|
مميز: لقد قامت إدارة تويتر (X) بإيقاف حساب الشيخ في تويتر hamed_alali
وهذا عنوان حسابه الجديد
hamedalalinew |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
المقامة الحديثيّة :
ـــــــــــ
لمّا رأيتُ كثيرًا من المستشعرين للسنّة ، والمتسمّين بالحديث (والمشدّد الميــم
دون التّاء) ، ناكصينَ عن سُنَّةِ من سلفَ إلى المهيَع الحديث ، ورأيتُهم استناموا إلى السَّلاسِل والتَّخاريج ، وبخلوا على المطوّلات بالتّعريج ، فرأينا مقالات لهم كالتّهريج .
-فهذا يقول : "ما هكذا تُعلُّ الأحاديث يا ابن المديني" ، فأشهدكم أنّ دينــه في
الحديث غير ديني.
- وذاك يقول : "عجبًا للبخاريِّ كيف أنكر حديث كذا؟!!" ، فليت القائل تأمّل قبل
ما هذى.
- وثالثٌ ينادِي ويفاخر "كم ترك الأوّل للآخر" ، وجهِلَ أنّ المعوّل على الأوّل
، والآخِرُ عالةٌ عليه ولو تقوّل.
ـــــــــــــــــــ
أولئك قوم أنسوا إلى النزهة والتّقريب ، واستبدلوا الإرخاء بالتقريب ، ووجدوا
في مراجعة الأصول تعبًا ، وفي مخالفة المألوف حرْبًا وحَرَبًا ، وضاقت فهومهم
عن التحقيق ، واتّسعت ذممهم للتّلفيق.
فاتّبعوا ما خُطَّ لهم من القواعد ، ورضوا بأن يكونوا مع القواعد.
وإذا كلّمته قال : لا حجّة عندنا بالرِّجال ، ولم يُغلق قطُّ للاجتهاد مجال ، وليس في العلم مُحال.
قلت باذلاً له المِقة : فما دليلك على ما تذهب إليه في زيادة الثِّقة؟ قال قاله الألباني ، الفرد الّذي ماله ثاني.
فإن وجدتَ من فاقه رتبه ، وعلا كعبُه في العلم كعبَه ، قال وقوله النّكبة : قرأتُه في النُّخبة ، قلت فهلاّ راجعت النُّكَت ، ولم تكن كالّذي قرأ أوَّلَ الماعُون ثمّ سكت؟
ـــــــــــــــــــ
هذه مسألة من مسائل ، ودليلٌ تتبعه دلائل ، والقوم قد زاغوا عن سنّة الأوائل ،في دقيق الأمور قبل الجلائل.
رجعت إلى صاحبي فناديته وهو قريب ، وأسمعته لو كان يجيب : إنّ أمارة صحّة دعواك ، وشرط التّسليم بمدّعاك : أن تطّرد أصولُك ، ولا تختلف نقولُك ، فهل أنت معطيَّ هذه الخصلة ، وموافقي عليها في الجملة؟
قال : نعم ونعمة عين ، فمتى اضطربت قواعدي وأين؟
قلت : على رسلِك ، فقد استعجلتَ أجَلَك بإجْلِك ، فأخبرني عن أصول ما ترجع إليه عند تخريج الحديث؟
فبادرني الجواب لا يريث :
أبحث في رجاله وإمكان اتّصاله ، فإن كان الراوي ثقة أو صدوقًا ، يرويه عمّن
يستطيع له إدراكًا ولحوقًا ، صحّحته وإن لم أكن مسبوقًا ، ولم يردّني أن أجد الإجماع على ضعفه مسُوقًا.
ثمّ زاد جذلان طرِبا ، وقد بلغ السيل منّي الزُّبى :
البيّنة على المدّعي ، وبيّنتي في كلّ أمري معي ، وإن نقلتَ علّة الحديث عن أحد
، فاسأله البيّنة على ما وجد.
أمّا الدّعاوى المرسَلة ، والتعليلات المجملة ، بأنّ هذا يشبه حديث فلان ،ولعلّ فلانًا غلط فيه ولان ، وأنّ الثّقات يروونه على خلافه ، ولم يروِه أهل بلده ومخلافه ، فكلام سخيف وتافِه ، يغني عرضه عن نقضه وإتلافِه.
وقد ثبتت ثقة الراوي بيقين ، فلا تزول إلاّ بيقين.
ــــــــــــــ
قاطعته وما كان لي السكوت ، وكدت أبخع نفسي وأموت:
مهلاً هداك الله ، وخلّص من أمثالك أولِياه:
لا يعيب الدّليل أنّك لم تفهم الدّلالة ، وذو الفم المريض يعاف من الماء زُلاله.
