|
مميز: لقد قامت إدارة تويتر (X) بإيقاف حساب الشيخ في تويتر hamed_alali
وهذا عنوان حسابه الجديد
hamedalalinew |
|
قصة من قصص نساء المجاهدين العرب في أفغانستان
أنقل لكم هذا المقال للكاتب أبو الحسان الشرقي في منتدى الإصــــــلاح
لقد وصلتنا هذه المشاركة الهامة من الأخت "أم سلمة" عن طريق البريد الاكتروني، وهي كما قالت كانت تقيم في أفغانستان إبان العدوان الأمريكي الوحشي عليها، حيث تروي لنا مشاهداتها ولقاءات أجرتها مع ناجيات من الموت وزوجات شهداء فقدن أزواجهن وأطفالهن وزوجات مفقودين وأسرى وكذلك مشاهدات أطفالهن، حيث رسمت لنا صورة حية ومؤثرة لمعاناة أسر الشباب العرب في أفغانستان، وقد وجهت أم سلمة كلماتها إلى صويحباتها من النساء
***********************************************
أنا امرأة مسلمة قُدِّر لي أن أعيش في أفغانستان، ولكني لم أسعد بالعيش فيها إلا لوقت قصير لا يتجاوز سبعة أشهر, وكنت قد وجدت فيها ضالتي, فعزمنا أنا والزوج والأسرة على الاستقرار هناك, وقدر لي أن أرى الطائرات الأمريكية وهي تحوم في سماء قندهار وهي المدينة التي كنا نسكن فيها أثناء المسح الأمريكي لأفغانستان قبل عمليات إنزال الجنود، وكنا نسمع أصوات الانفجارات مدوية ونرى لهيب نيرانها تارة تكون قريبة، وأخرى بعيدة, ولم يشأْ الله أن نكون ممن نال الشهادة التي كنا دائما ندعو الله أن يرزقنا إياها, فإن الدعاء بها، وطلبها من الخالق جل وعلا له في القلب حلاوة، فما بالنا بمن أهداها الله له.
كنا نتابع الأحداث وننتظر اللحظة التي نجد فيها أنفسنا هناك ( في الدار الآخرة )، لكن شاء الله أمراً غير ذلك، وأبقانا لحكمة لا يعلمها إلا هو، فرأيت أنه من الواجب عليَّ أن أمس أوتار قلوب أخواتي من النساء المسلمات اللاتي لم تشغلهن مطابخهن أو أمور بيوتهن عن معرفة شيء ولو قليل عن أخواتهن المهاجرات, وما لقين من ظلم الظالمين، وذلك بكتابة هذه السطور القليلة التي أسأل الله تعالى أن يدخرها لي ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.................................. أم سلمة
***********************************************
أختاه:
العيش في أرض تحكم بشرع الله وتعلو فيها رايته أمل طالما راود عقول وقلوب نساء مسلمات في كثير من بقاع الأرض، فهن يحلمن به مستيقظات, ويدعين الله به في جوف الليل وأدبار الصلوات, فمنهن من هاجرت تبحث عن مكان تظهر فيه دينها, ومنهن من وجدت نفسها تعيش في بلاد كفر وبين قوم كافرين, ومنهن من لم تستطع حيلة ولم تهتد سبيلاً فهي باقية في بلاد يدين شعبها بالاسلام، لكن حكامها قد بدلوا شريعة الله, وراحوا يمارسون على دعاة الحق أنواعاً من البطش والتنكيل، فمن سجن لتشريد لمنع للحجاب إلى غير ذلك من الوسائل التي لا تخلو منها جعبة الظالمين, فتوجهن إلى الله خاشعات: (( ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً ))
ولما أن فتح الله بالمجاهدين هذه البقعة الطيبة من أرض الله قامت دولة وليدة كانت كنبت طيب روته دماء طاهرة ذكية هي دماء الشهداء من أبناء هذا الشعب ومن إخوانهم من الأنصار الذين اندفعوا من كل حدب وصوب مضحين بالغالي والنفيس باذلين أرواحهم وأموالهم لنصرة هذا الدين ولتكون كلمة الله هي العليا.
