هل بدأ الغربيون يعودون إلى ضميرهم؟ الجزء الثاني |
|
من يتابع كتابات الغربيين في المجالات التربوية والصراع الدائر والقائم بينهم، والانتقادات الواردة منهم للكثير من الأدبيات في علم النفس وعلم الاجتماع وأصول التربية ، والمدارس مختلفة التوجهات سواء أكانت المدرسة المثالية مروراً بالمدرسة الثانية وهي: المدرسة الواقعيَّة إلى المدرسة التي تعبِّر عن فلسفة تربوية ثالثة وهي فلسفة التربية البراجماتية ، ونشوب الصراع بين تلك الفلسفات التربوية الثلاثة؛ ليجد كثيراً من التربويين يختلفون مع القيد والمبادئ التي يتداولونها بينهم كنظرية التطور البشري، والنشوء والارتقاء ( نظرية داروين)، وكذلك الأسس في علم النفس المعاصر التي أسَّسها وقعَّدها رموزهم كفرويد، وفي علم الاجتماع ونظريات دور كايم، فهو واجد لا محالة تلك الاختلافات الكثيرة التي وقعت بينهم، مما أدَّى لتبني كثير من الغربيين بعض النظريات الإسلاميَّة القويمة والتي ينادي بها علماء التربية الإسلاميَّة بناء على استنباطاتهم من القرآن والسنَّة وطريقة تلقي المجتمع الإسلامي لتلك المفاهيم على أسس سليمة.
ومن طالع بعض أبحاث البروفسور (أبراهام ماسلو) ـ رئيس دائرة علم النفس في (جامعة برنديز) ـ وهو يتحدث عن خطورة الانشقاق بين العلم والدين في الأساليب التربويَّة، فسيدرك أنَّ الرجل اقترب من المفاهيم الإسلاميَّة الصحيحة؛ ومثله كذلك العالم الفرنسي الأصل (رينه دوبو) والحائز على جائزة نوبل والذي كان له الفضل في تغيير كثير من قناعات الغربيين في الكثير من الفلسفات والأطاريح التي يتناولوها في كتاباتهم، وكذلك العالم الغربي (الكسيس كاريل) والمثقف المسلم إذ يقرأ كتابه : (الإنسان ذلك المجهول) فسيتبيَّن له أنَّه نقد الكثير من المفاهيم الغربيَّة فلسفة وفكراً وتربيَّة وتصوراً.
• ما فائدة ما ذكرناه ؟
لسائل أن يسأل ولقائل أن يتقوَّل : ماذا يريد راقم هذه السطور من ورائها؟
وما فائدة ما ذكره من حشد لبعض المواقف الغربيَّة التي تنادي ببعض المبادئ الإسلاميَّة؟
والذي أود أن أقوله حيال ذلك مسجِّلاً له في عدَّة نقاط:
1) يقول الله تبارك وتعالى : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه ولو كره المشركون)، فهذا الدين على قدر ما أراد أن يحاربه الكفرة والطغاة، فهو بقوَّته ونصاعته وعظمة مبادئه قادر على أن يجذب إليه الكثير مِمَّن هاجموه واتهموه بتهم كاذبة، وخصوصاً في هذا الوقت من الغربيين الذين أمسكوا بزمام الأمور وكانت قوى باغية طاغية، من أحسن من عبَّر عنها المفكر الإنجليزي (جود) ـ رئيس قسم الفلسفة وعلم النفس في جامعة لندن ـ إذ قال: "إن العلوم الطبيعية قد منحتنا القوة الجديرة بالآلهة! ولكننا نستعملها بعقل الأطفال والوحوش"(20) فهم لا يفتؤون يحاربون الإله سبحانه وتعالى والدين الإسلامي، ومع هذا فليسوا سوى عباداًَ ضعفاء أمام الرب تبارك وتعالى.
2) أدرك جيداً مدى التخبط الذي يعشيه الغربيون من حالة دمار اقتصادي، وبوار أخلاقي، وشنار اجتماعي، وعار يلحقهم على التحركات السياسيَّة الاحتلاليَّة التي يفتعلونها في العالم العربي والإسلامي، وتآزرهم سوية مع بعضهم البعض للوقوف ضدَّ الدين الإسلامي والعقيدة الصحيحة فهذا أمره لا ينطلي على كل عاقل.
3) لكنَّ الله تعالى قال :( ولا يجرمنَّكم شنآن قوم على ألاَّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) وإنَّ من العدل أن نذكر تلك اليقظة التي تحصل لبعض الغربيين وقيامهم من سباتهم العميق، وبعدهم السحيق عن المنهج الرباني، ونبيِّن أنَّ ما قاموا به من صواب يوافق منهج الإسلام، فالإسلام نادى به منذ أكثر من خمسة عشر قرنا فمالهم لا يفقهون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يتذكرون؟
4) وعليه فالإشادة بأي جهد صادر عن الغرب ينحو نحو التقدم الإنساني والحضاري، ويخالف منهج الارتكاس والانحباس في الأطر الضيقة التي كانوا عليها على مبدأ أهل الجاهلية:(إنَّا وجدنا آباءنا على أمَّة وإنَّا على آثارهم مقتدون) فمن أصاب فمستحسن شكره على الإصابة، وتبيين أنَّ ما فعله يوزاي مسطرة الصواب، ودفعهم نحو الأمام لاتخاد مزيد من القرارات الصائبة في منحى التحول نحو الأحسن والتغيير إلى الأفضل، مع تبيين أنَّ ما قاموا به من صواب وحق يوافق الإسلام هو موجود في دين الإسلام منذ قرون عدَّة؛ لكي يتنبَّهوا أنَّ هذا الدين جاء لخير العباد والبلاد وأنَّه صالح ومصلح لكل زمان ومكان، ولكي تثار لديهم مكامن حبّ الفضول للتعرف على الإسلام أكثر فأكثر.