عِبت الدّعوى وعليها اعتمادك ، وأنكرت أرضًا فيها ضُرِبت أوتادك.
- أنّى لك معرفة الثِّقة من الرّجال؟
-
- وكيف تثبت ما تشترطه من إمكان سماع واتّصال؟
-
أليس حول هذين الركنين طوافُك ، وعندهما في التخريج رحلتك وإيلافك؟!
فأبِن لي أيها الفارس الطعّان ، واشرح وأنت على النقّاد المنتقدُ الطّعّان:
كيف استفدت ثقة الراوي؟ ومن أين حصلت لك معرفةُ الحافظ من الكذّاب الغاوي؟
هل في أصول شيوخِك تتبّعُ أحاديثِهِم؟ والفحص عن هناتهم وأنابيثهم؟
هل حصّلت من الصّناعة ، أم هل اشتغلتَ ولو ساعة ، بما يعينك على الحكم من
استقراء المرويّات ، وعرض أحاديث الرّاوي على الثِّقات؟
أنّى ، وبُعدًا ، وهيهات ، وإنّما يعرف حديث الرّاوي بالمخالفة والزيادات ، وأنتم تصحّحون ذلك ، ولا ترون معنى للمخالفة هنالك.
فأجب الآن عن السؤال ، واختم بذلك المقال؟
ـــــــــــــــــــ
فسكت ووجم ، واستبدل دعاوى البليغ ، بطمطمة العجم.
قلت : جوابي عنك قبل جوابِك ، ولسان حالك إن أكدى لسان خطابِك: أنّك قلّدتَهُم
في الحكم على الرّجل ، واكتفيت بما قالوا وجاوزت على عجل.
فأنت تقلّدُهم في الحكم على الرّاوي ، وتخالفهم في الدّليل ، وتقبل بلا حجّة تجريحهم والتعديل ، لأنّك ما علمت أين يحومون ، ولم تدرِ عمَّ يصدرون.
فإذا وجدت كلامهم على الإسناد قلت محال وباطل ، وجرّأك عليه أنّك تعلم ظاهرًا
من المصطلح وأنت عن العلل غافل.
فلمّا قالوا في شيء من حديث الثقة هذا من وهمه وتخليطه ، نازعتهم متحذلقًا
بأنّه ثقة لا دليل على تغليطِه ، ولم تأتِ بتوثيقه من كيسِك ، ولم تنقله عن إمامك ورئيسِك ، وإنّما استبضعت دقل التمر إلى هجَر والقصيم ، وزوّرت الحليّ
على صانعه العليم.
وكلّ ما في الأمْر ، وإن أعماك عنه السُّكر : أنّه وثّقه لغلبة صوابه بعد أن تتبّع ، وعلّل ما غلط فيه ممّا بان حال التتبُّع.
فتتبّعه دليل واحد دلّ على حكمين : ثقة الراوي ، وتغليطه ، فكذبت بما لم تُحِط
بعلمِه ، وقلّدته في نصف دعواه ، وشطر حُكمِه.
ـــــــــــــــــــ
قال : قولك يشبه الصّواب ، وربّ سمٍّ في الشّهد مذاب ، فأزل ملتبس الأمر ، بحجّة تثلج وحرَ الصّدر.
قلت : سألت نصَفًا ، وما قلت فنَدًا ولا خرفًا ، وحقٌّ لطالب الحجّة بتجرُّد ،أن يعطى سؤله ولا يُحرَد.
أرأيت قولك الّذي ردّدته وما فهمته ، ثمّ بالتّحقيق وسمتَه : لا نغلِّط الرّاوي إلاّ ببيّنة.
قاطعني فقال ، وهو يبري النِّصال : وآخر بدعِكُم يا منتحلي منهج المتقدّمين ،أنْ أنكرتم هذه القاعدة من قواعد الدين؟!
قلت : روَيدَكَ فما أنكرناها ، وإنّما اجتنبنا إهمالها وأعملناها ، وقيّدناها بقيدٍ متّفقٍ على أصلِه ، وإسنادٍ مجمعٍ على صحّته ووصله.
بل إهمالها حقّ الإهمال ، ما تدعو إليه من أقوال ، وستزول الشُّبهة التي معَك ،
إذا ناولتني وأنت شهيد مسمعَك.
قال : هاتِ وناول ، فكلامك بالحقِّ أشبه منه بالباطل.
قلت : هذه البيّنة التي تطلبها على تغليط الراوي ، هل لك أن تضرب لها مثلاً ،
وسنضرب لك في طلبها أجلاً؟
قال : والله إنه لأمر عجب ، فإنّها ما خطرت ببالي على كثرة بحثي في الحديث
واشتغالي بالكتب.
