاولى، من ذلك النوع الذي تنبأ به هنتنغتون وقال بحتمية وقوعه بعدما تفرد النظام الرأسمالي بالعالم وانتهى صراع النظم بسقوط الاشتراكية؟ ما طبيعة الانتصار الذي يمكن ان يحققه نمطا الصراع هذان، ان هما حققا اي انتصار؟ وماذا يعني انفراد نمط الحضارة الغربية بالعالم بعد انفراد نظامه الرأسمالي به؟ هل لديكم اجوبة عن اسئلة معقدة وخطيرة كهذه؟ وهل تكفي، برأيك، قوى الشمال لخوض حرب حاسمة ونهائية ضد الارهاب، هي جزء من حرب الحضارات، ان بقي العالم على ما هو عليه، واستمر نظامكم الدولي في انجاب ظروف تلد ارهابا معمما ومتفاقما، يتنطح للقضاء عليه عبر حرب لا جبهة فيها ولاحدود، لا تعرف عدوا محددا او زمنا تخاض فيه وتكسب؟ بأية سبل ووسائل يمكن الشمال خوض حرب كهذه، عدوه الرئيس فيها ليس البشر، بل ظروف وشروط يجبرهم على العيش فيها، تحولهم بالضرورة اعداء له، فلا يرى غير القوة وسيلة على خطب ودهم؟ وهل يتوحد الشمال حقا حول اميركا، رغم تباين نظرات دوله الاوروبية عن نظرتها الى مشكلة الارهاب واسبابها؟ وهل يبقى ملتفا حولها، ان تكاثرت خسائره البشرية، وانعكست نتائجها على بلدانه، وبينت مجريات الحرب عبثية طريقة التصدي الاميركي له؟

- اعتبار الارهاب ظاهرة عنف يجب ان تقابل بعنف اشد، مثلما اعتبرت ظاهرة حروب العصابات، في حينه، عنفا صرفا يكفي للقضاء عليه استخدام عنف اشد ضده، فكانت النتائج مفزعة، سواء على صعيد الخسائر التي نزلت بالبشر والدول والبيئة والحضارة والعلاقات الدولية، ام على صعيد الهزائم التي تعرض لها الغرب: من فيتنام الخمسينات الى الجزائر الى كينيا الى اليمن الجنوبي الى فيتنام السبعينات. لستم اليوم، سيادة الرئيس، ازاء عنف صرف. انتم تواجهون عنفا انجبته مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وحضارية، وتراكمات تاريخية، ومعضلات تتعلق بالهوية والعقيدة... الخ، انتجها نظام دولي نذرتم انفسكم وسخرتم امكاناتكم وقدراتكم الخلاقة للدفاع عنه، ولتوسيع انتشاره العالمي، من المحال معالجتها بالعنف، خاصة ذلك الذي يفوق في قدره وشدته عنف الارهابيين، ويستهدف مجموعات بشرية كبيرة من خارج دائرتهم. الا تلاحظون كم تتفوق اسرائيل على الشعب الفلسطيني في استخدام العنف، وتدركون معنى فشلها في التخلص من المشكلة الفلسطينية واخفاقها في حلها بالطريقة التي تناسبها، رغم لجوئها الى عنف مفتوح ومتصاعد، امتد من نهاية القرن التاسع عشر الى اليوم، دون ان ينقطع لحظة واحدة خلال قرن بأكمله؟ فأي وعد يمثله العنف بالنسبة اليكم، وما المشكلات التي يمكن ان يساعدكم على حلها، وهل تصدقون فعلا انه دواء الداء الذي انجبه نظامكم؟

-اعتبار الحرب ضد الارهاب مسألة تقنية، يتوقف النجاح فيها على الوسائل المستخدمة، وعلى طريقة استخدامها. تقول هذه النظرة: من الضروري منع الارهابيين من اختراق الشمال عامة واميركا خاصة. لذا، من الضروري القيام باعادة نظر جدية في اسلوب عيش العالم الغربي ونمط حضارته المفتوحة، وتعزيز دور الدولة فيه ومنحها صلاحيات قد يتعارض بعضها مع طابعها الليبرالي القائم. كما يجب القيام بعمل مكثف ومنهجي ينشر هذا النمط الحضاري-السياسي خارج الشمال، وخاصة في اوساط الطبقات الوسطى، التي تقود الاقتصاد والثقافة والسياسة والمجتمع في البلدان غير الغربية. الحل هو، اذن، تعجيل غربنة العالم ورسملته، عبر المنظمات التجارية والمؤسسات المصرفية والمالية الدولية، ونشر تقنية الغرب ومعلوماته لتنشيط اندماجه في العالم المتقدم وتعجيله، وتجفيف مصادر الارهاب المذهبية والمجتمعية والثقافية، التي توجد اساسا في الاوساط الشعبية والفقيرة.