لقد كانت دولة طالبان في أفغانستان المسلمة -فيما علمنا -دولة تسير على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقتفي أثر صحابته الكرام؛ فلا هي عطلت شريعة الله، ولا ابتدعت في دين الله, رفعت راية لا اله الا الله وعملت بحقها, جدرانها ومبانيها تحدث بالإسلام, رجالها تنفسوا التوحيد والجهاد, علم شعبُها أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى, علت هامات نسائها عفة الحجاب فمنعهن حياؤهن من مزاحمة الرجال في المكاتب والمركبات.
قد كانت دولة فريدة في توجهاتها، ونبتة طيبة في عالم ينضح بشوك نفاق الحكام والملوك الذين حاولوا مراراً أن ينزعوا عنها لباس التقوى لترتدي لباس الفجور فحاصروها اقتصاديا لتتنازل عن إسلامها ،وعقدوا لها المؤتمرات لتلقي نساؤها حجاب عزتها وكرامتها , فباءت محاولاتهم بالفشل والخسران المبين.
ولما رأى رجالها المجاهدون إخوة لهم في فلسطين المسلمة تسحقهم نيران نجسة خرجت من أسلحة تمسك بها أيد نجسة, ورأوا منافقي هذه الأمة من حكامها الخونة يغمضون أعينهم عن ما يفعله أولئك المجرمون بل ربما مدوا لهم يد العون في العبث بالمقدسات وانتهاك الحرمات، حينئذ ما استطاعوا الانتظار فانتفضوا لنصرة إخوانهم عملا بالحديث (انصر أخاك ظالما أو مظلوما ) وما كان أهل فلسطين ظالمين أبداً, بل هم المظلومون من عشرات السنين. فكانت هجمة الحادي عشر من سبتمبر, التي لا تجرؤ أي دولة في عالمنا المعاصر على القيام بمثلها، والتي صاحبها توفيق الله، وقام بها رجال باعوا أنفسهم لله، وهنا اجتمعت قوى الكفر على جند الله الموحدين، ووجدوها فرصة سانحة للقضاء على تلك الدولة المسلمة، فاستدعت أمريكا أذنابها وحشدت حشودها وراحت تمطر شعبنا المسلم في أفغانستان بأنواع من والصواريخ والقذائف والقنابل التي لم يُسمع عنها من قبل, فمنها قنابل لاختراق الصخور، ومنها العنقودي ومنها الضوئي و....... ، وكان تحت هذا القصف أخوات لكِ أفغانيات وأخريات مهاجرات، فمنهن من فقدت زوجها، ومنهن من فقدت أولاداً لها، ومنهن من جرحت، ومنهن من استشهدت ومضت إلى ربها تشكو ظلم الطغاة الكافرين.
ولقد حاولت أن أعيش مع بعض الأخوات المسلمات اللاتي نجين من تلك الحرب الظالمة، وأردت أن أسمع منهن بعض ما عانينه في تلك الأوقات الرهيبة، وأن يقصصن بألسنتهن قصصهن مع القصف الغادر، وكيف فقدن الأحبة وكيف هن أحياء, وماذا كان حديث أنفسهن قبل العدوان وبعده وما رأيهن في الأحداث ؟
وماشعورهن الآن بعد فقد الأهل والخلان ؟
اللقاء الأول:
كان لقائي الأول مع الأختين أم خالد وأم عبد الرحمن، وهما زوجتان لرجل واحد؛ أم خالد هي الزوجة الأولى وليس لديها أطفال، وأم عبد الرحمن هي الزوجة الثانية، وقد كانت متزوجة قبل ذلك، ولها من زوجها الأول خمسة أطفال: أربعة أولاد وبنت واحدة، ثم تزوجت للمرة الثانية بعد استشهاد زوجها الأول في بلده على أيدي حكامها الطواغيت, اقتربت منهما لأرى قسمات وجهيهما بعد أن فقدا زوجهما وفقدت أم عبد الرحمن ثلاثة من أولادها: الأول عمره خمسة عشر عاماً، والثاني عمره ثلاثة عشر عاماً، والثالث تسعة أعوام، كما أنهما قد فقدا كل ما يملكان من أموال ولباس وأثاث ولم يبق لهما من حطام الدنيا شيء، وقد وجدتهما بحمد الله صابرتين محتسبتين، ما خانتهما العبرات والدموع إلا عندما قصتا عليَّ مأساتهما، غير أنهما سرعان ما استعادا طبيعتهما المتزنة بعد ذلك.
