جاهلية القرن الواحد و العشرين - الدكتور سليمان الدريع العازمي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

جاهلية القرن الواحد والعشرين

قال تعالى (أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع
لعلكم تخلدون،وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فاتقوا الله وأطيعون)

هذه مقالة هود لقومه عاد، وهو يدعوهم إلى الله،
وينهاهم أن يتكبروا بسبب حضارتهم في البناء المحكم
وقوتهم ، وبالرغم من تطورهم لم يمنعهم من إطلاق
اسم الجاهلية عليهم ، وذلك أن في مفهومنا الإسلامي
للحضارة لا يقوم على التقدم العمراني، بل في أن يكون
الدين لله وحده ويكون منهجه هو الذي يحكم الجميع .

- وأما التقدم الصناعي والعمراني فلا يسمى في الإسلام
حضارة، وقد أخبرنا تعالى عن مجتمعات جاهلية كانت على
مستوى رفيع من البناء والصناعة، فقال تعالى
(ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد ،
التي لم يخلق مثلها في البلاد)

- وليس لأي تقدم منزلة إذا كان مخالفا لطاعة الله تعالى
كما أنه ليس لأي عمل فائدة إذا كان صاحبه على غير الإسلام .

- سُئِلَ رسول الله عن عبد الله بن جدعان كان يطعم
الحجاج ويصل الرحم، فهل ذلك ينفعه ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : لا ، إنه لم يقل يوما :
ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين .

- كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابنة
حاتم الطائي : لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه .

وعلى هذا فالجاهلية لا تزال موجودة حتى يومنا هذا،
بل هي أشد من الجاهلية السابقة وذلك للأسباب الآتية:

1- أن قبل الإسلام كانت تقوم الجاهلية على أمور ساذجة
كعبادة الحجارة والأصنام وغيرها .

- أما جاهلية القرن الواحد والعشرين فتقوم على الكفر
ولكن بلباس العلم على صورة نظريات ودراسات مناهج
بدل الأصنام والحجارة، حتى أغرت الكثير من أبناء المسلمين،
فأصبحت معظَّمة في قلوبهم ككتاب الله تعالى أو أشد، خاب
وخسر من كان هذا سبيله.

2- وفي الجانب الأخلاقي نرى أن المجتمع الجاهلي به شيء
من العفة، أما في عصرنا فلا عفة ولا دين، وتأمل قول عنترة الجاهلي
أغض طرفي إن بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها
وفي أمتنا أناس يسهرون الليل والنهار من أجل نظرة حرام،
أو لمسة حرام أو متعة حرام ، وشتان بينه وبين من تتجافى جنوبهم
عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون .

- وفي جاهلية القرن العشرين نجد التبرج والعرى،
حتى أصبح للعرى خبراء ومختصون ومجلات ودعوة إلى نبذ الحجاب،
بل ويصدر قانون في بلدة مسلمة يمنع فيه المتحجبة من الدخول
في بعض الأماكن كالجامعات ومجلس الأمة والعمل في التلفاز
وغير ذلك، بينما تفتح الأبواب للكاسيات العاريات اللاتي قال عنهن
النبي العنوهن فإنهن ملعونات.

- ونرى كتاب الله الكريم يقول للنساء المؤمنات
( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) وإذا نظرت في تفسير هذا
التبرج المنهي عنه في كتب التفسير ترى قول مجاهد :
أن التبرج هو أن تسير المرأة بين الرجال .

وقول مقاتل : أن تبرج الجاهلية الأولى هو أن تضع المرأة
الخمار على رأسها ولا تشده.

3- وفي الجانب الاجتماعي نرى قبائل العرب تتجمع في
حلف الفضول وتتعاهد في أن تنصر المظلوم ، فشهده رسول
الله وقال حين أرسله الله تعالى لقد شهدت مع عمومتي
حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ،
ولو دعيت به في الإسلام لأجبت .

- وفي الجاهلية المعاصرة نرى أن للظلم سلطانا وجاها ومؤيدين ،
فتقطع الأعناق والأرزاق ويعذب المرء ويسجن باسم القانون والعدالة .

حتى تمنّى أناس الاهتمام بهم كاهتمام عمر بالحيوان،
حين قال لو عثرت بغلة في أرض العراق لخشيت أن يسألني الله عنها.

وليس كما في بلاد الكفر من التزييف فيهتمون بالحيوان
وحقوقه، ويقتلون المسلمين شر قتله وصدق الله العظيم
(إنهم إن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاّ ولا ذمة )
فأي الجاهلية أشد ؟!

وأما كيف نواجه جاهلية القرن الحادي والعشرين فأول ما نواجهها:

- بالعقيدة وأن نهتم بما ينفعنا ، جاء رجل يسأل الإمام أحمد عن
مسألة خلق القرآن، فقال له الإمام أحمد: هل تعرف دعاء
دخول المسجد؟ قال الرجل :لا ، فقال الإمام اذهب فتعلمه
فهو خير لك من هذا .

- بيان زيف الجاهلية المعاصرة ، والتنبيه من الوقوع بها.

- العمل والمثابرة والصبر والصدق والاقتداء بخيار هذه الأمة
والسير على خطاهم، وكل هذا قد حواه كتاب ربنا وسنة نبينا.



الشيخ د. سليمان الدريع


الكاتب: بو فوزي الكويتي
التاريخ: 11/12/2009