مصير الأمة أولى بالشورى من فطام الصغير
بقلم أ.د/عبد الكريم بن يوسف الخضر
ومن هنا ندرك أن من يقول بان الشورى غير واجبة في الأمور المصيرية التي تتعلق بالأمة ومقدراتها ,ومستقبلها ودفاعها عن مقدساتها وصياغة تعليمها و الاهتمام بأمورها العسكرية, والاجتماعية, والاقتصادية, والتربوية, وتوزيع ثرواتها ,والحفاظ على المال العام ,وتحديد موازنتها وغير ذلك, إنما هو حق خالص للحاكم وهو مخير فيه بين أن يستشيرها ويعمل بما أشارت عليه به , أو يستشيرها ولا يعمل بما أشارت عليه به, أو لا يستشيرها , إنما هو قول مخالف مخالفة صريحة وجلية لنصوص القرآن والسنة ولعمل النبي صلى الله عليه وسلم وعمل صحابته رضوان الله عليهم وعمل السلف الصالح, كما أن القول بذلك يؤدي إلى القول بأن فطام الصغير عن الرضاعة أهم في الإسلام من مصير الأمة, وذلك لان القرآن قد نص على الاستشارة فيه مما يدل على وجوبه.
إنه الهوى المضل, و الفهم المنقلب بالجهل, أو المقلوب بالقصد .إنه البعد عن المعنى الصافي الزلال خوفا من الاعتقال , أو حبا وطمعاً في الأموال , إنه التحريف المقصود عن تعاليم الرب المعبود طمعا فيما عند العبد المندود, إنه إغفال الخوف من الله لوجود الرهبة من خلق الله , إنه تناسي السؤال من الله في الآخرة من أجل التسول من المستبد في الحاضرة , إنه كتمان الحق الذي توعد الله عليه فاعله بقوله تعالى(إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) سورة البقرة (159) وإلا فكيف يمكن لأحد أن يتصور إغفال المطالبة في الشورى في حق تقرير مصير الأمة, وفي كيفية توزيع ثرواتها ووجوب الاهتمام بأجيالها, وإصلاح تعليمها , وحماية ثغورها ,ورعاية مصالحها ,وكيف يتصور أيضاً حياد بعض(المتعالمين )عنه وهم قد قرءوا كتاب الله , وزعموا أنهم أدركوا بعض معاني آياته منه, وقد وردت عليهم في قراءتهم آيات الذكر الحكيم في قيمة الشورى ومنزلته في دين الله, مابين أية بينت وجوب الشورى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق الأمة في قول الله تعالى(وشاورهم في الأمر)سورة آل عمران(159).
فإذا كان هذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم (الموحى إليه)واجباً عليه للأمة, فوجوبه على غيره ممن تولى زعامة أو رئاسة عليها من باب أولى, ومابين آية كريمة تعجب كيف عميت بصائرهم عنها وقد أوضحت وجلت إحدى سمات هذه الرسالة الخالدة في تمييزها لهذه الأمة المحمودة في قول الله تعالى(والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون)سورة الشورى(38).
إن الإنسان لو سأل أحد هؤلاء (المتعالمين) عن حكم فطام الصغير برأي منفرد من قبل أحد أبويه دون رضا الأخر ومشاورته لبادر المسئول بالإجابة قائلا: بأن هذا لا يجوز لأنه مخالف مخالفة واضحة لأية صريحة في القرآن وهي قول الله تعالى (فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ....الآية )البقرة(233)
ولو أعدت عليه السؤال بقولك ـ إذا فما حكم أن يتصرف الحاكم في أمور الأمة المصيرية بدون إذنها أو مشورتها, لبادر مجيباً دون تفكير منه : أن ذلك جائز له وهو من صميم عمله ولا يلزمه الاستشارة مهما بلغ جهله ومهما بلغ علم الأمة وعلل قوله بأن الحاكم اعلم بمصالح الأمة وأدرى بما ينفعها !!!!
وان كان افقه من ذلك بقليل قال :إن الحاكم يلزمه الشورى لكنه لا يلزمه العمل بذلك الرأي بل من حقه أن يصرف نظره عنه ويعمل برأيه فقط.(ومعنى هذا أن هذه الشورى لا ثمرة منها)
ومن هنا يحصل للمتابع العجب ويحدث عنده التناقض الذي أصبح فيه نظام الحكم في الإسلام غير ثابت على أساس رصين عند من ابتلاه الله بالجهل المبين, وعمى على بصيرته وان كان قد فتح عليه بصره!!
