لفضيلة الشيخ العلامة : سليمان بن ناصر العلوان " حفظه الله "
انتقاء
أبو المهنـد القصيمي
Saleh1427@hotmail.com
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102)} [آل عمران]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً(1)} [النساء]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)} [الأحزاب].
أما بعد:
فهذه فوائد منتقاة من شرح فضيلة الشيخ سليمان العلوان على كتاب شرح تجريد التوحيد المفيد للعلامة المقريزي وقد بلغت 220 فائدة والشرح يحتمل أكثر من هذا ولكن هذا جهد المقل ،،
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا ،،،
[ الشريط الأول ]
1- كتاب تجريد التوحيد المفيد للعلامة أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي يُكنى بأبي العباس وقيل : بأبي محمد البعلبكي الأصل و قد ولد بمصر بعد الستين وسبعمائة بِسُنَيّات وقد قيل أنه ولد سنة ستٍ وستين وسبعمائة ، تمذهب على الفقه الحنفي ثم تحول عنه إلى الفقه الشافعي وقد ذكر عنه الحافظ ابن حجر – رحمه الله – بأنه كان إماماً بارعاً متقناً ضابطاً ديناً وقد محباً لأهل السنة والجماعة وقد كان يميل إلى الحديث والعمل به حتى نسب إلى أهل الظاهر وقد أثنى عليه غير واحدٍ من أهل العلم ويمكن مراجعة ذلك في التراجم. فلا نطيل الحديث عنه ففي أوائل الكتاب ترجمةٌ كافيةٌ له وقد توفي سنة خمسٍ وأربعين وثمانمائة .
2- قال غير واحد بأنه أول كتاب أفرد في توحيد الإلهية .
3- وصفة الكفر بالطاغوت كما قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: ( أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وأن تتركها وأن تبغضها وأن تكفر أهلها وأن وتعاديهم ) .
4- ففي صحيح الإمام مسلم من طريق الفزاري عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه أن النبي قال : ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حَرُمَ مالهُ ودمهُ وحسابهُ على الله عز وجل ) .
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله - في مسائل كتاب التوحيد ( وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال بل ولا معرفة معناها مع لفظها بل ولا الإقرار بذلك بل ولا كونه لا يدعوا إلا الله وحده لا شريك له بل لا يحرم دمه ولا ماله حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله ، فإن شك أو توقف لم يحرم دمه ولا ماله فيا لها من مسائل ما أعظمها ، وأجلها ، ويا له من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع ) .
5- حديث ( كل أمرٍ ذي بال لا يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع ) وهذا الخبر ضعيف بالاتفاق وقد رواه الخطيب في الجامع والسُبكي في طبقات الشافعية وفي إسناده ابن الجَنَدي وهو ضعيف الحديث ، وفي الخبر اضطراب أيضاً . والمحفوظ في هذا الخبر حديث : ( كل أمرٍ ذي بال لا يبدأ بالحمد ) . على إرساله وهو المحفوظ ، أما الأول فهو منكرٌ جدا ولا يصح .
6- حديث عاصم ابن كُلَيب عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي قال : ( كُل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليدِ الجَذْمًاء ) رواه أبو عيسى الترمذي وأبو داودٍ وفي صحته اختلاف .
7- حديث أبي إسحاق السَبيعي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال : ( كان رسول يعلمنا خطبة الحاجة كما يعلمنا السورة من القرآن (( إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله )) وفي رواية (( وأشهد أن محمداً عبده ورسوله )) رواه أهل السنن وغيرهم وإسناده صحيح.
8- قوله تعالى : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير : وقد شرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى هذه الآية في مجلد ، ذكر ذلك غيرُ واحدٍ ممن ترجم لأبي العباس - رحمه الله - والموجود في كلامه من المطبوع شيء كثير في تفسير هذه الآية وفي توضيح معناها وكثرة ما فيها من الفوائد وبديع الفرائد .
9- التوحيد مصدر وحَدَ يُوحدُ توحيداً فهو موحد ، ولا يسمى العبدُ موحداً إلا إذا أفرد الله بأفعاله .
فلواحـدٍ كـن واحـداً في واحدٍ أعـني سـبيل الحـق والإيـمـان
10- إن قال قائل من أين أخذنا توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ؟ كما قال ذلك بعض متأخري المعتزلة والأشاعرة ؟
فالجواب : هذا كله مأخوذٌ من القرآن الكريم ، وفي فاتحة الكتاب التي استفتح الله جل بها كتابة جميع أنواع التوحيد . قوله تعالى : الحمد لله رب العالمين إذا قلنا هنا الرب بمعنى المربي أو المالك فهذا توحيد الربوبية ، وإذا قلنا الرب بمعنى المعبود فهذا توحيد الإلهية ، قوله : الرحمن الرحيم هذا توحيد الأسماء والصفات.
11- قال الشاعر :
إذا انقطعت أطماع عبدٍ عن الورى تعلـق بالـرب الكـريم رجــاءهُ
فأصبـحَ حـراً عـزةً وقـناعـةً علـى وجهـه أنـواره وضـيـاِءهُ
وإن علقـت في الخلق أطماع نفسه تباعـد ما يرجـوا وطـال عـناءهُ
فلا ترجوا إلا الله في الخطب وحده ولـو صح في خـل الصفاء صـفاءهُ
12- إذا قال أنا لا أسأل الرسول الله ولكن أريد أن يقربني إلى الرب وأن يشفع لي عند الرب ، فلا أقول يا رسول الله اشفع لي ، ولكن أقول : يا رسول الله أشفع لي عند ربك ، ويا رسول الله سَلْ الله لي المغفرة ، أو سَلْ الله لي الشفاء . فبعض أهل العلم قال : هذا ليس بالشرك الأكبر بل هو من البدع العظيمة ، ولا يصل إلى حد الشرك الأكبر ، لأنه لم يسأل الميت ولكن أعتقد أن هذا الميت حيٌّ في قبره ، فأراد منه أن يسأل الله ولم يسأله .
وهذا رأى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ذكره في المجلد الأول من الفتاوى .
القول الثاني : انه شركٌ أكبر فإنه لا فرق بين كون المرء يسأل الميت ويطلب الحاجة منه أو يطلب منه أن يقضي حاجته عند ربه ، قال تعالى : إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم وقوله : ولا تدعوا من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك هل ينفع ؟ لا يستطيع النفع . هل يضر؟ لا يستطيع أن يملك ضرك: فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين أي المشركين .
