قوله تعالى: "ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين" لما تقدم ما جرى من تكذيب أممهم لأنبيائهم وإهلاكهم؛ لذلك قال الله تعالى: لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهم يا محمد؛ أي قل لقومك: "ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين" أي فروا من معاصيه إلى طاعته. وقال ابن عباس: فروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم. وعنه فروا منه إليه واعملوا بطاعته. وقال محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان: "ففروا إلى الله" اخرجوا إلى مكة. وقال الحسين بن الفضل: احترزوا من كل شيء دون الله فمن فر إلى غيره لم يمتنع منه. وقال أبو بكر الوراق: فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن. وقال الجنيد: الشيطان داع إلى الباطل ففروا إلى الله يمنعكم منه. وقال ذو النون المصري: ففروا من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الشكر. وقال عمرو بن عثمان: فروا من أنفسكم إلى ربكم. وقال أيضا: فروا إلى ما سبق لكم من الله ولا تعتمدوا على حركاتكم. وقال سهل بن عبدالله: فروا مما سوى الله إلى الله. "إني لكم منه نذير مبين" أي أنذركم عقابه على الكفر والمعصية.
قوله تعالى: "ولا تجعلوا مع الله إلها آخر" أمر محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا للناس وهو النذير. وقيل: هو خطاب من الله للخلق. "إني لكم منه" أي من محمد وسيوفه "نذير مبين" أي أنذركم بأسه وسيفه إن أشركتم بي؛ قاله ابن عباس.القرطبي
*** *** *** ***
يا أيها المغتر بالله .. فر من الله إلى الله ..
ولذ به وأسأله من فضله .. فقد نجا من لاذ بالله ..
وقم والليل في جنحه .. فحبذا من قام لله ..
وأتل من الوحي ولو آية .. تكسى بها نوراً من الله ..
وعفر الوجه له ساجداً .. فعز وجه ذل لله ..
ففروا إلى الله !! ..
إنه يوم الحسرة وما أدراك ما الحسرة ؟!! ..
يوم أنذر به وخوف .. وتوعد به وهدد .. هناك يوم الطامة والصاخة .. أنسيت يوم الحسرة والأهوال والسكرة ؟!! ..
فلا إله إلا الله إذا طال الوقوف بين يديه .. ولا إله إلا الله يوم يرهن العبد بما جناه بيديه ..
آه من تأوه يومئذ لا ينفع .. ومن عيون صارت كالعيون مما تدمع ..
فياحسرتاه .. تولى العمر في سهو .. وفي لهو .. وفي خسر ..
ويا حسرتي على ماضيعت في الأيام من عمري ..
ومالي في الذي ضيعت في عمري من عذري ..
هل تفكرت في تلك اللحظة ؟!! ..
يوم يفر المرء من أخيه .. وأمه وأبيه .. وصاحبته وبنيه .. لكل امرإ منهم يومئذ شأن يغنيه .. يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه .. وصاحبته وأخيه .. وفصيلته التي تؤويه .. ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه .. يوم لا يغني مولاً عن مولاً شيئاً إلا من رحم الله ..
فهذا إنذار واخبار بتخويف وترهيب في يوم الحسرة حين يقضى الأمر .. يوم يجمع الأولون والآخرون في موقف واحد .. يسألون عن أعمالهم .. فمن آمن وأتبع سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً .. ومن تمرد وعصا شقي شقاءاً لا يسعد بعده أبداً .. وخسر نفسه وأهله .. وتحسر وندم ندامة تتحسر منها القلوب .. وتتقطع منها الأفئدة أسفاً وندماً ..
مثل وقوفك يوم الحشر عرياناً .. مستعطفاً قلق الأحشاء حيرانا ..
النار تزفر من غيظ ومن حنق .. على العصاة وتلقى الرب غضبانا ..
إقرأ كتابك يا عبدي على مهل .. انظر إليه ترى هل كان ماكانا ..
ففروا إلى الله !! ..