|
مميز: لقد قامت إدارة تويتر (X) بإيقاف حساب الشيخ في تويتر hamed_alali
وهذا عنوان حسابه الجديد
hamedalalinew |
|
وصية الإمام ابن تيمية لتلميذه ابن القيم000دروس وعبر
توقفت كثيراً وأنا أكتب عن حياة ابن القيم في مقدمة بحثي لنيل درجة الماجستير ،
عند وصية الإمام ابن تيمية لتلميذه ابن القيم رحمهما الله ، فطرأت لي بعض الفوائد و
الدروس من تلك الوصية العظيمة ، أقدمها لكل قلب مخلص ، و لكل مرب شيخا كان أو طالب علم
، ليستنير بها في تربية أجيال الصحوة الإسلامية .
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله :
" قال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد لا تجعل قلب
للإيرادات و الشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها و لكن اجعله كالزجاجة
المصمته تمر الشبهات بظاهرها و لا تستقر فيها فيراها بصفائها و يدفعها بصلابته ، و إلا
فإذا أشربت قلبك كل شبة تمر عليها صار مقراً للشبهات "
قال ابن القيم :
" فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك "(1) .
الفائدة الأولى : فراسة ابن تيمية في تلميذه ابن القيم
لما أحس الشيخ رحمه الله من تلميذه الرغبة الصادقة و التفاني الكبير في خدمة العلم و
التحصيل صار يتعاهده بألوان من النصائح و التوجيهات مما يصقل مواهبه ويزيد في رسوخه
وثباته .
وهذه الوصية من التوجيهات و النصائح التي يذكرها ابن القيم في ثنايا كتبه.
وقد تحققت فراسته في تلميذه رحمه الله ، فها هو ابن القيم إماما علما ملأ الدنيا نورا
و علما بمؤلفاته وعلمه فرحمه الله رحمة واسعة.
لذا كان على المشايخ وطلبة العلم الاعتناء بالنجباء و الموهوبين والاهتمام بهم أكثر من
غيرهم .
و السنة مليئة بالأدلة على العناية بالموهوبين و الأذكياء ، وكذا من هدي السلف رضوان
الله عليهم .
فمن السنة :
- في قصة أصحاب الخدود يخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، أن الكاهن قال للملك :" انظروا لي غلاما فهماً أو
قال فطنا لقناً فأعلمه علمي هذا ، فإني أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم و لا يكون
فيكم من يعلمه ، قال : فنظروا له على ما وصف فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن و أن يختلف
إليه00" (2) .
- حرصه صلى الله عليه وسلم ، على إيمان نفر من المشركين أكثر من غيرهم ، وعنايته بدعوتهم وقد كان يقول :"
اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك : بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب " (3) .
وقد ظهر أثر ذلك واضحا ، فكل من يقرأ السيرة لا يمكن أن يخفى عليه كيف كان أثر إسلام
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - و لهذا قال عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه -: " ما
زلنا أعزة منذ أسلم عمر " (4) .
- عنايته صلى الله عليه وسلم بمن أسلم من أصحاب الطاقات الفاعلة و المواهب ، ويصور لنا ذلك عمرو بن العاص
- رضي الله عنه - قال :" ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم و بخالد في حربه أحدا منذ أسلمنا " (5)
.
- ومن هدي السلف :
- أدرك أصحابه رضوان الله عليهم هذا الأمر فحرصوا عليه في دعوتهم ، فعن ابن العباس رضي
الله عنهما قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فقال بعضهم : لم تدخل هذا الفتى معنا و
لنا أبناء مثله ؟ فقال : إنه ممن قد علمتم ، قال : فدعاهم ذات يوم و دعاني معهم ، قال :
وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني ، فقال : ما تقولون في:( إذا جاء نصر الله و
الفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ) ؟ حتى ختم السورة فقال بعضهم : أمرنا أن
نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ، وقال بعضهم : لا ندري أولم يقل بعضهم شيئا ،
فقال لي : يا ابن عباس ، أكذاك تقول ؟ قلت : لا ، قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، أعلمه الله له ( إذا جاء نصر الله و الفتح ) فتح مكة فذاك علامة أجلك ( فسبح
بحمد ربك و استغفره إنه كان توابا) قال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم (6) .
- ومن نماذج عناية السلف بالنجباء ما رواه الخطيب في الجامع بإسناده عن إسماعيل بن
عياش قال : كان ابن أبي حسين المكي يدنيني ، فقال له أصحاب الحديث : نراك تقدم هذا
الغلام الشامي وتؤثره علينا ؟ فقال إني أؤمله ، فسألوه يوماً عن حديث حدث به عن شهر :
إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل ، فذكر ثلاثاً ونسي الرابعة ، فسألني عن ذلك ، فقال لي :
كيف حدثتكم ؟ فقلت : حدثتنا عن شهر أنه إذا جمع الطعام أربعا فقد كمل : إذا كان أوله
حلالاً ، وسمي عليه حين يوضع ، وكثرة الأيدي ، وحمد الله حين يرفع . فأقبل علي القوم ،
فقال : كيف ترون ؟ (7) .