عاجلته الجواب ، وقد بدا غسق الصواب : أما رأيت كيف عطّلتم هذا الحكم وغرضكم تحرّيه ، كما عطّل الجهميّة الصفات بحجّة التنزيه؟
أتريدون في غلط الثقة شاهدين عدلينِ يشهدان أن فلان بن فلان غلط في هذا الحديث؟ أم تجتزئون بشاهدٍ ويمين؟!
أما استغربتم حين أصّلتم فأغربتم : أنّ الراوي الثقة لا يغلط عندكم أبدًا؟ هبــه
سلّم لكم في سفيان وشعبة؟ فكيف تطردون هذا الأصل حتّى في الصدوق ومن خفّ ضبطه؟
- أليس من سنّة الفقهاء أنّ بيِّنَةَ كُلِّ شَيءٍ بحسبه؟ والبيّنة كلّ ما يبيّن الحقَّ ويوضحه كما ذكر ابن القيم.
- ألم يعمل القضاة والحكّام في أصول الأحكام بالقرائن القويّة إذا عدمـــــوا
البيّنة أو كانت خفيّة؟
- أليست تقبل شهادة القابلة في ثبوت الفراش والنسب؟
-
- وشهادةُ الصِّبْيَان في جراحاتهم إذا لم يتفرّقوا على الصّحيح الّذي ذهب إليه
جمع من المحقّقين؟
ألا يكفيك من البيّنة على غلط الراوي أنّ أعرف النّاس بــه ، وهو الّذي قبلت
توثيقه له دون سؤال عن سببه ، أخبرك أنّه غلِط؟
ألم ترَ البيّنة بيّنةً حين جاء الثّقة إلى شيخٍ حافظٍ له أصحابٌ حفَّاظ ، يلازمونه الليل والنهار لا يفترون ، ويضبطون حديثه كتابًا ويحفظون ، ثمّ روى عنه ما لم يروه غيره دون أن يشاركهم في حديثه المشهور؟
ألم ترَه روى الحديث بأصحّ إسناد وأشهر ، ورواه أصحاب الشيخ بإسناد غريب
مستنكر؟
أتُراهم أعرضوا عن صحيح حديث شيخهم وتتّبعوا مناكيره؟ أم عرفوا نوادر مرويِّه وجهلوا مشاهيره؟
ـــــــــــــــــــــــــ
قاطعني فقال : حقٌّ ما تقُول ، وثابتٌ ثمّ مقبول ، فأنا راجع عمّا كُنتُ عليــه ،
قابلٌ ما دعوتني إليه ، فلا أفتأ مقلِّدًا للحفّاظ ، واقفًا عند معانيهم والألفاظ ، لا أحاول مخالفَتَهُم ، ولا أسألهم أدلَّتَهُم.
فقلت مهلاً مهلاً ، فقد بنيت أصلاً وهدمت أصلاً.
لسنا ندعوك إلى التقليد ، ولا نعود على الاجتهاد بالتقييد ؛ لكنّ في الأمر طريقةً وسطًا ، لا تقبل زيغًا ولا شططًا.
إنّ للحفّاظ طريقة يختطّونها ، ومنهجًا يحملون رحالهم فيه ويحطّونها ، يتبــع
آخرُهم الأُولّ ، ويجتمع عليه الكلّ.
وللطريق رواحلُ لا تقطع إلا بها ، ومراحلُ ترتحلُ في طلبِها ، فإن أصبتها فبها
،وإن كنت راجلاً فترجّل عن دربِها.
فحصِّل أوّل ما تحصّل راحلة الطريق ، واسع في تطلّبها سعي الغريق.
والعمدة في هذا الفنّ وليس بالسهــل الطّيِّع ، ما قاله أبو عبد الله الحاكم ابن
البيِّع :
"الحفظ والفهم والمعرفة لا غير" ، فحصّلها قبل أن تستدرك إن كان فيك خير.
فإذا حصّلت الرّاحلة فاعرف طرائقهم ، واستهدِ بهم في طريقك ، وخذ منهم أصول الفنّ المطّردة ، وقواعده المتّفق عليها.
وستجد بعد مدّة ، أنّه صار لك نَفَسٌ في هذا العلم ، وفقه نفْسٍ يعينك على الفهم ، وملَكةٌ حديثيّة ، تعرف بها مقولاتهم ، ولم قالوها ، وسُنَنهم ، وكيف استنّوها.
