|
مميز: لقد قامت إدارة تويتر (X) بإيقاف حساب الشيخ في تويتر hamed_alali
وهذا عنوان حسابه الجديد
hamedalalinew |
|
فتوى البراك والصراع مع الليبرالية
محمد الغباشي
ghobashy79@hotmail.com
لم يأت العلاَّمة عبد الرحمن البراك بجديد ولم يكن بِدعًا في فتواه الأخيرة عن تحريم الاختلاط، فالرجل –وبتلقائية الفقيه وعقيلة المصلح- تحدث عن حكم شرعي في مسألة من المسائل التي تخص نساء الأمة ورجالها، وبرؤيته الواقعية رأى أن الحال مقتضٍ للحديث في مثل هذه المسألة الشائكة –أو التي صارت شائكة لوقوعها في دائرة اهتمام التيار الليبرالي والعلماني في المجتمع السعودي- ذلك التيار الذي يتجه بالمجتمع -أو يحاول- نحو التحلل والانفلات، ولكنه يجابَه بمواقف المسئولين الأمناء ورجال الدعوة المخلصين الذين يصدون أساطينه عن ذلك، ناطقين بلسان الحال والمقال: لن تستطيعوا ولو حرصتم.
لم يأت الشيخ بجديد لأن فتواه بالتكفير لم تكن بالأصالة عن مسألة الاختلاط كما صورتها وسائل الإعلام الليبرالية، وليست تحض على قتل من يجيز الاختلاط كما رُوِّج لها، وإنما هي متعلقة بتكفير مستحلي المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة، وهو الأمر الذي بات مستقرًا لدى كل باحث شرعي مبتدئ، فضلاً عن علماء الأمة الكبار ومشايخها الأفاضل وباحثيها المقتدرين. لذلك فكل اللغط والجدل الدائر حول الفتوى والهجوم الضاري والاتهامات التي بالجملة... كل ذلك لا فائدة منه ولا طائل من ورائه إن كان لدى محركي هذه الفتن شيء من التجرد في النصح لله تعالى ولدينه ولأئمة المسلمين، ولكن أكثر الناس لا يفقهون..
كالعادة، وجد دعاة الليبرالية -الذين دأبوا على الاصطياد في الماء العكر- بغيتهم في فتوى جديدة أو موضوع جديد لتلوكه ألسنتهم ويكون فرصة للتشنيع على العلماء والدعاة، يضربون به على وتر التكفير، والعودة بالمجتمع إلى عصور ما قبل التاريخ، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد خطوات نحو التنوير و"اللبرلة".. إذا صح التعبير.
فهذه الحملة العنصرية البغيضة ليست موجهة ضد شخص الشيخ البراك بقدر ما هي موجهة إلى صلب تقاليد المجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده المستمدة من الإسلام، الذي هو دين الدولة الذي ارتضته القيادة السياسية مرجعًا، وارتضته الأمة دليلاً ومنهاجًا ودستورًا..
ولكن دعونا من هذه السفسطة الفارغة، وذلك المنحدر المائل الذين يحاولون سوقنا إليه رغمًا عنا لنتبادل فيه السباب والشتائم، ولنشرع في قراءة هادئة لمواقف دعاة الليبرالية من الفتوى بعد صدورها وما تلا ذلك من حجب موقع الشيخ في المملكة العربية السعودية..
لا يخفى على المتابع للشأن العام في المملكة في الأيام الأخيرة ملاحظة اللغط والحراك الذي يموج بالمجتمع فيما يتعلق بالقضايا الحقوقية بوجه عام وقضايا المرأة على وجه الخصوص؛ والتي منها الاختلاط وقيادة المرأة للسيارة وقضايا تكافؤ النسب وتزويج الصغيرات والتجريم القانوني للتحرش الجنسي ودعاوى مساواة النساء بالرجال... إلى غير ذلك من القضايا التي وهب العلمانيون لها أنفسهم، وسخَّروا لها أقلامهم وصحفهم ووسائل إعلامهم، سواء بالدعوة المباشرة إليها، أو بتقزيم الدعوات المناوئة التي تصدر عن قامات في حجم العلامة البراك والدكتور سعد الشثري حفظهما الله؛ حيث تعرض الأخير لحملة مماثلة كانت سببًا في إقصائه عن عضوية هيئة كبار العلماء.
وهذا هو عين ما مورس مع الشيخ الذي نحن بصدد الحديث عن فتواه، فما بين كاتب ليبرالي مشفق على الشيخ من حياة الفصل "التعسفي" بين الجنسين التي ترعرع فيها منذ صباه!! وبين حانق ومحذِّر من مذهب التكفير الذي يتبناه الشيخ، والذي هو كفيل بإعادة عجلة الحياة إلى الوراء مرة أخرى، وبين مبالغ ومطالب بمحاكمة الشيخ بتهمة التحريض على القتل، وهو الأمر الذي تبرأ منه الفتوى أشد البراءة وفقًا لما استعرضناه بإيجاز.
