مفكرة الإسلام: أثبت تنظيم القاعدة في مرات كثيرة قدرته على إدارة الحرب الإعلامية مع الولايات المتحدة، بل وحقق في أحايين كثيرة نجاحًا في تلك الحرب اضطرت الإدارة الأمريكية أن تعترف به في بعض الأحايين.
الحرب الإعلامية بين القاعدة وواشنطن لا تقل أهمية عن الحرب العسكرية بينهما، بل إنه ثبت في كثير من الأوقات أن اهتمام الجانبين بالحرب الإعلامية لا يقل عن الاهتمام بالجانب العسكري، ولمَ لا والإعلام أصبح - إن صح التعبير - 'أفيون الشعوب ومخدر الأمم'.
وفي الوقت الذي تواجه فيه واشنطن وضعًا متأزمًا في العراق لا تجد معه سبيلاً, وزاد الأمر تعقيدًا المقاومة المتصاعدة بقوة في أفغانستان، وبينما سهام الانتقادات توجه إلى وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد إذا بالقاعدة تشن هجومًا إعلاميًا غير مسبوق، ففي أسبوع واحد يتحدث قادة القاعدة الثلاثة، ويبدأ الهجومَ أسامة بن لادن المُقلّ في حديثه, والغائب عن ظهور الإعلامي بحديثه المعروف، يعقبه الزرقاوي الأكثر إثارة للجدل, والذي لم يسبق له الظهور إعلاميًا بهذا الشكل، وتكون النهاية عند الأكثر حضورًا إعلاميًا أيمن الظواهري.
ولكن.. ما دلالات هذا الهجوم الإعلامي؟! وما أسبابه؟!!
ملامح عامة:
1- عند البدء بشريط أسامة بن لادن فإن اكتفاء ابن لادن بظهوره الصوتي لا يزال يلقي الكثير من التساؤلات، غير أن هذا قد يكون عن قصد منه لتشتيت مطارديه، ويكفي أن ظهوره نفى المزاعم عن وفاته أو مرضه. وبالنسبة لشريطيْ الزرقاوي والظواهري فالملاحظ أن إخراجهما الفني يوحي بوجود حالة من الأمن والهدوء والحديث من موقع الذي يظن نفسه منتصرًا، خاصة مع الإشارة إلى أن تسجيل هذين الشريطين سبق بثهما بوقت قصير، الأمر الذي يحمل في طياته رسالة بأن القاعدة تتحرك من موقع الآمن وليس المطارَد.
2- رغم عدم وجود ما يدل على التنسيق بين الشخصيات الثلاث للظهور بهذا الشكل المتزامن، إلا أن هذا الظهور أكّد وحدة القيادة في تنظيم القاعدة وذلك مقارنة بالإدارة الأمريكية, والتي بدت ممزقة في الآونة الأخيرة، ففضلاً عن الانتقادات التي وجهها القادة السابقون في الجيش الأمريكي لوزير دفاعه، وجدنا أن وزيرة الخارجية الأمريكية نفسها توجّه انتقادات من طرف خفي لوزير الدفاع الأمريكي، الأمر الذي يشير إلى حالة من التمزق وعدم الانسجام بين أعضاء الإدارة الأمريكية، وذلك على خلاف الوضع في القاعدة على الرغم من انتشار فكرة وجود خلافات داخل تنظيم القاعدة.
3- التوقيت الذي ظهرت فيه أشرطة القادة الثلاثة هو توقيت حساس بالنسبة للإدارة الأمريكية التي تواجه وضعًا متأزمًا في العراق، وانتقادات متصاعدة في الداخل الأمريكي بسبب هذا الوضع المتأزم، وبالتأكيد فإن الظهور الثلاثي للقاعدة في ذلك الوقت يزيد من تأزم الأوضاع للإدارة الأمريكية، يقول منذر سليمان مدير مكتب مجلة 'المستقبل العربي' في واشنطن: إن ذلك يأتي في إطار موجة جديدة من العمل العسكري والسياسي والإعلامي للقاعدة، ردًا على ما تقول واشنطن: إنه تقدم في العراق بعد تشكيل الحكومة الجديدة.