5) إنَّ أي موقف صحيح يصدر عن الغرب أو الشرق الذي لا يؤمن بالله ورسالة الإسلام، لهو دليل على أنَّ التجارب السيئة التي خاضوها كانت عقيمة لم تنجح ولن تفلح، وتصرفات كهذه تتفق ودين الإسلام فلن تخرج إلاَّ من شخصيات غلًّبت جانب العقل والمصلحة بل غلبتها فطرتها السليمة التي أفسدتها تربيتهم السيئة، فكانوا متفكرين بحقيقة ضلالهم وغيِّهم وهل هو صواب أم خطأ؟ أو على حق أو باطل؟ فإن كان منافياً للحق؛ فماذا بعد الحق إلاَّ الضلال!
6) بمثل هذه المواقف الصادرة من عقلاء الغرب والشرق، لابدَّ أن تتكوَّن لدى بعض المنهزمين من المسلمين والمنبهرين بحضارتهم، ما يسمعونه من دعاة الإسلام وعلمائهم عن حقيقة العدالة المطلقة في دين الإسلام، وأنَّه دين رب العالمين، فيقطعوا عن أنفسهم ذلك الانبهار الصادر تلقائياً منهم بأنَّ ذلك الغرب المنتفش بعتوِّه واستكباره كل ما يخرج عنه صواب، فليس بعد الكفر ذنب، وصحيح أنَّهم قد يقومون بأمور صحيحة ولا حرج من الاستفادة منها إن لم تخالف شرعة الإسلام فالحكمة ضالة المؤمن، غير أنَّ المسلم في نهاية المطاف لديه جذور عقائدية يستمد منّها طبيعة تصوراته ونظراته لحقيقة الحياة الدنيا.
7) ونعجب حينما نرى من يقلدون الغربيين من التغريبيين في البلاد الإسلاميَّة في كل شيء ويجعلونهم قبلتهم في شؤونهم الحياتية والدنيويَّة، كيف لا يستفيدون من نماذج التقدم الغربيَّة الموافقة للدين الإسلامي بعد أن كانوا متخلفين وبعيدين عن سلوك النهج القويم، فإنَّ من ينادي بما ذكرته آنفاً ليسوا علماء مسلمين ـ وللمعلوميَّة فذكرهم عند العلمانيين يسبب لهم الغثيان وحالة من الاشمئزاز ـ فآباؤهم الروحيين فلعلَّهم يستفيدون من تجاربهم الحديثة في نقد بعض المعالم البارزة من الحضارة الغربيَّة التي كانوا يفاخرون بها الأمم.
8) وحري بنا نحن المسلمين أن نثبت على عقيدتنا وإسلامنا وديننا العظيم، فهو دين الحق والحقيقة المطلقة في الكون والحياة، فكان لزاماً حمدالله وشكره على هذه النعمة، وبذل الوسع الصادق لنشر دين الإسلام، والمجاهرة به في كل مكان وزمان، والاعتزاز بقيمه ومبادئه :
يا أيها الدنيا أصيخي واسمعي * أنَّا بغير محمد لا نقتدي
لقد كان يقول الشاعر والناقد الأدبي الحائزٌ على جائزة نوبل في الأدب " توماس ستيرنز إليوت": (إنَّ قوماً بلا دين سيجدون في النهاية أنَّهم لا يملكون شيئَاً يحيون من أجله).
وإنَّ الانتساب إلى الدين نعمة عظيمة لا يعرفها إلاَّ من ذاقها وهي نعمة ترفع العبد وتباركه وتزكيه، والحمد لله الذي هدانا للدين الحق - الإسلام - وكفى به من نعمة وما كنَّا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق فجزاهم الله خير ما جزى رسولاً عن أداء رسالته.
ومن أراد أن يحيا حياة العظماء فليحيا بالإسلام وليعمل بالإسلام وليعمل للإسلام؛ وإنَّ الشقاء الحقيقي أن ينتسب المرء للإسلام ولكنَّه يعيش به وهو خجل منه، ولا يذود عن حياضه ولا يدافع عن حماه، بل تراه عبئاً وكلاً على الآخرين.
• وأخيراً :
ينقل (دوبو) كلمة رئيس بلدية (كليفند) متهكمًا: "إذا لم نكن واعين فسيذكرنا التاريخ على أننا الجيل الذي رفع إنسانًا إلى القمر، بينما هو غائص إلى ركبته في الأوحال والقاذورات".