لا اود تذكيرك، سيادة الرئيس، ان هذا الحل لعب دورا مخيفا في تدمير العالم غير الاوروبي، وانه لم يغربنه، بل جعل نخبه غريبة عن مجتمعاتها، وحال بينها وبين ممارسة ادوار ايجابية داخل اوطانها، واظهرها بمظهر نخب تابعة او عميلة لكم، وسهل ظهور تيارات سياسية ومذهبية وفكرية برز بين صفوفها الارهابيون، الذين شارك بعضهم في الهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون، باعتبارهما رمزين للغرب ولهيمنته على بقية العالم. فهل تفكرون بدواء هو الداء، وتأخذون بطريق ادت الى اغلاق جميع طرق التفاهم والتعاون بين عالمكم والقسم الاكبر من البشرية، وكان لها قسط وافر في انجاب الارهاب؟

- خوض حرب ضد العرب والمسلمين، بقوة الغرب مجتمعا، بعد عزله عن بقية شعوب الجنوب وفرض ما يشبه الحجر الدولي عليهم. هذه الحرب لها في عقلكم سيناريوان قديمان، يقوم اولهما على اعتبار العرب قاعدة الشمال وقيادة الجنوب، فلا بد من كسبهم كقاعدة وكسرهم كقيادة. ويقوم ثانيهما على اعتبارهم ممثلي ثقافة وهوية تاريخية محددة هي الاسلام، سيتقرر بموقفها مصير الصراع بين الحضارات، فلا بد، ايضا، من كسبها او كسرها، يبدو، سيادة الرئيس، انكم يئستم من كسبها، وان ضربات نيويورك وواشنطن جعلتكم تقررون كسرها، بالتدريج: بلدا بعد بلد، وجزءا اثر جزء، وعلى مدى زمن طويل، مستغلين احوال العرب والمسلمين المزرية، واوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية البائسة، وقياداتهم العاجزة، وتأخرهم التقني وضعف حكوماتهم وتشتتها، وتناقض مصالحها، وتهافتها الذليل على كسب رضاكم وخوفها من اسرائيل ومنكم، وحاجتها الى معونتكم ومساندتكم، واخيرا العداء المشين الذي يكنه معظمها للاسلام، الدين الذي ترون - ويرون - فيه مصدر العنف والارهاب، وتعزون اليه التخلف والتعصب، وتعتقدون انه يهدد السلام العالمي ويحرض الشعوب الفقيرة عليكم، وان الايمان به يؤدي الى اعتناق طرق لاعقلانية في التفكير والعيش، تتعارض مع طرقكم وتقود بالضرورة الى الاصطدام بكم، وتاليا الى الارهاب.

سأكون صريحا معك الى ابعد حد في هذه النقطة، لأن النتائج التي ستترتب على ما تسمونه "صراع الحضارات او الثقافات" ستكون وخيمة على البشرية بأسرها، وكارثية بالنسبة لكم، ولنا، الى درجة يستحيل تصورها. لو قرأت، سيادة الرئيس، التاريخ، او كلفت احد مساعديك بقراءته، لاقتنعت ان هزيمة الاسلام والمسلمين مستحيلة، ولوجدت ان احدا لم يتمكن على مر التاريخ من انزال هزيمة حاسمة ونهائية، كالتي تريدها انت، بهما: سواء تعلق الامر بالفرس والروم، امبراطوريتي الشرق القديم، ام بالصليبيين والمغول، قوتي العصر الوسيط الرئيسيتين ام بالقوى الاستعمارية الاوروبية في القرنين التاسع عشر والعشرين. لقد هزم الاسلام امبراطوريتي العالم القديم فور ولادته، وهزم المغول والصليبيين لحظة بدأت امبراطوريته تنحدر، وهزم امبراطوريتي العالم الغربي وهو في عز تأخره، فماذا تفهم من ذلك؟ وهل يمكنك، كسياسي مسؤول، القفز عن الحقيقة، وهي ان الاسلام كان على مر التاريخ عصيا على الهزيمة؟