ووجه العجب عدم الفهم الواضح لهؤلاء المتعالمين في شان بعض أحكام الإسلام خاصة ما يتعلق منها في باب السياسة الشرعية, وفهم النصوص وفق مراد الله وعدم قدرتهم على التخلص من آثار ما يعيشونه في مجتمعهم من استبداد وظلم وطغيان ,أوصل بعضهم أن ارتفع مؤشر الخوف في عقولهم إلى العنان, حتى وصل الخوف عندهم من السلطان أكثر من خوفهم من الرحمن, وقد نسوا أن الخوف الذي يصل بالإنسان إلى أن يكتم بعض ما أتاه الله من علم وبيان ليس خوفاً طبيعياً, إنما هو تخويف من الشيطان وقد قال الله عز وجل في ذلك ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم و خافون إن كنتم مؤمنين )سورة آل عمران(175) مما أوصل هؤلاء في نهاية المطاف إلى عدم استطاعتهم تحقيق التوحيد الخالص لله, كما أراد الله عز وجل حتى تزول منهم الرهبة من الطغيان لوجود الوجل من الديان
وإلا فكيف يتصور عاقل أن الله يوجب على الأبوين-كما ذكر ذلك الثوري وابن كثير وغيرهم - حتى في حال خلافهما- أو ولي الطفل في حالة موت والده وأم الطفل - أن يتشاورا في فطام الصغير وفصاله, وأنه لا يجوز أن يستبد أحدهما بذلك دون الطرف الآخر, وفي أمر ليس بذي شأن كبير وهو الفطام , مع أن هذا الصغير فرد واحد من مجموع هذه الأمة لم يبلغ التمييز فضلاً عن الرشد ثم هو –عز وجل عما يقول المحرفون- يجعل أمر الأمة كلها من رجال ونساء ومن أطفال وشبان وشيوخ ومن علماء ومتعلمين, ومن قواد وجنود, ومن مفكرين وعلماء, ومن خاصة وعامة يجعل أمرهم وأمر الأمة ومقدراتها الاقتصادية وقوتها العسكرية, ومكانتها الاجتماعية, وأموالها وحربها وصلحها, بل وأمر الحفاظ على الشريعة وحماية بيضة الإسلام, والدفاع عن مقدساتها, كلها يجعله الله لرجل واحد- وهو الحاكم - قد يكون غير صالح لان يلي أمر نفسه فضلاً عن أن يلي أمر الأمة الإسلامية أويكون أحد ولاتها .هل لعاقل أن يتصور ذلك ؟؟؟
وهل يمكن لنا أن نعرض هذا الفكر وهذا المبدأ بهذه الصورة المتناقضة أمام الأمم الأخرى, ونطلب منها أن تصدق أن هذا من مبادئ الإسلام وقيمه الثابتة في نظام الحكم, وأنه قد جاء التوجيه عليه في كتابنا عن طريق الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه !!! ومن ثم ندعو الناس إلى الدخول في هذا الدين!!!
استغفر الله أن أكون من الجاهلين الذين أعمى الخوف أو الجبن والطمع , بصائرهم عن الحق المبين. لذلك كان واجباً على العلماء الصادقين من هذه الأمة -لا العملاء البائعين لمبادئ هذه الأمة – أن يتنبهوا لمثل هذه الشبه التي يمكن أن تكون سببا في خروج الناس من دين الله أفواجا .
ولا اعلم لمن قال بذلك أي عذر يمكنه أن يعتذر به في تجاهله لتطبيقات الأمم السابقة الذين وردت قصصهم في القرآن العظيم كما حصل لملكة بلقيس (قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمراً حتى تشهدون)سورة النمل(32) حيث استشارة قومها وطلبت منهم أن يشيروا عليها ,مع أنهم قد أعطوها كامل الخيارات في أن تتصرف كيفما شاءت .
وكيف تجاهل فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الشورى حينما كان يستشير أصحابه في كل أمر صغير أو كبير يريد أن يقوم به .
وما ورد عن خلفائه من بعده أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبي طالب رضي الله عنهم, وأين ما طالب به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, كعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر والزبير بن العوام والحسن والحسين وغيرهم رضوان الله عليهم.
هل يترك ذلك كله من اجل أهواء حاكم ,أو خوفاً من مستبد , أو رهبة من طاغية أو تغييباً من متعالم , أو رجاءً لمطمع دنيوي
وأعظم جرما تركه من اجل جهل في حكمه, لأنه لا يجوز في مثل هذه الحالة أن يتعرض(المتعالم) لمثل هذه المسائل كما يجب عليه أن يبتعد عن التصدر لأمور المسلمين ,والتصدي لإفتائهم , ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه.
ومن هنا ندرك أن من يقول بان الشورى غير واجبة في الأمور المصيرية التي تتعلق بالأمة ومقدراتها ,ومستقبلها ودفاعها عن مقدساتها وصياغة تعليمها و الاهتمام بأمورها العسكرية, والاجتماعية, والاقتصادية, والتربوية, وتوزيع ثرواتها ,والحفاظ على المال العام ,وتحديد موازنتها وغير ذلك, إنما هو حق خالص للحاكم وهو مخير فيه بين أن يستشيرها ويعمل بما أشارت عليه به , أو يستشيرها ولا يعمل بما أشارت عليه به, أو لا يستشيرها , إنما هو قول مخالف مخالفة صريحة وجلية لنصوص القرآن والسنة ولعمل النبي صلى الله عليه وسلم وعمل صحابته رضوان الله عليهم وعمل السلف الصالح, كما أن القول بذلك يؤدي إلى القول بأن فطام الصغير عن الرضاعة أهم في الإسلام من مصير الأمة, وذلك لان القرآن قد نص على الاستشارة فيه مما يدل على وجوبه.
ولا قائل يمكن ان يقول بذلك بل إن جميع المسلمين يتفقون على أن مصير الأمة الإسلامية أولى بوجوب الشورى من فطام الصغير.
الكاتب: مسلمة التاريخ: 08/01/2011 عدد القراء: 3587
أضف تعليقك على الموضوع
|