|
مميز: لقد قامت إدارة تويتر (X) بإيقاف حساب الشيخ في تويتر hamed_alali
وهذا عنوان حسابه الجديد
hamedalalinew |
|
عنصرية الرجل الأبيض
كتبه/ ياسر عبد التواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ما بعد الحدث:
دعونا نرصد شيئًا -مما يقوم به المسلمون وغيرهم هذه الأيام- من تداعيات الأحداث من بعد الرسوم المسيئة لرسولنا -صلى الله عليه وسلم- وما تبعه من أحداث عنصرية طالت كثيرًا من المسلمين، لعل آخرها مقتل الأخت مروة رحمها الله تعالى وأخلفها في ذويها وطفلها بكل الخير؛ فقد كشف الأمر على تنوع تلك الوقائع عن مدى عنصرية القوم في تعاملهم مع الإسلام وعدائيتهم له؛ فقاتل مروة كان يظن أنه يدافع عن البشرية -أو عن الغرب وفكره على الأقل- بتعصبه ضد تلك المرأة وإلحاقه الأذى بها وهي ضعيفة عزلاء، متجاوزًا كل حدود المعقول حتى في العداء والخصومة! وقـُل مثل ذلك على الاعتداءات العنصرية والغزو العسكري، وقله أيضًا على التعصب في قضية الرسوم المسيئة وتوابعها.
فهل لذلك من أسباب ودوافع؟
نعم بلا شك... أسباب منا وأسباب منهم.. لكن دعونا ننظر إلى الأمر من جهة مسؤوليتنا عنه قبل أن نلقي باللوم على الآخرين، ونظل نستغرب عداوتهم لنا، بينما لم نقم نحن بالدفاع عن الإسلام ببيان صورته الحقيقية، مكتفين بالكلام لأنفسنا والبكاء على عداوتهم لنا ونيلهم منا.
ثم نستغرب بعد ذلك أن تختزل ثورة النفوس ضد الرسوم المسيئة والأفلام التي ظهر أحدها قريبًا في عبارات استنكار ولوم لهم، وكلمات حب نرددها لأنفسنا مفادها أننا نُجل رسولنا -صلى الله عليه وسلم- ونحبه، ونلتزم بسنته، أو أن نبكي بحرقة ونتألم على مقتل مروة، وقد قتل -بالمناسبة ولنفس الأسباب- غيرها كثير في جمهوريات منفصلة عن الاتحاد السوفيتي ولم يشعر بهن أحد!!
أقول نحن نبكي ونتألم -وحُق لنا هذا- لكن من غير أن تكون لنا أفعال مؤثرة على كافة الأصعدة تكون كفيلة: إما بالبيان الواضح لمن هو يجهل الإسلام أو صفات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومهمته العظيمة، ورحمته ورفقه الواسعين بلغات القوم، وفي أماكن التأثير فيهم، أو بالسعي السياسي والاقتصادي، وربما العسكري إن استطعنا؛ لضمان عدم تكرار هذا مرة ثانية.
تخيل معي أن المسلمين إلى الآن لم يحصلوا على اعتراف كثير من تلك الدول بالإسلام كدين، وإنما يعامل في كثير منها كثقافة أو كجماعة عرقية وهو ما يحرم المسلمين -سواءً عند الإقامة بتلك البلاد أو عند الاختصام معها- من اعتبار الإسلام دينـًا يجب احترامه، بينما تجد أقلية منظمة كاليهود مثلاً سعت لهذا من قديم وحصلت عليه، ولعل إدانة "البروفيسور جارودي" على مجرد نص تاريخي خاص بالمحرقة يصلح دليلاً على هذا.
هذا التجاهل للإسلام كدين تراه واضحًا حتى في "مؤتمرات حوار الأديان"، وحدثت مهازل دار حولها نزاع في تلك المؤتمرات؛ فقط لإلزام المؤتمرين -الذين جاءوا إلينا في بلادنا- بأننا أصحاب ديانة سماوية! حتى هذه لا يرضونها لنا وفي مؤتمر للتفاهم بين الأديان!!
