خطاب مفتوح إلى حكومات دول مجلس التعاون .. الأزمة السياسية في دول الخليج العربي دلالاتها ومآلاتها
2010-12-18
بقلم د . حاكم المطيري
وإن ما يجري في دول الخليج العربي من ازدياد لموجة الاعتقالات، ومصادرة للحريات، وضيق صدر الحكومات الخليجية بالحراك السياسي الشعبي، وتخلفها وعجزها عن مواكبة تطور العالم ونظمه السياسية من حولها، كل ذلك يؤكد وجود أزمة عميقة وحقيقية ستعصف بالمنطقة كلها، ما لم تحل الأزمة حلا عادلا يرفع الظلم ويبسط العدل!
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه وبعد ..
قال تعالى {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل. إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده)..
وإن ما يجري في دول الخليج العربي من ازدياد لموجة الاعتقالات، ومصادرة للحريات، وضيق صدر الحكومات الخليجية بالحراك السياسي الشعبي، وتخلفها وعجزها عن مواكبة تطور العالم ونظمه السياسية من حولها، كل ذلك يؤكد وجود أزمة عميقة وحقيقية ستعصف بالمنطقة كلها، ما لم تحل الأزمة حلا عادلا يرفع الظلم ويبسط العدل!
إن وجود ثلاثين ألف معتقل رأي سياسي وديني وبلا تهمة في سجون دول الخليج، ودون محاكمات عادلة، حتى وصل الحال إلى اعتقال كل كاتب وصاحب رأي لمجرد نقد الأوضاع السياسية في بلده، بل تجاوزه إلى الضرب الوحشي على أيدي رجال الأمن، كما جرى في الكويت مؤخرا من هجوم على أعضاء مجلس الأمة، وضرب لهم، واعتداء سافر على أستاذ القانون والخبير الدستوري الدكتور عبيد الوسمي أمام القنوات الفضائية على نحو لا يتصور حدوثه في الغابات فضلا عند دول في القرن الحادي والعشرين! ثم لم تكتف الحكومة بذلك حتى أحالت الضحية إلى النيابة والتحقيق وتوجيه اتهامات بالإخلال بأمن الدولة، كل ذلك بسبب اجتماع في ندوة يعقدها أعضاء مجلس الأمة الكويتي للحفاظ على الدستور الوهمي!
وكذا ما جرى قبله للكاتب نامي حراب، والصحفي محمد عبد القادر الجاسم، وقبله الناشط السياسي خالد الفضالة، وغيرهم كثير، ممن تعرضوا للاعتقال التعسفي، وانتهاك حقوقهم العدلية.
وكما جرى مؤخرا في المملكة للكاتب السعودي الدكتور محمد العبد الكريم، عضو المنظمة العربية للحريات وعضو جمعية الكرامة ورئيس تحرير مجلة مؤتمر الأمة، وما جرى قبله للكاتب والناشط خالد العمير ومحمد العتيبي لدعوتهم إلى مسيرة سلمية لنصرة غزة، وقبلهم الدكتور سعود مختار والمحامي وسعيد بن زعير وسليمان الرشودي والدكتور موسى القرني والشيخ سليمان العلوان والمحدث عبدالله السعد والشيخ نايف بن فيصل الدويش وغيرهم من العلماء والمفكرين والسياسيين والوجهاء، والذين ما زالوا معتقلين منذ سنوات ودون محاكمات، كل ذلك يؤكد تنامي الفجوة بين الحكومات الخليجية وشعوبها، في وقت أشد ما تكون المنطقة فيه للسلم الأهلي، والمصالحة الوطنية، والبحث في أسباب الأزمة وإيجاد الحلول السياسية لها!