اقتربت من الزوجة الأولى أم خالد والتي هي أخف مصيبة من أم عبد الرحمن وسأْلتها: أين كنت تسكنين ؟
أجابت: في كابل
ما هي أول كلمة قلتها عند سماعك بالأحداث ؟
قالت: لقد قلت: الحمد لله الذي رزق أمريكا بمن يخترق الحواجز إلى أن يصل إلى عقر دارها ليذيقها مما أذاقته للمسلمين، وإن هلعوا وصرخوا فقد هلع الفلسطينيون وصرخوا ولم يجبهم مجيب...
قاطعت اندفاعها وحماسها قائلة: لكنك الآن في موقف لا تحسدين عليه. قالت: وإني أحمد الله على ذلك، وأسأل الله أن يُشًّفِعَ في زوجي يوم القيامة، ولا أريد شيئاً في هذه الدنيا.
سألتها أن تقص علينا قصتهم، وماذا حدث لهم منذ سماعهم باحتشاد الحشود للنيل من المسلمين.
فقالت:عندما تأكدنا من ذلك أخَذَنا زوجي: أنا و الأولاد، وأم عبد الرحمن الى إحدى القرى ثم منها إلى قرية أخرى ثم إلى أخرى، حتى وصلنا إلى بيت بغرض المبيت فيه ليلة واحدة فقط، وكنا خمسة أسر برجالها ونسائها وأطفالها، وكان هناك بعض الرجال الذين ليس لهم أسر، وقد دخلت النساء في الطابق العلوي في إحدى الغرف، والرجال في غرفة أخرى في نفس الطابق، أما الرجال الذين ليس لهم أسر فقد كانوا في الطابق السفلى.
وأخذنا نتبادل الحديث العادي حول بعض الأحداث القديمة في أفغانستان، وكان البعض قد استسلم للنوم والبعض الاخر يتهيأ للنوم، وقامت إحدى النساء لتصلي العشاء، واشتبك في جلبابها طفلان لها في الثانية والثالثة من عمريهما، ينتظران هدهدتها بعد انتهائها من صلاتها لينعما بالنوم وهما لا يدركان شيئا مما يدور حولهما، ولا نحن كنا ندرك شيئاً مما سيحدث بعد دقائق معدودات، فلم تكن الأخت قد انتهت من صلاتها حين سقط صاروخ على الغرفة المجاورة (أي غرفة:الرجال) فلم يبق منهم أحد (ذهبوا جميعا إلى خالقهم ينعمون بجنة الخلد إن شاء الله) أما غرفة النساء فقد وقع السقف والجدار على من فيها ففاضت روح أم الطفلين مع طفليها( يا لها من موتة، نحسبهم شهداء عند الله تعالى، فقد قتلت مع طفليها بصواريخ الكافرين، وكان ذلك في شهر رمضان وأثناء صلاتها، والله إنا لنغبط هذه الأم الشهيدة هي وأطفالها الذين هم دعاميص الجنة).
