تفسير سورة الكافرون للدكتور طنطاوي شيخ الازهر

 

تفسير سورة "الكافرون" للدكتور "محمد سيد طنطاوي"
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أثارت أزمة النقاب شهيَّة الدارسين والدعاة إلى الله -تبارك وتعالى- إلى كتاب "التفسير الوسيط" للدكتور "محمد سيد طنطاوي"، والذي يشغل حاليًا منصب "شيخ الأزهر"؛ وذلك لما في هذا الكتاب من قول الحق في قضايا قلَّ أن تجده في هذا الزمان حتى عند مؤلف الكتاب نفسه، مع أنه كتاب تفسير أزهري لمن لا يقبلون بالشيء إلا إذا خرج من الأزهر!

ومن ثمَّ كانت هذه المحاولة في قضية هي أكثر أهمية وأشد خطورة من قضية النقاب، وهي قضية: "الولاء والبراء"، والمعنى الصحيح لقوله -تعالى-: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون:6)، مع العلم أن ما ذكره الدكتور "طنطاوي" هنا لا يخرج عما ذكرته عامة كتب التفسير في معنى السورة وسبب نزولها، وإليك كلامه بنصه:

قال الدكتور "طنطاوي" في تفسير سورة "الكافرون":

"أي: قل -أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المشركين الذين جاؤوك ليساوموك على أن تعبد آلهتهم مدة، وهم يعبدون إلهك مدة أخرى.. قل لهم على سبيل الحزم والتأكيد: (لا أَعْبُدُ) أنا الذي تعبدونه من آلهة باطلة، (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ) الإِله الحق الذي أعبده؛ لجهلكم وجحودكم وعكوفكم على ما كان عليه آباؤكم من ضلال.

وافتتحت السورة الكريمة بفعل الأمر: (قُلْ)؛ للاهتمام لما سيأتي بعده من كلام المقصود منه إبلاغه إليهم، وتكليفهم بالعمل به. ونودوا بوصف الكافرين؛ لأنهم كانوا كذلك، ولأن في هذا النداء تحقيرًا واستخفافـًا بهم.

و(مَا) هنا موصولة بمعنى: الذي، وأوثرت على "مَن" لأنهم ما كانوا يشكُّون في ذات الآلهة التي يعبدونها، ولا في ذات الإله الحق الذي يعبده النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وإنما كانوا يشكُّون في أوصافه -تعالى-، من زعمهم أن هذه الأصنام ما يعبدونها إلا من أجل التقرب إليه، ويقولون: (هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله) (يونس:18)، مع أن الله -تعالى- منزَّه عن ذلك، فالمقصود من (مَا) هنا: الصفة، وليس الذات، فكأنه قال: لا أعبد الباطل الذي تعبدونه، وأنتم لجهلكم لا تعبدون الإله الحق الذي أعبده.

وقوله -تعالى-: (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) تأكيد وتقرير لما اشتمل عليه الكلام السابق. و(مَا) هنا مصدرية، فكأنه قيل: ولا أنا عابد عبادتكم، ولا أنتم عابدون عبادتي.

فالآيتان السابقتان تنفيان الاتحاد بينه -صلى الله عليه وسلم- وبينهم في المعبود، وهاتان الآيتان تنفيان الاتحاد في العبادة، والمقصود من ذلك المبالغة التامة في البراءة من معبوداتهم الباطلة ومن عبادتهم الفاسدة، وأنه -صلى الله عليه وسلم- ومَن معه من المؤمنين لا يعبدون إلا الله -عز وجل-، وهم بذلك يكونون قد اهتدوا إلى العبادة الصحيحة.

وقوله -تعالى-: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) تذييل مؤكد لما قبله، والدين: يطلق بمعنى العقيدة التي يعتقدها الإِنسان يدين بها، وبمعنى: الملة التي تجري أقواله وأفعاله على مقتضاها، وبمعنى: الحساب والجزاء، ومنه قولهم: دنت فلانـًا بما صنع، أي: جازيته على صنيعه.

واللفظ هنا شامل لكل ذلك، أي: لكم -أيها الكافرون- دينكم وعقيدتكم التي تعتقدون ولا تتجاوزكم إلى غيركم من المؤمنين الصادقين، فضلاً عن رسولهم ومرشدهم -صلى الله عليه وسلم-، ولي ديني وعقيدتي التي هي عقيدة التوحيد، والتي بايعني عليها أتباعي المؤمنون، وهي مقصورة علينا، وأنتم محرومون منها، وسترون سوء عاقبة مخالفتكم لي.

وقدم -سبحانه- المسند على المسند إليه؛ لإِفادة القصد والاختصاص، فكأنه قيل: لكم دينكم لا لغيركم، ولي ديني لا لغيري، والله -تعالى- هو أحكم الحاكمين بيني وبينكم.

وبذلك نرى السورة الكريمة قد قطعت كل أمل توهَّم الكافرون عن طريقه الوصول إلى مهادنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإلى الاستجابة لشيء من مطالبهم الفاسدة، وإنما هو -صلى الله عليه وسلم- بريء براءة تامة منهم، ومن معبوداتهم وعباداتهم.

وصلِ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم". انتهى كلام الدكتور "طنطاوي" من "تفسيره الوسيط".

www.salafvoice.com

موقع صوت السلف


الكاتب: أبو براءة
التاريخ: 27/01/2010