وأقول: إن مسؤولية نصرة هذا الدين تقع علينا جميعًا؛ حكامًا ومحكومين؛ لأن ما يحدث في الغرب ينعكس علينا بشكل أو بآخر، انعكاسات أغلبها سياسية وفكرية وثقافية عميقة، فبسبب خوفهم من الإسلام يدعمون كل ما من شأنه إلهاء المسلمين سياسيًا: بدعم أنظمة فاسدة؛ وثقافيًا: بتشويه صورته، ودعم كل من يسيء إليه: من كُتـَّاب، ومتسلقين ومشوهي الفكر؛ وكل هذا يعمق الهوة بيننا وبينهم، وهو -بالمناسبة- المناخ الذي يولِّد الإرهاب الذي يدعون محاربتهم له؛ لأنه يشعر من يتبنى ذلك الفكر أنه صاحب قضية عادلة بدليل ما سقناه من ذلك الدعم، بينما يدرك العقلاء أن بالإمكان أن ننفي هذا الجهل فقط بأن يصل للقوم صورة صحيحة واضحة كافية، غير مبتورة، ولا مزيفة، ولا مداهنة عن الإسلام.
بإمكاننا أن نفعل هذا إن قمنا بأمرين:
الأمر الأول: أن ندعم وننشئ مراكز إعلامية وبحثية "على اتساع واختلاف مجالات تلك المراكز" تخاطب القوم بلغاتهم، وترد على شبهاتهم، وتتبع الافتراءات في أماكنها، وتتخذ كافة السبل الإعلامية -كالفضائيات والبرامج والكتابة للمجلات- والفكرية، بل والقضائية -إن احتاج الأمر-؛ للدفاع عن المسلمين.
إن منظمة واحدة هي "كير" في أمريكا تقوم بدور مشابه لبعض ما ذكرت، أضحت قوة لا بأس بها هناك، لكننا نحتاج بإلحاح للمزيد وللتنوع، وفي كافة التجمعات المؤثرة واللغات المختلفة.
الأمر الثاني: أن نهتم بالمسلمين داخل تلك البلاد وندعم جهدهم، ونحل مشكلاتهم؛ فمنهم غالبًا يُستقى جانب كبير من فكرة القوم عن الإسلام، وعما يمثله من قيم؛ فكل منهم هو نموذج يرونه، فلو رأوه مفتونـًا، أو مفسدًا، أو دونيًا؛ لانعكس ذلك على صورة الإسلام لديهم، ولأشعرهم بأنهم لم يطلبوا شططـًا بتنحية الإسلام عن حياتهم وحياة غيرهم ما دام هؤلاء هم أفراخ الإسلام!
ولأضرب مثالاً على ذلك -ثم أعود لأكمل حديثي-: فقد رأيت شبابًا في الغرب من المسلمين لا يجدون عملاً، فيمتهنون أعمالاً حقيرة، ويتجه كثير منهم للسرقة أو الدعارة وغيرها فتتشوه سمعتهم أكثر، ويحجم الناس عن تشغيلهم أكثر، وكنت كتبت قبل ذلك في "الشرق" مقالة أسميتها: "وسرق العربي محفظتي"؛ حيث بالفعل نشلها بحيلة في أحد ميادين أوروبا، ثم لما تكلمت -بسليقتي مع مرافقي بالعربية- أعادها لي معتذرًا، ولكنه قال لي: إنهم لا يريدون تشغيلنا لأننا مسلمين!
ووضعني مباشرة أمام المشكلة: هم لا يجدون عملاً؛ فيسرق بعضهم، أو ينحرف فتجد الجهات المسئولة أمنيًا وفكريًا وسياسيًا نماذجهم مرتعًا لسوء الظن بهم، ومن ثم بعقيدتهم ومجتمعاتهم.
أيها المسلمون:
صورتنا مشوهة حقيرة في الأذهان... فهلا أزلتم ذلك اللبس؟!
هلا قمتم بدعم قضايانا، وهلا فكرنا ولو لمرة في استباق الأحداث بدل البكاء من أفعالهم ضدنا التي ساهمنا بنصيب لا بأس به في صنعها؟!
فالحرب على الإسلام من قبل مؤسسات غربية مستمرة، وإن اتخذت مظهرًا مختلفـًا وأشكالاً متعددة؛ ومن ذلك ما نشرته أسبوعية "شارلي ابدو" الفرنسية الساخرة، فقد نشرت الصحيفة بيانـًا يحمل توقيع 12 كاتبًا -"انظر المفارقة"- بعنوان: "معًا ضد التوتاليتارية -الشمولية- الجديدة" -ويقصدون النزعة الإسلامية-، وهذا بعد عدة أسابيع من نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، والتي نشرتها صحيفة: "يلاندس بوستن الدنمركية".
ومن بين الموقعين على البيان: "ايان هرسي علي" النائبة الهولندية الصومالية الأصل، وكاتبة سيناريو فيلم: "خضوع" للمخرج المقتول "جوخ"، والفيلسوف الفرنسي "برتران هنري ليفي"، و"تسليمة نسرين" الطبيبة والروائية البنغالية، و"سلمان رشدي" صاحب كتاب "الآيات الشيطانية".