أحسست بشبه دوار حتى كدت لا أستطيع فتح عيني، وقد كان السقف يضغط علي كتفي فلم أستطع التحرك، وشعرت باختناق شديد يحيط بي بسبب رائحة البارود وغبار الهدم، وسمعت صوتاً يقول: ارفعوا الحجر من فوقي، لقد كان صوت إحدى النساء الموجودات، ثم سكت الصوت فقد ماتت تلك الأخت ،وقد كانت تظن أن حجراً سقط عليها، ولا تدري أنه السقف بأكمله, ثم سمعت صوت بنات تلك المرأْة وقد خرجن من تحت السقف وكانوا يبحثون بين القتلى عن أمهن وأخواتهن, وأما أنا فقد تيقنت أني هالكة لا محالة فانشغلت بالتهليل والتكبير والاستغفار حتى يكون آخر ما يخرج من فمي ذكر الله حتى ألقاه.
وسمعت صوت انفجار الصاروخ الثاني ،ورأيت نيراناً وشظايا متجهة نحوي فأدخلت رأسي تحت غطاء مكون من طبقتين كنا نحتمي به من شدة البرد، وبعد فترة شعرت بغثيان شديد ثم استفراغ فرفعت الغطاء فوجدت الطبقة العلوية منه قد احترقت وبقيت السفلية، ووجدت السقف قد ارتفع عني قليلا إلا عن ساقي إلى قدمي، فحاولت الخروج وأخذت أردد: لا حول ولا قوة الا بالله، حتى تحركت ساقي فخرجت (وإن كنت ساعتها أتمنى الموت في سبيل الله، لعلي أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، وألحق بركب الشهداء والشهيدات من أخواتي اللاتي صاحبتهن في الدنيا وكنت أود مصاحبتهم في الآخرة )، ولما خرجت وجدت أم عبد الرحمن تنتظرني في ساحة البيت، وتقول لي:أنتِ بخير ؟ قلت: الحمد لله (نعم له الحمد في كل لحظة ومع كل طرفة عين) , ولم أجد البنات فظننت أنهن قد أسرن ،وعلمت بعد ذلك أْنهن لم تنلهن أيدي المشركين .
ثم توجهت إلى أم عبد الرحمن فوجدتها تتحدث مع إحدى الموجودات معنا في الغرفة، حيث ذكرت أنها لم تر النار؛ لأن رأسها كانت متجهة إلى الناحية الأخرى، فأغمضت عينيها عند سماع صوت الانفجار، ثم فتحت عينها فلم تر شيئا بسبب الغبار والدخان الكثيف، ولم تستطع الحركة حتى سقط الصاروخ الثاني، وارتفع السقف قليلاً، واستطاعت الخروج وحاولت مساعدة أم خالد فلم تستطع، حتى خرجت بحول الله وقوته فذهبن جميعا إلى مكان بعيد عن مكان الواقعة، وأخذن يبحثن في وجوههن عن آثار لما حدث فوجدا حروقا طفيفة في وجهيهما وشعريهما
قالت: ثم سألنا عن الرجال فعلمنا أنهم جميعا عند بارئهم, فاسترجعنا في زوجنا وفي الأولاد الثلاثة، وتساقط الدمع حزناً على فراقهم، لكن لم يفارق النفس اطمئنانها ورضاها واستسلامها لقضاء الله عز وجل، والحمد لله ما فعلنا فعل الجاهلية ،ولا دعونا بدعواها.
وبعد أن انتهت أم عبد الرحمن من حديثها سألتها كيف كان شعور أولادك الثلاثة عندما علموا بالأحداث ؟ فأجابت: كانوا يرددون الأناشيد الحماسية بصوت مرتفع دائما, فقلت لهم مازحة: سنخرج من أفغانستان, فبادروني: اخرجوا أنتم إذا أردتم, أما نحن فلا نريد الخروج، نريد النصر أو الشهادة, ثم قالت أم عبد الرحمن : أنا كنت انتظر ماحدث في أي وقت وفي أي لحظة.