أسامة بن لادن والمشروع السياسي:
عند النظر في خطاب أسامة بن لادن نجده أشبه بالتذكير بالمشروع السياسي لتنظيم القاعدة، فالخطاب حمل عنوان 'رسالة إلى أمة الإسلام', ونستطيع أن نلمح ملامح ذلك في النقاط التالية:
1- الأسلوب الأوحد لمشروعه هو: 'المواجهة':
اختارت القاعدة نهج المواجهة من أجل تحقيق مشروعها، وقد أكّدت القاعدة في كثير من المرات رفضها للانسياق في الحلول السياسية، وفي خطابه الأخير أكد أسامة بن لادن على تلك الفكرة عبر الإشارة إلى الحصار المفروض على حركة حماس, وذلك للتدليل على أن اختيار حماس المشاركة في العملية السياسية جوبه بالحصار والمقاطعة؛ لأن حماس رافضة للمشروع السياسي الغربي، وقال: 'ومما يظهر ذلك أيضًا رفضهم لحركة حماس بعد أن فازت في الانتخابات, مع تأكيدنا ما نبه عليه الشيخ أيمن الظواهري من حرمة الدخول في المجالس الشركية, إلا أن رفضهم لحماس أكد أنها حرب صليبية صهيونية ضد المسلمين'.
وقد أفاض في الحديث عن مشروعه المتمثل في الدفاع عن الإسلام وأهله وأرضه، وفي هذا الإطار جاء حديثه مطولاً عند التعرض لقضية الصور المسيئة بحق النبي صلى الله عليه وسلم، ليؤكد أن حل تلك القضية – من وجهة نظره – في معاقبة المعتدين والمتطاولين..
2- سعي القاعدة لعالَمية الظهور:
من ملامح المشروع لدى تنظيم القاعدة العالمية، حيث منذ أعلنت القاعدة ظهورها وهي تسعى لتأكيد أن مشروعها ذا صبغة عالمية وليس ذات صبغة محلية أو إقليمية.
لذلك وجدنا أسامة بن لادن يتحدث في خطابه عن البوسنة والهرسك وعن إندونيسيا عن تيمور الشرقية، وغيرها، كما وجدناه يتحدث عن إسقاط الدولة العثمانية, ولعل في ذلك إشارة إلى أن القاعدة تسعى أن تقوم ببعض أدوار دولة الخلافة في الدفاع عن دول الإسلام، وكذلك تحدث ابن لادن عن قضية دارفور, ودعا أتباعه وحث المسلمين على التوجه إلى هناك استعدادًا لمواجهة ما يحدث في دارفور، ويؤكد ابن لادن هدف القاعدة بقوله: 'وهدفنا واضح وهو الدفاع عن الإسلام وأهله وأرضه, لا دفاعًا عن حكومة الخرطوم وإن تقاطعت المصالح'.
3- التأكيد على فكرة صراع الحضارات:
كذلك حاول ابن لادن التأكيد على مفهوم صراع الحضارات، فالقاعدة ترى أن كل ما حدث وسوف يحدث من هجمات ومواجهات يندرج تحت الصراع بين الإسلام والكفر، فبعد هجمات 11 سبتمبر 2001 قال أسامة بن لادن كلمته المشهورة: 'انقسم العالم إلى معسكرين؛ معسكر إسلام لا كفر فيه، ومعسكر كفر لا إسلام فيه'، ومنذ ذلك الحين وتصريحات القاعدة وهجماتها تؤكد هذا المفهوم، ويدخل في هذا المفهوم إلقاؤه بمسئولية الحرب على الشعوب الغربية، وذلك بقوله: 'ثم إني أقول: إن الحرب مسئولية تضامنية بين الشعوب والحكومات، والحرب مستمرة والشعوب تجدد الولاء لحكامها وساستها, وترسل أبناءها إلى الجيوش لقتالنا، وتواصل الدعم المادي والمعنوي وبلادنا تُحرق وبيوتنا تقصف وشعوبنا تقتل ولا يبالي بنا أحد'.
فالصراع من وجهة نظره إذن هو صراع حضارات وليس صراعًا بين إدارات ودول.
وفي ذلك الإطار تطرق للحديث عن العلمانيين العرب الذين لم يكونوا غائبين عن مشروع القاعدة, إلا أن ارتفاع أصواتهم في العديد من الدول العربية في الآونة الأخيرة دفع أسامة بن لادن إلى أن يخصهم بجزء من حديثه، ولقد حاول – في لمحة لا تخلو من فطنة - أن يحيل حديثه عند تلك النقطة إلى فتاوى عَلَم من أعلام الفكر السلفي في العصر الحديث هو الشيخ 'عبد العزيز بن عبد الله بن باز'، فكأنه يشير إلى أن موقف القاعدة من هؤلاء العلمانيين لم تأتِ به من عند نفسها، ولكنه موقف تعضده الفتاوى.