والموقعون على البيان، قاسمهم المشترك: أنهم نشروا دراسات وأبحاثـًا تهدف إلى نقد الإسلام والاستهزاء بقيمه، فلا نستغرب مواقفهم العدائية الواضحة، وحقدهم الموتور ضد الإسلام إلى درجة الزعم بأن المعركة مع الإسلام تعتبر امتدادًا لمعركة العالم المتحضر ضد الفاشية والنازية، والستالينية، موضحين أن الصراع الذي يشهده عالم اليوم ليس "صراع حضارات ولا عداء بين الشرق والغرب، ولكنه صراع عالمي بين الديمقراطيين والدينيين"!!
سبحان الله.. ! يقال هذا عن الإسلام الذي حارب كل ظلم وسعى لكل عدل! لكن مع من نتحدث؟!
وكنتيجة منطقية للرؤية العدائية التي يحملها أصحاب البيان ضد الإسلام والمسلمين، تم التأكيد على أنه "مثل جميع الأنظمة الشمولية، يتغذى الإسلام بالخوف والغضب"! ويراهن دعاة الكراهية على العواطف من أجل إنشاء كتائب بغرض خلق عالم قائم على خنق الحريات وعدم المساواة، ولكننا نعلن صراحة وحزمًا: ما من شيء، وحتى اليأس، يُبرر اختيار الظلامية والشمولية والحقد، والإسلام يعتبر أيديولوجية رجعية أينما حلت تقتل المساواة والحرية، ونجاحها لا يمكن إلا أن يقود إلى عالم مبني على القهر: قهر الرجل للمرأة! وقهر الإسلاميين لغيرهم! ومن أجل منع هذا، علينا أن نؤمّن الحقوق الكونية لكل المقهورين والمضطهدين"!!
يقال هذا الكلام ولا يتتبعه أحد بالنقد والرد، والمتابعة القانونية!
ألا ترى معي أنه سيترك أثرًا ما في أذهان من لا يسمعون إلا تلك النوعية من الكلمات والأفكار؟! ثم بعد ذلك نشتكي من تشوه صورة الإسلام، ومن العداء غير المبرر من قبل ساسة الغرب ومنظروه، لا أبرؤهم تمامًا فهناك لذلك العداء خلفيات أخرى.
والعقود القليلة الماضية كانت مرتعًا لممارسات عنصرية، منها عنصرية الرجل الأبيض، ومنها أكذوبة شعب الله المختار، ولا ننسَ الطبقية الهندية، والنازية، والفاشية، والأرستقراطية وهلم جرا...
أمراض خطيرة ومنتشرة لم يسلم منها إلا مجتمعات المسلمين الذين علَّمهم دينهم بألا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، ومما تجلى بعد حدث نشر الصور المسيئة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما جاء بعده من تداعيات سافرة ربما كان محطة فيها جرأة ذلك العنصري على قتل أختنا مروة -رحمها الله تعالى-، فإنه لا يزال بعض المذكورين يعاني من تلك العنصرية، ومن استكبار الغطرسة التي تنميها مشاعر القوة والتسلط، واستصغار الآخر! بالرغم من قشرة الحضارة التي تصارعها في فكرهم.
وتتجلى تلك العنصرية بصورة واضحة في التعامل مع المسلمين من قبل ساسة الغرب ومثقفيه في تلك المواقف، أي تكبر واستصغار للآخر ذلك الذي تجلى في رفض مجرد الاعتذار أو مقابلة مجموعة من السفراء الرسميين، وما تبع ذلك من استمرار في التعنت؟!
عقدة استعلاء واضحة لم تفلح دعاوى التحضر في إخفائها فأخذت شكلاً يرضيهم حضاريًا، ويبرر الثبات على الإساءة، والاستعلاء العنصري في تعاملهم مع الحدث.
لقد أراحوا أنفسهم بادعاء أن هذا الثبات هو ثبات على المبادئ، بل ودغدغوا عواطفهم بالزعم بأن هذا هو مبدأ احترام حرية التعبير، وصدَّقوا هذا الوهم إلى درجة استقالة الوزيرة السويدية حياءً من تدخلها؛ لحجب موقع إنترنت أعاد نشر تلك الرسوم المسيئة بطريقة تنم عن التشفي الذي كان أولى بالجميع أن ينتهي عنه -ولو احترامًا لمشاعر الآخرين-، وحتى ولو لم يدفعهم إلى ذلك الاقتناع بترك العمل فأين مراعاة الآخرين واحترام مشاعرهم، وتقدير المصالح من المفاسد في هذه المسألة؟!