وظاهر هذه الآية وما قبلها تفيد أن سؤال الأموات شركٌ أكبر ولو قال أنا ما أطلب منه ، ولكن أطلب منه أن يشفع لي عند ربه ، أو يسأل الله لي قضاء الحاجات وتفريج الملمات ، ولو قلنا بأنه ليس بشرك أكبر ، فهو من البدع العظيمة ومن الشرك الذي لا ينزل عن الشرك الأصغر . ويجب إنكاره والتغليظ فيه وإعلام الناس بما أوجب الله عليهم وتحذيرهم عما نهاهم الله عنه فلا ينبغي الجهل بذلك .
13- لا يرد ذكر الشر إلا على أحد ثلاثة وجوه ، كما أفاد بذلك شيخ الإسلام وغيره من أكابر المحققين نقول :
أولاً : دخوله في عموم المخلوقات كما قال تعالى : الله خالق كل شيء .
ثانيا : إضافته إلى السبب كقوله تعالى : من شر ما خلق .
ثالثاً : أن يحذف فاعله كقوله تعالى: وأنا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً
14- المنتقم ليس اسما من أسماء الله ، ومن جعل المنتقم اسماً من أسماء الله فقد غلط ، وإن قالته بعض الطوائف . فإن المنتقم لم يرد في كتاب الله إلا على وجه الإثبات ، قال جل وعلا : عزيزُ ذو انتقام لم يرد اسماً ولا يصح جعله اسماً كما ذكر ذلك أكابر المحققين .
15- وأسماء الله تحتها صفات ، وتحتها معاني .
أسمـائه أو صـاف مـدحٍ كلها مشتقـةٌ قـدْ حمـلـت لمـعـانِ
إيـاك والإلحـاد فـيـها إنــه كـفـرٌ معـاذَ اللهِ مـن كفـرانِ
وحـقـيـقـةُ الإلحـاد فـيها الميل بالإشـراك والتعطيل والنكـرانِ
16- قال ابن عقيل رحمه الله : ( أنا ما أقيس إيماني عند الازدحام عند أبواب المساجد ولا في الحج (( لبيك اللهم لبيك )) انظر إيماني وأقيسه أين يفزع قلبي عند حدوث النكبات والشدائد ) .
17- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ترك الأسباب بالكلية قدح في مقام التوحيد والاعتماد على الأسباب دون الله شرك في التوحيد.
18- ( فإن أول ما خلق الله القلم قال له أكتب ، قال ما أكتب ؟ قال أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ) رواه أحمد وغيره بسند قوي .
19- قوله : إلا ليعبدون إلا ليوحدون كما قاله ابن عباس ومجاهد وجماعة وقيل : إلا لآمرهم وأنهاهم .
[ الشريط الثاني ]
20- اختلفت عبارات الأئمة في تعريف التوحيد :
قال صاحب المنازل : (( التوحيد تنزيه الله عن المحُدَث )) وهذا ليس بشيء ، ولا يدل هذا على التوحيد الذي بُعثت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب ومن أجله شرع الجهاد وافترق الناس به إلى شقي وإلى سعيد .
فإن تنزيه الله عن المحدثات هو نوع من أنواع توحيد الربوبية الذي أقر به كثيرٌ من المشركين ، فالتوحيد الذي ذكره صاحب المنازل ليس هو التوحيد الذي بعثت به الرسل . وحينئذٍ يصبح هذا التعريف غير صحيح .
وقال الجُنَيد : (( التوحيد إفراد القديم عن المحُدَث )) وهذا تعريفٌ يحتاج إلى زيادة شرح وتوضيح . فإن هذا الإفراد نوعان ، لأنه يقول إفراد القديم عن المحدث وهذا الإفراد نوعان :
النوع الأول : إفرادٌ في الاعتقاد بحيث يثبت أسماء الله وصفاته ولا يشبّه ولا يمثل ، فإن تمثيل صفات الله بصفات خلقه قدحٌ وطعنٌ في هذا الإفراد .
النوع الثاني : إفراد القديم من المحدث في العبادة من التأله والحب والخضوع والإنابة والتوكل والخوف والنذر والذبح ونحو ذلك .
وبهذا التفصيل يكون المعنى واضحا ، غير أن اللفظ قد لا يعيه البعض وبما أن التوحيد هو الذي أرسلت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب ينبغي أن يكون تعريفه واضحاً لكل أحد .
فإن الحاجة كلما اشتدت في معرفة شيء وكلما دعت إليه الضرورة واستجابت له الفطرة ينبغي أن يكون واضحاً لا لبس فيه .
التوحيد : هو إفراد الله بالعبادة ، قال تعالى : أن اعبدوا الله مالكم من إله غيره وقوله: أن اعبدوا الله أي وحدوا الله قوله: مالكم من إله غيره هذا هو التوحيد ، وقال تعالى: يا أيها الناس اعبدوا ربكم أي وحدوا ربكم . وقال تعالى: أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت قوله : أن اعبدوا الله أي أفردوه بالعبادة والعبادة : هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة )) هذا تعريف شيخ الإسلام وجماعة من أهل العلم لمعنى العبادة .
21- ( غير أن التوحيد له قشران ) هذا الكلام كله لأبي حامد الغزالي في الإحياء في أوائله ، قد رجعت إليه فإذا المؤلف قد نقله بحروفه ، قد تصرف في بعض العبارات تصرفاً يسيراً لا يخل بالمعنى ، ولم أرى هذه العبارة لأحد من الأئمة السابقين ولا استقاها أحدٌ من الأئمة المحققين أمثال ابن تيمية وابن القيم عليهما رحمه الله لأن المؤلف حين قال إن التوحيد له قشران جعل القشر الأول هو القول باللسان ، والقشر الثاني هو اعتقاد القلب وجعل شيء وراء ذلك وفوقه هو اللباب ، وإن كان قصدُ المؤلف واضحاً والمعنى الذي يريد أن يوصله إلى أفهام الناس هو معنى واضح ، إلا أن في قوله نظراً ، لأننا حين نرجع معنى القشر في اللغة هو غشاء الشيء نجد أن عقيدة القلب ليست من الغشاء بخلاف لفظ اللسان هذا الأمر الأول . والأمر الثاني : أن الأصل الذي دعت إليه الرسل هو ما سماه المؤلف بالقشرة .
22- جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله من طريق شيبان النحوي عن أشعث ابن أبي الشعثاء عن رجل من بني مالك قال رأيت رسول الله بسوق ذي المجاز يتخللها ويقول : ( يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ) وإذا رجل يتبعه ويقول يا أيها الناس : لا تسمعوا لهذا الصابئ وهو أبو لهب هذا الرجل . النبي كان يخاطب الأمم والشعوب بهذه الكلمة وتلقائياً يفهمون المقصود من معناها ما قال يا محمد هذه الكلمة هل تعني ترك عبادة الأوثان ؟ وهل هذه الكلمة تعني إفراد الله بالحكم ؟ وهل هذه الكلمة تعني إفراد الله بالحب والخضوع والرهبة والعبادة ؟ يعلمون تلقائياً أن هذه الكلمة بما وضعت له تقضي إفراد الله بالعبادة .
23- ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله سبعة شروط لهذه الكلمة – أي لا إاله إلا الله - يمكن تداخل بعضها ، وفي بعضها تفصيل أيضاً ليس على الإطلاق لكن أذكر قوله
الشرط الأول : العلم . بمعناها وما دلت عليها من النفي والإثبات لأن الله جل وعلا يقول: (( فاعلم أنه لا إله إلا الله )) فإن الإنسان إذا قال لا إله إلا الله وهو لا يعلم معناها ولا يعلم البراءة من الشرك ولا من المشركين ولا يتبرأ من عبدة القبور ولا عبدة الأوثان ولا يعرف أن الله وحده لا شريك له لا يعرفه لا بتوحيد الإلهية ولا بتوحيد الربوبية ولا بتوحيد الأسماء والصفات ، إذاً أي معنى قال ؟ ما استفدنا شياً من مجرد اللفظ الذي لا يجعل عقيدة ومعنى ، هو أكبر من الدنيا وما فيها .
الشرط الثاني : اليقين .
الشرط الثالث: الصدق .
الشرط الرابع : الإخلاص .
الشرط الخامس : المحبة .
الشرط السادس : الانقياد .
الشرط السابع : القبول .
وزاد بعض أهل العلم شرطاً ثامناً : وهو الكفر بما يعبد من دون الله جل وعلا ، مع أنه يمكن إضافة ذلك إلى القبول . فإن من قبل هذه الكلمة تبرأ من غيرها ، فإذا قلت " لا إله " تقتضي هذه الكلمة بما وضعت فيه البراءة من كل معبود سوى الله يدل على ذلك الحديث السابق أن النبي حين قال لعمه : ( يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ) عرفها أبو جهل وهو على الكفر وابن أبي أمية ، أن هذه الكلمة براءة من كل معبود سوى الله جل وعلا .
24- قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فيما نقله عنه ابن القيم رحمه الله تعالى في المدارج قال: ( كمال التوحيد هو أن لا يبقى في القلب شيء لغير الله أصلا ).
25- قال المؤلف : ( فكل من اتبع هواه فقد اتخذ هواه معبوده قال تعالى: أفرءيت من اتخذ إلهه هواه ) : قال الشيخ سليمان : في هذا الإطلاق نظر ، لأن ليس كل من يهوى شيئاً يعبده واستدلاله بالآية أفرءيت من اتخذ إلهه هواه يقال : إن معنى الآية على الصحيح أن الله جعل المعبود الذي يعبده هو ما يهواه ، ولم يجعل ما يهواه يعبده . ففرق بين العبارتين .
والمؤلف أخطأ في عبارته حين قال: فكل من اتبع هواه فقد اتخذ هواه معبوداً . بل يقال: كل من اتخذ معبوداً فهو ما يهواه فنقول حينئذٍ في معنى قوله تعالى : أفرءيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة إن معنى هذه الآية أي أن المخلوق جعل المعبود الذي يعبده هو ما يهواه ، ولم يجعل ما يهوى معبوداً ، حينئذٍ يتضح غلط المؤلف في تعميمه العبارة .
[ الشريط الثالث ]
25- الأثر المشهور في قصة إلقاء إبراهيم في النار (( أن جبريل أعترض له في الهواء فقال : ألك حاجة قال : أما إليك فلا )) هذا الأثر لا أصل له والصوفية يحتجون به على ترك الأسباب مع أنه يمكن أن يحتج به على تعلق إبراهيم بالله ولكن لا أصل له .
26-بعض التعلق كفر أكبر كالتعلق بالأوثان والأصنام والأحجار والتعلق بالصور بحيث تصده عن الله وقد يعبدها دون الله . فهذا يُعذّب بها في الحياة الدنيا وسوف يجد في الآخرة ما هو أشد وأنكى قال تعالى: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لا تستعجب أن يوجد من يعبد الصورة فهناك من يتخيل الشيطان ويعبده دون الله ، وهناك من يعبد الأشجار والأحجار ، وهناك من يعبد الصور دون الله ويعشق صور النساء والمردان ويؤلهها ويخضع لها ويستعد للتنازل عن كل شيء دون هذه الصور ، هذا التعلق بغير الله نتج من خلو القلب عن محبة الله كما قيل :
أتاني هـواها قبل أن أعرف الهوى فصـادف قـلباً خـالياً فتمكــنا
إذ لو صادف قلباً معموراً بالتقوى معموراً بالإيمان لأوقفه مكانه ولما استطاع أن ينفذ إلى قلبه لأن هذا القلب معمور بالتقوى والقلب المعمور بالتقوى لا يمكن أن يمتزج بغيره من عشق الصور أو عشق المردان أو التعلق بغير الله ونحو ذلك .
27- وجد عن أناس ينكرون توحيد الربوبية كما قال فرعون : أنا ربكم الأعلى فهو ينازع في توحيد الربوبية ولكنه في الجملة يعلمون أن الله هو رب كل شيء ومالكه وخالقه وأنه المحي المميت ، وقد قيل إن فرعون كان مقراً بذلك ولكنه يكابر ، يعلم أنه ليس بخالق ،من الذي أوجده ؟ هل هو أوجد نفسه ؟ فيقين أنه يعلم أن له رباً ولكنه مستكبر ، كما قال الله عنه وعن أمثاله: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا . إذاً كانوا مستيقنين بأن الله رب كل شيء وخالقه بدليل أن فرعون حين أدركه الغرق أدعى الإيمان بالله حين لا ينفعه الإيمان،وقد قيل في قول الله جل وعلا ويذرك وآلِهتك قيل:وإلاهتك فإن فرعون كان يعبد عجلاً في السر فهو يعلم أنه ليس بإله .وهو حقيقة يعتقد ليس بإله بدليل كيف يُقَتَّل بعض أصحابه وأتباعه ولا يستطيع إحياءهم ولا الدفاع عنهم هل هذا إله!!
