الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.. وبعد!!
اللجوء إلى اللعبة القديمة أصبح ديدنَ العالم المحكوم بإستراتيجيات الطغيان ولغة القوة والقهر؛ حيث يتم عن عمدٍ قلبُ الحقائق، وليُّ ذراع الواقع، واللجوءُ إلى الأوضاع الاستثنائية، وتسفيهُ الأفكار، واعتبارُ الحقِّ باطلاً والحقيقةِ رجسًا، والمظلومِ ظالمًا والظالمِ صاحبَ حق لا بد من نصرته!!
بنفس قواعد هذه اللعبة- القديمة- صمَّ قومُ نوحٍ آذانَهم عن سماعِ كلماتِ الحقيقةِ، حتى قال منذرُهم ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا(7)﴾ (نوح)، وتتابَعَ منطقُ الباطل ليهتف قومُ لوطٍ في شرفائهم: ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ(56)﴾ (النمل)، وكذب النمرودُ عينيه، معتبرًا خروجَ النارِ عن طبيعتِها سِحْرًا ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)﴾ (الأنبياء)، ومن ثم سرعان ما هتف: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ(258)﴾ (البقرة)، ولم يفُت فرعونَ أن يمارسَ ذات اللعبة وهو يسعى لسياسةِ قومِه، فهتفَ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي(38)﴾ (القصص).
وعلى ذات النسق سار أبو جهل ورفقتُه، رافعين شعارَ الأولين في الجحودِ وعدمِ الانصياعِ للحقِّ المشهورِ والجليِّ ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا(14)﴾ (النمل)، واستمرت حلقاتُ الجحودِ على مدارِ التاريخِ لتصلَ بنا إلى عصرِ العالَمِ أحاديِّ القطبِ؛ حيث لغةُ الشرِّ تسودُ كلَّ المنظماتِ الدوليةِ لتسيِّرَ كل مفرداتِ العالمِ صَوبَ أُتونِ العولمةِ الأمريكي.
إنسان العالم والإنسان الأمريكي..
الإنسانُ في ظلِّ النظامِ العالميِّ الأمريكيِّ تم تقسيمُه إلى فئاتٍ:
- إنسان من الدرجة الأولى: ويندرج تحت هذه الفئة الأمريكان والصهاينة.
- ثم إنسان من الدرجة الثانية: وهو الغربيُّ من غيرِ الأصولِ الشرقيةِ طبعًا.
- ثم إنسان الدرجة العاشرة، وتحتها يأتي مواطنو العالم العربي والإسلامي والشرق عمومًا.
وفْق هذا التصنيف تخرجُ تقارير حقوق الإنسان الرسمية عن الخارجيةِ الأمريكيةِ وغيرِها من مؤسسات نظام بوش الابن، الذي اعتمد تقريرًا لحقوقِ الإنسانِ في العالمِ يوم 8 من مارس الماضي، راحَ يتحدثُ عن الرِّدةِ الديمقراطيةِ لمصر والسعودية، وانتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ في إيران والسجونِ العراقية وسوريا ومصر، وأثرِ النزاعاتِ العرقيةِ على حقوقِ الإنسانِ في دارفور السودانيةِ، ومحاصرةِ المجتمعِ المدنيِّ وأجهزةِ الإعلامِ في الدول العربيةِ وعدم خضوعِ حكامِ إيران وسوريا للشعوبِ، وملفِّ الانتهاكاتِ الإنسانيةِ للجمهوريةِ الصينيةِ.
هكذا تخرجُ الإدارةُ الأمريكيةُ متدثِّرةً بثَوب الحمَلِ الوديعِ لتوزِّعَ الاتهاماتِ على العالمِ، مبشِّرةً بسماءٍ شمسُها نجماتُ العلمِ الأمريكيِّ وأُفُقٍ تلوحُ فيه حريةُ الاجتزاءِ والافتراءِ.
أمريكا تنتقد نُظُمًا تدعمها، وتعيبُ على سياساتٍ صنعتْها، تلوحُ بشعارِ حقوقِ الإنسانِ، ومِن خلالِهِ تمنحُ نفسَها الحقَّ في التدخلِ في شئونِ الدولِ، والتعدِّي عليها، وفرضِ العقوباتِ الدوليةِ ثم احتلالِها، ثم نشرِ حقوقِ الإنسانِ بالقوةِ عبرَ نماذج للديمقراطية، من عيِّنةِ سجن "أبو غريب" وأمثلةٍ عمليةٍ للحرية، كتلك التي جسَّدها الجنودُ البريطانيون بساديةِ تعذيبِ الفتيةِ والشبَّانِ في العراقِ!!
