بسم الله الرحمن الرحيم
" حكم الاحتفال باليوم الوطني "
لا يشك عاقل في أن أشد ما ينخر في الإسلام ويهلك جسد الأمة الابتداع في الدين وأن أعظم منه تقليد الكفرة الفجرة , والمخالفة الصريحة لنصوص الوحيين .
ولقد كتب من كتب من العلماء والأئمة في التحذير من الابتداع في الدين ومشابهة الكافرين الملحدين وأثروا الموضوع بما لا يدع لأدنى عاقل أن يعرف ويفقه خطورة الانسياق وراء الناعقين والداعين لحذو المحادين لله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – وتقليدهم .
ومن أجمع من كتب في موضوع التحذير من مشابهة الكفار هو شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في كتابه العظيم ( اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ) وذكر فيه تحريم مشابهة الكفار بالأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والآثار والاعتبار , ولست هنا بصدد ذكر تفاصيل مسألة التشبه وسرد الأدلة والأحاديث والآثار وكلام الأئمة في المنع من ذلك فإن لهذا مقام آخر .
ولكن مجاراة للزمان ولتقاصر الهمم وضيق الوقت فإني سأورد بعض فتاوى أئمة هذا العصر في حرمة الاحتفال بهذا اليوم – اليوم الوطني – الذي أياً كان اسمه ومهما كانت آليته فإن مضمونه واحد .
وبادئ ذي بدء ينبغي التنبيه على أن هذا اليوم – المسمى باليوم الوطني – هو نفسه عيد المهرجان الذي يحتفل به الفرس المجوس كما سيأتي في ثنايا الفتاوى , وفي هذا زيادة في التحريم وتشباً خاصاً بهم .
وفي حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما , فقال : " ما هذان اليومان ؟ " قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية , فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما : يوم الأضحى ويوم الفطر " رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة .
قال شراح الحديث : هما يوم النيروز ويوم المهرجان . انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود تحت حديث ( 1134 )
وفي هذا دليل على أن جميع الأعياد السابقة قد حرمها الإسلام وشرع لنا بدلها عيدين فقط , ومن أحدث عيداً بعد ذلك فإنه داخل في الحديث المتفق على صحته عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " .
وقد يلبس الشيطان على ضعاف النفوس بأن هذا اليوم لا يتخذ عيداً بل لإظهار انجازات الدولة وتخليداً وذكرى لتأسيسها ... إلخ
فالجواب من عدة وجوه :
أولاً : أن مسمى العيد هو : اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد , عائد : إما بعود السنة أو أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك . ( الاقتضاء ص 297 , ت : أ.د.ناصر العقل , الطبعة الأولى , 1424هـ , دار الفضيلة )
وهو ينطبق تماماً على هذا اليوم وسيأتي ذكره ضمن الفتاوى .
ثانياً : أنه لو كان التخليد والذكرى كما يفعله المجوس في عيدهم جائزاً لكانت مواقف الرسول – صلى الله عليه وسلم – وغزواته وتعاملاته ونحو ذلك أولى .
ثالثاً : من الشبهات حول هذا اليوم ما يطلقه البعض من أنه لا يحدد له وقت معين في السنة , والحقيقة أنهم غفلوا أو تغافلوا من أنه يعود بعود السنة الميلادية بتاريخ ( 23 سبتمبر / أيلول ) , وسيأتي بنحوه في الفتاوى .
رابعاً : أن العبرة بالحقائق لا بالظواهر , فعن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال " يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها " رواه النسائي وغيره وصححه الألباني .
خامساً : أن معالم هذا اليوم تشبه الأعياد الشرعية ( الفطر والأضحى ) مثل : الاجتماع فيه , والأعمال القائمة , وتشوف النفوس له , ويكون إجازة رسمية , عوده كل سنة ( بالسنة الميلادية ) ... إلخ وسيأتي شبهه في الفتاوى .
سادساً : أن جنس مخالفة الكفار هو مقصود الشارع , والأدلة في ذلك أكثر من أن تحصر , ولمن أراد الاستزادة في هذا المعنى فليراجع كتاب ( حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة لمحدث العصر محمد ناصر الدين الألباني ) في حديثه عن الشرط السابع , فقد أورد أدلة من الكتاب والسنة وذكر الشواهد منها , فهو بحث جيد مهم قيم في بابه .
أضف إلى ذلك ما يحصل في ذلك اليوم من أمور عظام فيه من إتلاف الأموال ( وربما والأرواح أيضاً ) وضياع للأوقات وهدر للطاقات والجهود وغيرها مما يجعل سلبيات اليوم تطغى على إيجابياته ( على فرض أن هناك إيجابيات ) .
