|
مميز: لقد قامت إدارة تويتر (X) بإيقاف حساب الشيخ في تويتر hamed_alali
وهذا عنوان حسابه الجديد
hamedalalinew |
|
كَانَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّابِقِ لاَ يُخْرِجُونَ كِتَابًا حَتَّى يَقْتُلُوهُ بَالْمُرَاجَعَةِ وَالتَّدْقِيقِ، فَقَدْ مَكَثَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ ثَلاثِينَ سَنَةً يِؤُلِّفُ ((التَّمْهِيدَ))، وَقَدْ قَالَ فِيْهِ:
سَمِيرُ فُؤَادِي مُذْ ثَلاثينَ حِجَّة
وَصَيْقَلُ ذِهْنِي وَالْمُفَرِّجُ عَنْ هَمِّي
بَسَطْتُ لَكُمْ فِيْهِ كَلامَ نَبِيِّكُمْ
بِمَا فِي مَعَانِيْهِ مِنَ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ
وَفِيْهِ مِنَ الآثَارِ مَا يُقْتَدَى بِهِ
إِلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَيَنْهَى عَنِ الظُّلْمِ
وَمَكَثَ الْحَافِظُ جَلالُ الدِّينِ السُّيُوطِيُّ فِي تَأْلِيفِ ((النَّهْجَةِ الْمَرْضِيَّةِ)) سَنَتَيْنِ، وَهِيَ شَرْحٌ عَلَى أَلْفِيَّةِ ابْنِ مَالِكٍ!.
وَمَكَثَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَأْلِيْفِ ((فَتْحِ الْبَارِي)) ثَلاثِيْنَ سَنَةً، وَقَدْ بَلَغَتْ مَرَاجِعُهُ فِي شَرْحِهِ (1430) كِتَابًا.
وَقَدْ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ الثَّعَالِبِي – وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ تَأْلِيفِهِ لِكِتَابِ ((يَتِيمَةِ الدَّهْرِ))- :
((وَقَدْ كُنْتُ تَصَدَّيْتُ لِعَمَلِ ذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَثَلاثُمِائَةٍ، وَالْعُمْرُ فِي إِقْبَالِهِ، وَالشَّبَابُ فِي مَائِهِ، وَكَتَبْتُهُ فِي مُدَّةٍ تَقْصُرُ عَنْ إِعْطَاءِ الْكِتَابِ حَقَّهُ، وَلا تَتَّسِعُ لِتَوْفِيَةِ شَرْطِهِ؛ فَارْتَفَعَ كَعُجَالَةِ الرَّاكِبِ، وَقَبْسَةِ العَجْلانِ، وَقَضَيْتُ بِهِ حَاجَةً فِي نَفْسِي، وَأَنَا لاَ أَحْسِبُ الْمُسْتَعِيرِينَ يَتَعَاوَرُونَهُ، وَالْمُنْتَسِخِينَ يَتَدَاوَلَونَهُ؛ حَتَّى يَصِيرَ مِنْ أَنْفَسِ مَا تَشِحُّ عَلَيْهِ أَنْفُسُ أُدَبَاءِ الأُخْوَانِ، وَتَسِيرُ بِهِ الرُّكْبَانِ إِلَى أَقَاصِي البُلْدَانِ، وَحِينَ أَعَرْتُهُ عَلَى الأَيَّامِ بَصَرِي، وَأَعَدْتُ فِيْهِ نَظَرِي، تَبيَّنْتُ مِصْدَاقَ مَا قَرَأْتُهُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ:
إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبْدُو مِنْ ضَعْفِ ابْنِ آدَمَ أَنَّهُ لاَ يَكْتُبُ كِتَابًا؛ فَيَبِيتُ عِنْدَهُ إِلاَّ أَحَبَّ فِي غَدِهِ أَنْ يَزِيدَ فِيْهِ أَوْ أَنْ يَنْقُصَ، هَذَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَكَيْفَ فِي سِنِينَ عِدَّة ! )).
وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ التَّصْنِيفَ لَيْسَ بِالأَمْرِ الْهَيِّنِ، فَقَدْ كَانَ لاَ يَتَصَدَّرُ لِلتَّأْلِيفِ مِنْهُمْ إِلاَّ مَنْ تَأَهَّلَ، فَإِنَّ التَّأْلِيفَ أَوِ التَّحْقِيقَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إِنَاءٍ مُلِئَ إِلَى آخِرِهِ فَفَاضَ بَعْدَمَا طَفَحَ؛ فَإِنَّ الْفَائِضَ هُوَ التَّأْلِيفُ، وَأَصْلُ الْمَاءِ الْخَارِجِ هُوَ الْعِلْمُ.
هَذَا؛ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ صَنَفَ كِتَابًا فَقَدْ وَضَعَ عَقْلَهُ عَلَى طَبَقٍ يُطَافُ بِهِ عَلَى النَّاسِ يَنْظُرُونَ مَا حَوَاهُ !، لِذَا يَقُولُ الثَّعَالِبِيُّ: ((الأَدَبُ صُورَةُ الْعَقْلِ، فَحَسِّنْ عَقْلَكَ كَيْفَ شِئْتَ!)).
وَقَدِيْمًا قَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلاَءِ: ((الإِنْسَانُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ عَقْلِهِ وَفِي سَلامَةٍ مِنْ أَفْوَاهِ النَّاسِ مَا لَمْ يَضَعْ كِتَابًا، أَوْ يَقُلْ شِعْرًا)).
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ الْبَرْمَكِيُّ: ((لاَ يَزَالُ الرَّجُلُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ عَقْلِهِ مَا لَمْ يَقُلْ شِعْرًا أَوْ يُصَنِّفْ كِتَابًا)).
وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ ((أَلِف بَاء)) لِيُوسُفَ الْبلويِّ (604هـ): ((وَقَالَ الْجَاحِظُ: لاَ يَزَالُ الْمَرْءُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ عَقْلِهِ، مَا لَمْ يَصْنَعْ كِتَابًا يَعْرِضُ فِيْهِ عَلَى النَّاسِ مَكْنُونَ فَضْلِهِ، وَيُتَصَفَّحُ فِيْهِ – إِنْ أَخْطَأَ – مَبْلَغَ عَقْلِهِ)).
فَعَلَّقَ البلوي عَلَى قَوْلِهِ: ((وَصَدَقَ !؛ لأَنَّهُ مَنِ امْتَحَنَ قَوْلاً ظَهَرَ عَلَى عَيْبِهِ، وَمَنْ طَلَبَ عَيْبًا وَجَدَهُ)).
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُقَفِّع: ((مَنْ وَضَعَ كِتَابًا فَقَدْ اسْتَهْدَفَ؛ فَإِنْ أَجَادَ فَقَدِ اسْتَشْرَفَ، وَإِنْ أَسَاءَ فَقَدِ اسْتُقْذِفَ ! )).
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ ((الْمُوَشَّى)): ((وَقَلَّ مَا نَجَا مُؤَلِّفٌ لِكِتَابٍ مِنْ رَاصِدٍ بِمَكِيدَةٍ أَوْ بَاحِثٍ عَنْ خَطِيئَةٍ، وَقَدْ كَانَ يُقَالُ مَنْ أَلَّفَ كِتَابًا فَقَدِ اسْتَشْرَفَ وَإِذَا أَصَابَ فَقَدِ اسْتَهْدَفَ وَإِذَا أَخْطَأَ فَقَدِ اسْتُقْذِفَ، وَكَانَ يُقَالُ: لاَ يَزَالُ الرَّجُلُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ عَقْلِهِ مَا لَمْ يَقُلْ شِعْرًا أَوْ يَضَعْ كِتَابًا،وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي ذَلِكَ:
لاَ تَعْرِضَنَّ لِلشِّعْرِ مَا لَمْ يَكُنْ
عِلْمُكَ فِي أَبْحُرِهِ جِسْرا
فَلَنْ يَزَالَ الْمَرْءُ فِي فُسْحَةٍ
مِنْ عَقْلِهِ مَا لَمْ يَقُلْ شِعْرَا
وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ:
الشِّعْرُ عَقْلُ الْمَرْءِ يَعْرِضُهُ
وَالْقَوْلُ مِثْلُ مَوَاقِعِ النَّبْلِ
مِنْهَا الْمُقَصِّرُ عَنْ رَمْيَتِهِ
وَنَوَافِذٌ يَذْهَبْنَ بِالْخَصْلِ
وَمْعَنَى اسْتَهْدَفَ: انْتَصَبَ وارْتَفَعَ، فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ صَارَ هَدَفًا لآرَاءِ النَّاسِ وَانْتِقَادَاتِهِمْ.