28- من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فله حالتان :
الحالة الأولى: أن يعتقد أن النوء مؤثر دون الله وفيه من يعتقد ذلك وهذا كفر أكبر بالاتفاق .
الحالة الثانية : أن يقول مطرنا بنوء كذا وكذا أي بسبب هذا النوء وهو يعتقد أن إنزال المطر من قِبَل الله ، ولكن يجعل هذا سبب في نزول المطر فهذا لا يصل إلى الشرك الأكبر ، غير أنه جعل سبباً ما ليس بسبب فصار شركاً أصغر .
29- قول المصنف: (( قد حكى الله عنهم )) هذا يكثر في كلام أهل السنة والجماعة كما أشار إلي هذا البخاري في صحيحة قال: كما حكى الله عن يعقوب كما يرد هذا في كلام ابن تيمية وكلام ابن القيم وليس هذا من مذهب الأشاعرة في شيء ، الذين يجعلون القرآن حكايةً عن كلام الله ، لأنه حين يقول المؤلف وغيره (( وقد حكى الله عنهم )) أي تكلم الله حكاية عنهم فالله هو المتكلم ففيه إثبات صفة الكلام لله ولكن فيما يخبره عنهم أما الأشاعرة فلا يثبتون صفة الكلام لله جل وعلا . بل يجعلون القرآن حكاية وهذا يؤول إلى القول بخلق القرآن كما صرح بذلك طوائف من الأشاعرة حيث يقولون بأن القرآن مخلوق ، يريدون بذلك نفي صفة الكلام عن الله ، إذ لو قالوا: بأن القرآن هو كلام الله لأثبتوا صفة الكلام ولكن حين قالوا بأن القرآن حكاية عن كلام الله ، قالوا بأن الله لم يتكلم . حينئذٍ نفوا صفة الكلام عن الله ووصفوا الله بالخرس تعالى الله عن قولهم علواً كبيرا .
30- لِمَ لم يكفر أهل السنة والجماعة الأشاعرة وهم يقولون بنفي صفة الكلام عن الله ، ونفي صفة الغضب عن الله ونفي صفة الرضا عن الله ، ونفي صفة المحبة عن الله ، ويقولون بأن القرآن حكاية عن كلام الله وهذا يعني أن القرآن مخلوق ؟ فالجواب: أن أهل السنة مختلفون في كفر الأشاعرة . خلافاً لمن ذكر من المتأخرين بأن أهل السنة لا يكفرون الأشاعرة فهذا النقل مغلوط . صحيحٌ أن أكثر أهل السنة والجماعة لا يكفرون الأشاعرة لكن هناك طوائف تكفر الأشاعرة لأمور :
الأمر الأول : أنهم لا يثبتون علو الله على خلقه وهذا كفر لأن النقل والعقل يثبتان ذلك . والأدلة في هذا قطعية .وحين حكى ابن القيم مقالات العلماء في كفر من أنكر علوا الله على خلقه قال فيما بعد يحكى قول النعمان وجماعة قال :
وكذلك النعمان قـال وبـعـده يعـقـوب والألـفـاظ للنعمـان
مـن لم يقرَّ بعـرشـه سبحانـه فـوق السماء وفـوق كل مـكان
ويقـرَّ بأن الله فـوق العـرش لا تخفـى عليه هـو اجـس الأذهـان
فهو الذي لا شـك في تكـفـيره لله درك مــن إمــام زمـــان
وينكرون أخبار الآحاد وهذا في الجملة كفر ، ويلحدون في كثير أسمائه وصفاته ، ويقولون عن القرآن بأنه مخلوق ، ولا يثبتون صفة الكلام لله , ولهم غير ذلك مما يُكَفَرون به .
الذين لم يقولوا بتكفيرهم قالوا: لأن لهم شبهةً أقوى من شبهة غيرهم وتأويلا ، فلا يُكفرون إلا بعد مناظرتهم وإقامة الحجة عليهم والبيان لهم .
فإن قال قائل : لماذا لا نكفرهم في الجملة ولا نحكم على أعيانهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم ؟
نقول: لأنهم مراتب متفاوتة ، فبعض الأشاعرة ينكر علو الله على خلقه وطوائف من الأشاعرة تثبت علو الله على خلقه وفيه طوائف لا يصرحون بإنكار العلو فيقولون نثبت العلو في الجملة ثم يفوضون .
فالسبب وجود شبه لهم امتنعت طوائف من أهل العلم عن تكفيرهم لكن لو ناقشنا أشعرياً وقال أنا لا أثبت علو الله على خلقه وأقول بأن القرآن مخلوق وأقول بأن الله لم يتكلم وأقمنا الحجة عليه وأزلنا عنه الشبهة ، ولم يبقى له شبهة ولا تأويل سائغ فحينئذٍ يكفر بذلك لأن أهل السنة في الجملة يقولون بكفر من أنكر العلو والأشاعرة ينكرون العلو . ويقولون بكفر من قال القرآن مخلوق ، كما هو قول الجهمية والأشاعرة تقول بذلك ، ويقولون بكفر من أنكر أخبار الآحاد وجملة والأشاعرة تقول بذلك ويقولون بكفر من أنكر أو نفى صفة عن الله كما قاله أحمد ومالك وجماعة والأشاعرة ينفون عشرات الصفات عن الله جل وعلا ، ولكن لهم تأويل باعتبار أنها أخبار الآحاد وباعتبار أنها يستلزم كذا ويقتضي كذا فلهذا توقف جماعات بل أكثر أهل السنة عن تكفيرهم .
31- قوله تعالى : قوله ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداد يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله قوله تعالى : يحبونهم قيل: يحبونهم أي يحبون أندادهم وأوثانهم كما يحبون الله فحينئذٍ يكون قد أثبت الله جل وعلا لهم محبة فتكون محبة الله ثابتة لهم لكن في هذه المحبة شركاً .القول الثاني : يحبون أندادهم كما يحب المؤمنون ربهم هذا التقدير الثاني لهذه الآية . وقد رجح شيخ الإسلام وطوائف من المحققين القول الأول لأنهم إنما ذُموا حين سوَّوا محبة الأوثان والأنداد والمخلوقين بمحبة الله جل وعلا.
وقوله تعالى : والذين آمنوا أشد حباً لله في تفسيرها قولان لأهل العلم أيضاً: القول الأول: والذين آمنوا أشد حباً لله من أصحاب الأنداد لأندادهم وآلهتهم التي يحبونها ويعظمونها دون الله تعالى . القول الثاني : والذين آمنوا أشد حباً لله من محبة المشركين للأنداد لله .
