يا للعار ألمانيا تبيح الصّلاة في مدارسها و هيبة حكومة لا شرعيّة تمنعها

 

لا يزال اضطهاد المتديّنين في تونس متواصلا

الشيخ خَمِيس بن علي الماجري

طلع علينا وزير التّعليم المؤقّت في ظلّ حكومة \"هيبة دولة\" بقرار يمنع به أبناءنا من أداء صلواتهم في قاعات مخصّصة للصّلاة في المؤسّسة التّعليميّة، مع الإشارة أنّ هذه القاعات كانت موجودة في ظلّ حكم الطّاغية الحبيب بورقيبة، غير أنّ وزير التعليم المقبور محمد الشرفي هو الذي أغلقها في عهد الجنرال الجبان ابن علي.

 إنّ هذا القرار المستفزّ يندرج ضمن الحملة الشّرسة التي تشنّها هذه الأيّام قوى الرّدّة عن أهداف الثّورة المباركة: فقد شهدت السّاحة الاعلاميّة جملة من قرارات الحكومة التي تستهدف مظاهر التّديّن، والتّهجّم على الشّباب الملتزم وتشويه سمعتهم وإشاعة الكذب وتلفيق التّهم ضدّهم، ممّا يستفاد منه أنّ هناك توافق تامّ بين الحملة ومقرّرات الحكومة، في منع النّقاب و الصّلاة في مؤسّسات التّعليم، وكذلك في رفض أداء صلاة الجمعة في الشّوارع الملاصقة للمساجد عند امتلائها، وأيضا في منع أئمّة الجمعة من الحديث في الشّأن العام للبلاد.

 بل ذهب بعض الشّواذّ إلى الاعتداء على الثٌوابت الدّينيّة من مثل المناداة بالتّساوي في الإرث بين الذّكر والأنثى، وغير ذلك من السّفه الطّائش، والرّدّة الصّارخة.

إنّ القرار الذي أصدره وزير التّعليم باطل فاسد، لأسباب منها: أنّه يصادم شريعتنا الإسلاميّة. كما يصادم دستور البلاد القاضي بإسلاميّة الدّولة، كما يناقض مواثيق \"حقوق الإنسان\" الدّوليّة التي أمضت عليها تونس، وهو كذلك إجراء غير أخلاقي ولا وطني،

وإليك البيان: 1 أنّ إقامة الصّلاة من أعظم دلالات إسلام الإنسان، لإجماع أهل القبلة، أنّ الإسلام قول باللّسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان.

 2 أنّ أوّل أمر يجب أن تقوم به دولة المسلمين بعد أن يمكّن لها: هو الدّعوة إلى الصّلاة، لقوله تعالى:\"الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ \"41 الحجّ

 3 بناء المساجد في أرض الإسلام في الإدارة والمدارس والمتاجر والأحياء من حقّ الأمّة على حكومتها، لأنّه يندرج ضمن أوّل وأعظم واجب أوجبه الله على كلّ مسؤول تحمّل أمانات المسلمين أن يقيم الصّلاة وأن يدعو إليها ويحرّض عليها، ألم تر أنّ أوّل عمل قام به الرّسول عندما مكّن الله له في المدينة أن بنى مسجدا!

 4 أنّ الصّلاة عماد الدّين، فمن ضيّعها فهو لما سواها أضيع، وقرار وزير التّعليم فيه من تضييعها بما لا يخفى.

5 أنّ الدّولة وخاصّة مؤسّسة التّربية والتّعليم هي مطالبة بحكم إسلام الشّعب وبحكم إسلاميّة الدّولة الذي أقرّه البند الأوّل من الدّستور، ومعلوم أنّ أوّل ركن عمليّ في الإسلام هو إقامة الصّلاة، وعليه فينبغي للوزير أن يعلّم أطفالنا ـ في برامج وزارته ـ الصّلاة منذ السّابعة من أعمارهم، للحديث :\"علّموهم لسبع\".

 6 إنّ الدّين أوجب على كلّ مسلم أن يصلّي، والوزير يجب عليه أن يكون أوّل من يصلّي أمام التّلامذة والطّلبة حتّى يعطي القدوة الجيّدة والمثال الطّيّب والنّموذج الأمثل، ليكون السّبّاق في تجسيد إسلاميّة الدّولة.