إن الواقع في حقيقة الأمر مضطرب أشد الاضطراب، وتمور به الفتنة مورًا، ففي الوقت الذي يدفع فيه الليبراليون المجتمع بكل قوتهم نحو هاوية التردي والانحلال بكل تلك الممارسات والدعاوى الموجهة إلى المرأة والأسرة، في ذلك الوقت تُثار حملة شعواء على العلماء وطلبة العلم والدعاة ورجال الحسبة لأجل تشويه صورتهم وحسر دورهم فقط في المساجد والوعظ، وتجنيبهم الحياة العامة للمواطنين وأفراد الأمة كي يعيث فيها الليبراليون فسادًا بعد أن بان فساد طويتهم..
فإن كان أحدهم مشفقًا على الشيخ من نشأته في بيئة تحض على الفصل بين الجنسين وتفعِّله واقعًا في حياتها، فإن الشفقة تأسرنا على هذا الكاتب الذي ربما نشأ حياته بين خليط من الرجال الديوثيين الذين لا يغارون على نسائهم المتكشفات من رؤية الأجانب لهن ولا من الحديث المتبادل الذي يستميل القلوب؛ ما رسَّخ في داخله أن هذا هو الأصل عنده، فصار غير قادر على الاستغناء عن مقارعة خمر هواه وإيلاج المسكر إلى عينيه اللتين باتتا غير قادرتين على الاستغناء عن مثل هذه المشاهد والمحادثات الفارغة.
وإن كنا بصدد محاولة فهم الهدف من تلك الحملة الشعواء فلنا أن نطرح بعض الأسئلة التي لا تحتاج جوابًا بقدر ما تحتاج إلى العصف الذهني لمحاولة إدراك الصورة الكلية للأحداث الواقعة في تلك الأيام.
فلماذا يعيب علينا دعاة الليبرالية نشأتنا في مجتمع محافظ نظيف لا اختلاط فيه بين الرجال والنساء ولا وقوع في النظرة الخاطئة أو اللمسة الخاطئة أو كشف ما لا يجوز كشفه، ولا يعيبون على أنفسهم أنهم عاشوا في أحضان السافرات، يطلقون أبصارهم لتنظر، وعقولَهم لتتخيل، ونفوسهم لتتشوه؛ لنرى -في نهاية المقام- تلك الكائنات التي لا تمت بِصِلَة إلى مجتمعاتنا ولا عاداتنا ولا تقاليدنا؟!
ولماذا تصب الصحف السعودية الضخمة -والمعروفة بنتاجها الفكري العلماني- جام غضبها وهجومها على المشايخ والعلماء والدعاة أو وسائل الإعلام الإسلامية التي لا تزال تحبو في مجال الإعلام –مقارنة بالوسائل العلمانية- إذا حاولت الرد على شبهات الليبرالية أو الدعوة إلى رأيها المنبثق عن الشرع؟! ولماذا لا تطبّق قواعد الديمقراطية التي ينادي بها الليبراليون في هذه الحالة؟! بل لماذا ينادَى بتطبيق الديمقراطية لصالح الليبرالية إذا كانت متهَمة –بفتح الهاء- ولا تطبق عليها إن كانت متهِمة –بكسرها-؟!
إن هذه الازدواجية المقيتة التي يطلعنا عليها الليبراليون كل يوم هي أصل من أصول منهجهم؛ فمادامت الديمقراطية وحق التعبير يخدمان القضية الليبرالية فأهلاً ومرحبًا، و:
إذا قالت حذام فصدقوها *** فإن القول ما قالت حذام
أما إن لم يكن في ذلك هوى للعلمانية أو مأربًا من مآربها السوداء فالاتهامات جاهزة: التكفير.. الرجعية.. التشدد.. الظلامية.. السوداوية.. "المطاوعة".. وما إلى ذلك من صنوف الاتهامات المعلَّبة التي يصمون بها مخالفيهم على الدوام.
ولماذا يلجأ العلمانيون والليبراليون في هذه البلاد إلى تهميش قضية الاختلاط واعتبارها قضية خلافية تسمح بتبادل وجهات النظر فيها قبولاً وردًّا؟! لماذا لا يعترفون مباشرة بأنهم يرفضون الفصل ((التعسفي)) بين الرجل والمرأة؟! لماذا لا يعلنون حقيقةً أهدافهم بإخراج المرأة من منزلها لتقابل هذا وتبتسم في وجه هذا وتصافح هذا، ثم ما يترتب على ذلك من عشق هذا وحب هذا والوقوع في الرذيلة مع هذا؟!