وأترك القارئ الكريم ليطلع على كلام الأئمة في ذلك :
أولاً : سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – ( ت : 1389 هـ )
قال في فتاويه : فإن تخصيص يوم من أيام السنة بخصيصة دون غيره من الأيام يكون به ذلك اليوم عيداً علاوة أنه بدعة في نفسه ومحرم وشرع دين لم يأذن به الله , والواقع أصدق شاهد , وشهادة الشرع المطهر فوق ذلك وأصدق ... إلى أن قال : وتعيين يوم ثالث من السنة للمسلمين فيه عدة محاذير شرعية . أحدها : المضاهاة بذلك للأعياد الشرعية . المحذور الثاني : أنه مشابهة للكفار من أهل الكتاب وغيرهم في إحداث أعياد لم تكن مشروعة أصلاً .... المحذور الثالث : أن ذلك اليوم الذي عين للوطن الذي هو أول يوم من الميزان هو يوم المهرجان الذي هو عيد الفرس المجوس , فيكون تعيين هذا اليوم وتعظيمه تشبهاً خاصاً , وهو أبلغ في التحريم من التشبه العام . المحذور الرابع : أن في ذلك اليوم التعريج على السنة الشمسية وإيثارها على السنة القمرية التي أولها المحرم ما لا يخفى , ولو ساغ ذلك – وليس بسائغ البتة – لكان أول يوم من السنة القمرية أولى بذلك ... المحذور الخامس : أن ذلك شرع دين لم يأذن به الله ... إلى أن قال في الخاتمة : فقد جاء الكتاب والسنة والإجماع بوجوب طاعة الله ورسوله , والرد عند التنازع إلى الله والرسول , وتحريم الخروج عن سبيل المؤمنين , وتحريم طاعة العلماء والعباد والأمراء في معصية الله .. ثم سرد بعض الأدلة على ذلك . انظر فتاوى الشيخ ( 3 / 107 – 121 )
ثانياً : فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ( 3 / 86 - 89 ) :
فتوى رقم ( 9403 ) بعد ورود السؤال عن حكم الاحتفال باليوم الوطني كان ضمن الجواب : ما كان من ذلك مقصوداً به التنسك والتقرب أو التعظيم كسباً للأجر , أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار فهو بدعة محدثة ممنوعة داخلة في عموم قول النبي – صلى الله عليه وسلم – " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ومسلم . مثال ذلك : الاحتفال بعيد المولد وعيد الأم والعيد الوطني , لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله , ولما في ذلك من التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة , ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار ... إلخ .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس : عبد العزيز بن عبد الله بن باز . نائب الرئيس : عبد الرزاق عفيفي .
ثالثاً : سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – ( ت : 1420 هـ )
قال في فتاويه عند حديثه عن عيد الأم والأسرة وتخصيصهما : ويلتحق بهذا التخصيص والابتداع ما يفعله كثير من الناس من الاحتفال بالمولد وذكرى استقلال البلاد أو الاعتلاء على عرش الملك وأشباه ذلك , فإن هذه كلها من المحدثات التي قلد فيها كثير من المسلمين غيرهم من أعداء الله وغفلوا عما جاء به الشرع المطهر من التحذير من ذلك والنهي عنه ... إلخ . انظر فتاوى الشيخ ( 5 / 189 – 192 )
رابعاً : سماحة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – ( ت : 1421 هـ )
جاء في الفتوى ( 1310 ) من مجموع فتاويه عند سؤاله عن عيد الميلاد والعيد الوطني وبعدما ذكر تحريم عيد الميلاد قال : وكذلك إقامة أعياد المناسبات غير المناسبات الشرعية , والمناسبات الشرعية للأعياد هي : فطر رمضان ,وعيد الأضحى , وعيد الأسبوع وهو يوم الجمعة . انظر فتاوى الشيخ ( 16 / 191 )
خامساً : فضيلة الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله – ( ت : 1429 هـ )
قال في كتابه ( عيد اليوبيل بدعة في الإسلام ) في ثنايا تحذيره من الابتداع في الدين وحرمة التشبه : هذه الأعياد التي أبطلها الإسلام سواء كانت سابقة أم لاحقة , وسواء كان لها أصل في دين أهل الكتاب أم كانت مما انحرفوا في ابتداعه واختلاقه فتكاثرت أعيادهم لمناسبات ابتدعتها أهواؤهم هي حسب التتبع والاستقراء تنحصر في خمسة أقسام ... إلى أن قال : خامساً : أعياد مدنية : ويقال وطنية وأعياد قومية وحضارية وسياسية ابتدعت في بلاد الكفر في ظل الحضارة الغربية المعاصرة , منها : العيد الوطني ... إلخ . انظر كتابه (عيد اليوبيل ص 9 و ص 18 )
سادساً : فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله –
جاء في خطبته المعنونة بـ( الحث على مخالفة الكفار ) عند حديثه على صور تقليد الكفار : ومن ذلك تقليدهم في الأعياد الشركية والبدعية كأعياد الموالد- عند مولد الرسول – صلى الله عليه وسلم - وأعياد موالد الرؤساء والملوك . وقد تسمى هذه الأعياد البدعية أو الشركية بالأيام أو الأسابيع – كاليوم الوطني للبلاد .
