لكم ثار قديم عندي يا آل الاسد
توقفت طويلا قبل أن أكتب هذا المقال , ولكني قررت أخيرا أن أكتب بعد توقيف خطباء المساجد الذين دعوا بالاسم على رئيس سوريا بشار الأسد لأطمئن الجميع بما اطمأنت به نفسي منذ 17 عاما , وتحديدا في ليلة الخميس السابقة لحدث هام حدث في سوريا وغيّر كثيرا من معالم السياسة في ذلك البلد.
وما حدث قد يعد ضربا من الخيال لدي البعض , ولا أقول ما سأقول تزكية لنفسي , ولكني أحببت ذكره لكي لا ييأس الناس.
وقصتي بدأت عندما كنت في سوريا للدراسة سنة 1992, حيث رأيت هناك لافتات الشتائم للإخوان المسلمين في الحرم الجامعي وفي الشوارع, وبصراحة شديدة لم أكن أعلم شيئا عن الإخوان المسلمين كحزب, وإنما ظننت الأمر إهانة لكل أخ مسلم... لم أكن أعرف وقتها سوى أن هناك حربا دارت في الثمانينات بين الأسد الكبير حافظ وبين ناس كل مشكلته معهم أنهم كانوا يصلون علنا ( هكذا سمعت وهكذا كان الناس يخوفونني من الصلاة في المسجد أو من الحديث بشكل ديني في أروقة الحرم الجامعي .
فكنت أكنّ نفوراً من رئيس سوريا حافظ الأسد الذي يفتخر بنصره على الإخوان المسلمين , وكانت تلك الكراهية تزداد يوما بعد يوم لشعوري بخذلان الناس هناك من ناحية الدين وخوفهم الشديد من كل ما يتعلق به حتى جاء يوم الخميس الذي أشرت إليه في بداية حديثي , وكان ذلك سنة 1994 , ولم يعلم أحد من الناس يومها بما جرى في نفسي , إلا أنني قررت أخيرا أن أخبر الناس بما جرى لكي يتعظ من أراد الذكرى.
كان ذلك الخميس يوماً عادياً عدت فيه من الجامعة , وفي المساء جاء زوج صديقتي لزيارتها , وصديقتي مثلي مغتربة عن أهلها في الكويت , فلم تشأ صديقتي بناءا على رغبة زوجها بالخروج لوحدهما للسوق وتركي في البيت لوحدي , فخرجت معهما , وعندما انتهيا من التسوق وكان ذلك في وقت متأخر , ربما كانت الساعة تقترب من 11 ليلاً , ركبنا جميعا سيارة تاكسي , فركب زوج صديقتي إلى جانب صاحب التاكسي وأنا وصديقتي خلفهما , ولم أكد أدخل إلى السيارة حتى بادر زوج صديقتي بالحديث متوجها لصاحب التاكسي : هل هذه صورة باسل الأسد , فرفعت رأسي وأنا من الداخل أغلي وأكاد أنفجر لأن صورة ابن الأسد معنا في السيارة , وكان حديثهما يدور حول مكانة باسل بين الشباب , وحب الجميع له , أما أنا فكان حديثي مختلفا في داخلي فقد كنت أقول لعنة الله عليك وعلى والدك لما فعلتموه بالمسلمين, الله يأخذك وينتقم منكم أنت ووالدك حافظ على ما فعلتموه بالمسلمين , حسبي الله ونعم الوكيل , إن شاء الله ربنا ينتقم من أبوك فيك , ويتحسر عليك كما تحسر أهل حمص وحماة على رجالهم وبيوتهم , لا أذكر كثيرا مما دعوت به على باسل الأسد يومها ( خاصة وأني كنت أسمع من الرجلين وهما يتحدثان أمامي بأنه مؤهل لاستلام السلطة وأنه شخصية قوية وأنه يربي لحيته لإظهار قوة الشخصية كما يفعل رجال أمن الدولة هناك مثله , كان كلامهما يؤثر بي أكثر فأدعو عليه أكثر.