المجتمع السعودي لا يزال فيه (رمق شرعي).. لا يزال متمسكًا بشريعته الغراء.. لا يزال يقدِّر علماء الدين قدرهم ويرى فضلهم، لذلك فإن سلخه عن دينه ليس من السهولة بمكان، بل إن سلخ جلده ونزع عظامه قد يكون أهون عليه من ذلك، والعلمانيون يدركون ذلك، فلا يرددون كلمات "جون لوك" أو "جون ستيوارت مل" وأمثالهما من أساطين الليبرالية الذين يرونها حركة مصادمة للدين ورافضة له ولكل أشكال الإيمان والاعتقاد والعبادة، كلا، بل على العكس من ذلك؛ يُظهِرون الوجه الوديع المزين بالمساحيق، ويعترفون بهيمنة الإسلام على الحياة في المملكة، وبكون شرائعه واجبة النفاذ... وغير ذلك من العبارات البراقة، ثم يحاولون سحب البساط شيئًا فشيئًا من تحت أقدام العلماء والدعاة والمصلحين، ووسمهم بصور التخلف والتكفير والظلام والسوداوية والرجعية؛ لتنسحب هذه الأوصاف شيئًا فشيئًا على الإسلام الذي يلتزم به هؤلاء.
لذلك فمسألة الاختلاط في الوقت الراهن –وفقًا لهم- مسألة خلافية، ينبغي التمهل عند مناقشتها، وهي قابلة للأخذ والرد، لاسيما بعد استمالتهم لبعض القائلين بجواز الاختلاط بين الجنسين، وهم إما مخدوعون نحسن بهم الظن، أو دائرون مع الليبراليين واتجاهات العلمنة حيث دارت.
أما غدًا –وهو ما يطمحون إليه- فقضية الاختلاط باتت محسومة، وغير قابلة للمناقشة، وقد حُسم فيها الجدل منذ زمن بعيد، وصار المذهب الذي تسير عليه المملكة هو جواز الاختلاط بين الأطفال في المدارس والكليات والمعاهد العليا والعمل والأسواق والشوارع والميادين وحتى في المساجد.. وهو الحال الذي صار إليه الأمر في غالبية الدول الإسلامية، فمن يستهويه الآن الحديث عن الاختلاط في مصر: في مدارسها وكلياتها ومعاهدها ومؤسساتها الحكومية؟! ومن يستهويه الحديث عنه في تونس أو المغرب أو سوريا أو لبنان أو اليمن أو البحرين، أو تركيا التي تسبق الجميع بخطوات عدة؟!
إن هذه الدعاوى ليست إلا دعاوى فساد وإفساد، وليت شعري كيف فطن الغرب "الكافر" –على كفره- لخطورة الاختلاط وبدأ في القضاء عليه في المدارس والمعاهد ووسائل المواصلات –وهناك تجربة فريدة في المكسيك فيما يتعلق بوسائل المواصلات النسائية قضت تمامًا على التحرش في بعض الولايات- كيف فطن الغرب لذلك ولا نزال نرغب في خوض التجربة من بدايتها.. تؤكد الأبحاث الغربية خطورة الاختلاط على التحصيل الدراسي -مثلاً- ولا نزال نفكر في جعل التعليم مختلطًا؛ حرصًا على نفسية الأطفال –زعموا- ولئلا تتكون العقد النفسية لدى الليبراليين!!
إن هذه هي الفترة الذهبية لدى التيار الليبرالي في المملكة، فإن المنحنى لا يزال في صعود، وذلك خلافًا لبعض الدول العربية الأخرى التي تشبعت من ترهات الليبرالية ومساوئها، ونبذتها وراء ظهرها لتعود بقوة إلى دفع عجلة التغيير الإسلامية، فعلى المسئولين في الدولة –وهم محل ثقتنا- وعلى الدعاة والمصلحين والعلماء الراشدين مجابهة هذه الدعوات ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً؛ لأجل تقليل عمر هذه الدعاوى الهدامة والنداءات التغريبية التي تفت في عضد الأمة، وتذهب سُدى بمجهوداتها ومساعيها نحو الإصلاح والبناء، والتي نوقن جميعًا في نهاية المطاف أن مصيرها لا محالة إلى مزبلة التاريخ.. ولا عزاء للسادة الليبراليين..
الكاتب: محمد الغباشي التاريخ: 21/03/2010 عدد القراء: 3710
أضف تعليقك على الموضوع
|
تعليقات القراء الكرام
|
|