ضرورة الصـدع بالحـق
من كتاب (ألا إن نصر الله قريب)
للشيخ العلامة / سليمان العـــــــلــوان
فك الله أسره
أعد المقال للنشر على الموقع/ أخوكم إبن الإسلام المصري
المادة الرئيسية للكتاب على موقع صيد الفوائد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفتن والمحن لا تزيد المؤمنين ولا سيما العلماء منهم إلا إيماناً بالله وتسليماً قال تعالى { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) } ([1]) .
وقد قيل كم من محنة انقلبت منحة
وهذا حق فكم من عالم قتل بنوايا خبيثة ومرامي سياسية فعاشت أفكاره وأقواله بين الناس وأصبحت شجْنة من بعده في أبناء المسلمين والأمثلة والأدلة على ذلك كثيرة .
المهم أن نقول الحق ولا نلبسه بالباطل وأن نصدع بما نعلمه ديناً وشريعة وعقيدة ومنهجاً قال تعالى { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) } ([2]) .
وقد روى مسلم في صحيحه ( 3005 ) من طريق حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الملك والساحر والراهب والغلام .. الحديث وفيه ( ثم جيء بالغلام أي إلى الملك فقيل له ارجع عن دينك . فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل...
فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا ، وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك ؟
قال: كفانيهمُ الله ، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به فاحملوه في قُرْقُورة فتوسطوا به البحر . فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به . فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا .
وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك ؟
قال: كفانهيم الله فقال للمَلِكِ : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمُرُك به...
قال: وما هو ؟
قال:تجمَعُ الناس في صعيد واحد . وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كِنانتي . ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل : باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني .
فجمع الناس في صعيد واحد . وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صُدْغِه . فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات...
فقال الناس : آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام .
فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد والله نزل بك حذرُك قد آمن الناس فأمر بالأُخدود في أفواه السكك فخُدّت وأضرم النيران وقال : من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل لـه اقتحم ففعلوا حتى جاءَت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام : يا أُمه اصبري فإنك على الحق ([3]) )) .
وإنه لشيء عظيم وأمر كبير أن يذهب غلام أو رجال من البشر فداءً لدوافع معقولة وغايات مطلوبة فبقاء الحق مقدم على بقاء الجسد فأهل الحق يذهبون بأبدانهم وتعيش أفكارهم وكلماتهم .
وقد تحدث الحديث عن الغلام وعن تضحيته بدمه بُغْية إسلامِ الناس وإيمانهم بالله .
فتحقق القصد المطلوب ونفذ الأمر المنشود وسرى مراد هذا الغلام من وصول الإيمان والتوحيد إلى أعماق القلوب .
فآمن قومه ووحدوا ربهم وكانوا من قبل في ضلال مبين لا يعرفون الإسلام ولا الدين الحق يعبدون المادة والحياة ويدينون للبشر بالعبادة والطاعة وتهيمن عليهم أنظمة الملوك وتشريعاتهم .
غير أن هذا لم يدم فشعور الغلام بالمسؤلية وتقديره للقضية حال دون ذلك فأعلن في دنيا الواقع كلمة الحق وقدَّم دمه في سبيل صلاح البشر وتحطيم الوثنية ، حينها تحررت القلوب من عبوديتها لدين الملك للأحجار الحياة التراب وصوَّتت بروح عالية ونفس مطمئنة وقلوب ثابتة آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام . ولم ترضخ لبطش الجبارين ولا تعذيب المجرمين .
والمهزومون نفسياً وفكرياً والمرجفون والمخذّلون عن الجهاد والتضحيات ومواجهة الأفكار والمبادئ الجاهلية والتشريعات الكفرية لا يناصرون هذه البواعث الإيمانية .
وقد يخلطون بين الصبر على جور الحكام .... وبين الثبات على الإيمان ومواجهة الحاكمية الجاهلية والقرارات السياسية الضارة بالرعية ولم يزل الأئمة الصادقون والدعاة الناصحون في سائر قرون الإسلام يفرّقون بين الأمرين ويواجهون الأهواء والانحرافات الفكرية والسياسية والاقتصادية والعقدية وغيرها بعزيمة الصادقين وشجاعة المتقين متحملين الأذى الذي ينتاب أمثالهم من الآمرين والناهين ... فهذا دور العلماء وهذه رسالتهم قال تعالى { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104) } ([4]) وقال تعالى { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُون َ(110) } ([5]). وقال تعالى { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) } ([6]) .
ومن وصايا لقمان الحكيم لابنه { يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) } ([7]) .
وفي صحيح مسلم ( 49 ) من طريق قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال . أولُ من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال : الصلاةُ قبل الخطبة فقال قد تُرك ما هُنالك فقال أبو سعيد أمّا هذا فقد قضى ما عليه . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الأيمان ) .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ما من نبي بعثه الله في أمةٍ قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراءَ ذلك من الإيمان حبة خردل )) رواه مسلم في صحيحه ( 50 ) من طريق عبد الرحمن بن المسور عن أبي رافع عن ابن مسعود .
وروى الدارمي في سننه ( 545 ) بسند صحيح من طريق الأوزاعي حدثني أبو كثير حدثني أبي قال أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع الناس إليه يستفتونه ، فأتاه رجل فوقف عليه ثم قال : ألم تُنه عن الفتيا ؟ فرفع رأسه إليه فقال أَرقيب أنت عليّ لو وضعتم الصمصامة ([8]) على هذه وأشار إلى قفاه ثم ظننت أني أُنفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا عليَّ لأنفذتها )) وعلقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم ([9]) .
