بسم الله الرحمن الرحيم
المحبة بين المسلمين ووحدة كلمتهم مَطلبٌ شَرعي وخصوصًا في ظل الأحداث الأخيرة
الحمدُ لله والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله وعلى آلِه وصَحبِه ومَن والاه ...... وبعد :
لا شكَّ أنَّ العلاقةَ القوية التي لا بُد أنْ تربطَ بين المسلمين هي الحب في الله تعالى، وكيف لا يكون ذلك والمصطفى r يقول: ((أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الْحُبُّ فِي الله، وَالْبُغْضُ فِي الله))[صحيح الترغيب ح3030]، ويقول r: ((مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ)) [صحيح الترغيب ح3029]، وقال r: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ:.....وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ...))[متفق عليه]، وقال r: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ:.....وَأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إلاَّ للهِ...))[متفق عليه]، فلا بُد أنْ تعودَ هذه الفريضة الغائبة بين المسلمين، ولا بُد أنْ يَسعوا لتوحيدِ كلمتِهم وجمعِ شملِهم، وكيف لا يحدث هذا ونحن نجد أنَّ كلَّ الأُمم وجميع المِلل تَسعى إلى توحيدِ صفوفها وجمعِ كلمتها وتَعتبر التفرّق آفة خطيرة يجب الابتعاد عنها، إلا أنَّ كلَّ قومٍ يَنظرون إلى هذا الموضوع ويَتعاملون معه بناءً على مَنهجِهم الذي يحملونه ومَعتقدِهم الذي يَعتقدونه، فمِن الناسِ مَن يَسعى إلى جمعِ الكلمة على رابطة الدم والنّسب، أو على رابطة اللّون، أو الوطن، أو العِرق، أو الجنس....الخ، أما نحن فديننا العظيم ومَنهجنا القويم وعقيدتنا الصافية وشَرعنا الحكيم سَعى إلى توحيدِ الكلمة وجمعِ الصّف وتأصيلِ الإخاء وتوحيدِ القلوب على التقوى وبصلةٍ مع الله تعالى، وحرّم التفرّق والتشرذم والتمزّق وجعله مِن عادات الجاهلية المذمومة الممنوعة قال رسول الله r: ((مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ))[متفق عليه]، وقد امتنَّ الله تعالى على الأُمّةِ أنْ ألّف بين قلوبها فقال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، والله سبحانه أَمرنا بالوحدةِ ونهانا عنْ الفُرقة، وإنَّ مِن أجّل أهداف الإسلام ومِن أعظمِ مَقاصد الرسول r أنْ يُؤلِّفَ بين قلوبِنا وأنْ يُوحّدَ بين صفوفنا وأنْ يرأبَ الصدع بيننا، فإذا لم يَتم ذلك فلنعلم أننا ما تشبثنا بالإسلام ولا تمسكنا به، فإنَّ مِن مُوجِبات ولوازم الفُرقة: البغضاء والحسد والغِيبة والنَّميمة والطعن في الأعراض والتجريح والتشريح، وإذا وُجِدت البغضاء بين المسلمين فذلك مَعناه الغضب والمحق واللّعنة والعياذ بالله تعالى، قال r: ((إِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ))[صحيح سنن الترمذي ح2509]، ولماذا لا يَتوحّد المسلمون؟؟ والله تعالى يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}؟! ولماذا لا نتوحّد والنَّبي r يقول: ((المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ...))[متفق عليه]، ويقول: ((لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا...))[رواه مسلم ]، ويقول: ((وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّة حَتَّى تُؤْمِنُوا, وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا...))[رواه مسلم] والأدلّةُ الشرعيّة على وجوبِ الإخاء والتماسك والتعاضد والتكاتف كثيرةٌ جدًا والتي تدل على أنَّ المسلمَ هو أخو المسلم أينما كان ولا يمنع هذه الأُخوّة لا حدود مُصطنعة ولا غيرها، كما أنَّ الكافر عدو للمسلم حتى وإنْ كان داخل نفس الحدود ومِن نفس الوطن، وقد تربى الصحابة y على ذلك وكانت حياتهم كلها أُلفة وإخاء وتوحّد وعدم تفرّق، يقول عبد الله بن عمر y: "والذي نفسي بيده لو أنفقتُ أموالي غِلقًا غِلقًا في سبيل الله، وصمتُ النهارَ لا أُفطره، وقمتُ الليلَ لا أنامه، ثم لقيتُ الله لا أُحب أهل الطاعة ولا أُبغض أهل المعصية لخشيتُ أنْ يكبني الله على وجهي في النار"، وكيف لا نتوحّد ونحن نرى أنَّ أعداء الإسلام على اختلاف مللهم ونحلهم يختلفون لكنْ في حربِ المسلمين يَتفقون؟؟ كيف يَتحدُّ الباطل ضدنا، صفًا في حربنا؟ ونحن شِيعًا وأحزابًا فِرقًا وجماعات، لا نتفق ولا نتحد ولا نتآخى، إنها قاصمة الظهر .
البغضاء يا أحباب شتّت شملنا ومزّقت صفنا، ولذلك قَست قلوبنا وجفّت عيوننا وانقطعت البركة مِن الأرزاق بذنوبِنا وخطايانا، فالتنافر والتفرّق والتقاطع حرام لا يجوز .