32- روى عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن عباس في قوله الله جل وعلا : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال : هي كفر . أي أن الآية على إطلاقها .
فإن الحاكم بغير شرع الله كافر بترك الحكم بما أنزل الله ، وكافر بالتشريع ، وكافر بالحكم بهذا التشريع ، وكفره بتوحيد الإلهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات حيث يعتاض عن شرع الله بالقوانين الوضعية وآراء اليهود والنصارى .
ويمكن أن نقسم الحكم بغير ما أنزل الله إلى مراتب :
المرتبة الأولى: أن يعتقد أن حكم القانون أفضل من حكم الله ، أو أن يجحد حكم الله ، هذا كافر بالإجماع حتى المرجئة يوافقون على هذا الكفر ولكنَّ حصر الكفر بهذا هو مذهب غلاة الجهمية والمرجئة.
المرتبة الثانية : أن يستحل ذلك وهذا كسابقه كفر حتى عند المرجئة وكفر بالإجماع .
المرتبة الثالثة : أن يقاتل على هذا الأمر ، أن يحكم بغير شرع الله ويقاتل على هذا الأمر فهذا كفر أكبر ، ويوافق على هذا الكفر بعض طوائف أهل الإرجاء ، لأن القتال يقولون علامة على الاستحلال .
المرتبة الرابعة : أن يحكم بغير شرع الله مع اعتقاده أن شرع الله أفضل وأن حكم الله أفضل ولكن لشهوة غلبته فحينئذٍ نحَّى شرع الله إما موافقةً لداعي الهوى والشيطان أو موافقة لأنظمة ومواثيق هيئة الأمم الجاهلية أو لغير ذلك وحينئذٍ يلغي شرع الله يعطل الجهاد ويلغي العقوبات المترتبة على السارق والزاني ويلغي التحاكم إلى الشرع في الشؤون الإدارية والاقتصادية ، فيجعلون التحاكم إلى الغرف التجارية وشبهها ويلغون التحاكم في شؤون العمل والعمال إلى شرع الله ويجعلون التحاكم إلى نظام العمل والعمال وهو نظام جاهلي في أكثر مواده . هذا كفر أكبر بإجماع أهل العلم كما نقل الإجماع على ذلك إسحاق والإمام ابن حزم والحافظ ابن كثير رحمه الله في المجلد الثالث من البداية والنهاية في ترجمة جنكيز خان لعموم قول الله جل وعلا: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .
والمروي عن ابن عباس (( كفر دون كفر )) هذا لا يصح عنه رواه الحاكم في المستدرك من طريق هشام بن حُجير عن طاووس عن ابن عباس . وهشام ابن حجير ضعيف ضَّعفه ابن أحمد ويحيى وطوائف ، وقد خُولف في الإسناد فرواه عبد الله بن طاووس عن أبيه في غير ما رواه هشام . وعبد الله بن طاووس أوثق من هشام فرواية هشام منكرة لا يحتج بها . على أنه لو صح هذا الأثر قد نزله جماعة من أهل العلم على قضايا خاصة ليست من قضايا التشريع وليست في قضايا الاستبدال ، إنما هي في بعض قضايا الترك بدافع الهوى لا في قضايا التشريع لأن التشريع بحد ذاته كفر .
وهذا النوع ينازع فيه كثير من المتأخرين ويقولون: كفر دون كفر ويجعلون هذا القول أي أنه كفر من أقوال الخوارج ويحامون عن الحكام المشرعين ويعذِّرون عنهم بما لا يعذِّرون عن أهل العلم وحماة التوحيد ، ولهذا أسباب منها : الأمر الأول: قد يكون الدافع هو الهوى والشياطين .
الأمر الثاني : قد يكون الدافع هو الجهل بحقيقة المسألة وعدم تصورها على الوجه الأكمل .
الأمر الثالث : قد يكون الدافع هو الإرجاء فإن بعض الطوائف المنحرفة عن شرع الله لا تكفر في ترك جنس العمل مطلقاً . وهذا هو مذهب غلاة الجهمية والمرجئة .
الأمر الرابع : قد يكون الدافع هو التأويل . أي أنهم متأولون في هذه القضية هذا الذي بلغ ووصل إليه علمهم واجتهادهم ، فحينئذٍ يعذرون بذلك إذا كان عن محض اجتهاد وعن محض تأويل ، ولكن ليس لهم حق رمي الآخرين بمذهب الخوارج وهم معتصمون بكتاب الله وبالإجماع المنقول عن أكابر أهل العلم.
[ الشريط الرابع ]
34- قوله تعالى: الحمد لله رب العالمين قيل الرب هنا بمعنى المالك وقيل الرب هنا بمعنى مربي العالمين وقيل بمعنى الخالق وهذه الأمور كلها من توحيد الربوبية وقيل بمعنى المعبود : الحمد لله رب العالمين أي معبود العالمين وهذا توحيد الإلهية .
35- قال مالك وغيره من أزال صفة عن الله فقد كفر ، أي من جحد صفة من صفات الله وأنكرها فهو كافر ، فالجهمية ينكرون ، علو الله ، على خلقه وهذه الصفة جاءت الأدلة النقلية بتقريرها والأدلة العقلية على الإيمان بها ، وهم لا يتوقفون عند إنكار علو الله على خلقه فهم ينكرون استواء الله على العرش ولا يثبتون لله جل وعلا الصفات مطلقا بل يحرفونها فهم قد عطلوا الله جل وعلا عن أسمائه وصفاته .
كما أن هناك طوائف أخرى تمثل صفات الله بصفات المخلوقين ، وقد قال نعيم بن حماد الخزاعي وغيره (( من شبه الله بخلقه فقد كفر )) ونظم هذا الإمام ابن القيم رحمه الله في النونية :
لسنا نشبه وصفه بصفاتنا
إن المشبهِ عابدُ الأوثانِ
كلا ولا نخليه من أوصافه
إن المعطلَ عابدُ البهتانِ
من شبه الرحمن العظيم بخلقه
فهو الشبيه لمشرك نصراني
أو عطل الرحمن عن أوصافه
فهو الكفور وليس ذا الإيمانِ
36- قال تعالى: وإذا غشيهم موجٌ كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور الله جل وعلا أخبر أنهم إذا غشيهم موج من البحر وإذا غشيتهم الظلمات وإذا ماجت بهم البحار وإذا وقعوا في الملمات والشدائد دعوا الله مخلصين له الدين في هذا دليل أنهم يعلمون أن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل ولكنهم يعتقدون إما كَذِبَ الرسل ، من أسباب كفرهم أنهم يعتقدون كذب الرسل ، وأن الله ما بعث إليهم بشراً يدعوهم إلى الله ، وأنا لا نعلم صدقه وأنه يفترى على الله الكذب ، أو أنهم يقولون: هذه وسائط مع الله كما قال عنهم: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى غير أن هذا التوحيد لا يدخلهم في الإسلام ولا ينفعهم ولا يخلصهم من عذاب الله جل وعلا وإن كانوا يعتقدون بأن الله هو المعبود الحق ولكن يعبدون معه غيره .