سابعاً : فتوى في تحريم اليوم الوطني لثلة من العلماء صدرت بتاريخ ( 25 شوال 1429 هـ )
ومما جاء فيها : وقد حدث في العصور المتأخرة بعد القرون المفضلة أن تشبه بعض المسلمين بالكفار في أعيادهم ، إما بتعظيم أعياد الكفار ومشاركتهم فيها أو بإحداث أعياد على نحو أعياد الكفار من النصارى وغيرهم ... إلى أن قالوا : ومن عوائد الكفار في هذه الأعصار وما قبلها أن يجعلوا لكل حدث يتعلق بالأمة مناسبة فيجعلون له يوما يتذكرون فيه هذا الحدث سواء أكان فرحا أم ترحا ... إلى أن قالوا : ومن هذه الأعياد التي فيها مضاهاة للكفار والمتشبهين بهم ما يسمى باليوم الوطني أو العيد الوطني . فالاحتفاء بهذا اليوم وتعظيمه وإظهار الفرح به وفيه ، وتخصيصه بأعمال ولباس وتفريغ للناس من أعمالهم كذلك بجعله إجازة وفرض ذلك على الناس بما في ذلك المؤسسات والشركات الخاصة ، ومعاقبة من لم يلتزم به , كل ذلك من التشبه الظاهر بالكفار ، الذي دلت نصوص الشرع وأصوله ومقاصده على تحريمه ... إلى أن قالوا : وهو مع ذلك يتضمن المفاسد التي يرتكبها الناس في أيام فرحهم ، ويتضمن تعطيل مصالح المسلمين وظلم الشركات والمؤسسات الخاصة بفرض ذلك عليهم ... إلى أن قالوا : ولما تغيّرت الأحوال نشأ في الأمة مُفتون يُعرفون بالتساهل وتسويغ ما لم يرد نص بتحريمه ، ولا يرعون الأصول والمقاصد الشرعية ، وقد تغيب عنهم ، ويغفلون عن منهج السلف الصالح من هذه الأمة في قرونها المفضلة ، ومن ذلك الفتوى بجواز اليوم الوطني بناء على مصالح فيه ـ زعموا ـ مع الإعراض عن وجوه تحريمه عند من حرمه ، وعن المفاسد المترتبة على إقامته ، ومع ذلك قد يعيب بعضهم على من خالفه من أكابر العلماء ممن سبقه .
ومنهم من يفتي بجواز اليوم الوطني بحسن نية واجتهاد ، وهو مخطئ قطعا ، فغفر الله له وأثابه وألهمه الصواب ، ومنهم من يفتي بهوى طلبا لرضى الناس ، ألهمه الله رشده وهداه ، والله أعلم بالسرائر والظواهر ، قال الله تعالى: " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون "
الموقعون
الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك (الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا)
الشيخ عبدالله بن محمد الغنيمان (الأستاذ بالجامعة الإسلامية سابقا والمدرس بالمسجد النبوي)
الشيخ محمد بن ناصر السحيباني (الأستاذ بالجامعة الإسلامية سابقا)
الشيخ علي بن سعيد الغامدي (الأستاذ بجامعة الإمام سابقا)
الشيخ عبدالله بن حمود التويجري (رئيس قسم السنة بجامعة الإمام سابقا)
الشيخ ناصر بن سليمان العمر (الأستاذ بجامعة الإمام سابقا)
الشيخ عبدالرحمن بن صالح المحمود (الأستاذ بجامعة الإمام)
الشيخ سعد بن عبدالله الحميّد (الأستاذ بجامعة الملك سعود)
الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن السعد (المدرس بوزارة التربية والتعليم سابقا)
الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل عبد اللطيف (الأستاذ بجامعة الإمام)
ولعلي أكتفي بهذه النقول والفتاوى ففيها الكفاية ولله الحمد لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
ولكن على الرغم من هذا النقل وتضافر النصوص وهذه الأدلة فإنه ما زالت هناك بقية ممن تسربت شبهات وشهوات الشيطان إلى قلوبهم فأضحوا يناقشون في ثوابت الدين ومسلمات الشريعة وعرضها لأصحاب الأهواء ومن في قلوبهم مرض ليسوغوا لهم أخطاءهم وليبرروا أفعالهم تحت غطاء المصلحة ووحدة الصف , ونسوا أو تناسوا قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) البقرة174 , وقوله ( فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً ) المائدة44 , وقوله ( اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) التوبة9 , والآيات في هذا كثيرة ..
وأنقل هنا كلاماً قيماً لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - يقول فيه : وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام – الذي هو الإسلام , لست أعني مجرد التوسم به ظاهراً أو باطناً بمجرد الاعتقادات من حيث الجملة – كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً وظاهراً أتم , وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد . ( الاقتضاء ص 65 , ت : أ.د.ناصر العقل , الطبعة الأولى , 1424هـ , دار الفضيلة )
أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يحفظ علينا ديننا ويعصمنا من مضلات الفتن ويقينا تتبع المهالك .
والله تعالى أجل وأعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أحمد بن عبد الله الأحيدب .
الخبر – الشرقية
شوال 1433هـ الكاتب: أحمد بن عبدالله بن أحمد الأحيدب التاريخ: 15/09/2012 عدد القراء: 4561
أضف تعليقك على الموضوع
|