ماذا التقاطعُ في الإسلامِ بينكمُ *** وأنتـمُ يا عبـادَ اللهِ إخـوان
لمثلِ هذا يموتُ القلبُ مِن كمدٍ *** إنْ كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
فالإسلام حثَّ على جمعِ الكلمة وتوحيدِ الصف وحرّم خلاف ذلك، ولكنْ هناك أمرٌ مُهم جدًا لا يحق لنا أنْ نَغفلَ عنه وهو أنَّ للإسلامِ نظرة خاصة في كيفيةِ التوحّد وجمعِ الكلمة تختلف عنْ نظراتِ المناهجِ والعقائدِ الأُخرى، حيث اشترط شَرعنا أنْ يكون التوحّد على العقيدةِ الصحيحة، وأنْ يكون جمع الكلمة على كلمةِ التوحيد"لا إله إلا الله"، وأنْ يكون الاعتصام بحبلِ الله، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}، وليس مُجرّد وحدة على أيّ شيء فهذا مَرفوض شرعًا وغير مَقبول، فلا مجال في الإسلامِ لهذه الرايات الزائفة، ولا لهذه العصبيات الجاهلية العفنة المنتنة، ولا مجال للعصبية للعِرق أو للأرض أو للوطن أو للجنس أو للّغة أو للّون أو للحزب، قال r: ((يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ اللَّه قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّة الْجَاهِلِيَّة, وَتَعَاظُمهَا بِآبَائِهَا, النَّاس رَجُلَانِ: مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّه, وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّه, وَالنَّاس بَنُو آدَم, وَخَلَقَ اللَّه آدَم مِنْ تُرَاب))[صحيح سنن الترمذي ح3270]، هذه هي الرابطة التي تربطنا وإنَّ لها مميزات: أنَّ التفاضل فيها بتقوى الواحد الأحد قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، فيتساقط أبو جهل وأبو لهب والوليد بن المغيرة ومَن كان على شاكلتِهم، ويَثبت بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصُهيب الرّومي ومَن كان على عقيدتهم، هذه الرابطة ليست طينية ولا أرضية ولا وطنية ولا قومية، ولكنها رابطة ذات اتصال بين الدنيا والآخرة يوم يَستظل المتحابون بظلِّ عرش الرحمن يوم لا ظل للكيانات والأنظمة الوضعية، هذه الرابطة ذات مُقتضيات ومُتطلبات القيام بها واجب وتَركها حرام مُنكر، وكيف لا يكون الأمر كذلك ونحن قد أُمرنا أنْ نهتم بأحوالِ المسلمين ونَشعر بهمومِهم وننصرهم إذا استنصرونا ونُتابع أخبارهم، وكل هذا بعض حقوق الأُخوّة قال r: ((المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً))[متفق عليه]، وقال: ((مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى))[متفق عليه]، وقال: ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتّى يُحِبَّ َلأخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ))[متفق عليه]، وقد كان الصحابة y ومَن سار على دربهم أذلة على المؤمنين أعزّة على الكافرين، وحُثالة المتأخرين قلبوا الأمر، الصحابة y حمل بعضهم السيف على أبيه الكافر وقطع رأسه لأنّه قطع صلته بالله ووصل الحبل مع مَن لا نسب بينه وبينه، فخلف مِن بعدهم خلفٌ مِن الحثالات قلبوا الموازين وعكسوا الأمور .
إذًا هذا هو الرابط الذي أقامه الإسلام ليكون أساسًا تقوم عليه الوحدة، فالإسلام يدعو للوحدة ويأمر بها ولكنْ على الرابط الذي ذكرناه، نعم. يدعو الإسلام لجمعِ الكلمة ووحدةِ الصف ولكنّه يَرفض الوحدة الطينية الوثنية التي تُساوي بين أبي جهلٍ القُرشي وأبي بكرٍ القُرشي لوجود رابط الوطن بينهما، يَرفض الإسلام ذلك ويدعو إلى الوحدةِ التي تُساوي بين بلالٍ الحبشي وصهيبٍ الرومي وسلمان الفارسي وحمزة القرشي ومعاذٍ الأنصاري لرابط العقيدة والتوحيد والإيمان .
وعلى هذه الرابطة، وعلى هذا الأساس تجب الوحدة والائتلاف وتحرُم الفُرقة والاختلاف، فالاختلاف الذي يُولّد الضغينة حرام، والاختلاف الذي يُولّد الحقد حرام، والاختلاف الذي يُولّد البغضاء حرام، والاختلاف الذي يجعل الكافر واليهودي والنصراني يُسيطر حرام .
فيا أيها المسلمون: أنتم أبناء دين واحد، ربكم واحد، وكتابكم واحد، ونبيكم واحد، وكعبتكم واحدة، فنسأل أنفسنا ونسألكم بالله العظيم بالتآخي والتآزر والمودة والصلة والتعاضد والترابط، ولكنْ بناءً على الرابط أو الضابط الذي ذكرنا . والله الموفـق .
الكاتب: أبو البراء الغزي التاريخ: 10/03/2011 عدد القراء: 4024
أضف تعليقك على الموضوع
|