لِذَا يَقُولُ الإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ ((مِفْتُاحِ دَارِ السَّعَادَةِ)) لِمَنْ يَقْرَأْ كِتَابَهُ: ((فَلَكَ أَيُّهَا الْقَارِئُ صَفْوَهُ وَلِمُؤَلِّفِهِ كَدَرُهُ، وَهُوَ الَّذِي تَجَشَّمَ غَرْاسَهُ وَتَعَبَهُ، وَلَكَ ثَمَرُهُ، وَهَا هُوَ قَدْ اسْتَهْدَفَ لِسِهَامِ الرَّاشِقِينَ، وَاسْتَعْذَرَ إِلَى اللهِ مِنَ الزَّلَلِ وَالْخَطَأِ، ثُمَّ إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ))، وَهَذَا الَّذِي حَمَلَ الرَّاغِبَ الأَصْبَهَانِيَّ عَلَى أَنْ يَقُولَ: ((عَرْضُ بَنَاتِ الصُّلْبِ عَلَى الْخُطَّابِ أَسْهَلُ مِنْ عَرْضِ بَنَاتِ الصَّدْرِ عَلَى الأَلْبَابِ !!)).
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ نَجَاةَ مِنَ النَّقْدِ لأَحَدٍ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا حُرِّرَ الْكِتَابُ وَدُقِّقَ قَدْرَ الْمُسْتَطَاعِ سَلِمَ الْكَتاِبُ مِنْ مُعْظَمِ النَّقْدِ إِلاَّ مَا بُنِيَ عَلَى الْحَسَدِ! فَإِنَّهُ دَائِمٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ، وَلِهَذَا يَقُولُ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ ((الْحَيَوانِ)): وَيَنْبَغِي لَمَنْ كَتَبَ كِتَابًا أَلاَّ يَكْتُبَهُ إِلاَّ عَلَى أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ لَهُ أَعْدَاءٌ وَكُلُّهُمْ عَالِمٌ بِالأُمُورِ وَكُلُّهُمْ مُتَفَرِّغٌ لَهُ !؛ ثُمَّ لاَ يَرْضَى بِذَلِكَ حَتَّى يَدَعَ كِتَابَهُ غُفْلاً وَلاَ يَرْضَى بِالرَّأْي الْفَطِيرِ؛ فَإِنَّ لابْتِدَاءِ الْكِتَابِ فِتْنَةً وَعُجْبًا، فَإِذَا سَكَنَتْ الطَّبِيعَةُ وَهَدَأَتِ الْحَرَكَةُ وَتَرَاجَعَتِ الأَخْلاَطُ وَعَادَتِ النُّفُسُ وَافِرَةً: أَعَادَ النَّظَرَ فِيْهِ فَيَتَوَقَّفُ عِنْدَ فُصُوْلِهِ تَوقُّفَ مَنْ يَكُونُ وَزْنُ طَمَعِهِ فِي السَّلاَمَةِ أَنْقَصَ مِنْ وَزَنِ خَوْفِهِ مِنَ الْعَيْبِ، وَيَتَفَهَّمَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّاعِرِ:
إنَّ الْحَدِيثَ تَغُرُّ القَوْمَ خَلْوَتُهُ
حَتَّى يَلِجَّ بِهِمْ عِيٌّ وَإِكْثَارُ
وَيَقِفُ عِنْدَ قَوْلِهِمْ فِي الْمَثَلِ: ((كُلُّ مُجْرٍ فِي الْخَلاَءِ يُسَرُّ)) فَيَخَافُ أَنْ يَعْتَرِيهِ مَا اعْتَرَى مَنْ أَجْرَى فَرَسَهُ وَحْدَهُ، أَوْ خَلاَ بِعِلْمِهِ عِنْدَ فَقْدِ خُصُومِهِ وَأَهْلِ الْمَنْزِلَةِ مِنْ أَهْلِ صَنْاعَتِهِ.اهـ