إن الأزمة السياسية في دول الخليج العربي على وجه الخصوص هي أزمة تاريخية تتمثل في:
1- أزمة الهوية والمواطنة، فلا يوجد شعور بأن الوطن والدولة الحديثة في دول الخليج هما لشعوبهما، بل الوطن والدولة الخليجية المعاصرة هي للسلطة الأسرية الحاكمة، والتي لم تحتج للتفاهم مع شعوبها حول حقوق المواطنة، وحق الشعوب في الحرية السياسية والمشاركة في اختيار حكوماتها والرقابة على أدائها، لأن وجود هذه الدول والأوطان والحكومات على هذا النحو كان مرتبطا بسقوط الخلافة العثمانية، وبالاحتلال البريطاني للمنطقة، وبتحالفاته ومصالحه، وهو الذي رسم خريطة المنطقة على هذا النحو، وهو الذي أقام حكوماتها، وحدد حدودها، وضمن لها بقاء السلطة بيدها وحمايتها، وقد أدى ذلك إلى عدم حاجة الحكومات إلى شعوبها والتفاهم معها، فقامت العلاقة بينهما على أساس التبعية والرعوية والطبقية، لا على أساس المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، وقد بات هذا الواقع مرفوضا اليوم رفضا قاطعا من قبل شعوب المنطقة مع تزايد الوعي السياسي، والتطور الاجتماعي لسكان الخليج العربي، وهو بلا شك تغير اجتماعي سيواكبه تحولات سياسية كبرى، ولا أحد يستطيع إيقاف عجلة التاريخ، ما لم تكن لدى الحكومات القدرة على المبادرة نحو الإصلاح!
2- تنامي الشعور الشعبي الخليجي بضعف شرعية الحكومات الخليجية، وأنها حكومات تفتقد للشرعية السياسية والدستورية، حتى في الدول التي فيها دساتير صورية، حيث تم تفريغها من مضامينها، وبقيت الحالة السياسية العشائرية والأسرية كما هي المتحكم في الشأن السياسي مع وجود مجالس أمة ومجالس شورى صورية، وهي صالونات سياسية أكثر من كونها سلطة رقابية وتشريعية، حيث ما تزال الحريات العامة مهمشة بل مصادرة، وما تزال حقوق الإنسان تتعرض للانتهاك، وحيث ما يزال هدر المال العام في دول الخليج كما هو، بل في حال ازدياد واطراد، وما زالت قوى الفساد كما هي لم تستطع مجالس الأمة والشورى الحد من نفوذها، فضلا عن محاسبتها ومعاقبتها!
وقد تنبه لأزمة الإحساس بعدم شرعية الواقع السياسي الحالي الكاتب الأمريكي فرومكين في كتابه (ولادة الشرق ص 632) حيث يقول عن المنطقة :
(إنه لا وجود للإحساس بالشرعية، وليس في المنطقة إيمان يشارك فيه الجميع بأن الكيانات التي تسمي نفسها بلدانا، والرجال الذين يدعون أنهم حكام، لها أو لهم حق الاعتراف بهم كبلدان أو كحكام، ولا يمكن القول بأن الذين خلفوا السلاطين العثمانيين قد نصبوا في مناصبهم بصفة دائمة، مع أن هذا ما اعتقد الحلفاء أنهم فاعلوه بين عامي 1919 و1922م).
3- الاستبداد السياسي وازدياد قمع الحكومات الخليجية للحريات العامة، والذي يزداد كلما ازداد شعورها باهتزاز شعبيتها وشرعيتها، مما يجعلها في حالة خوف دائم من شعوبها، وارتهان دائم للقوى الخارجية التي تدعم وجودها، وهو ما ولد حالة اغتراب سياسي لهذه الحكومات، فلم تعد سياساتها الداخلية والخارجية تعبر عن توجهات شعوبها، وطموحها نحو مستقبل أفضل لها وللأجيال القادمة، بقدر تعبيرها عن مصالح الدول الاستعمارية ومشاريعها في المنطقة!
4- فقدان الفاعلية والكفاءة السياسية على إدارة شئون الدولة وتطويرها، وهو ما لو تحقق فعلا - أي التطوير والكفاءة - لكان يغتفر أزمة الإحساس بعدم الشرعية وتراجع الشعبية التي تتنامى لدى شعوب الخليج تجاه حكوماتها، إذ قدرة الحكومات على إدارة الشأن العام، وتحقيق الإنجازات التاريخية للدول، قد يجعل الشعوب تغض الطرف إلى أمد عن موضوع شرعية الحكومات.