دعني اقول لك شيئا آخر، هو ان شعورا من الزهو يجتاح كياني، لأنني ابن هذا التاريخ، الذي اكتشف اجداده واباؤه واخترعوا جميع المفردات التي قامت عليها الحضارة البشرية: من اختراع النار، الى اختراع العمل وادواته، الى صهر المعادن، الى الزراعة، الى تدجين الحيوانات الى التفكير المجرد، الى اللغة، الى الارقام، الى الدين، الى الكتابة وبناء القرى والمدن... الخ. فهل تصدق انني يمكن ان اتعلم الحضارة على يدي السيدين برلوسكوني وروبرتسون: امين عام الحلف الاطلسي، انا الفخور بأنني ابن الدين الاسلامي والحضارة التي انجبها، وابن اللغة العربية والثقافة العربية - الاسلامية الفريدة، التي تجعلني مواطنا عربيا ملأ نفسه الاسلام وقيمه الانسانية والاخلاقية، وملأ نفسه كذلك التاريخ المشترك الذي صنعه مع المسيحية، وقام على التسامح الديني، الذي مكن المسيحيين العرب من حفظ دين آبائهم واجدادهم، وعلى تفاعل العروبة التاريخي داخل حاضنة الدينين الشقيقين، التي كونت روحه، وحددت هويته، وجعلت منه عدوا لمن يعاديهما، لن يحجم عن القتال ضدكم، وعن الموت دفاعا عن الحضارة العربية - الاسلامية التي انجباها.

انتم، سيادة الرئيس، لا تعرفون استحالة فصل ما هو مسيحي عما هو اسلامي في تكويننا، ولا تدرون كم امتزج هذان الدينيان في نفوسنا، وكم طبعت مسيحيتنا الاسلام بطابعها وانطبعت بطابعه. وتجهلون ان مسيحيتكم غريبة عنا، لأنها ايديولوجيا سوغت نهب الشعوب وظلمها، وتنكرت، في نظرنا، لذلك الناصري العظيم، الذي عاش على المبادئ والقيم، ومات من اجلها ومن اجل البشر.

دعني اطلب اليك، الآن، التفكير بحقيقة ان مسلمين عاديين، ليسوا ارهابيين وليسوا متعصبين، تركوا اندونيسيا وطنهم الاصلي، وجاؤوا الى فلسطين لمقاتلة الصليبيين، وان بعضهم سار خمسة عشر عاما قبل ان يبلغ ميدان المعركة. دعني اخبرك ايضا ان المسيحيين العرب رأوا في الاسلام عقيدة حررتهم من الرومان، المسيحيين مثلهم الذين كانوا يشبعونهم اضطهادا وظلما. وانهم شاركوا في فتوح اخوانهم المسلمين وغزواتهم، وخاصة ضد الفرس، وقاتلوا الصليبيين، الذين ذبحوا منهم عشرات الآلاف في انطاكية والرها والقدس واللاذقية وطرابلس ودمشق.. الخ. كما قاتلوا الاستعمار الحديث الى جانب اخوانهم المسلمين، ويقاتلون اليوم وسيقاتلون غدا الصهيونية في فلسطين، مثلما سيقاتلون جنودكم، إن وطأت اقدامهم ارض العرب.

اذا قرأ مساعدك التاريخ الحديث، سيخبرك ان المسلمين كانوا يفتحون مساجدهم للصلاة على موتى المسيحيين، في المدن السورية التي لم يكن يوجد فيها كنيسة، وان هؤلاء كانوا يرفعون الصليب في المسجد وينشدون تراتيلهم الدينية بحرية، باعتبار ان المسجد كان، في تلك اللحظة، كنيستهم. سيخبرك مساعدك ايضا ان شيوخ المسلمين يسيرون اليوم، مثلما ساروا دائما، وراء موتى المسيحيين، وانهم يتقبلون مع ذويهم العزاء فيهم، ويقرأون الفاتحة على ارواحهم، ويسمون قتلاهم في الحروب شهداء. سيقول مساعدك لك ايضا ان فارس الخوري، المسيحي الدمشقي، مندوب سوريا اللاحق في الامم المتحدة ورئيس وزرائها ومجلسها النيابي، كان يقف علي منبر الجامع الاموي بدمشق، ليلقي خطبا وطنية ضد الفرنسين تحض مواطنيه على النضال ضدهم واخراجهم من سوريا. سأخبرك، عند هذه الوقفة، بشيء لا يعرفه مساعدك، هو ان الصهاينة لن ينجحوا في الانتصار على العرب والمسلمين، وان وجودهم في فلسطين موقت، وانهم سيغادرونها، في النهاية، وذيولهم بين سيقانهم.