لن أطيل عليكم, أصبحنا يوم الجمعة التّالي وأصبح الملك لله, ويصبح الملك لله في كل يوم ولو كره الناس أن يشهدوا بذلك, فسبحان الله الذيأمد عمري لأرى ذلك اليوم ولأكتب هذا اليوم عما جرى يومها
طبعا لم تكن هناك قنوات سوى القناة الأولى السورية والقناة الثانية السورية ( لم يكن هناك ستالايت ولا انترنت ولا موبايلات ولا حتى هواتف في البيوت إلا ما ندر ) وبطبيعة الحال لم يكن التلفزيون جاذباً لنا لنفتحه , وحتى لو فتحناه فلم نكن لنجد الأخبار مباشرة , فعادة مثل تلك الأخبار يتأنّى الناس في نشرها , خاصة في البلاد العربية ... ما حدث أن الناس صلوا صلاة الجمعة وعادوا , وبقى صوت القرآن في الهواء , فظننت أن أحدا من الجيران وضع شريط كاسيت في المسجل ويستمع له , ولكن بعد العصر بدأت المساجد المجاورة كلها تضع القرآن فأصبح الصوت قويا جدا , فاسترعاني الأمر أنا وصديقتي ولم نكن نعلم بما حدث , وظنّت صديقتي أن حافظ الأسد مات لأنه كما أخبرتني مصاب بالسرطان ( وهي تخشى عليه لأنه رئيس دولتها ) , فصمتت ولم أتكلم وهي تعرف أني لا أحب الرجل , ولا أحب النفاق في ذات الوقت
مرّ الوقت ولم نجد أي خبر من أي كان إلى أن نزلنا للشارع لنشتري شيئا من البقال ولنستطلع الخبر وهذا هو الأهم , فكانت المفاجأة التي ألجمتني , لقد توفى باسل الأسد الابن الأكبر لحافظ الأسد صباح الجمعة أي بعد ساعات قليلة من دعوتي تلك في التاكسي وفي داخل نفسي ... لم أجهر بدعوتي على الرجل في الكعبة أو في بيت من بيوت الله , وإنما كانت دعوة دعوتها في نفسي في داخل سيارة , فسبحان الله المطلع على الأنفس .. لم تكن دعوتي مردها ثأر شخصي بيني وبين عائلة الأسد , لم يكن عندي أقارب هلكوا , ولكني أعتبر كل المسلمين أهلي ولا أرضى لهم الذل , ولا أرضى الدنية في ديني ولا الفتنة للمسلمين , ولم أكن لأرضى بما رأيته من لافتات تسفّه المسلمين , ويعلم الله أني كرهت تلك الأرض التي خضعت لحافظ الأسد , فكان كل من فيها يخوفني من الدين ومن الالتزام بلباسي الشرعي , وأنا على حالي أقول في نفسي لعل الله يهدي القوم بي , ولعلي أكون " موديلا" غريبا لديهم فيتمسكون ببعض ما أتمسك به من العروة الوثقى ويكفرون بذلك الطاغوت الذي ظن الجميع أنهم يراقبهم من فوقهم ومن أسفل منهم وأن المخابرات في كل مكان فيخشون حتى الهمس بين جدران بيوتهم .
كانت وفاته صاعقة لأبيه حافظ الذي درّبه على الحكم من بعده , وكان مؤهلا لذلك لأن سنه تسمح له بالحكم , ولأنه معد للحكم سلفا كما ذكرت , ولكن الوضع تغير بعد وفاته , وانقلبت البلد سريعا وخاصة بعدما توفى حافظ الأسد نفسه بعدها بسنوات قليلة , و قد سمعنا يومها كيف أن رئيس الوزراء السابق " الحوراني الأصل " محمود الزعبي انتحر ب 11 طلقة كما ذكروا ! ( الخبر في حد ذاته غني عن التعليق ), وذلك تمهيدا لاستلام بشار السلطة... وهكذا استلم بشار الأسد السلطة يومها ! فهل سيأتي اليوم من يدعو على حافظ الصغير ابن بشار الاسد فيجيب الله دعوته , فيرى أباه كيد الله له وكيف استبقاه الله ليشهد ما يدمي قلبه.
كاتبة المقال : ابتسام عوقل الكاتب: إبتسام عوقل التاريخ: 23/07/2011 عدد القراء: 4558
أضف تعليقك على الموضوع
|