وتاريخ العلماء ومواقف أئمة الإسلام في مثل هذا كثيرة ([10]) ولم يكن أحد منهم يجد أدنى حرج من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفتوى بما يعلم أنه الحق وإيصال الصوت الإسلامي إلى عالَمِهم والتحدث عن الإسلام وحقائقه ومقوَّماته وخصائصه .
وما كان يقبعون في بيوتهم ينتظرون الإذن السياسي في قول كلمة الحق والإنكار على أهل الباطل .
وأمّا الآن فقد أصبح كثير من أهل العلم موظفين لدى السلاطين فأخرست الأطماع ألسنتهم فلا يقدرون على القيام بالعهد والميثاق المأخوذ عليهم في الكتاب .
ولا يستطيعون مصاولة الباطل ولا مقارعة الفساد ومن هنا كان أكثر أئمة السلف يَدْعون إلى الأعمال التجارية الحُرَّة دون التقيد بالأعمال الحكومية ويكرهون أُعطيات السلاطين وهدايا الملوك ويرفضون قبولها حتى لا يحملهم ذلك على المداهنة والنفاق وطاعة السلاطين في أغراضهم ونزواتهم .
وإني لأرمق بإجلال وإكبار عالِماً عَّزتْ عليه نفسُه فلم يُذِلَّها بالتردد على قصور السلاطين واستغنى عمّا في أيديهم فجعل العلم خادماً للدين وليس للسياسة . وسخّر الفتوى للديانة وليست للإعاشة .
وعبيد الدنيا والشهوات ينكرون هذا الكلام ويكافحون هذا الفكر ويعيشون في ظلمات التيه والرذيلة والشرود عن حقيقة الواقع .
والأغرب من هذا أن يطاردوا هذا الفكر باسم الدين والعلم أو التقدم والحضارة الجديدة .
وهيهات هيهات أن يكون للعلم والدين روابط بهذه الإعوجاجات والتفلتات فالحق أبلج والباطل لجلج .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) سورة الأحزاب .
([2]) سورة آل عمران .
([3]) وفيه دليل على جواز العمليات الاستشهادية التي يقوم بها المجاهدون في سبيل الله القائمون على حرب الكفار والمفسدين في الأرض .
فقد قال الغلام المسلم للملك الكافر (( إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما أمُرُك به ) فدله على كيفية قتله حين عجز الملك عن ذلك فكان الغلام متسبباً في قتل نفسه مشاركاً في ذلك والجامع بين عمل الغلام والعمليات الاستشهادية واضح فإن التسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك حكمه مثل المباشر لقتلها .
والمقصود من الأمرين ظهور الدين وإعزاز أهله ، فإذا كان في العمليات الاستشهادية إعزاز للدين ونكاية بالمشركين وشفاء صدور قوم مؤمنين جازت هذه العمليات بدون كراهة والمصلحة تقتضي تضحية المسلمين برجل منهم في سبيل النكاية في الكفار وإضعاف قوتهم وقد رخص أكثر أهل العلم أن ينغمس المسلم في صفوف الكفار ولو تيقن أنهم يقتلونه والأدلة على هذا كثيرة .
وأجاز أكثر أهل العلم قتل أسارى المسلمين إذا تترس بهم الكفار ولم يندفع شر الكفرة وضررهم إلا بقتل الأسارى من إخواننا ، فيصبح القاتل مجاهداً مأجوراً والمقتول شهيداً .
وقد ثبت في دنيا الواقع فوائد هذه العمليات وكبير فعاليتها ، فقد أذهلت الأعداء وزرعت الرعب في قلوبهم وأصبحت ويلاً وثبوراً عليهم ، وكانت سبب رحيل أعدادٍ كبيرة من اليهود عن أراضي فلسطين وسبباً كبيراً في تقليل نسبة المهاجرين إلى الأرض المقدسة قال تعالى { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوالله وعدّوكم … } سورة الأنفال آية 60 .
والقوة تكون بكل شيء يرهب اليهود والنصارى ويضعف قوتهم .
وقد كنت كتبت في هذه المسألة مقالات عديدة وفتاوى كثيرة وذكرت عشرات الأدلة على مشروعية هذه العمليات في سبيل قهر اليهود المغتصبين والنصارى المعتدين وبينت غلط التسوية بين هذه العمليات الجهادية وبين الانتحار المحرم بالإجماع وأن المنتحر يقتل نفسه من أجل هواه ونفسه نتيجة للجزع وعدم الصبر وضعف الإيمان بالقضاء والقدر ، بينما الفدائي يقتل نفسه أو يتسبب في قتلها من أجل حفظ الدين والعرض والتنكيل بالكفار المعتدين وطردهم من أراضي ومقدسات المسلمين وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .
وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ... ) .
([4]) سورة آل عمران .
([5]) سورة آل عمران .
([6]) سورة التوبة .
([7]) سورة لقمان .
([8]) السيف الصارم الذي لا ينثني قاله في مختار الصحاح ص ( 370 ) .
([9]) فتح الباري ( 1 / 160 ) .
([10]) راجع في ذلك الإسلام بين العلماء والحكام لعبد العزيز البدري . وكتاب مناهج العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لفاروق السامُرّائي .
الكاتب: التاريخ: 01/01/2007 عدد القراء: 6295
أضف تعليقك على الموضوع
|