رحلةُ استشهـــــــــــادي ..

 

رحلةُ استشهادي

ما لكِ يا نفسُ تتململين، ما لكِ يُمنةً ويُسرة تتلفتين، أختلط الأمر عليكِ فما زلت تترددين، أم هل تكاثرت عليك شبهات المرجفين، أما دريتِ أن هذا هو الطريق رغم أنف المخذّلين، أما آن لهذي الدنيا طلاقاً بائناً به منها تتحررين، بل قولي لها: يا دنيا أوردتني الفواحشَ فإني لك من الملاعنين، هذي هي الحقيقة وقد علمتها اليوم حق اليقين...


ما هذي الأثقال التي تكبلك أيها الجسد الأسير، طعامٌ شرابٌ لذةٌ إنه والله لمتاعٌ حقير، زوجةٌ ولدٌ مالٌ كلٌ أمره يسير، كلٌ لذةٌ عابرة وإلى الله المصير، فلتكن الدنيا مطية الآخرة فعند الله خيرٌ وفير، في حواصل طيرٍ خضرٍ تغدو روحُك ثم تحت العرش في القناديل تصير، فكيف تطيق بعد اليوم لركب الشهادة التأخير، إني مخففٌ أثقالي إذاً وإني بإذن ربي
معلنُ النفير...

أماه عذراً أستميحك فاسمعي حكايتي، الجنة عند قدميك نعم ولكن هذي شكايتي، إني من أمةٍ أتى عليها أحفاد القردة والخنازير، وعلا فيها صوت الباطل وتمادي فيها كل حقير، حمَلةُ الصليب اجتمعوا وخيبر وبنو النضير، نساءٌ ثكالى أيتامٌ عرايا ومساجد تحرّق وبالله تستجير، أستحلفك الله يا أمي أأنت راضية عن قعودي أم تأذنين لي بلا تردد بلا تأخير...

ها يا نفس قد تكرر في القرآن النداء، في محمد والأنفال وفي سورة البراء، لا يُعجزنَّك قعودُ غيرِك ولا صيحات الاستخذاء، أنسيتِ ثمن الجنة أم نسيتِ فضل الشهداء، وكيف تجبر كسر أمٍ تقرحت عيناها بالدموع وداعا، ليس أفضل من شهادةٍ توجِب بإذن الله لها الشفاعة، إني ماضٍ إذن ولست ألتفت ورائي، إني سائرٌ فارقبوا مسيري وحِدائي، لن أضيعَ بإذن الله فالطريق أمامي جليٌ مضاء،

في كل خطوة منه معلمٌ من كواكب الشهداء، طريق مفروش ريحه المسك وخضابه الدماء، وأما شمس الكواكب كلها فإمام الاستشهاديين، بأبي وأمي هو محمد خاتم الرسل وقائد المجاهدين، تمناها صادقاً أعني الشهادة وما كان حاشاه من المتهورين، بل علم شرفها فاستشرف لها وهو خير خلق الله أجمعين، هذي السبيل إذن وهذي طريق كل
المحمديين...

لك الحمد يا رب والمِـنَّة، إني والله لأجد ريح الجنة، من القدس إلى بغداد إلى جروزني وغزنة، أقسمتُ عليكِ يا نفس لتأتينَّه، أقسمتُ عليكِ الجسدَ لتبعثرنَّه، ليستحيلَ على الكافرين في كل بقعة ناراً ولعنة، هم أولياء إبليس أما نحن فالله معنا، قتلاهم بئسَ المصير في النار أما قتلانا ففي الجنة، جروحهم قيحٌ صديدٌ أما جروحنا فمسكٌ وحِنة، هلمي يا نفسُ فقد شارفت ساعة الصفر وآن الأوان، سيري وودعي بصمتٍ كلَّ الأحبة والإخوان، فميعادنا في الجنة غداً بإذن الواحد ذي الفضل والرضوان...


ها هي يا نفسُ قطعان الصليب، هؤلاء من سفكوا دمي وطعنوا في القرآن ونبيي الحبيب، وهاكِ عُبَّاد العجل من بني صهيون، نجّسوا الأقصى بالأمس واليوم لا يزالون، قتلوا الأنبياء واليوم للنساء والكهول يتربصون، إني متغلغلٌ فيهم من حيث لا يشعرون، لا ليس بعد اقتربي أكثر وأكثر، لا تأبهي لأقمارهم وجواسيسهم فجند الله أكثر، اقتربي فوالله ما الإثخان إلا باقتحام الصفوف، اقتربي فإني بحُبِّ الجنة متيمٌ مشغوف، أرأيتِ الرعبَ في قلوبهم في وجوههم في الجوارح والأطراف، هم مئاتٌ مدججةٌ بالسلاح وأنا وليي الله فلا أخاف، نعم الآن قد توسطت جَمعهم وأخذتُ بالأسباب، فأطرقي الطرف يا نفس وودعي الأصحاب، فإن أمر
الآخرة في إقبال وأمر الدنيا قد آل إلى ذهاب، الآن الآن اضغط الله أكبر الله أكبر الله أكبر...

الله أكبر ألا ليت قومي يعلمون، قد وجدت ما وعدني ربي حقاً فهل هم مُقتفون، حلِّقي يا روح في السماء حلقي إلى العلياء، تأملي كم هي جميلةٌ رائعةٌ أرض الإسراء، في كل زاوية وتحت كل حجر قصةٌ ونشيد، تحكي سيرةَ صحابي وتابعي وشهيد، ما أجملك أيها الأقصى وقد
تخضّبت أرضُك بدماء الشهادة، ما أحلى الموت على ترابك تكون عنده الولادة، أماه لا تجزعي فإني ساجدٌ لربي أرجو القبول حتى قيام الساعة، لتكوني أول قريبٍ لي تناله بإذن ربي الشفاعة، ويا زوج لا تقنطي بل أرسلي الأولاد تباعاً ، فإني أنتظر اللقاء وأرجو في
الفردوس اجتماعاً، لأحكي لكم من جديد قصة استشهادي وكيف كانت صناعة الشهيد...

د.وسيم فتح الله

الكاتب: د. وسيم فتح الله
التاريخ: 01/01/2007