 7 أنّ الصّلاة يجب أن تؤدّى في وقتها متى دخل للحديث:\"سئل الرّسول: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصّلاة لمواقيتها\"!

 8 أنّ الصّلاة تؤدّى في أيّ مكان إلاّ ما استثني منها، للحديث:\"أينما أدركتك الصّلاة فصلّ فإنّه مسجد\" وقوله\"وجُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا\".

 9 أنّ تضييع الصّلاة من أهمّ ما يزيل ثقة الشّعب التّونسيّ في حكومة تدّعي أنّها ستردّ إليها \"هيبة\"، وانظر إلى عمر بن الخطّاب وهو من أعظم من كسب هيبة بعد الرّسول وأبي بكر! لقد اكتسبها بمثل هذه القرارات: ذكر الإمام مالك في الموطّأ:\" أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِه:\"إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ فَمَنْ حَفِظَهَا، أوَ حَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ\".

 10 أنّ تعطيل الصّلاة في مؤسّسات التّربية والتّعليم ينال من مصداقيّة الدّولة ويطعن في شعاراتها، حيث أنّ الدّولة قرّرت في المنهج الدّراسي الصّلاة والمحافظة عليها، والوزير من جهة التّنزيل يناقض بقراره ما هو مقرّر في البرامج الذي يتلقّاها طلبتنا، وهذا من أعظم المقت الذي تقع فيه الحكومة الحالية، لقوله تعالى:\" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ 2 كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ 3 \" الصّفّ

 11 حرّم الله تعالى على العباد أن يمنعوا الصّلاة وهدّدهم بالوعيد الشديد فقال:\" أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى 9 عَبْدًا إِذَا صَلَّى 10 ..... كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ 15 نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ 16 فَلْيَدْعُ نَادِيَه 17 سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ 18 \" سورة العلق.

 12 يفسد المناخ العام في المؤسّسات التعليمية.

 13 يكرّس العقليّة الدّكتاتوريّة القديمة القائمة على قمع الحرّيّات الفرديّة وتجفيف منابع التّديّن، والخلط المتعمّد بين الممارسة الدّينيّة المجرّدة والتّوظيف السّياسي الحزبي المقيت.

 14 غرابة مثل هذه القرارات بعد الثّورة وقد أقرّت الحكومة بحقّ بعض الإسلاميّين بالتّواجد القانوني.

 15 أنّ هذا القرار يخالف مبادئ حقوق الإنسان في إقامة شعائر دينه في كلّ ركن من أركان البلاد، سواء كان في الإدارة أو في الحياة العامّة أو غير ذلك.

 16 يذكّرنا قرار الوزير بالعهد البائد ويندرج ضمن سياسة التّضييق الدّيني التي لا زالت متواصلة عقب الثّورة.

 17 تناقض هذه الإجراءات مع التٌوجّه العام المعترف ببعض الإسلاميّين في تواجدهم السّياسي، فكيف تعترف بالأحزاب السّياسيّة ولا تترك عباد الله يصلّون؟

 18 التّعلّة التي ارتكز عليها الوزير\"المؤقّت\" سخيفة ومضحكة، لأنّ توفير قاعة صلاة لا يكلّف الدّولة شيئا أمام حجم سرقات أموال الشّعب ونهب ثرواتها، وأمام الحجم العظيم للفساد الذي علمه شعبنا الذي نخر النّخبة الحاكمة الفاسدة منذ بداية الحكم البورقيبي.

 19 إنّ صرف أموال زهيدة لبناء قاعة صلاة في كلّ مؤسسة تربويّة لا يساوي شيئا أمام الأموال الضّخمة الهائلة التي تصرف في الملاعب والمتاحف ودور القمار ومواخير الفساد المنتشرة في كلّ سواحل البلاد.

 20 الأموال التي تبنى بها المؤسّسات التّعليميّة هي أموال الشّعب، وعليه فالتّقرير في شأن بناء قاعات للصّلاة من عدمه هو من شأن شعبنا، فهو وحده المخوّل له التّقرير أم الرّفض في المسألة.