فإن قال قائل: لو كانوا فعلاً يعلمون أن الله هو المعبود الحق لماذا يعبدون معه غيره ؟
فنقول إذاً ما الجواب: أنهم يخلصون لله في زمن الشدة لو لم يكن هذا الاعتقاد مستقر في نفوسهم ما أخلصوا لله في زمن الشدة ، لأنهم ما جاءتهم رسل في زمن الشدة بالذات : ثم دعوهم إلى الله فآمنوا ثم تغيروا فيما بعد ، لكن هذا كان مستقراً في نفوسهم ومستقراً في قلوبهم ، ولكن الذي يمنعهم من إفراد الله بالعبادة هي أمور:
الأمر الأول: اعتقاد كَذِبَ الرسل وهذا لا ينفعهم وليس عذراً لهم بل هم كفار لا شك في ذلك .
الأمر الثاني: الأطماع الدنيوية .
الأمر الثالث : الحسد كما صنعت يهود لأنهم يعملون أن النبي هو الحق وأنه رسول من قِبَلِ الله ويعلمون ما هم عليه من الباطل ولكن لا يمنعهم من الانقياد سوى الحسد فقط .
ومن ذلك أيضاً حب الرياسة ، ومن ذلك أيضاً المكابرة والإعراض كما قال الله عنهم والذين كفروا عما أنذروا معرضون
37- لا يصح وصف المشرك بالعاقل ولا وصف الضال بالعقل إذ لو كان هذا فعلا عاقلاً لوحد الله وأفرده وآمن بالله ، فإن حقيقة العقل الإيمان بما جاءت به الرسل ، ولهذا سمى النبي أبا الحكم سماه أبا جهل ، لو كان عنده شيء من الحكمة وشيء من العقل لآمن بالله وأي فرق بين الإيمان بالله وعبادة الآلهة ، وأي مماثلة بين الأمرين فدل هذا أنهم ليس بعقَّال أصلاً كما قال الله جل وعلا بل هم أضل سبيلا أي من البهائم ولا يمكن وصف المشرك بالعقل أبداً .
عقل معيشي يمكن وصفه بالعقل المعيشي ؟ أما وصفه بالعقل المطلق فهذا لا يصح حتى العاصي بحسب عصيانه للرب بنقص عقله ، لأنه لا يمكن يوصف رجل بالعقل ووفرة العقل وكمال العقل وهو يعلم أن هذا الطريق غلط ومع ذلك يفعل ، فلا يعصي العبد ربه إلا لنقص في العقل فلو رأينا رجلاً يقتحم النار هل يمكن وصفه بالعقل كلٌ منا يتفق أو تتفق آرائنا مع آراء غيرنا أن الإنسان حين يرى ماء ويرى نار وينغمس في النار أن هذا يوصف بالجنون ، كذلك الذي يسلك طريق أصحاب السعير لا يمكن أن يوصف بالعقل وكل بحسبه فالذي يقتحم طريق أهل السعير بالكفر والشرك والإعراض عن الله فهذا ليس فيه شيء من العقل . والذي يؤمن بالله ويوحده غير أنه يعصي الله في الليل والنهار فبحسب عصيانه ينقص عقله ، إذاً أكمل الناس عقلاً أكثرهم توحيداً .
38- غلا بعض جهلة العباد الذين يعتقدون في التوحيد أنه هو توحيد الربوبية وفي معنى كلمة الإخلاص أنه لا موجود إلا الله فقالوا : لا هوَ إلا هوَ ، ومنهم من يقول : لا وجود إلا لله أو لا موجود إلا الله ويجعلون هذا غاية التوحيد الذي نزل به القرآن وجاءت به الرسل . بل فيه طوائف من الاتحادية يقولون :أن لا هو إلا هو . ولا موجود إلا الله أحسن من لا إله إلا الله وهذا في الحقيقة مذهب الاتحادية الفراعنة وقد وقفت على مصنف لهؤلاء الجهال يقولون فيه (( لا إله إلا الله )) ذِكرُ العابدين و (( الله الله )) ذِكرُ العارفين .و (( هوَ هوَ )) ذِكرُ المحققين فجعل كلمة الإخلاص التي جاءت به الرسل وأنزلت من أجلها الكتب هذا من ذكر العابدين ، وجعل ذكر المحققين (( هو هو )) الذي هو ذكر الصوفية والملاحدة والمعرضين عما جاءت به الرسل ، ولهذا ترى طوائف من المنحرفين عن شرع الله ومن المنحرفين عما جاءت به الرسل يرددون في ذكرهم (( هوَ هوَ )) ومنهم من يقول (( إلا هو هو )) فإذا سألته قال أخشى أن أموت على النفي دون الإثبات وهذا جهل محض .
وذكر هذا القول عن هؤلاء الجهلة الأغبياء المعرضين عما جاءت به الرسل كافٍ عن ردِّه ، فإن مثل هذا مناقضة لما أجمع عليه المسلمون ، ولما اتفق عليه عقلاء البشرية.
39- من مات على لا إله إلا الله دخل الجنة كما في سنن أبي داود من حديث صالح ابن أبي عَريب عن كثير بن مرة عن معاذ بن جبل أن النبي قال: ( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ).
40- ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في التحفة العراقية عن بعض السلف أن الله جل وعلا جمع علم الأولين والآخرين في القرآن بالنسبة للتوحيد ، وجمع الله جل وعلا علم القرآن في فاتحة الكتاب وجمع الله جل وعلا ذلك في قوله تعالى إياك نعبد وإياك نستعين * .
توضيح هذا أنه لا يمكن أن يخرج شيء عن هذه العبودية ولا يصح شيء إلا في هذه العبودية فلا يصح توحيد الربوبية ولا توحيد الأسماء والصفات إلا بتوحيد الإلهية.
41- عن الحميري عن ابن زياد عن أبي أمامة أن النبي قال: ( من قرأ آية الكرسي دبر كلا صلاة لا يمنعه دخول الجنة إلا الموت ) حديث صحيح رواه النسائي في عمل اليوم والليلة صححه ابن حبان وابن عبد الهادي وجماعة من أهل العلم.