وقديما قيل :
و الناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عنى
و لا يزال أصحاب الأعمال و التجارة بل حتى من العلمانيين و أصحاب الأفكار الباطلة ،
يحرصون على كسب عناصر معينة من الناس تملك القدرة و المواهب الفذة التي تؤهلها للقيام
بأدوار مهمة في إدارة أعمالهم ، ويمنحون رواتب مجزية لأمثال هذه العناصر من أجل كسبها و
الحفاظ عليها فأين المشايخ و طلبة العلم من ذلك ؟
الفائدة الثانية : صبر المعلم ابن تيمية على تلميذه ابن القيم وتعليمه إياه بالرفق و
اللين
ويدل على ذلك كلام ابن القيم رحمه الله حيث قال : " قال لي شيخ الإسلام ابن تيمية وقد
جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد لا تجعل قلبك للإيرادات و الشبهات مثل
السفنجة0000".
فهو رحمه الله لم يغضب و لم يضجر و لم يسخر من كثرة أسئلة تلميذه ، بل تقبل ذلك بصدر
رحب وبتوجيه سديد له رحمه الله .
مما جعل تلك الوصية العظيمة ترسخ في ذهن تلميذه فلا ينساها أبدا كما ذكر ذلك ابن القيم
رحمه الله تعالى .
و إن مما يحزن والله ، تلك الغلظة و الشدة والتكبر في تعامل بعض المشايخ في حق تلاميذهم
؟ ثم يشتكون من قلة طلبة العلم عندهم سبحان الله !
يقول الشيخ يسري السيد محمد في مقدمة كتابه فقه ابن القيم :
" و إذا كان ابن القيم -رحمه الله - يلام على اتباع ابن تيمية - رحمه الله - وهما من
هما ، فأنى لنا بمثليهما ونحن نتبعهما ونسير على هديهما ، إننا نرى كثيراً من المشايخ
يغلظ للشباب حتى يتخيل إليك أنك لا كرامة لك ، وقد اشتكى كثير من الشباب من ذلك فكنت
أنصحه بالصبر على الشيوخ حتى يتعلم ، ثم لعله يتقي الله و لا يصنع صنيعهم ، ومن صبر
صبّره الله " (8) .
فمن لم يغرس المحبة له في نفوس طلابه فكثير مما يقوله ستكون نهايته عندما يتلفظ به ،
ولن يأخذ طريقه نحو القلوب ، فضلا عن أن يتحول إلى رصيد عملي.
ومهما بلغ الإنسان في التأثير وقوة المنطق ورصانة الحجة ، فلن يكون أعلم أو أفصح أو
أكثر تأثيرا من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ومع ذلك قال الله سبحانه في شأنه : ( و لو كنت فظا غليظ القلب
لا نفضوا من حولك صلى الله عليه وسلم .
فالنبي صلى الله عليه وسلم مع ما آتاه الله سبحانه من وسائل التأثير ، مأمور بأن يلين لأصحابه و إلا
انفضوا عنه ، فكيف بغيره ممن يحمل قائمة طويلة من صفات القصور و النقص ، فهو حين لا
يحظى بقبول تلامذته له سيرون فيه من القصور ما يبررون به رفضهم و إهمالهم لما يقول ،
بل تفسير نصحه وتوجيهه على غير وجهه.
و لأجل ذلك عني من كتب في أدب العالم و المتعلم من الأسبقين بالتأكيد على حسن الخلق و
جميل الرعاية .
فيوصي ابن جماعة المربي بذلك فيقول :
" و ينبغي أن يعتني بمصالح الطالب ، ويعامله بما يعامل به أعز أولاده من الحنو و الشفقة
عليه ، والإحسان إليه ، والصبر على جفاء ربما وقع منه نقص لا يكاد يخلو الإنسان عنه ،
وسيء أدب في بعض الأحيان ، ويبسط عذره بحسب الإمكان ، ويوقفه مع ذلك على ما صدر منه
بنصح و تلطف ، لا بتعنيف وتعسف ، قاصداً بذلك حسن تربيته ، و تحسين خلقه ، و إصلاح شأنه
، فإن عرف ذلك لذكائه بالإشارة فلا حاجة لصريح العبارة ، وإن لم يفهم إلا بصريحها أتى
بها وراعى التدريج في التلطف " (9) .
ويؤكد النووي هذا المعنى فيقول :
" ويجريه مجرى ولده في الشفقة عليه ، والصبر على جفائه وسوء أدبه ، ويعذره في سوء أدب
وجفوة تعرض منه في بعض الأحيان فإن الإنسان معرضٌ للنقائص " (10) .