 21 نحن نطالب بردّ أموال الأوقاف وأحباس التّعليم الزّيتوني المنهوبة إلى الشّعب التّونسيّ حتّى يستثمرها في التّنمية، ومن أعظم وجوه صرفها: بناء المساجد في كلّ مؤسّسة تعليميّة وإداريّة.

 22 ليس هناك علاقة بين فريضة إقامة الصّلاة وبين شرط توفير قاعة لها، لأنّ من يسر الإسلام وسماحته أن أمرنا بأدائها في وقتها، وفي كلّ مكان طاهر، وعليه فإنّ بناء بيت للصّلاة لا يشترط، وعليه يمكن أن تخصّص إدارة كل معهد قاعة من قاعات الدّرس تقام فيها الصّلاة. لا شرعيّة لوزير أو مسؤول في دولة دينها الرّسميّ الإسلام لا يقيم الصّلاة لماذا لا تستجيب الدّولة لرغبة شباب وثق في حكومة كسّرت رؤوسنا بخطاب تعهّدت فيه أن تعدّ المواطن المتوازن المتوافق عقليّا وجسميّا وروحيّا وعاطفيّا ؟ لماذا تسقط هذه الحكومة في هذا الامتحان السّهل؟ أليست مؤسّسة التّعليم تجمع بين التّعليم والتّربية؟ ألا تحتاج الدّولة إلى إعداد جيل متوازن يجمع بين إشباع العقل بالمعرفة وإشباع الرّوح بالعبادة؟ ما هو الخطر الذي يمنع دولة من توفير قاعة صلاة وهي تبني ملاعب ضخمة وكباريات فساد لا يوجد لها مثيل في أوروبا! ألا تسهم الصّلاة في نشر قيم العدل والخير والتّسامح، وتقلّل من الجريمة والشّرّ والفساد مصداقا لقوله تعالى:\"إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ\" 45 العنكبوت.!

إنّ لشبابنا حقّ أن توفّر لهم الحكومة بيوت صلاة في معاهدهم، لأنّه ليس من حقّ الوزير أن يصادم مشاعرهم البريئة ورغباتهم المشروعة. وإنّه لا شرعيّة لحكومة تتّخذ إجراءات من شأنها ما يثير الاشمئزاز والقرف، فيجعلها في خانة المعادية لهويّة شعبها والأمّة، ولتعلم كلّ الحكومات أنّ شبابنا لم يثر على قيمنا وثوابتنا الدّينيّة ومنها الصّلاة،

 بل ثار على عصابة فاسدة متحكّمة في القرار السّياسي وناهبة لثورة البلاد والعباد، فهل هذه الحكومة وهي تأخذ مثل هذه القرارات المتخلّفة هي في تمام وعيها من حيث أنّها تصادم مشاعر الأمّة، فهل تريد هذه الحكومة إذلال شبابنا الذين يطمحون إلى القطع مع كلّ ممارسات الدّكتاتوريّة، خاصّة تلك التي تسلك سبيل التّضييق على المتديّنين! أم تريد هذه الحكومة استفزاز الشباب ودفعهم إلى ردود أفعال لا يرضاها كلّ من يريد الخير لتونس وشعبها! هذا وإنّ الذي يثير العجب حقّا، كيف تبيح الحكومة صناعة الخمور وبيعها وشربها، كما ترخّص لدور الزّنا والقمار والفساد، وتصمّ آذانها عن سبّ الله ورسوله، وتغضّ الطّرف عن عبّاد الشّيطان وعن الزّنا واللّواط وغير ذلك من القرف، وتضايق شبابا يريد أن يفرّ من الشّرور، فتستكثر عليهم أن توفّر لهم قاعات لأداء الصّلاة في المدارس والمعاهد، أو أن يصلّوا في الشّوارع لمّا تضيق بهم المساجد التي ضاقت وما عادت تكفي العدد الهائل لروّادها.

لا يليق بوزارة تربية وتعليم تسهر على أهمّ وأخطر قطاع تونسيّ على الإطلاق ـ وهو التّربية والتّعليم ـ أن تهين عددا مهمّا من التّلامذة بعدم تمكينهم من أداء واجبهم الدّينيّ. هل يعقل أن تمنع حكومة تلامذتها من أداء صلواتهم، فما معنى إسلام البلاد إن منع شبابها أن يؤدّوا صلواتهم حيث يتواجدون؟ إنّ منع التّلامذة من أداء الصّلاة بحجّة عدم توفّر قاعات، يقتضي بالضّرورة كذلك منع الإداريّين من أداء الصّلاة في وظائفهم، والتّعلّة السّخيفة هي نفسها... ليس عندنا أموال لبناء قاعة صلاة!!!