42- أكابر أئمة السلف يكفرون الجهمية القائلين بنفي علو الله على خلقه وبنفي صفة الكلام عن الله و بدعوى أن القرآن مخلوق والذين لا يثبتون لله صفة الرحمن ولا صفة المحبة ولا صفة الغضب ولا صفة الرضا، أئمة أهل السنة يكفرونهم لذلك أشار إلى هذه القضية الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته فقال :
ولقد تقلد كفرهم خمسون في
عشر من العلماء في البلدان
واللالكائي الإمام حكاه عنهم
بل قد حكاه قبله الطبراني
وكما بين هذا أهل السنة كما تراه في كتاب اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ، وفي الإبانة لابن بطه وفي كتاب خلق أفعال العباد للإمام البخاري وفي كتاب السنة للخلال ، وفي كتاب الشريعة للآجري ، وفي مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم على الجميع رحمة الله تعالى .
43- يقال أن البدوي هذا الذي يُعبد الآن من دون الله ، ويخلص له بعض الناس ما لا يخلص لله ، وإذا أراد أن يجتهد في الدعاء أو يجتهد في اليمين قال: " والبدوي " هذا البدوي تعرفون حكايته أوقصته يقال أنه أعرابي جلف بال في المسجد وكان بعض الناس يعتقد أن من بال في المسجد ولم يصبه شيء أنه ولي من أولياء الله ، يتصورون أن الولي يجوز أن يبول في المسجد ، فهنا جهلوا أن الولي لا يبول في المسجد لا ولي ولا غيره ، لا يجوز أن يبول في المسجد ، فهم يعتقدون أن الرجل إذا بال في المسجد ولم تصبه العقوبة ، ونحن نقول لو كان ولياً ما بال في المسجد ، ولو بال هذا الولي في المسجد لكان آثما كان عاصياً لله وعاصياً للرسول الله .
44- الإله إذا عّرف بالألف واللام لا ينقدح الذهن إلا إلى الله جل وعلا وإذا قيل إله بالتنكير يدخل فيه الآلهة وغيرها ، وإذا قيل الإله عرّف بالألف واللام فالذي استقر عليه الأمر أن هذا لا يطلق إلا على الله جل وعلا ولهذا يجوز التسمي بعبد الإله عند طوائف من أهل العلم . وقد قرأت لبعض المتأخرين لا يرى التسمي بعبد الإله لأن الإله ليس اسما من أسماء الله جل وعلا والله جل وعلا يقول: وإلهكم إله واحد ولا سيّما أنه استقر إذا عُرِّف بالألف واللام لا يطلق إلا على الله جل وعلا فإذا قيل: الإله إذاً هو المألوه المعبود بحق فهو من صفات الله جل وعلا بل الإله من أخص صفات الله جل وعلا لأنه هو الذي تألهه القلوب محبةً وتعظيماً وإجلالاً وكما فسر غير واحد من أهل العلم الله بالإله وهذا واضح ولذلك لا أرى أي مانعاً من التسمية بعبد الإله لأن الذهن لا ينقدح إلا إلى الله والاشتراك يقع في التنكير أإله مع الله التنكير ، وإذا عرف بالألف واللام فقيل: الآلهة (( أجعل الآلة إلها واحداً )) فلا يقال الإله ولا يطلق الإله إلا على الله فإذا أردت أن تعبّر عن الآلهة تقول: إله .
45- قوله تعالى: أإله مع الله ؟ الصحيح في معنى هذه الآية أي أإله مع الله يفعل كفعله ، فإذا لم يكن معه إله يفعل كفعله أي يخلق كخلقه ، ويوجد كإيجاده ، ويصنع كصنعه وينزل من السماء ماء ، وبينت به حدائق ذات بهجة كيف تعبدون معه آلةً أخرى ؟
قوله: بل هم قومٌ يعدلون أي يشركون هذا دليل على فساد عقولهم وحساكل قلوبهم نسأل الله العفو والعافية .
ومن قال في معنى الآية أي (( أإله مع الله )) أي هل مع الله آله آخر من غير تقييد بالفعل فلم يأتي بشيء ولم يأتي بكبير علم ، بل أتى بما يُقربه المشركون ، ولا أقام الحجة على أحد ، فلو كان المعنى على ما زعم هذا القائل (( أإله مع الله )) أي هل مع الله إله آخر دون أن يُقَيِّد هذا بالفعل ، يفعل كفعله فما أتى بشيء ، هم مُسَلِّمُونَ هم مقرون بهذا ، إذاً لو قال هل مع الله إله آخر يفعل كفعله لكان حينئذٍ مصيباً .
46- قال الشاعر :
من رام نيل العز فليصطبر على
لقاء المنايا واقتحام المضايقِ
فإن تكن الأيام رنقن مشربي
وثلمن حدي بالخطوب الطوارقِ
فما غيرتني محنةٌ عن خليقتي
و لا حولتني خدعةٌ عن طرائقي
لكنني باقٍ على ما يسرني
ويغضب أعدائي ويرضي أصادقي
[ الشريط الخامس ]
47- قُرِء مالك يوم الدين وقُرِءَ ملِكِ يوم الدين ، ملك جاءت في سنن أبي داود في كتاب صلاة الاستسقاء من طريق يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي حين خطب الناس للاستسقاء ، قال أبو داود رحمه الله تعالى عقب هذا الخبر وهذا حديث غريب إسناده جيد ، وأهل المدينة يقرءون ملِكِ يوم الدين وإن هذا الحديث حجةٌ لهم .
وهذه القراءة هي قراءةُ ابن كثير ونافع ، وأبي عمرو ، وابن عامر ، وحمزة .بينما قرأ عاصم والكسائي ماَلِك يوم الدين .
والملك أبلغ من المالك فكل مَلِكٍ مالك ، وليس كل مالك ملكا .
48- أول أمر في القرآن هو الأمر بالتوحيد كما قال تعالى: يا أيها الناس اعبدوا ربكم والعبادة هنا بمعنى التوحيد ، اعبدوا: أي وحدوا ربكم. وأول نهي في القرآن هو النهي عن الشرك ، قال تعالى: فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون
49- الشرك الأصغر ، أحسن ما قيل في تعريفه: هو ما سماه الشارع شركاً ولم يصل إلى الأكبر وقد قيل في تعريفه: ما كان وسيلة إلى الأكبر ، ويمكن جمع التعريفين فيقال: الشرك الأصغر: ما سماه الشارع شركاً ولم يصل إلى الأكبر ، أو كان وسيلة إليه .
