يا وزير الإعلام هل وصلتك رسالة سقوط نظريّة الأمن

 

يا وزير الإعلام هل وصلتك رسالة سقوط نظريّة الأمن 

الشّيخ خَمِيس بن علي الماجري

انفرطت القبضة القويّة للأمن في تونس، وانطلقت سُنّة من سنن اللّه تفعل في الأنفس والأرض، ولقد سرّع في تفعيلها أشياء كثيرة أعظمها:

تعطيل الشّريعة العادلة، وتبعيّة اقتصاديّة وتفريط في تربية التّونسي على الرّقيب الدّاخلي، والاعتماد على ترسانة ضخمة من القوانين التي تبيّن للعقلاء فشلها في الغرب الذي نستنسخ قوانينه.

لقد سقط الاتّحاد السوفييتي، وسيسقط بعده كثير، والمبشّرات بدت ظاهرة لكلّ ذي عينين، وذلك أمر قدري محتوم، فلماذا لا تنظر النّخبة الحاكمة في بلاد المسلمين إلى أسباب سقوط الدّول والجماعات والحضارات ويعتبرون؟ لماذا هم في غفلة عن تدبّر سنن الله في خلقه؟

الأمن الذي ندعو إليه: لا يمكن أن نعادي الأمن لأنّه أمن، ولكنّ الأمن الذي ندعو إليه هو الذي يحقّق العدل و يسهر على تثبيت كلّيّات هويّتنا: ديننا وأنفسنا وعقولنا ونسلنا ومالنا.

وكلّ وصفة لأمن غير هذه لا تحقّق أمنا أو تنمية أبدا، إذ كيف تتحقّق تنمية بشعوب خائفة تساق كالخرفان؟ إنّ الأمن الذي ندعو إليه هو الذي:

1 لا يوجّه بوصلته إلى الشّعب فيتجسّس عليهم أو يضرب وجوههم، بل الذي يوجّه نحو كلّ أفراد رجال الدّولة والولاّة والوزراء وبالأخصّ نحو الأسرة الحاكمة، فلا تجتمع في أيديهم سلطة وثروة أبدا.

2 لا يورّث الحكم فيه لأحد من أهله، أشار أحد أصحاب عمر أن يورّث ابنه الحكم فقال له:\" ما أجد أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر أو الرّهط الذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، فسمّى عليّا وعثمان والزّبير وطلحة وسعدا وعبد الرّحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء\".

3 يحقّق للرّعيّة حياة كريمة: المسكن والغذاء والدّواء والطّريق ولو كان بهيمة\" لو زلقت بغلة في العراق لخفت الله أن يسألني عنها لماذا لم تصلح لها الطّريق يا عمر؟\". إنّ الخطأ الكبير الذي يقع فيه المنظّر الأمني، تصوّره أنّ القبضة الحديديّة، والتّضليل الإعلامي، يضمنان له استتباب الأمور إليه، ولقد ثبت عمليّاً اليوم في تونس وفي غيرها عقم هذا التّصوّر، وثبت أيضا أنّها إذا صلحت أمام معارضة سياسيّة في يوم، فإنّها لن تصلح أمام الشّعب في كلّ يوم. كما ثبت كذلك أنّ محاولات تجريد شعبنا من قيم الصّمود لن ينجيه من الانتفاضة، لأنّ جنود الله كثيرة وعديدة ومتنوّعة، حتّى صار الانتحار الاحتجاجي ـ الذي ننكره ونرفضه ـ شرارة انتفاضة شعبيّة امتدّت إلى كلّ البلد.

إنّ سياسة تكميم الأفواه والوقوف أمام رغبات الشّعوب في الحرّيّة والكرامة وإذلالهم بحكم الأمر الواقع لا يقوم ولا يدوم، قال تعالى:\"حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ\". يونس 24.

ولنا الحقّ اليوم أن نسأل منظّر الأمن في تونس اليوم: أين ذهبت نظريّته؟ لقد انكسرت وتحطّمت حتّى ولو امتصّت هذه الهبّة؟ فهل جاء اليوم الذي لا بدّ أن يفهم منظّرو الأمن سنن الله تعالى وطبيعة التّاريخ؟ أم تراهم سيظلّون دوما في موقف معاد للسّنن والتّاريخ؟ سطّرنا هذه الكلمات لتذكير القوم بصحّة ما ندعوهم إليه منذ زمان، ونصحنا بكلّ إخلاص لا رغبا ولا رهبا،

وعبّرنا عن استعدادنا أن نرجع إلى البلد ونخدم شعبنا بشرط أن يتخلّى القوم عن نظريّة أمنهم ويبادرون بتحقيق ما ندعوهم إليه من أمننا العادل... \" وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ 41 َتدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ 42 لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ 43 فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 44\" غافر باريس في الاثنين 06/02/1432 الموافق 10/01/2011


الكاتب: الشّيخ خَمِيس بن علي الماجري
التاريخ: 11/01/2011