\"كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا\" 5 الكهف. ويا عجبا كيف تسمح ألمانيا للطّلبة المسلمين أن يصلّوا في مدارسها، وتمنع حكومة تونس شبابنا من ذلك، ويا أسفا على حكومة تونس كيف تمنع النّاس أن يصلّوا في شوارع ملتصقة لمساجد ضاقت بروّادها، وتسمح فرنسا بذلك وتحميهم بالشّرطة!!! فالمقصود أنّ قرار الوزير غير شرعي وغير وطني، وغير دستوري وغير أخلاقي ولا إنساني، في دولة دينها الرّسمي الإسلام.

إنّ هذا الإجراء يندرج ضمن ما سمّاه الوزير الأوّل المؤقّت\"هيبة الدّولة\" التي تريد أن ترجعنا إلى مربّع ما قبل الثّورة، فها هي الحكومة تطلق أيدي بوليس أمن الدّولة بالعبث بحرمات النّاس وكرامتهم، وها هي كذلك تريد أن تكمّم أفواه الأئمّة عن قول الحقّ والقيام بدور إيجابيّ في توعية النّاس بالقيام بالواجب الدّيني والوطني في هذه المرحلة الدّقيقة لتونس، مساهمة منهم في نقل البلاد من السّلبيّة والدّكتاتوريّة إلى التّنمية والحرّيّة، وهاهي كذلك تمنع النّاس أن يصلّوا في الشّارع الملتصقة بالجوامع التي غصّت بهم أعداد المصلّين.

 إنّ الوزير ليست له شرعيّة دستوريّة أن يتّخذ مثل هذا القرار لأنّه مؤقّت، ولأنّه لم يكلّف إلاّ بتحقيق أهداف ثورتنا المباركة التي لم تقم ضدّ ديننا العظيم أو قيمنا السّمحاء. إنّ المتابع لما يحدث في تونس هذه الأيّام ليلاحظ أنّ هذا القرار يندرج ضمن الحملة الشّرسة التي تجنّد لها الإعلام المرئي والمقروء والتي تستهدف الشّباب المتديّن الذي شرّف تونس وخاصّة منهم الذين أبلوا البلاء الحسن في الحدود الفاصلة بين تونس وليبيا وهم يقدّمون خدمات عظيمة في إغاثة الفارّين من السّفّاح القذّافي. وهنا أجدني أتوجّه إلى المؤسّسة الدّينيّة في تونس وإلى المفتي وإلى علماء تونس؟ أينكم؟ مالكم؟ ماذا أصابكم؟ ماذا تنتظرون؟ إنّها الصّلاة وإنّه الدّين!

 ألا تنظرون إلى الأحزاب كلّها تتحرّك من أجل أحزابهم والجائعين من أجل جوعهم والنقابيين والصناعيين وغيرهم من اجل الدنيا والكرويّين من أجل أمور تافهة و\"الفنّانين\" من أجل فسوقهم فأينكم يا معشر القرّاء؟ يا معشر القرّاء يا ملح البلد ما يصلح الطّعام إذا الملح فسد إنّي على يقين أنّه إذا كانت ثورة شعبنا التي توّجت بإسقاط صنم كبير يوم 14 جانفي 2011 ،

وكانت ثورة تلقائيّة ضدّ الظّلم و\"الحقرة\" والفساد، فإنّي أبشّر شعبي أنّ الثّورة التّونسيّة القادمة ستكون إسلاميّة بحتة حتّى ترفع عنها كلّ هذا الكابوس الضّاغط وهذا الظّلم الذي فاق كلّ تصوّر:\"\"وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ 6 وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ 7 \" القصص خَمِيس بن علي الماجري باريس في 6 جمادى الأولى 1432 هـ، الموافق ل10 أفريل 2011 


الكاتب: خميس بن علي الماجري
التاريخ: 14/04/2011