قلت لها: لقد كان سنهم صغيراً ألم يشعروا بخوف ؟
قالت أنا لم ألمس فيهم ذلك أبداً. (ترى هل سقتهم أمهم حليب الشجاعة والإقدام , أم نور الله قلوبهم بالايمان فهم على يقين بوعد الله لمن قتل في سبيله ،فحقق الله لهم أمانيهم و أنالهم شهادة في سبيله ,وجعلهم إخوة متحابين في الآخرة كما كانوا في الدنيا، لم يفترقوا في الدارين) .
واتجهت نحو البنات اللاتي خرجن قبل أم خالد وأم عبد الرحمن, وكان عددهن خمس: ثلاث لأم واثنتان لصديقتها, فالثلاث الأول أعمارهن أربعة عشر عاما، واثنا عشر عاما، ثم عامان ونصف, والتفت ناحية كبرى البنات الثلاث وطلبت منها أن تلقي على أسماعنا ما حدث لهن في هذا البيت فقالت: أنا كنت نائمة، واستيقظت على صوت (قوالب ) الطوب فقط ففتحت عيني فوجدت السقف قد انهار فوقنا فأيقنت أن صاروخاً سقط على البيت، فأسرعت في الاستغفار، ثم وجدت فتحة فخرجت منها ثم ناديت بأعلى صوتي: اخرجن من هنا, يوجد مكان, ثم ناديت على والدي، فلم يرد علي, فخرجت البنات من هذه الفتحة فذهبنا الى أخي الصغير وعمره خمس سنوات، وقد كان ينادي على أمي، فحاولنا مساعدته على الخروج من تحت السقف فلم نستطع حتى سقط الصاروخ الثاني، فاحتضنا بعضنا جميعا، ورأينا نيراناً كثيرة جداً ودخان وشظايا كبيرة و صغيرة، تنتشر في كل مكان، ولكن الحمد لله لم يصبنا منها شيء.
بادرتها لأسالها: عندما علمت بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، ماذا قلت ؟
قالت : قلت: ما شاء الله ما شاء الله، وفرحت جداً.
سألتها: والآن ماذا تقولين ؟
أجابت: أقول: الحمد لله.
ثم قالت:لم أكن أريد الخروج من أفغانستان, فبادرتها: بالرغم من القصف ؟ قالت: نعم بالرغم مما حدث, فقلت لها: أنت فقدت الأم والأب، وأخواتك الصغار وأختك الكبيرة, فقالت: نعم وأنا اطلب من الله الأجر واللحاق بهم فقط.
ووقعت عيني على أختها الصغيرة وعمرها اثنا عشر عاما فسألتها: أكنت نائمة أم مستيقظة ساعة أن حدث ما حدث ؟
فردت: أنا كنت نائمة بجوار أمي, فسألتها: أين بالضبط ؟ فأجابت على نفس الفراش و نفس الوسادة, واستيقظت على صوت الصاروخ ووقوع السقف علينا, شعرت باختناق، وحاولت إيقاظ أمي،فلم ترد على فعرفت أنها قد ماتت , وكان الظلام شديداً ،فسمعت صوت أختي وهي تنادي وتقول : اخرجوا من هذه الفتحة فزحفت على بطني حتى خرجت ، ونحن فوق السقف نزل الصاروخ الثاني ،فارتمينا أنا والبنات واحتضن بعضنا بعضناً ،ثم حاولنا التقاط أخينا الصغير الذي عمره خمس سنوات فلم نستطع ،وكانت أختنا الكبرى قد فارقت الحياة ( كان عمرها سبعة عشر عاما , وبذلك يكون أبوها وأمها وأختها الكبرى وأخوان صغيران بين الخامسة والسابعة قد سبقوها إلى جنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ،فيما نحسبهم والله حسيبهم ،وكأني بهم يقولون لها ولأخواتها : اتبعونا من هذا الطريق ،ولا تحيدوا عنه حتى تلحقوا بنا , لاتميلوا الى الدنيا ولا تركنوا اليها ،والزموا الصبر حتى لا تفوتكم الفرصة ).