إذ ذاك يقال : للآخِر أن يستدرِكَ علََى الأوّل ، إذا نبغ وتأهّل ، وفهم كلام الأوّل ومراده ، وأسلم إليه في التأصيل قياده ، على أنْ لا يؤدّي استدراكه إلى محظور من محظورات علم الحديث ، ولا يخالف إجماعًا استقرّ قبل غرائب هذا العصر الحديث.
ومن محظورات الحديث : أن يوجد طريقٌ صحيح لا علّة له ، ولا يشتهر مع كونه في مظنّة الشهرة.
وأن يقول الحافظ المتتبّع المطّلع : لا يروى حديث كذا إلا من طريق كذا ، ثمّ يستدرك عليه العصريّ بأنّه وجده في فوائد تمّام ، أو في الثاني والثلاثين من حديث أسامة ، ونحو ذلك.
قال : أفلا ترى أنّ عسيرًا على بني العصر أن يحفظوا مائتي ألف حديثٍ بأسانيده ويعرفوا الرجال وأحوالهم على تفاصيلها ، وهنا يحلّ للعصريِّ كما تزعـم أن
يتكلّم على الإسناد؟
قلت : هذا بيت القصيد ، والغاية التي ليس بعدها مزيد ، وهنا زلّت أقدام وتتابع
على الغلط أقوام ، وليس هذا الموضع مختصًّا بعلم الحديث ، بل لكلّ علمٍ منـه
حظّ.
وذلك أنّ رتبة الاجتهاد على الاستقلال المحض ، لم يصلها أحد من الأمّة بعد
الصّحابة ، والدّعوة إلى التّقليد لم يقل بها ذو فطنة ونجابة ، بل سار الأوّلون
والآخرون على طريقةٍ وسطٍ ، جفا جافٍ ، وغلا غالٍ فيها فغلط.
ـــــــــــــــــــــــــ
قال : أبِنْ ليْ هُديت ، فقد جئت بما لم يطرق أذنيّ.
قلت : وما أخشى إلاّ نفرة الأذن من الغريب ، ودعوى استحداث قول لم يقل به عريب.
لكن بين يديَّ ابنُ القيّم حاكيًا : "وما من أحد من أئمّة الدّين إلا هو مقلّد في بعض المسائل من هو أعلم منه".
وهذا أحمد إمامنا يقول "إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها شيئًا أخذت فيها بقول الشافعي"
ومن تتبّع آثار السلف ، ومن سار سيرتهم من الخلف – علم أنّ هذه كانت طريقتهم.
فكان بالكوفة أصحاب ابن مسعود ، يتابعونه في أقواله ، ويتّبعونه في غالب أحواله ثمّ كان على ذلك أهل الكوفة.
وبالبصرة على قول أنس وابن سيرين والحسن.
وبالمدينة كان الناس على قول زيد بن ثابت وأبي هريرة وابن عمر ، وكثر تمسّكهم بفتاوى الفاروق ، ثمّ أقوال فقهاء المدينة السّبعة.
وبمكّة كان الناس على قول ابن عبّاس في الغالب ، ثمّ على قول أصحابه كطاوس وعطاء ثمّ ابن دينار وابن جريج.
ومعاذ الله أن يفهم من هذا الدعوة إلى التقليد إلا من في قلبه مرض ، أو له من
وراء ذلك غرض.
وإنّما نقول ، يجتهد الطالب قدر استطاعته ؛ فمتى كان الإسناد معروفًا لديه ،
وحال الراوي ماثلاً بين يديه ، بما حصل له من دربة ، وما ادّخره في الجعبة ،
أقدمَ فحكم.
وإن التبس الأمر عليه ، فليقلّد العارف ، وليسلم الأمر إليه ، وإن كان مقلّدًا
ولا بدّ ، فعليه بالحفّاظ ذوي النّقد.
فقال : وفقك الله ، وجزاك خيرًا ، ولك عليَّ أن أتمسّك بمنهج السلف والمحققين ، في الدقيق والجليل من أمور الدين.
قلت : مجلسي هذا مثالٌ تقيس عليه ، وأصلٌ تردّ المسائل إليه ، وإنما مثّلنا
بزيادة الثقة والمخالفة لشهرتها وكثرة طرقها بين الفريقين ، ولأنّها أمارةٌ
ظاهرة تميّز الطريقين ، فامشِ رعاك الله في درب العلم ، ولا تأتمّ إلاّ بمن به
مؤتمّ.
هذا ، والله أعلم ، ورد العلم إليه أحكم وأسلم ، وصلى الله على عبده ورسوله
محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
وكتب/
أبو عمر البكري
الخميس 25 ربيع الأول 1423 الكاتب: أبي عمر البكري التاريخ: 01/01/2007 عدد القراء: 5146
أضف تعليقك على الموضوع
|
تعليقات القراء الكرام
|
|