هَذَا؛ وَلابُدَّ لِمَنْ أَرَادَ التَّأْلِيفَ أَنْ يَقْصِدَ شَيْئًا لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ، فَإِنَّ بِهِ الْفَائِدَةَ الْمَنْشُودَةَ كَمَا قَالَ الوَلِيدُ الْحِمْيَرِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ ((الْبَدِيعُ فِي وَصْفِ الرَّبِيعِ)): ((فَإِنَّ أَحَقَّ الأَشْيَاءِ بِالتَّأْلِيفِ، وَأَوْلاهَا بِالتَّصْنِيفِ؛ مَا غَفَلَ عَنْهُ الْمِؤَلِّفُونَ، وَلَمْ يُعْنَ بِهِ الْمُصَنِّفُونَ؛ مِمَّا تَأْنَسُ النُّفُسُ إِلَيْهِ، وَتَلْقَاهُ بِالْحِرْصِ عَلَيْهِ))، أَوْ أَنْ لاَ يَخْلُوَ مِنْ أَحَدِ الْمَعَانِي الثَّمَانِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الإِمَامُ أَبو حَيَّانَ، وَهِيَ :
1- اخْتِرَاعُ مَعْدُومٍ.
2- أَوْ تَكْمِيلُ نَاقِصٍ.
3- أَوْ تَهْذِيبُ مُطَوَّلٍ.
4- أَوْ تَعْيِينُ مُبْهَمٍ.
5- أَوْ جَمْعُ مُتَفَرِّقٍ.
6- أَوْ تَفْصِيلُ مُجْمَلٍ.
7- أَوْ تَرْتِيبُ مُخَلَّطٍ.
8- أَوْ تَبْيِينُ خَطَأٍ.
وَلاَ وَجْهَ لِمَنْ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ أَرَادَ التَّصْنِيفَ فِي هَذَا الزَّمَانِ، بِدَعْوَى أَنَّ الْعِلْمَ قَلَّ فَيَنْبَغِي الإِقْبَالُ عَلَى التَّحْقِيقِ !، أَوْ بِدَعْوَى ((مَا تَرَكَ الأَوَّلُ لِلآخِرِ ))!، فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي مُقَدِّمَةِ التَّسْهِيْلِ : ((وَإِذَا كَانَتِ الْعُلُومُ مِنَحًا إِلَهِيَّةً وَمَوَاهِبَ اخْتِصَاصِيَّةً، فَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ أَنَّ يُدَّخَرَ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا عَسِرَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ)).
وَيَقُولُ أَحَدُ الْعُلَمَاءُ:
وَقِسْمَةُ الْحُظُوظِ فِيهَا أَدْخَلُوا
فَهْمَ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَنْعَقِلُ
فَيُحْرَمُ الذَّكِيُّ بِالْفَهْمِ الْجَلِي
إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَظِّهِ فِي الْأَزَلِ
لِذَا يَقُولُ ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ فِي ((الْعِقْدِ الْفَرِيدِ)): ((إِنِّي رَأَيْتُ آخِرَ كُلَّ طَبَقَةٍ، وَاضِعِي كُلَّ حِكْمَةٍ، وَمُؤَلِّفِي كُلَّ أَدَبٍ، أَهْذَبُ لَفْظًا، وَأَسْهَلُ لُغَةً، وَأَحْكَمُ مَذَاهِبَ، وَأَوْضَحُ طَرِيقَةً مِنَ الأَوَّلِ، لأَنَّهُ نَاقِضٌ مُتَعَقِّبٌ، وَالأَوَّلُ بَادِئٌ مُتَقَدِّمٌ)).
وَاللهُ أعلم.
الكاتب: محمد مال الله التاريخ: 25/02/2010 عدد القراء: 3661
أضف تعليقك على الموضوع
|
تعليقات القراء الكرام
|
|