كانت تجلس إلى جوارها صديقتهن، فلما نظرت إليها قالت: أنا كنت جنب أختهن الكبرى، كنت أتماثل للنوم، لم استغرق بعد، وكانت الوسادة بيننا مشتركة فلما سقط الصاروخ أمسكت يد أختهن الكبرى، وناديتها فوجدت يدها قد بردت وسقطت من يدي فعلمت أنها قد ماتت. لم أستطع الخروج فأخذت في الاستغفار والذكر انتظر الموت، فصاحت صديقتي اخرجوا من هنا فزحفت تحت السقف، وكان الظلام دامساً فلم أر شيئا حتى وجدت هذه الفتحة فخرجت منها، وسمعت صوت أمي تقول ارفعوا الحجر عني فحاولنا انقاذها فلم نستطع، وبعد الصاروخ الثاني فارقت أمي الحياة, ووجدنا أختي الصغيرة وعمرها ثلاث سنوات قد قطعت ساقها اليمنى وبها جروح في رأسها ووجهها، وكانت تنام جنب أمي فحملناها وذهبنا، ولحقت بأمي وأخي الكبير في اليوم التالي.
(حقا إن لهم أحبة هناك هرولوا إليهم، وأسرعوا لرؤيتهم، واللقاء بهم في حواصل طير خضر، وتركوا لنا وصية كتبوا فيها بدمائهم: أن أسرعوا واتركوا الدنيا لمن أحبها، فهي ليست لنا ولانطلبها، إنها جيفة وطلابها كلابها ).
اللقاء الثاني:
أما اللقاء الثاني فقد كان مع إحدى الناجيات من مجموعة أسر كانوا مسافرين في سياراتهم حين أسقطت عليهم الطائرات الأمريكية وابلاً من قنابلها العنقودية والضوئية فقتلت العديد منهم لم ينج منهم إلا القليل.
سألت هذه الأخت أولاً عن أول كلمة خرجت من فمها عند سماعها بأحداث الحادي عشر من سبتمبر ؟
فقالت: قلت: ياالله، ياالله (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، وكنت في ذهول شديد وفرحة غمرتني، وقلت كأنها نتيجة حرب عشر سنوات مع الأمريكان.
قلت لها: قصي علينا ما حدث لك في القصف، قالت: كنا في إحدى القرى، ونحن النساء كنا نتبادل الحديث، وانتهى بذكر الله فأخذنا نتلو الواحدة تلو الاخرى آيات من كتاب الله, وكنا حوالي تسع عائلات في هذا البيت, ولما كان صوت الطائرات قريبا جدا توقع الرجال أن هذا البيت قد يكون هدفاً لهم في ذلك اليوم فخرجنا في أربع سيارات، فسمعنا أصوات القنابل كأنها تسقط فوق القرية التي كنا لازلنا لم نبتعد عنها إلا عدة أمتار قليلة، فخرج خمسة رجال من سيارتهم وآخر من سيارة أخرى، فوجدوا أن السيارات هي الهدف، فهربوا ناحية الجبل، وكذلك نساء إحدى السيارات هربن، وخرجت امرأة من سيارة أخرى ولكنها لم تستطع الابتعاد لأنها أصيبت في رأسها ووجدت وهي تشير باصبعها الى السماء كأنها تنطق بتوحيد الخالق (ومضت إلى ربها مع ركاب باقي السيارات، أحياء عند ربهم يرزقون نحسبهم عند الله كذلك )، وكنت ممن نزل من السيارة حيث نزلت أنا وزوجي واختبأنا في أحد الجبال، وأمسك كل منا بقنبلة لتفجيرها فيمن يقابلنا من الأعداء, ففوجئنا ان القنابل تتساقط من الطائرة أمامنا ولها ضوء شديد فانبطحنا على الأرض، ولكن قوة الانفجار كانت ترفعنا بقوة فوق الارض ثم توقعنا مرة أخرى، فأصيب بعضنا بشظايا كبيرة وبعضنا بشظايا صغيرة، وكان زوجي ممن أصيب بشظية كبيرة كانت في ظهره كادت أن تصل إلى العمود الفقري وأصبت أنا بشظية صغيرة كانت في ذراعي، فلما توقف القصف كانت الساعة الخامسة والنصف وكان قد بدأ في الساعة الثالثة مساء، وجاء أصدقاؤنا الذين لم يتمكنوا من الوصول إلينا بسبب تتابع القنابل وأخذونا إلى أحد أماكن العلاج.
