بسم الله الرحمن الرحيم
" قطوف من سير الربانيين ( 3 ) "
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد ,,
من تتبع سير الربانيين ومواقفهم فسيجدها لا تخلو لحظاتهم وأيامهم من تبليغ وعلم ودعوة وإرشاد , ففي المسجد علم وقضاء , وفي السوق أمر بمعروف ونهي عن منكر , وفي بلاط الحكام وعظ وإرشاد , ومع العامة ودٌّ وصفاء سريرة وغيرها ..
وممّا يزيد النفس إبتهالاً وإقبالاً على طلب مرضاة الله – جل وعلا – والتماساً لسنّة النبي المصطفى – صلى الله عليه وسلم – هو استخلاص العبر والدروس من خلال سيرهم ومواقفهم وقوتهم في الحق وصلابتهم في مواجهة أعداء السنّة وثباتهم في أوقات الشدائد والمحن ..
وسبق أن ذكرت بعضاً من هذه المواقف والسير لأعلام أمة محمد – صلى الله عليه وسلم - , والهدف منها هو إظهار تلك العبر ومحاولة تطبيقها في واقعنا المعاصر واتباع ما كان عليه السلف الصالح , وأذكر هنا بعضاً من هذه السير لهؤلاء الأعلام ..
• الإمام القدوة الواعظ شيخ المدينة النبوية , أبو حازم سلمة بن دينار – رحمه الله - :
قال ابن عيينة – رحمه الله - : دخل أبو حازم على أمير المدينة , فقال له : تكلّم . قال له : انظر الناس ببابك , إن أدنيت أهل الخير ذهب أهل الشر , وإن أدنيت أهل الشر ذهب أهل الخير .
وعنه قال : إذا رأيت ربّك يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره , وإذا أحببت أخاً في الله فأقلَّ مخالطته في دنياه . ( السير : 6 / 100 - 101 ) .
• الفقيه العابد الزاهد ريحانة الشام حكيم الأمة , أبو مسلم الخولاني – رحمه الله – ألقاه الأسود العنسي في النار فنجا منها :
قام أبو مسلم إلى معاوية , فوعظه , وقال : إياك أن تميل على قبيلة فيذهب حيفك بعدلك .
وعن عطيه بن قيس قال : دخل أبو مسلم على معاوية فقام بين السِّماطين , فقال : السلام عليك أيها الأجير , فقالوا : مه .. قال : دعوه فهو أعرف بما يقول , وعليك السلام يا أبا مسلم , ثم وعظه وحثَّه على العدل . ( السماط : الطريق ) .
قال سعيد بن عبد العزيز : كان أبو مسلم يرتجز يوم صفّين ويقول :
مـا عـلتي مـا عـلتي وقـد لــبسـت درعتـي
أمـوت عـنـد طـاعـتـي ( السير : 4 / 12 – 13 )
وسيرة هذا العَلَم جديرة بالقراءة فهي مليئةٌ بالدروس والعبر .
• سيّد الوعّاظ الزاهد القدوة , أبو العباس محمد بن صبيح المعروف بابن السمّاك – رحمه الله - :
دخل يوماً على هارون الرشيد , فقال : إن لك بين يدي الله موقفاً فانظر أين منصرفك , إلى الجنة أم النار ؟ فبكى الرشيد حتى كاد يموت .
ودخل يوماً على رئيس في شفاعة لفقير , فقال : إني أتيتك في حاجة , والطالب والمعطي عزيزان إن قُضيت الحاجة , ذليلان إن لم تُقض , فاختر لنفسك عُزَّ البذل عن ذُلَِ المنع , وعزَّ النجح على ذل الرد . ( النجح : النجاح ) ( السير : 8 / 329 , البداية والنهاية : 10 / 197 ) .
• الشهيد المسلوخ الزاهد العابد الورع الناسك التقي أبو بكر النابلسي – رحمه الله - :
أُحضر بين يدي المعز الفاطمي – العبيدي الرافضي قبّحه الله – صاحب الديار المصرية , فقال له المعز : بلغني عنك , أنّك قلت : لو أن معي عشرة أسهم , لرميت الروم بتسعة , ورميت المصريين بسهم . فقال : ما قلت هذا . فظن أنه رجع عن قوله , فقال : كيف قلت ؟ قال : قلت ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر . قال : ولم ؟ قال : لأنكم غيرتم دين الأمة , وقتلتم الصالحين , وأطفأتم نور الإلهية , وادعيتم ما ليس لكم . فأمر بإشهاره في أول يوم , ثم ضُرب في اليوم الثاني بالسياط ضرباً شديداً مبرحاً , ثم أمر بسلخه في اليوم الثالث , فجيء بيهودي فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن , قال اليهودي : فأخذتني رقة عليه , فلمّا بلغت تلقاء قلبه طعنته بالسكين فمات رحمه الله , فكان يقال له الشهيد .
قال أبو ذر الحافظ : سمعت الدراقطني يذكره ويبكي ويقول : كان يقول وهو يُسلخ ﴿ كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾ الإسراء : 58 ( السير : 16 / 148 , البداية والنهاية : 11 / 303 ) .
وهذه الرقة من اليهودي , واليهود عموماً أصبحت أرحم من بني جلدة الإنسان وممّن يدّعون الانتساب إلى ملّة محمد – صلى الله عليه وسلم – من المنافقين والمتلبسين بثياب البدع المغلظة – والله المستعان - .
وبعد هذا نقول : أنه مهما طالت الغواية واستحكمت الضلالة وفشيت الجهالة فإن الأمة الإسلامية ولود ومعطاء , فهاهي تنجب من رحمها الأكابر والعظماء وتربي أجيالها على أرض رويت بدماء الشهداء , تمتد عبر بلدان كافح فيها الأصفياء , وشرفت ديارها بمن ناضل فيها من العلماء ..
وإذا كان أهل الضلال والفجور والفسق يحاولون جاهدين الإيغار في ثوابت الدين ومسلمات الشريعة وتشويه الإسلام بشبهات داحضة فيهات هيهات .. فإن روح الدفاع عن الدين قد سرت في جسد هذه الأمّة وإنّ عبادة الله وحده وإقامة شرعه والدفاع عن حياضه هي الأساس المكين والغاية العظمى في هذه الدنيا التي يسعى لتحقيقها المخلصون والغيورون من أبناء وبنات هذه الأمة حتى ينالوا شرف القيام بهذه الواجبات , نسأل الله أن يجعلنا منهم وأن يستعملنا في طاعته . آمين ..
والله تعالى أجل وأعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أحمد بن عبد الله بن أحمد الأحيدب .
الشرقية – الخبر
ذو الحجة – 1432هـ . الكاتب: أحمد الأحيدب التاريخ: 13/11/2011 عدد القراء: 3488
أضف تعليقك على الموضوع
|