وتبقى الأسئلةُ حائرةً في معادلةِ حقوقِ الإنسانِ الأمريكيةِ، وفقَ ما ترصده شبكاتُ حقوق الإنسان، مثل (الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان- منظمة هيومان رايتس ووتش- منظمة العفو الدولية).. هذا إضافةً إلى ما ينشره بعضُ كتَّابِ الصحفِ الأمريكيةِ، والأمثلةُ في هذا الصددِ كثيرةٌ، وكلها بلا إجاباتٍ في سِجِلِّ حقوقِ الإنسانِ الأمريكيِّ:
- فمَن يكشف حقيقةَ زجِّ الولايات المتحدة الأمريكية للصحفيين في معسكري بوكا وجوانتانامو؟!
- ومَن يرصد انتهاكاتِ حقوقِ الحياةِ في جوانتانامو؟!
- ومن يحقِّق تحقيقًا عادلاً في أحداثِ "أبو غريب" التي يندَى لها جبينُ الإنسانية؟!
- ومن يُسائلُ الأمريكان عن أسبابِ اعتقالِ مصوِّرِ وكالةِ (رويترز) ثمانيةَ أشهرٍ لدى معسكراتِ الجيشِ الأمريكيةِ في العراقِ؟!
- ومَن يفتح ملفَّ مراكز الاعتقال الأمريكية السرية في أوروبا الشرقية المخالِفة للقانون الدولي، ومثلها "المواقع السوداء" للاعتقال السري الخاضعة لوكالة الاستخبارات المركزية، والتي باتت منتشرةً في العديدِ من دولِ العالمِ، ومنها بالطبعِ عالمُنا العربيُّ؟!
- ومَن يبرِّرُ تدابيرَ المملكةِ المتحدةِ لمكافحةِ الإرهابِ التي تقنِّن عملياتِ التعذيبِ للبشر؟!
بعد كل هذه الأسئلةِ الحائرةِ كيف لأمريكا أن تسألَ عن التعذيبِ، وهو الذي باتَ وسيلةً أمريكيةً من خلال إنابةِ الأنظمةِ العربيةِ والإسلاميةِ عنها في هذا الأمر؟! ومَن هو الإنسانُ الذي تدافعُ عنه الولاياتُ المتحدةُ، وهي التي تتخذه رهينةً للوصولِ إلى أهدافِها، وعلى ذات النهج تَسِيْر الأنظمةُ العربيةُ، فتقوم قواتُ الأمنِ باستخدامِ أُسَرِ النشطاءِ السياسيِّين كرهائنَ حتى يسلِّموا أنفسَهم!!
كما تبرِّرُ الولاياتُ المتحدةُ ومنظماتُها الدوليةُ مصادرةَ أموالِ الشركاتِ والأشخاصِ؛ بحجة دعمِ وتمويلِ الإرهابِ، وليس ببعيدٍ نماذجُ مثل رجل الأعمال يوسف ندا، ومطالبتُها الأخيرة الحكومةَ اليمنيةَ بالقبضِ على الداعيةِ اليمنيِّ عبد المجيد الزنداني ومصادرةِ أموالِهِ بحجةِ دعمِ حماس، بل وزاد الأمرُ بممارسةِ ضغوطٍ قاسيةٍ على المنظماتِ والدولِ المانحةِ للشعبِ الفلسطينيِّ لعدم تقديمِ المِنَحِ المقررة للفلسطينيين في أعقابِ فوز حماس، ثم تهديدُها لإيران بفرضِ عقوبات دولية إذا استمرت في مشروعِها النوويِّ!!
كل هذه التصرفاتِ المخالِفةِ لمبادئِ حقوقِ الإنسانِ والمواثيقِ الدوليةِ اتخذتْها الدولُ والأنظمةُ المستبدَّةُ قدوةً لتسيرَ على نفسِ النهجِ؛ لتعتقلَ وتغلقَ الشركاتِ والمؤسساتِ وتجمِّدَ الأقواتَ، وتشرِّدَ الأُسَر والعائلات، وهكذا يستمر مسلسلُ الانتهاكات في العالم الإسلامي.. من فلسطين إلى أفغانستان إلى الشيشان والعراق فالسودان فتونس فالفلبين فتركستان الشرقية والغربية و.. و.. و.. تتداعى الأكلةُ إلى البدنِ الإسلاميِّ وصوتُ الصحابةِ ينبعث من قِدَمِ التاريخِ "أوَمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟!" وتأتي إجابته- صلوات الله وسلامه عليه-: "لا.. إنكم كثيرٌ ولكنكم غثاءٌ كغثاءِ السيلِ"، وفي المقابل يبقَى الناموسُ الثابتُ يهتف في العالم ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ(11)﴾ (الرعد).
فيا أيها الساعون لحقوق الإنسان..