وأين التحلي بضبط النفس وعدم التهور الذي ما فتئوا يرددونه كلما تبدت عورات تجسس بينهم وبين بعضهم... أم تراهم لا يفعلون هذا إلا مع من يهابونه كاليهود؟!
وذكرني هذا التدافع بين الحضارة والعنصرية في الفكر الغربي بما سبق وأعلنته الدول الغربية في ميثاق تأسيس الأمم المتحدة حيث بعد ما ذكروا غاياتهم صاغوا مبادئ التأسيس فقالوا:
"وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا: أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معًا في سلام وحسن جوار"!
ومما قالوه في الميثاق: وجوب "الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وكرامته، والفرد وقدره".
ولا نستطيع ابتداءً أن نـُفصِل الكلام النظري عن الواقع العملي، فأي تحول ذاك الذي جعل تلك الشعوب الأوروبية تتحدث عن السلام، وتجنب ويلات الحرب والتسامح وحسن الجوار؛ وهم لتوهم ما نفضوا عن كواهلهم غبار حرب خاضوها؛ سالت فيها الدماء أنهارًا "الحرب العالمية الثانية"، والتي توجوها بأجرم حدث بشرى على الإطلاق؛ وهو إبادة مدنيتين من الوجود بالقنابل الذرية؟! اللهم إلا الكلام وهم يحسنونه!!
وأين الحديث عن حسن الجوار؛ بينما الحروب، واستعمار الشعوب، والتحكم في شؤون الدول، وامتصاص خيراتها، والتنافس مع الصين كان ولا يزال قائمًا؟!
وأي حديث عن "الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وكرامته والفرد وقدره"، وهم لا يعبئون كثيرًا بما يحدث للبشر في غير دولهم "وانظر مثلاً التجارب الدوائية التي يجرونها على سكان العالم الثالث ودفن النفايات النووية في بلادهم"؛ وحتى في دول الغرب نفسها لا قيمة للفرد المهمش المطحون حين تتعارض مصالحه مع علية القوم؟!
فالعنصرية مرض مستشر في الفكر الغربي، تحاول المبادئ أن تهذبه، لكن بسبب العلمانية وإعلاء قيمة المصلحة الذاتية في الفكر الغربي فإن كل تلك القشور المتحضرة لا تثبت عند الاختبار، وهذه من ويلات العلمانية التي جرهم إليها تنحية الدين؛ بينما في مجتمعاتنا سلمنا الله -تعالى-؛ بسبب التزامنا بتوجيهات الشريعة الغراء.
وبعيدًا عن السياسة تتبدى العنصرية أيضًا في مجالات أخرى حتى داخل أروقة الجامعات، والمراكز البحثية التي يفترض فيها الحياد والموضوعية؛ فمثلاً: يعتمد كِتاب شخص يسمى "ابن الوراق" واسمه: "لماذا لستُ مسلمًا" ضمن المراجع الضرورية في إحدى مواد الدراسات الإسلامية في جامعة "أوسلو", التي تقتصر فيها المراجع على غير المسلمين أو المنتمين إليه بالهوية, و يرفضون اعتبار الكتب التي يكتبها مسلمون أو علماء الإسلام باعتبارها -حسب زعمهم- كتبًا غير موضوعية, حتى لو كان الموضوع هو العقيدة الإسلامية، أو الفقه وأصوله، أو مدارس التفسير, إذ يعتمد في ذلك على كتابات أمثال المستشرق الألماني "شاخت" الممتلئة بالمغالطات والجهالات, بينما في مواد الدراسات اليهودية والنصرانية فتعتمد كتب رجال دينهم مراجعًا دون حرج باعتبارهم المتخصصين في لاهوتهم!!
والمؤسف أن الكثير من أبناء المسلمين في النرويج مثلاً ممن يريدون دراسة شيء عن الإسلام يعتمدون المراجع التي تفرضها الجامعة للتعرف على دينهم!
إن المطلوب منا في بلاد الغرب -كما في بلاد الإسلام-: تحصين الناشئة بالتركيز على العقيدة التي يراد مسخها اليوم تحت دعاوى التجديد, لأننا بإزاء حرب عالمية ممنهجة، ومخططة ضد الإسلام؛ فينبغي الحذر من محاولات تمييع عقيدة الولاء والبراء، أو التهاون في تتبع الشبهات وأهلها.
الكاتب: أبوعائشة التاريخ: 06/10/2009 عدد القراء: 3582
أضف تعليقك على الموضوع
|
تعليقات القراء الكرام
|
|