ليسوا سواء للشيخ الصادق الغريانى |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
ليسوا سواء!
من الخطأ أن يتم تشبيه وقياس قيادات النظام السابق الذين انشقوا عنه في الأيام الأولى للثورة على من كانوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قادة في الكفر، يقاتلون المسلمين، ثم صاروا بعد إسلامهم قادة لجيوش المسلمين، كخالد بن الوليد، وأبي سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم.
لا وجه لهذا التشبيه البتة، فهو تشبيه عجيب، إذ يلزم منه ضرورة ألا نتعرض لأحد من قيادات النظام السابق الذين سفكوا الدماء ونهبوا الأموال ومارسوا القهر والاستبداد! ولا أن نُسائِلَهم عن شيء من أعمالهم، ولا أن نقاضيهم عن جرائمهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل أحدا ممن أسلم من أصحابه عن جناية له في الجاهلية! وكذلك أصحابه وَلُّوهم قيادات الجيوش ولم يقاضوهم ولم يسائلوهم!
هذا هو مقتضى القياس، إن أردنا أن نقيس!
فهل حال الفريقين واحد، وهل هم سواء حتى يكون التشابه صحيحا وللقياس وجه!
الحالتان ليستا سواء دون شك، الفرق بينهما واضح وبَيِّن!
هدم الإسلام لكل خطيئة ارتُكِبَت قبله ـ خصوصا ممن أسلم عند بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ـ ليس كهدم توبة المسلم لما قبلها من المعاصي.
لم يُعرف قط أن النبي صلى الله عليه وسلم طالب أحدا ممن أسلم بما ارتكبه في الجاهلية، لا بدم ولا بمال، بل قال صلى الله عليه وسلم: (أَلا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا فِي الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، ... أَلا وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ) (سنن الترمذي ت شاكر (5/273)، وقال لأهل مكة: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
لذا كان من أهل العلم إجماع على أن الكافر إذا أسلم لا يؤاخذ بما عمل في كفره.
وذلك لقول الله تعالى: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ) (الأنفال آية:38).
ولما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ!) (مسلم حديث رقم:336).
ولحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلا قال: (يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْسَنَ فِي الإِسْلاَمِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ) (البخاري حديث رقم: 6523).
هذا حكم من كان كافرا وأسلم، أما إذا أسلم الناس وكان منهم بعد إسلامهم تعدٍّ، فقد اختلف الأمر، صاروا محاسبين على أعمالهم، ومُلامين على أخطائهم.
عندما قَتَل أسامة بن زيد رجلا بعد أن قال لا إله إلا الله، عاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ)، وغَلَّظ عليه حتى قال أسامة: (حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ) (مسلم حديث رقم:288)، وكلام أسامة هذا: (تَمَنَّيْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ) يُبَيِّن الفرق بين هدم الإسلام لما قبله، وهدم توبة المسلم لما قبلها من المعاصي، إذ لو كانتا سواء لما كان لتمني أسامة أنه لم يكن أسلم قبل ذلك اليوم فائدة!
لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بعد إسلامه عن قتاله المسلمين يوم أحد، لكن عندما جعل خالد يقتل ويأسر في بني جَذِيمة ـ ظنا منه أنهم لم يسلموا، وقد قالوا صبأنا ولم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا ـ تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، رفع يديه إلى السماء وقال: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ) مَرَّتَيْن (البخاري حديث رقم: 6766).
هذا ما ينفي في العرف الشرعي عدم مشروعية العزل السياسي، أما في العرف الاجتماعي، فليس قانون العزل السياسي ببدعة في عمل من سبقنا ولا بمنكر من القول!
الشعوب التي من حولنا؛ في مصر وفي تونس، توافقت عليه ورضيته وانتهت إليه، بل نص مشروع الدستور المصري الجديد في المادة 232 منه على العمل بالعزل السياسي على من ينطبق عليه لمدة عشر سنوات، ولن يكون في تطبيقه عداء لأحد بذاته، ولا خروج عن مبدأ المصالحة الوطنية، بل تطبيقه هو عين المصالحة الوطنية، لأنه العدل، ولا تقوم مصالحة وطنية إلا على العدل.
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
22 محرم 1434 هـ