دعني احكي لك قصة ذات معنى: كنت العب ذات مرة مع طفلي، وكان في الخامسة من عمره، داخل منزلي الصغير. قلت خلال اللعب: سآخذ أنا دور العربي وتأخذ انت دور الاسرائيلي، فشتمني وقال والدموع في عينيه: انت الاسرائيلي وانا العربي. ألا تقول لك هذه القصة ان لا مستقبل لاسرائيل في منطقتنا، مهما اعطيتموها من سلاح وقدمتم لها من عون، وانها ستهزم، في النهاية، وان فلسطين ستعود عربية واسلامية، ولو هلكنا عن بكرة ابينا، جيلا بعد جيل.

دعني اخبرك ايضا ان فلسطين هذه، التي تعتقدون ان صارت اسرائيل، لم تكن حاضرة مثلما هي حاضرة اليوم في نفوس المسيحيين والمسلمين العرب وعلى امتداد دار الاسلام، وان احتلالها من جانب غرباء لم يجعلها لهم ولن يجعلها، وانكم ستعانون الامرين لأنكم تساندون محتليها، ولأن اطفالنا يفضلون الموت كارهابيين، في نيويورك وواشنطن وتل ابيب، على التعايش مع فكرة ضياعها او وضعها الراهن. فلا تتوهم انك تستطيع محاربة الارهاب وانت تدعم ارهابيين يهودا يحتلون جزءا من وطننا. واياك ان تعتقد للحظة اننا نتعاطف، او يمكن ان نتعاطف يوما مع حربك ضد ارهاب استهدفك، ان لم تتعاطف انت معنا ضد ارهاب اسرائيلي يستهدفنا منذ نيف وقرن. اقول هذا و اكرر انني تعاطفت بصدق مع ضحايا مركز التجارة العالمي، وتمنيت لو كان فارغا لحظة اطاحته الطائرتان.

- ثمة سيناريو اخير هو الحرب الطويلة التي تعدون انفسكم والبشرية لها، وتعتقدون انها ستكون حربها، لمجرد ان اميركا، التي كانت هدف الارهاب، ستشنها. هذه الحرب تقف على رأسها، لأنها تعالج نتائج سياساتكم ولا تتصدى لأسباب الارهاب، الكامنة فيها بالذات. ماذا ستفيدون من قتل الشيخ اسامة بن لادن، ان بقي العالم عرضة لليبراليتكم المتوحشة، التي تجوعه وتفقره وتفقده استقلاله وقدرته على تقرير شؤونه بحرية؟ هل تعتقدون حقا ان الشيخ اسامة سيكون آخر الارهابيين، ان بقيت اوضاع القسم الاكبر من البشرية على ما هي عليه اليوم؟ ليس الشيخ اسامة سبب الارهاب، انه نتيجة وحسب من نتائج ارهاب كوني يتواصل منذ قرون، يتخذ في حالات كثيرة شكل ما تسمونه تمدينا لنا، فلا خلاص لكم من الارهابيين بغير الخلاص منه، مع انه نتاج سياساتكم وعقلياتكم، التي ولدته ورعته، وها هي تحاول البقاء عليه والاستعاضة عن قتله بقتل اشخاص تنسبون اليهم الارهاب، وتنسبون ارهابهم الى غير اسبابه الحقيقية، وتزعمون انه نتاج معتقدهم الاسلامي وأصلهم العربي ونمط حضارتهم المتأخر، بينما هو، في حقيقة الامر، نتاج حضارتكم، التي بنت بلدانكم ودمرت بلداننا، ومنحتكم الحرية وفرضت علينا الاستعباد، واعطتكم التقدم وتركت لنا التأخر، وجاءت بكم الى العالم واخرجتنا من التاريخ، ومنحتكم تفوقا رأيتم فيه امتيازا عرقياً وعنصرياً لكم، ونرى فيه موتنا، ولا نجد سلاحا يحمينا منه غير الاسلام والعروبة، الهدف الحقيقي لحربكم ضد ما تسمونه الارهاب، الذي تعزون اليه ما يجري، كي تتجاهلوا انكم انتم اصل كل بلاء وسببه.