الفائدة الثالثة : إخلاص المعلم لنصح تلميذه
ويدل على ذلك قول ابن القيم رحمه الله حيث قال :" قال لي شيخ الإسلام000000لا تجعل قلبك
للإيرادات و الشبهات مثل السفنجة00".
فابن تيمية يوجه تلميذه إلى الأهم فالأهم ، وإلى صفاء القلب و سلامته من الشبهات ، فهو
لا يريد من تلميذه أن يتشبع قلبه بالشبهات ، فيمتصها كما تمتص السفنجة الماء فلا ينضح
إلا بها ، فيصبح قلبه مقراً للشبهات ، بل يريد من قلبه أن يكون كالزجاجة المصمته تمر
الشبهات بظاهرها و لا تستقر فيها.
و يدل مدى انتفاع التلميذ بوصية شيخه من كلام ابن القيم نفسه قال :
" فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك " .
فأين المشايخ و طلبة العلم من هذا ، و قد ملأ كثير منهم إلا من رحم الله ؟ قلوب
تلاميذهم بالشبهات و الحقد على إخوانهم من أهل العلم ، و على إخوانهم من الجماعات
الإسلامية .
حتى أصبح الشاب الحديث عهد بالالتزام ممتلئ قلبه حقدا وحسدا على إخوانه ، فهذا همه الذي
يدعو إليه ليلا ونهارا فلا حول و لا قوة إلا بالله .
و مما يدل على إخلاص ابن تيمية على نصح تلميذه ابن القيم بما فيه منفعته في الدنيا
والآخرة ، ما ذكره ابن القيم رحمه الله من وصايا في ثنايا كتبه تدل على ذلك.
فمن ذلك قوله :" قال لي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - مرة : العوارض و
المحن هي كالعوارض و البرد ، فإذا علم العبد أنه لا بد منها لم يغضب لورودها ، ولم
يغتم لذلك و لم يحزن " (11) .
وقال : " قال لي يوما شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - في شيء من المباح هذا
ينافي المراتب العالية ، وإن لم يكن تركه شرطاً في النجاة ، أو نحو هذا الكلام " (12)
.
الفائدة الرابعة : محبة التلميذ لشيخه ووفاؤه له
ويدل على ذلك ذكره رحمه الله لهذه الوصية العظيمة وغيرها من الوصايا التي ذكرها في
ثنايا كتبه ، وذكره لكثير من سؤالاته له و أسئلة غيره له ، وطائفة من أحواله ومرائيه
واختياراته ، مما لو استل من مؤلفاته لظهر في مجلد لطيف .
قال العلامة بكر أبو زيد حفظه الله تعالى :
" إن من واجب البر ولازم الوفاء أن تنصهر محبة ابن تيمية في قلب ابن القيم وقالبه و أن
يحتفي به وينوه بفضله ، عرفانا بالجميل وتقديراً لفضله الكبير.
و قد وفى ابن القيم رحمه الله تعالى حق الأستاذية و الوفاء بالشدة والرخاء.
فقد ظلّ يشارك شيخه في أعماله و أحواله منذ ملازمته له حتى آخر لحظة من حياة شيخه رحمه
الله.
و قد أمتحن وأوذى من أجل مناصرته لشيخه في ذات الله و في ذلك يقول ابن رجب: ( و قد
أمتحن و أوذي مرات وحبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة بالقلعة ، منفرداً عنه ولم
يفرج عنه إلا بعد موت الشيخ ).
و كما احتفى بشيخه وعلمه حال حياته و أخلص في محبته وولائه فقد كان خليفته الراشد بعد
وفاته ، فتلقف راية التجديد وثبت على جادة التوحيد : بنشر العلم ، وبرد الخلف إلى مذهب
السلف" (13) .
و الحمد لله رب العالمين
محمد بن خميّس العجمي
__________________________________
1-مفتاح دار السعادة :(1/200).
2-رواه الترمذي (3340) وأصل الحديث في مسلم :(3005).
3-رواه أحمد :(5356).
4-رواه البخاري :3863).
5-رواه الطبراني.
6-رواه البخاري.
7-الجامع :(1/312)، و انظر: مقالات في التربية ص51 ، للشيخ محمد الدويش.
8-فقه ابن القيم : (1/21).
9-تذكرة السامع و المتكلم ص 50.
10-المجموع شرح المهذب :(1/30).
11-مدارج السالكين :(3/389).
12-مدارج السالكين :(2/26).
13-ابن القيم حياته و أثاره ص 83. الكاتب: الشيخ محمد بن خميس العجمي التاريخ: 01/01/2007 عدد القراء: 6267
أضف تعليقك على الموضوع
|
تعليقات القراء الكرام
|
|