التوحيد و الاتباع سبيل الوحدة و الاجتماع

 

الحمد لله ربِّ العالمين، الذي أكمل لنا الدين، و الصلاة و السلام على من أرسله الله رحمة للعالمين نبيّ الهدى و الرحمة، المبعوث بالكتاب و الحكمة و على آله و صحبه و أتباعه أجمعين.

أمّا بعد، فإنّ الأخوّة الإيمانيّة قد عقدها الله و ربطها أتمَّ ربط بعقيدة التوحيد الذي هو الغاية في إيجاد الخلق و إرســــــــــــــــال الرسل، و إنزال الكتب، و هو دعوة المجدّدين في كلّ عصر و زمان، إذ لا تخــلو الأرض من قائمٍ لله بالحجّة فلا تنقطع دعوة الحقّ عن هذه الأمّة من العهد النبويّ إلى قيام الساعة ( وَ لَن تَزَالُ طََائِفَةٌ مِن أُمَتِي ظَاهِرينَ عَلى الحَقّ لاَ يَضُرُهُم مَن خَذَلَهُم و لاَ مَن خَـالَفَهُم حَتىّ يَأتِيَ أَمرُ اللهِ و هُم عَلى ذَلِك ) [ متّفق عليه ]، و مزية أهلها معروفة بمواقفها في كلّ جيل ببيان التوحيد و التحذير من الشرك بمختلف مظـــــــــــــاهره، و بيان السنّة من البدعة، و نصرة أهل الحقّ و العلم و الإكثار منهم، و نبذ أهل الشــرك و البدع و إذلالهم، لا يمنعهم تفرّق الناس عليهم أن يؤتمر بهم فيما يأمرون به من طاعة الله تعالى، و ما يدعون إليه من دين و يفعلونه ممّا يحبّه الله تعالى، إذ الحكمة ضالّة المؤمن فحيث وجدها فهو أحقّ بها، و لا ينتصرون لشخص انتصاراً مطلقاً سوى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و لا لطائفة إلاّ للصحابة رضوان الله عليهم مع ترك الخوض فيهم بمنكر من القول و التنَزّه عن الكلام في واحد من الصحابة بسوء؛ فأهل هذا الموقف متّفقون على أنّ كلّ واحد يؤخذ من قوله و يترك إلاّ رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و لم يقع منهم بحمد الله اتّفاق على ضلالة، فهذه من سمات أهل الحقّ و ملامح الفِرقة الناجية خصّ الله بها أهل السنّة يدعـون إلى إصلاح غير مبتكر من عند أنفسهم كمــــــــا هو شأن منهج أهل الزيغ و الضلال، ذلك لأنّ منهج الإصلاح واحد لا يقبل التعدّد، يتبلور حسنه بإحيـاء الدين و تجديده من العوالق و العوائق التي ليست منه من غير أن يعتريـــــه تبديل و لا تغيير، فالدين محفوظ، و الحجّة قـائمة، و ما رسمه النبيّ صلى الله عليه و سلم هو عين المنهج الإصلاحيّ، و لا يتمّ لنا إصلاح إلا به، و قد سلكه أهل القرون المفضّلة، و آثارهم محفوظة عند العلماء و لن يصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوّلها.

هذا، و اجتماع الأمّة على الضلال مُحال، و ظهور سبيل الحقّ هداية و إصلاحاً و تقويماً مقـطوع به، و دوام ثبــاته آكد و محقّق لا محــــــــــــــــــــالة ( وَعدَ الصِّدقِ الذِّي كَانُوا يُوعَدُون ) [ الأحقـاف ١٦ ]، لا يضرّه ما يعلق به من براثن حـــاقدة و مخالب حانقة تتجاهل عزّه و مفاخره و لا تريد سوى أن تصدّه و تعوق مسيرتـه، و تحدّ انتشـــــــاره، و صمودُهُ بَاقٍ يتحدّى المكابرين و الحاقـدين و الجاهلين، و الله الهادي إلى سواء السبيل.

و مردّ السبيل إلى طاعة الله و طاعة رسوله الباعثة إلى فعل الخيرات و النفرة من الشرور و المفــاسد و المنكرات، تلك الطاعة المزكّية للنفس و المكمّلة لها، الجالبة لسعادته في الدنيا و الآخرة ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّهَا وَ قَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) [ الشمس ٩، ١٠ ]، ( وَ مَنْ يُطِعِ اللهَ و َ الرَّسُولَ فــــــــــــــــــــَأُوْلَئِكَ مَعَ الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُهَدَاءِ وَ الصَالِحِينَ وَ حَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً ذَلِكَ الفَضْلُ مِنَ اللهِ و كَفَى باللهِ عَلِيماً ) [ النّساء ٦٩، ۷۰ ] .

و أهل الإيمـــــــــــــــان في وحدة عقيدتهم و نظمهم أمة متميّزة لا نظير لهم بين الأمم، و شريعتهم لا يقتصر نفعها على أمّة الإسلام، و إنّما هي عامّة للبشرية جمعاء، صالحة لكلّ زمان و مكان، شاملة لكلّ قضايا الحياة، فلا تخلو معضلة عن استنباطِ حلّ لها من أدلّة التشريع و القواعد العامّة غير مفتقرة إلى غيرها، بل مستغنية عن النظم و التقنينات الأخرى، ذلك لأنّها أُسِّست على قواعد محكمة، و بنيت أحكــامها على العدالة و الاعتدال من غير إفراط و لا تفريط، مراعية في ذلك مصالح الدين و الدنيا، فهي تسمو باستقلالها عن غيرها من نظم البشر في أصولها و فروعها، تلك هي النعمة التي أتمّها اللهُ تعالى على هذه الأمّة بإكمالهـا ( اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِيناً ) [ المائدة ١٣ ] فكمال هذا الدين و تمامه قـــــــــــــــاض بالاستغناء التامّ عن زيادات المبتدعين و استدراكات المستدركين.

هذا، وفي خضم المعترك الدعويّ، فإنّ أعزّ ما يقدّمه الداعي لأمّته أن يسلك بها السبيل الأسلم الذي يحقّق به مـعنى التغيير ( إِنَ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَومِ حَتى يُغَيِّروا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) [ الرعد ۱۱ ] دون عجلة مورطة في الفساد و الإفساد.

و نسأل الله العون و السداد و أن يوفّقنا إلى التخلق بأخلاق الدعاة الصـــــادقين و أن يلهمنا الاقتداء بسيد الأولين و الآخرين ، و العاقبة للمتّقين ، و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .

الصـادر في العـدد الثـــــالث من مـجلة منابر الهدى

في مــــحرم / صـــــفر ١٤٢٢ هـ

الكاتب: الشيخ محمد فركوس
التاريخ: 01/01/2007