فهل تعتقد انكم ستنتصرون بحسابات خاطئة كهذه تقلب الامور رأسا على عقب، وتجعل النتائج اسبابا والاسباب نتائج، وتضع البريء في كرسي المجرم، والمجرم في كرسي القاضي، وتَكِلُ علاج مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتاريخية الى السلام، تستعرض به عضلاتها، علها تخيف قوما قاد بعضهم طائرات مدنية الي مركز التجارة العالمي والبنتاغون وهو يعرف انه سيتلاشى تماما، وسيتحول الى نتف لن تترك اثرا وراءها! يا لافتقاركم الى الفطنة!

سيادة الرئيس، عندما تهاجم افغانستان، من اجل قتل فرد هو الشيخ اسامة بن لادن، فاعلم انك لا تهاجم شخصا، بل بلدا وشعبا ودينا وامة ينتمي اليها مليار ومئتا مليون انسان ينتشرون في اربع اقطار الارض، وانك تهاجم شركاءهم المسيحيين في الحضارة والتاريخ والثقافة والمصير، ومنهم كاتب هذه الرسالة. ليست معركتك الحقيقية ضد الشيخ اسامة، ولن تبقى عنده، متى بدأت. اراهنك انك ستواجه مئات ملايين الناس، الذين يعرفون ما تعرف: ان الحرب ليست ضد شخص، وليست ضد ارهابيين، وانها حرب حضارات واديان وثقافات وهويات ومصالح وسياسات ودول وامم وشعوب وقبائل، لذلك لن تكون كغيرها من الحروب: من حيث طبيعتها وزمنها ونتائجها. ولا ابالغ ان قلت: ان اميركا لن تخرج منتصرة منها، ان بقيت بعدها ما هي اليوم: دولة - عالما، متقدمة ومتفوقة. صدقني ان بلدك سيخسر الحرب، وانه لن يتمكن من هزيمة الاسلام وقهر عالم يقاتل منذ الف وخمسمئة عام، يعتقد ان الموت في سبيل الحق خير من الحياة في الباطل والذل، وان الانسان هو القوة التي تهزم اية قوة اخرى، ان كان مؤمنا بأهدافه ومصمما على الانتصار. هل اذكرك هنا. مرة اخرى، بفشل الصهيونية في كسب الصراع على فلسطين، رغم دعم الغرب بقضه وقضيضه لها، بالتتابع والتوالي، على امتداد قرن ونيف؟

سيادة الرئيس، انصحك ان توقف هجومك على افغانستان، وان تمتنع عن مهاجمة غيرها من ديار الاسلام، وان لا ترى في الشيخ اسامة بن لادن شخصا يكثف الارهاب، في موته موت له. كن منطقيا وفكر بالأسباب التي جعلت رجلا معزولا، مجردا من جنسيته وملاحقا، ينجح في تجنيد متعلمين ومثقفين من مختلف انحاء العالم الاسلامي، وفي كسبهم لقضية تعدهم بالموت. هل تعتقد انه اغراهم بالنقود؟ ما نفع النقود لشاب قرر جعل موته وشيكا؟ ام هو الهوس الديني والتعصب؟ هل تعتقد ان آلاف العلماء والفيزيائيين والكيميائيين والمهندسين والمحامين والاطباء والبشر العاديين بحاجة الى رجل كالشيخ أسامة بن لادن، كي يقتنعوا بقضية يموتون من اجلها، وهم في مقتبل العمر وعز الشباب والعطاء؟ فكر جيدا بما تراه عيناك، وإلا غرقت في حرب ستلد حروبا، وهلك الأميركيون في مجاهل الدنيا بلا طائل.

ليس الإسلام وحضارته من أنجب الإرهاب، وليس الشيخ أسامة بن لادن من يجعل آلاف البشر اليوم وملايين البشر غدا إرهابيين. انتم سيادة الرئيس سبب الإرهاب واصله، وفي يدكم علاجه ودواؤه، فاختر الحكمة والتعقل، وصارح أمتك العظيمة بالحقائق، وافتح صفحة جديدة في تعامل دولتك مع البشرية، تقوم على احترام حقوق الآخر ومصالحه وهوياته وحضاراته، وعلى التعامل معه كند له الحق في الحرية والاستقلال والديموقراطية. عندئذ، ستنتهي سياسة الكيل بمكيالين، وسياسات دعم الاستبداد والمستبدين، وسينتهي الإرهاب بانتهاء أسبابه، ولن يوجد من يذكركم بوجوده وحقوقه بواسطة الطائرات المختطفة، والمباني المدمرة، والأشلاء البشرية المبعثرة، وستعيشون ونعيش في حرية وسلام.

- انتهي -


الكاتب: احمد الظاهري
التاريخ: 24/12/2010