5- فقد الإحساس بالأمن والاستقرار، فالهاجس الأمني والخوف على مستقبل الخليج العربي أمام التهديدات الخارجية المحيطة، يزداد لدى شعوب الخليج، وهم يشاهدون التشرذم والضعف الخليجي، في مقابل ازدياد النفوذ الأجنبي الاستعماري على المنطقة من جهة، وازدياد الخطر الإيراني من جهة، والخشية من تفاهم بين الطرفين يكون الخليج العربي وشعوبه وأرضه وثرواته ضحية لهذه التفاهمات، كما جرى في العراق!
إن كل هذه الأزمات السياسية تجعل حكومات الخليج العربي أمام تحديات حقيقة قد تعصف بالمنطقة في أي لحظة نحو المجهول، ما لم تتدارك الحكومات الخلل بالتالي:
1- إطلاق كافة المعتقلين والمحتجزين من أصحاب الرأي السياسي أو الديني أو الفكري، من العلماء والمفكرين والكتاب والسياسيين، وتعويضهم عن كل ما لحق بهم وبأسرهم من أذى مادي أو معنوي في السجون، ومعالجة آثار هذه الجريمة السياسية والأخلاقية والإنسانية، حيث يقضي الآلاف من خيرة رجال الأمة أعمارهم في السجون بلا تهمة ولا قضية ولا جريمة وهو ما يجعل من هذه القضية قنبلة موقوتة قد تنفجر يوما ما، ما لم يتم نزع فتيلها، ومعالجة آثارها قبل انفجارها.
2- تعزيز الحريات السياسية العامة، والاعتراف بحق شعوب الخليج في المشاركة في اختيار حكوماتها، ولو في ظل إمارات وملكيات دستورية، كحل توافقي، ومقاربة سياسية واقعية، تنأى بالمنطقة عن الاصطدام بين الأنظمة وشعوبها.
3- الإسراع بالوحدة الخليجية المنشودة، وتعزيز التكامل السياسي والاقتصادي والعسكري بين دول الخليج، من خلال العملة النقدية الموحدة، والبرلمان الخليجي الموحد المنتخب من قبل شعوب الخليج، وربط الخليج بسكك الحديد، وطرق المواصلات، وتسهيل حركة الأفراد والبضائع، ورفع المراكز الحدودية التي تعيق السفر بين دول الخليج، لتعزيز الوحدة من جهة، وتعزيز الشعور بالأمن المشترك من جهة أخرى.
4- تطوير قدرات المنطقة العسكرية الذاتية، والاستغناء عن الوجود العسكري الأجنبي، لتحقيق الأمن الخليجي الذاتي، وتجنيب المنطقة نذر الحروب الاستعمارية، التي تدفع فاتورتها دول الخليج، في أمنها واستقرارها وثرواتها.
5- تسهيل انضمام اليمن إلى وحدة الخليج والجزيرة، وتعزيز التعاون معه وتطويره، كعمق استراتيجي للمنطقة، والاستفادة من القوة البشرية اليمنية، واليد العاملة لمعالجة الخلل في التركيبة الديمغرافية للخليج العربي.
6- المحافظة على الهوية العربية والإسلامية للخليج والجزيرة العربية، وتعزيز الانتماء للإسلام، والحد من مظاهر الاغتراب، التي تتنافى مع قيم شعوب المنطقة، ومع أحكام دينها وعقيدتها، فالجزيرة العربية لها خصوصية فهي أرض الحرمين الشريفين، ومهبط الوحي، وقبلة المسلمين، وأي استخفاف بهذه الخصوصية لن يكون في صالح استقرار المنطقة، فالإيمان والإسلام يأرز إليها، وينطلق منها، وفي إدراك هذه الحقيقة وفهمها ما يجنب المنطقة وشعوبها الاضطرابات والفتن.
هذا ونسأل الله عز وجل أن يرد الجميع حكومات وشعوبا إلى دينهم ردا جميلا، وأن يوفقهم للرشاد والعدل، ويوحد كلمتهم، وأن يصلح ذات بينهم، ويفك أسر المعتقلين ظلما وجورا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الكاتب: مسلمة التاريخ: 18/12/2010 عدد القراء: 4330
أضف تعليقك على الموضوع
|