ويعترف العالم الأوروبي ج. هـ دينسون حيث يقول في كتابه "العواطف كأساس للحضارة": "إن شجرة الحضارة البشرية تترنح اليوم، وتهتز كما كانت تهتز وتترنح قبيل مولد "الرجل الذي وحَّد العالم جميعه، فما أشدُّ حاجة البشرية إلى رسالة محمد لتنقذها مرة أخرى".
وإني أقول بكل ثقة ومسؤولية: لو عرف الغرب الله تعالى لأدركوا لا محالة أنَّه سبحانه وبحمده لا يفرض على عباده إلا ما فيه الخير والهدى لهم ولكنَّهم كما قال تعالى : (بل كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمَّا يأتهم تأويله كذلك كذَّب الذين من قبلهم)، وهذه مشكلة المستكبر أنَّه يرفض سماع كلام الحق والإيمان قبل أن يتعرَّف عليه ويعيه ويفكِّر فيه : (قل إنَّما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادي ثمَّ تتفكروا) هكذا أمر القرآن ودين الإسلام، ولكنَّهم أعرضوا واستكبروا وإذا جاءتهم الآيات ردوها بكل سخرية وعجرفة، ومع هذا يناديهم الله تعالى ويقول لهم:(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) والله سبحانه هو الهادي إلى سبيل الرشاد، فاللهم أرشد قلوب عبادك لكل خير، وجنِّبهم كل ضر وضير، واجعلنا وإياهم نسير على شرعة الإسلام ومنهجه... آمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• داعية وباحث فلسطيني.
khabab1403@hotmail.com
المصادر
1 ) رابط الخبر من موقع ( bbc ):
http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2010/10/101024_italy_miniskirt.shtml
2 ) موقع لها أون لاين :
http://www.lahaonline.com/articles/view/17876.htm
3 ) رابط الخبر من موقع جريدة الشروق المصرية:
http://www.shorouknews.com/ContentData.aspx?ID=213728
4 ) موقع لها أون لاين :
http://www.lahaonline.com/articles/view/17876.htm
5) المصدر السابق.
6 ) مقال: مخاطر الفصل بين الجنسين في المدارس الابتدائيَّة، لكاتبه: صلاح وهابي.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=204190
7) انظر للمزيد:
http://www.almokhtsar.com/news.php?action=show&id=133026
http://www.alriyadh.com/2010/07/07/article541363.html
8) امرأة بريطانية الأصل من ويلز، أسلمت وتسمت عائشة أم سعدية، وقد كان هذا الكلام في مقابلة أجرتها معها مجلة البيان في عددها 150 صفحة 78 بتاريخ صفر/1421، وقد كانت ندوة بعنوان واقع المرأة في الغرب.
9) عن مقال بعنوان الاختلاط في التعليم: مفاسد أخلاقية، وأضرار تربوية، لفهد بن عبدالعزيز الشويرخ، نشر في مجلة الجندي المسلم العدد 105، لرمضان وشوال وذي القعدة من عام 1422، الموافق نوفمبر –ديسمبر
10 ) الطرق الحكميَّة، لابن قيِّم الجوزية ، ص407، 408.
11) عن جريدة الاقتصادية السعودية:
http://www.aleqt.com/2009/09/29/article_280934.html
12) عن موقع الإسلام اليوم:
http://islamtoday.net/albasheer/artshow-17-120301.htm
13) المصدر من مجلة (تشالينجز):
http://www.challenges.fr/magazine/0135-016203/le_pape_ou_le_coran.html
واستفدت من ترجمته من موقع إسلام أون لاين في هذا الرابط.:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout&cid=1221720501733
14) المصدر من صحيفة (لوجورنال د فينانس):
http://www.jdf.com/indices/2008/09/25/02003-20080925ARTJDF00004-wall-street-mur-pour-adopter-les-principes-de-la-charia-.php
واستفدت من ترجمته من مقال: هل ينقذ الاقتصاد الإسلامي العالم من السقوط إلى الهاوية ، لكابه الدكتور : إسماعيل شلبي:، والمنشور في موقع محيط شبكة الإعلام العربية:
http://www.moheet.com/show_files.aspx?fid=370166
15) موقع إسلام أون لاين:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout&cid=1221720501733
16 ) مقال: هل ينقذ الاقتصاد الإسلامي العالم من السقوط إلى الهاوية ، لكابه الدكتور : إسماعيل شلبي:، والمنشور في موقع محيط شبكة الإعلام العربية:
http://www.moheet.com/show_files.aspx?fid=370166
17 ) مصدر الخبر من موقع : (bbc):
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_7489000/7489005.stm
18) موقع : (bbc) :
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_7489000/7489005.stm
19) ينظر جريدة عالم اليوم الكويتية:
http://www.alamalyawm.com/ArticleDetail.aspx?artid=23217
20) فهرس قصة الحضارة - ج 1 - ص 12.
والأستاذ جود، هو رئيس قسم الفلسفة وعلم النفس في جامعة لندن، والنص موجود في كتابه:
.Guide To Modern Wickedness.
http://ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=74090&SecID=391