وفي ذلك الإطار أيضًا يأتي رفض القاعدة للمشاريع والمؤسسات الغربية بدءًا من الهيئات الدولية مثل 'الأمم المتحدة'، وانتهاءً بالاتفاقية المبرمة بين الرئيسين السوداني والأمريكي.
الزرقاوي والعراق:
بعد أيام من شريط أسامة بن لادن، كان شريط 'أبو مصعب الزرقاوي', والذي تميز بإخراج فني واضح، وقد تحدث كثيرون عن دلالات ظهور الزرقاوي، إلا أن من أهم الدلالات التي يحملها هذا الشريط، التأكيد على هزيمة أمريكا في العراق وتهاوي مبررات الإدارة الأمريكية للعدوان على العراق، فإن كانت إدارة بوش قد برّرت عدوانها على العراق بمنع أي هجوم جديد على أمريكا إلا أن ذلك العدوان نفسه حقق للقاعدة ما لم تكن تحلم به، حتى أصبحت القاعدة تملك صواريخ تبلغ مداها 40 كيلومترًا – على حد ما بدا في الشريط-.
كما أن ظهور الزرقاوي يأتي في وقت انخفضت فيه حدة العمليات المثيرة للجدل, والتي كانت تلصق بتنظيم القاعدة في العراق، وفي ذلك رد على الاتهامات الموجهة لتنظيم القاعدة بقتل المدنيين وغيرها من التهم.
الظواهري وباكستان:
كانت خاتمة الهجوم الإعلامي الثلاثي لتنظيم القاعدة عند الرجل الثاني أيمن الظواهري، والذي أصدر بيانًا خص أهل باكستان به, وإن كان قد تعرض لكثير من القضايا في أوله، إلا أن حديثه كله كان منصبًا على الدعوة لإسقاط الرئيس الباكستاني برفيز مشرف، وهذه الدعوة لا تخالف في جوهرها عالمية مشروع القاعدة، حيث تنظر القاعدة إلى مشرف باعتباره أحد أذرع الحرب الصليبية والذي لعب دورًا بارزًا في الحرب الأمريكية على أفغانستان، ومطاردة عناصر القاعدة.
وبعيدًا عن الأسباب التي تدفع القاعدة للعمل على إسقاط مشرف، إلا أنه بالتأكيد يأتي خطاب الظواهري في وقت يواجه مشرف ظرفًا متأزمًا داخليًا وخارجيًا؛ فعلى المستوى الداخلي يوجد لدى الشعب الباكستاني احتقان تجاه مشرف لا نبعد إن قلنا: إنه قد يصل إلى المستويات العليا من القيادة الباكستانية، فمشرف تساهل في العديد من ثوابت السياسة الباكستانية، فالبرنامج النووي الباكستاني صار مهددًا بالخطر بعد قضية 'عبد القدير خان'، وزادت التهديدات المحدقة به خطورة بعد اتفاقية التعاون النووي المدني بين أمريكا والهند، والتي رفضت أمريكا أن توقع مثيلاً لها مع حليفتها في حرب القاعدة باكستان.
وشهدت مواقف باكستان تجاه إقليم كشمير تنازلات لم يعهدها الشعب قبل نظام برفيز مشرف.
وعلى صعيد الأمن القومي مع دول الجوار؛ فقدت باكستان نفوذها في أفغانستان, بينما تنجح الجارة اللدودة الهند في مد نفوذها؛ ليس إلى أفغانستان فحسب ولكن حتى إلى طاجيكستان ودول آسيا الوسطى، لذلك فإن الاحتقان الداخلي في عهد مشرف لم يشاهد مثله في أي عهد رئيس باكستاني سابق، خاصة مع إصرار مشرف على السير خلف الإدارة الأمريكية ولو على حساب شعبه في وزيرستان وغيرها من مدن باكستان.
كما أن الإدارة الأمريكية نفسها تدرس احتمالات رحيل مشرف عن منصبه وفقًا لما ذكره مركز 'ستارت فور' الأمريكي, وذلك في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي داخل باكستان.
نقول: إنه أيًا كانت الدلالات وراء خطابات القاعدة وأحاديث قادتها، إلا أن القاعدة استطاعت أن تثير لغطًا واسعًا في إدارة الحرب الإعلامية في العديد من المرات، ولعل القاعدة تنطلق في هذه الحرب من النظرية التي تصف الإعلام بأنه 'رصاصة تحت الجلد'، لذلك كان التركيز على تلك الحرب التي بغير شوكة. الكاتب: أبو الزبير الأنصاري التاريخ: 01/01/2007 عدد القراء: 5398
أضف تعليقك على الموضوع
|