50- لا يخلد في النار إلا أصحاب الشرك الأكبر والكفر المخرج عن الملة فاليهود والنصارى والمشركون والدهريون والكفار مخلدون في النار .
أما الشرك الأصغر فصاحبه لا يخلد في النار ، وقد قيل: إنه لابد من عذابه فإنه لا يُغفر له من أول وهلة ، كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وذهب الجمهور إلى أنه داخل في قوله الله جلا وعلا: ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ، وهذا هو الأصح ، لأنه إذا ثبت دخوله في قوله الله تعالى: إن الله لا يغفر أن يُشرك به ، فليس ثَمَّ دليل في إخراجه ، فنحن لا ندخله أولاً في هذا الآية لأنها في سياق الشرك الأكبر ، فحينئذٍ يبقى داخلاً في قوله تعالى: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء لأن الله حكم على المشرك بالخلود في النار .
وهذا من الأمر المقطوع به ، ولم يرد لفظ الشرك في القرآن ، إلا ويراد به الأكبر ، وإنما جاء ذكر الشرك الأصغر في السنة والمتواترة عن رسول الله .
51- ذكر بعض أهل العلم نوعاً ثالثاً لأنواع الشرك فقال الشرك الخفي والصحيح أن الشرك نوعان: أكبر وأصغر ، والخفي منه ما هو أكبر ومنه ما هو أصغر ، فإن بعض أنواع الشرك الخفي كفر أكبر لا نزاع فيه .
52- قوله تعالى: ملك يوم الدين هذه الكلمة الواحدة ، وعلى القراءة الأخرى: مالك يوم الدين فيها جميع أنواع التوحيد ، ولكن هذا يحتاج منا إلى تأمل في معاني القرآن ، وتأمل في هذه الكلمات العظيمة والجمل الكبيرة ، حين نقول مَلِك ونقول بأن الملك هو الآمر الناهي إذاً هذا لا بد من توحيد الربوبية ، إذا لا يمكن أن نقول اسم بلا مسمى فهذا كفرٌ اتفاقا .
وحين نقول بأن معنى الملك هو الآمر الناهي فهذا في توحيد الإلهية حيث يؤمرون بالتكاليف وينهون عما نهاهم الله عنه .
وحين نقول (( يوم الدين )) وهو يوم الجزاء والحساب فهذا فيه توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية معاً ، حيث أن الله جل وعلا حين قال مالك يوم الجزاء والحساب إذاً فيه جنة ونار فيه ثواب وعقاب ، وعلى أي أساس الجنة والنار ؟! على ما أمروا به من قبل ، ونهوا عنه من قبل وتوحيد الأسماء والصفات الملك فهذه الجمل اليسيرة فيها جميع أنواع التوحيد ، هي فيها التوحيد كله لمن تأمل .
53- قوله تعالى: ألا له الخلق والأمر في هذه الآية مئات الفوائد أذكر بعضها:
فيه إثبات توحيد الربوبية ، وفيه إثبات توحيد الإلهية ، وفيه الرد على القدرية ، وفيه الرد على المجوس ، وفيها التفريق بين الخلق والأمر ، فيها الرد على الجهمية وسائر الطوائف المنحرفة التي لا تفرق بين الخلق والأمر فتجعل كلام الله مخلوقاً تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ، فإن الله فرق بين الخلق وبين الأمر فالخلق خلق ، والأمر أمر ، وفيه أيضاً إثبات صفة الكلام لله جل وعلا ، قال تعالى: إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول وقال الله تعالى: وكلم الله موسى تكليماً ، وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ، منهم من كلم الله ، ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه الله .
54- الاستعاذة مشروعة في مئات المواطن ، فإن العبد حين يدخل الخلاء ، ماذا يقول ، كما في الصحيحين من حديث قتادة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن النبي كان يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) ، والاستعاذة مشروعة في حالات متعددة .
إذاً هذا يتطلب منا إلى أن ندرس السنة ، وأن نقرأ الكتب المؤلفة في الأذكار لنصل من خلالها إلى معرفة سنة رسول الله . ومن أنفع هذه الكتب: كتاب الأذكار للإمام النووي . مع مراعاة التنبه لبعض الأحاديث الضعيفة التي يُوردها ، فإنه يورد بعض الأحاديث الضعيفة ، ويقول يعمل بالفضائل أو بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال وفي هذا نظر . ويطالع بعد ذلك كتاب الوابل الصيب للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى وهو أنفع وأكثر فائدة من كتاب الأذكار النووي إلا أن كتاب الأذكار للنووي أشمل وأكثر أحاديث وأكمل معلومات وكتاب ابن القيم أكثر تحقيقاً وأعمق علماً وأقوى أسلوباً ، وأحسن طرحاً ، فرحم الله الجميع .
55- الذي سَحَرَ النبي هو لبيد بن الأعصم ، وقصة سحره جاءت في الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها وقد أنكر كثير من المتكلمين سحر النبي وقابلوه بالتكذيب ، وقالوا: إنه لا يجوز أن يُسحر النبي ، فإنه ذلك يكون تصديقاً لقول الكفار إن تتبعون إلا رجلاً مسحورا قالوا: وهذا كما قال فرعون لموسى: وإني لأظنك يا موسى مسحورا .
والجواب عن ذلك بوجوه :
الوجه الأول: أن الحديث في سحر النبي ثابتاً قد تلقاه أهل العلم بالقبول وقابلوه بالتسليم وقد خرّجه الشيخان في صحيحيهما من طرق كثيرة ، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها .
الوجه الثاني: أن سحر النبي لا يؤثر على تبليغ الرسالة ، وهذا من الأمر المتفق عليه بين أهل العلم كما قال الله تعالى: إن هو إلا وحيٌ يوحى .
الوجه الثالث: أن قوله تعالى: إن تتبعون إلا رجلاً مسحورا ، يقولون ذلك على وجه الاستهزاء والتهكم ، وعلى وجه صد الناس عن إتباع الحق ، والتلبيس عليهم ، ولا شك أن كلامهم كذب ، لأن كون الإنسان يُسحر في لحظة من اللحظات لا يعني أنه مسحوراً على وجه الإطلاق ، ولا سيما أن سحر يختلف عن سحر غيره ، حين سحر النبي كان هذا على وجه الابتلاء والامتحان وهذا لا يؤثر على عقله ولا على
الكاتب: ابن الخطاب الإماراتي
التاريخ: 02/04/2008
عدد القراء: 4470
أضف تعليقك على الموضوع