لماذا لا يضع الحكام المستبدين هذه اللحظة في حسابهم وهم يتجبرون على شعوبهم ويذيقونهم صنوف العذاب؟ هذا ما دار في ذهني وأنا أشاهد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي مساء الخميس في خطابه التليفزيوني الثاني منذ اندلاع الاحتجاجات العارمة التي شهدتها البلاد بسبب غلاء المعيشة وتنامي البطالة وأدت إلى مقتل أكثر من 66 شخصا برصاص الأمن.
لقد وقف بن علي ممتقع الوجه يستعطف شعبه ويرتجف وهو يرى الزلزال يعصف بكرسي السلطة وجاهها من تحت قدميه؛ فقد أثبت الشعب التونسي جرأة حقيقية عندما واصل احتجاجاته رغم سقوط القتلى, في رسالة واضحة للعالم أجمع بأنه لن يتنازل عن حقه المسلوب والمنهوب طوال سنوات طويلة.
قفز في ذهني وأنا أرى "بن علي" مشهد الحكام المتسلطين حول العالم وهم يرون "بن علي" في هذا الموقف يا ترى كيف بدت وجوههم؟ كيف ناموا ليلة أمس؟هل استفاقوا من غفلتهم أم سيظنون أنهم أكثر ذكاءً من "بن علي" وسيستطيعون الإفلات من غضب شعوبهم؟
فارق شايع بين الخطابين, فارق شاسع بين رئيس ما زال يشعر بزهوة السلطة وجبروتها وينظر لشعبه كقطيع إذا ضرب أحدهم يفر الآخرون إلى الحظيرة, وبين حاكم يشعر أنه سيقبع قريبا داخل السجون التي نصبها لتعذيب معارضيه.
في الخطاب الاول أرغى "بن علي" وأزبد وتوعد واتهم جهات خارجية بمحاولة القضاء على "منجزاته العظيمة" ووصف المحتجين "بالإرهاب", ولم يعتذر عن القتلى والجرحى الذين سقطوا ولم يعترف بخطأ واحد ارتكبه هو وحاشيته. أما في الخطاب الثاني فحاول إنقاذ رقبته من مقصلة العدالة بعد أن وجدها قاب قوسين أو أدنى منها بعد ورود معلومات عن تململ الجيش واستقالة رئيس أركانه واستقالة وزير الخارجية وفرار زوجته وبناته إلى الإمارات, وكذلك صهره المتهم بالفساد, ووصول المحتجين إلى قصور بعض المقربين منه وإصرارهم على مواصلة مطالبتهم بابسط حقوقهم رغم تزايد عدد القتلى.
عندها وعندها فقط تحول بن علي من دكتاتور مستبد إلى "رئيس عادل" يفهم شعبه ويعتذر إليه عن خداع بعض المسؤولين له, ويأمر بوقف اطلاق النار على المحتجين ويشكل لجنة تحقيق في الاحداث ويرفع القيود على الحريات ويتعهد بعدم الترشح لمنصب الرئاسة مجددا بعد أن كان ينوي البقاء للأبد "بإرادة الشعب طبعا" كما كان يصور للعالم قبل الاحتجاجات. ياترى كم حاكم استمع لخطاب بن علي مساء الخميس ينبغي عليه أن يكتب خطابا مشابها إلى شعبه قبل فوات الأوان وانفجار البركان؟! ولكن هل يفي "بن علي" بالوعود وهل صدقه الشعب؟ أما الأولى فلا أظن ولا المعارضة كذلك ففي أول تعليق لزعيم حركة النهضة المعارضة راشد الغنوشي شكك في تنفيذ هذه الوعود وتساءل عن كيفية تحقيق السلطة مع نفسها في الجرائم التي ارتكبتها ضد المحتجين؟! ورغم ترحيب أطراف من المعارضة بالخطاب إلا أنها أعربت عن ارتيابها مشيرة إلى أهمية التطبيق الفعلي وليس الكلام, والحقيقة ان "بن علي" يريد رفع السيف عن رقبته وبعدها سيستدير على معارضيه واحدا واحدا كما فعل حاكم مستبد مجاور في زمن ماضي عندما انتفضت بعض قطاعات الجيش مطالبة بالديمقراطية والحرية فوعدها خيرا ثم نكث وعوده وانتقم من المطالبين اشد انتقام , وهو نهج دكتاتوري بامتياز.
أما الشعب التونسي فقد قال كلمته عندما خرج بالآلاف بعد الخطاب ليطالب برحيل "بن علي" في مظاهرة حاشدة أمام وزارة الداخلية التي جاء منها بن علي للسلطة والتي نفذت أبشع الجرائم طوال الفترة الماضية في حق الشعب الأعزل.
لقد كان الشعب التونسي ملهما لشعوب المنطقة, حيث اندلعت احتجاجات مشابهة في الجزائر منذ أيام قبل أن تنزل الحكومة على مطالب الشعب, والجمعة بدأت في الأردن احتجاجات على غلاء الأسعار, وهناك إرهاصات في موريتانيا..لقد فجرت احتجاجات تونس وتداعياتها قضية العلاقة بين الشعب وحكامه في العالم العربي ونظرة كل منهم للآخر, وحرية الشعوب في اختيار حكامها وعزلهم إن أرادت بشكل سلمي في ظل ما يجري من انتخابات مشبوهة وتلافيا لصدامات دامية قد تقضي على الأخضر واليابس.لم يعد بإمكان نظام ما الإغلاق على شعبه في معزل عما يحدث في العالم كما كانت تفعل الحكومات الشيوعية في القرن الماضي.. إن تفاعل شعوب العالم بعضها مع بعض أصبح أمرا حتميا في ظل ثورة الاتصالات, ومن حق الشعوب العربية أن تعيش بصورة آدمية مثل الشعوب الغربية , وليس من المنطق أن يستمتع نصف في المائة بخيرات بلد كامل لمجرد أنهم من حاشية الحاكم وأنصاره في حين يرزخ بقية الشعب تحت أغلال الفقر والحاجة.
http://almoslim.net/node/139946
الكاتب: أختكم/مهــــــــــــــا التاريخ: 14/01/2011 عدد القراء: 3540
أضف تعليقك على الموضوع
|