سألتها مقاطعة: هل كنت مع زوجك وقت إصابته, قالت: نعم كان جرحه كبيراً لا يستطيع الجلوس بسببه فظن أنه الموت وذكرني كثيراً بالله وبالجنة، وطلب مني أن أوجهه إلى القبلة حتى اذا مات تكون وجهته ناحية الكعبة، ثم ذكر الشهادتين وأخذونا جميعا، ولم أره إلا بعد عدة أسابيع أو شهر عندما كنت في إحدى المستشفيات للعلاج وعلمت بوجوده هناك فالتقيت معه ،ولم يكن قد تم علاجه بعد, فخرج من المستشفى وجرحه لم يلتئم، وكان غائراً وكبيراً كاد أن يصل-كما ذكرت- إلى العمود الفقري, فتذكرت أن الله عز وجل يقول في كتابه العزيز عن العسل: (فيه شفاء للناس) فأخذت أملأ هذا الجرح يوميا بالعسل حتى فوجئت بعد عدة ايام بأن الجرح قد التأم ،وكأن شيئاً لم يكن . سألتها: فيم كنت تفكرين أثناء نزول القنابل ؟
فأجابت: في البداية كنت خائفة، ولكن بعد وصولنا إلى الجبل حيث أخذنا نردد كثيراً الاستغفار ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإننا رغم تساقط القنابل حولنا شعرنا بارتياح غير عادي، ولم نعد نفكر إلا في شيء واحد هو الجنة، فعلا كأننا نراها أمامنا ونريد الوصول إليها في أسرع وقت، وهان الموت في أعيننا وصرنا نريد اللحاق بإخواننا الذين سبقونا،وقد حدث ونحن في إحدى القرى أن صاروخا سقط على أحد بيوت الشباب، وكان يبيت فيه اثنا عشر رجلاً، قتلوا جميعاً نسأل الله أن يتقبلهم عنده في الشهداء، وكانت زوجة أحد هؤلاء الرجال تسكن معنا في نفس البيت, فسألتها: ماذا كان شعورك عندما سمعت خبر استشهاد زوجك ؟ فأجابت: كنت قلقة جدا عليه وكنت أريد سماع أي خبر عنه للاطمئنان عليه، ولكن بعد سماع خبر استشهاده، أنزل الله علي سكينة غامرة، وشعرت بهدوء عجيب، ولا أنكر أن دموعي انهمرت ولكن الله ثبتني. وسألتها: ماذا قلت عند سماعك النبأ ؟ قالت: لقد قلت ها هي أمنيتك يا(...) أعطاك الله إياها، لقد كنت تدعو الله كثيراً في صلاتك، وقيامك أن يرزقك الله الشهادة، وقد استجاب لدعائك فهنيئاً لك.
اللقاء الثالث:
وهذه أخرى زوجها أسير في جوانتينامو قلت لها: ماذا قلت عندما سمعت بأحداث الحادي عشر من سبتمبر, قالت فرحت كثيرا جدا جدا وتمنيت المزيد.
قلت لها: كيف عرفت بخبر أسر زوجك ؟
قالت: ليس زوجي فقط, لقد أسر أبي أيضاً، والذي أخبرني بنبأ الأسر هو أخي, ولأنه قد ذاق مرارة الأسر من قبل عند أصحاب مسعود، ويعلم جيداً ما يذوقه الأسير من عذاب و مذلة، فهو يدعو لهما ولمن مثلهما ليل نهار، وأنا كذلك.