ميزانُكم مختلٌّ.. وقوانينُكم يحيكُها النخاسون.. ومبادئكم يكتبها المتاجرون بالقيم.. وتسقط منها الحقوقُ ما لم تكن لكم.. ويضيع بين محاكمِها العدلُ ما لم يُصدِرْ قاضيه الحكمَ لصالحِكم.. ﴿وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ(49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا(50)﴾ (النور).
ويا أمة الإنسانية..
تحملون بين ضلوعِكم منهاجَ الحياةِ للعالمِ ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا(122)﴾ (الأنعام) وتسيرون فوقَ الأرضِ بمنهاجِ السماءِ بأصلِ الوعد الثابت ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ(44)﴾ (الزخرف) وتدركون معنى التكريمِ الحقيقيِّ للإنسانيةِ ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً(70)﴾ (الإسراء) وأصلَ المرتبةِ الربانيةِ للإنسانِ بالاستخلافِ على الأرض ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30)﴾ (البقرة)، فاعلموا أنه:
- لا عزَّ إلا بالإسلامِ ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (8)﴾ (المنافقون).
- ولا حريةَ إلا في ظلِّ الإسلامِ ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256)﴾ (البقرة) و﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29)﴾ (الكهف).
- ولا حفظَ للأرواحِ إلا بالإسلامِ ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ(29)﴾ (النساء).
- ولا حفظ لمالٍ واقتصادٍ إلا بالعودةِ للحقلِ الربانيِّ ﴿لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ (29)﴾ (النساء).
وفي كلٍّ فالقاعدةُ المُرساةُ مِن لدن حجةِ الوداعِ ثابتةٌ: "يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا".
فأقيموا- أيها المسلمون- في قلوبكم للإنسانية دولةً تحميها قواعدُ دينكم تَقُم هذه الدولةُ بعد حينٍ على أرضكم، واعلموا أن إيمانكم بصدقِ رسالتِكم هو مفتاحُ الخلاص من أَسْرِ قواعدِ التبعيةِ وجَورِ قوانينِ العولمةِ.
ويا شطرَ الخلق والمجتمع..
في ذكرى يومِكنَّ الذي أعلنه العالم (يوم المرأة العالمي).. إلى كل سيدة وفتاة في بقاع الأرض..
أنت عندنا الأم والزوجة والأخت والابنة.. حياةٌ تسري في عروق الرجال، وركنٌ ركينٌ يأوي إليه كلُّ المجتمع، فلا تنخَدِعْنَ بأوهامِ التحريرِ المصنوعةِ من أوراقٍ تكشفُ ولا تسترُ، ولا تستسلِمْنَ لمَنْ يسعَى لطرْحِ أجسادِكُنَّ سلعةً في سوقِ إعلامِ النخاسةِ و"كليبات" التعرِّي، وقفْنَ دونَ محاولاتِ استثمارِ أنوثتِكنَّ في بورصات الأبدان، واعلمْنَ أن أياديَكنَّ في البناء أقدرُ مِن كل قدرةٍ لرجل؛ لأنكن تبنِيْنَ مجدَ ما تصنعْن وتغرِزْنَ في الرجالِ مجدَ ما يصنعون على كلِّ صعيدٍ.
وإلى الأخوات المسلمات..
الداعياتِ هنا وهناك.. الصامداتِ في أرضِ الإسراءِ والرافدين وأفغانستان والشيشان وكشمير، وفي كلِّ بقعةٍ ترفعُ علَمَ المقاومةِ ورايةَ الجهادِ.. يا راياتِ العزةِ التي تسعى عولمةُ الغربِ لتنكيسِها.. ويا شاماتِ العفةِ التي نفخرُ بالسيرِ إلى جوارِها.. يا أخواتنا في كل مجال (الشركة والمصنع والوزارة والبرلمان والجمعية والمستشفى و.. و.. و..) وقبل كل هذا وبعده في المنازل.. حملُكنَّ ثقيلٌ، وتبعاتكنَّ أثقل، وواجباتكن عظيمة، فكونوا على قدرِ المسئولية، عطاءً في كلِّ مجالٍ، وثباتًا على كل ثغرٍ وحائطَ صدٍّ دون معاولِ الهدمِ الاجتماعيِّ، ومتاريسَ قوةٍ بخُمُرِكُنَّ تُعيد صياغةَ معنى الحرية المستَمَدّ من جمالِ الارتباطِ بالربانية والتعففِ عن قبحِ الجاهليةِ، ولا تشغلْكنَّ دروبُ الحياة عن بيوتكنَّ وأزواجكنَّ وأبنائكنَّ، فمن تُحسن الزرعَ تهنأ بنعيمِ الحصادِ ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ(35)﴾ (محمد).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين
نقلها لكم
أبو عمار المصرى الكاتب: أبو عمار المصرى التاريخ: 01/01/2007 عدد القراء: 5081
أضف تعليقك على الموضوع
|