قلت لها: ماذا فعلت عند سماعك الخبر؟
قالت: سقطت دموعي لأني تذكرت زوجي الأول، وهو شهيد، والثاني وقد أسر, ثم تمالكت نفسي لما تذكرت أجري عند الله إذا صبرت, فمسحت دموعي ودعوت الله أن يفرج كربه إما بالشهادة أو بالحرية وأن لا يطيل بقاءه عند مثل هؤلاء..
وعندما التفت إلى أخرى تلقيت منها ابتسامة هادئة، فسألتها هل زوجك موجود ؟
قالت: لا إنه مفقود، لا أحد يعرف عنه شيئاً.
قلت لها: ماذا تقولين؟
قالت: أقول: رضيت بقضاء الله وقدره.( فلم أملك إلا أن أقول معها: نعم رضينا بقضاء الله وقدره )
وسألت إحدى الموجودات وزوجها أسير أيضا: ما ذا فعلت عندما جاءك خبر زوجك ؟
قالت: توضأت وصليت ركعتين وقلت (استعينوا بالصبر والصلاة) ودعوت له بالصبر والثبات والفرج.
( نعم، فبمن تستعين إن لم تستعن بالله, إلى من نلجأ إلا لله ).
وبعد:
فلو دققنا النظر جيداً في حديث هؤلاء الأخوات جميعا لوجدناهن قد لذن بالله في عسرهن، ولم يفترن عن ذكره عز وجل، و طلب المغفرة منه تعالى، واعتصمن بصدق الإيمان ونور اليقين والتصديق بوعد الله تعالى، وباجتماع ذلك في قلوبهن زينهن الله بالثبات فلم تهلع إحداهن كما يهلع غيرهن، ولم تحثُ إحداهن على رأسها التراب أو تشق جيبها أو تتفوه بما يغضب الله عز وجل كما يفعل الجهال, ولكن انسكبت دموعهن على فراق ذويهن فكانت رحمة من الله وسكينة نزلت في قلوبهن.
ولقد ظهرت قدرته عز وجل واضحة جلية عندما ذكر هؤلاء البنات أن إحداهن كانت تنام مع أختها وأخيها الصغير على فراش واحد ووسادة مشتركة وانهار عليهم معاً السقف ،ومع ذلك ظلت هي حية ومات الأخ الصغير والأخت, وكذلك البنت الثانية كانت تنام إلى جوار أمها أيضا على فراش واحد ووسادة واحدة ،ومع ذلك بقيت حية واستشهدت أمها، وذلك لكي يعلم أولو الألباب أن ( لكل أجل كتاب )..
لقد فكرت في حال أفغانستان وكيف كانت ترزخ تحت الحكم الشيوعي المدعوم من الروس، وكيف أن الفساد كان مستشرياً فيها، ثم خرج الروس وجاء دور الأحزاب الذين منعهم اختلافهم وتنازعهم على الحكم من القضاء على هذا الفساد, حتى رزقها الله بهذه الحفنة الطيبة فأخذت بأيدي هذا الشعب المطحون إلى الصلاح وإلى الطريق المستقيم فاختفت المخدرات وكذلك المجون والفجور، وعاشت دولة اسلامية بحق،لكن ذلك لم يكن ليرضي أهل الكفر والضلال ،فتكالبوا عليها وتآمروا ،وكان ما كان ،لكنا نتساءل :هل اجتماع دول الكفر عليها ومكرهم بها سيقضي على الإسلام ؟ ويجيء الجواب الحق: لا بكل تأكيد لن يستطيعوا ذلك أبداً؛ لان الجهاد ماض إلى يوم القيامة، وسيبقى المجاهدون بإذن الله شوكة في حلوق الشرك والمشركين، ولن نيأس أبدا بإذن الله، ونحن في انتظار وعد الله الصادق بالنصر والتمكين.
أم سلمة الكاتب: محمد العتيبي التاريخ: 01/01/2007 عدد القراء: 5510
أضف تعليقك على الموضوع
|
تعليقات القراء الكرام
|
|