حقوق الإنسان بين شريعة الرحمن وشريعة الشيطان |
|
حقوق الإنسان
بين شريعة الرحمن وشريعة الشيطان
بقلم
ناصر دينه ومحب أوليائه والفقير إلى ربه
محمد بن خميّس العجمي
الحمد لله وكفى وصلاة وسلام على المصطفى محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد،،،
لم تُعرف حقوقُ الإنسان بشكل كامل ، حقيقة وواقعا ، وبشكل صادق وعملي ، إلا بظهور الإسلام ، ودعوته الإنسانية العالمية ، ولموجب النصوص في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وما ورد فيهما من تكريم الإنسان ، وتفضيله على سائر المخلوقات ،وجعله خليفة في الأرض ، وأن الله تعلى خلق الإنسان في أحسن صورة .
ويؤكد ذلك أن القرآن الكريم وجه الخطاب كثيرا إلى الناس أجمعين ، و ذلك بعبارة : ( أيها الناس ) التي تكررت في القرآن وحده نحو ثمان وعشرين مرة ، كما ورد لفظ ( الناس ) مئتين وأربعين مرة ، وجاء لفظ ( إنسان ) إحدى وستين مرة .
وشرع الإسلام الأحكام لبيان الحقوق والواجبات في جميع جوانب الحياة ، وألزم أداءها ، والوقوف عندها ، والتقيد بها ، فقال تعالى : ( تلك حدود الله فلا تقربوها ) ، ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ).
ولذلك نرى أن الأساس في حقوق الإنسان – إسلاميا – هو ما قرره الإسلام في تشريعاته وأحكامه ، وأن هذه الحقوق منحة ، وهدى ونور ، وضياء ، ورحمة للعالمين جميعا .
ولم تعرف حقوق الإنسان في شريعة الشيطان ؟ إلا بعد ظهور الثورة الفرنسية ، ومناداة كُتاب الثورة بذلك من أمثال : جان جاك ، ومونتسكيو ، وديدرو000وغيرهم.وصدر في سنة 1789م وثيقة حقوق الإنسان والمواطن ، وكانت كرد فعل لمخازي المؤلمة في العهود البائدة ، ومحو العار الذي كان سائدا كالاصظهاد الديني ، وامتهان الحريات الشخصية، ومصادرة الأموال ، وغيرها .
ثم جاءت المؤسسات الدولية في القرن العشرين ، فأعلنت حقوق الإنسان في مواثيقها سنة(1919م ) في عصبة الأمم ، ثم في ميثاق الأمم المتحدة عام1945م.
وإليك تفصيل بعض الحقوق الأساسية التي أقرها الإسلام في شريعته قبل أن يعرفها صناع شريعة الشيطان، وسأقتصر على أربعة حقوق هي محل اهتمام، وبسبها عانى الدعاة اليوم من ظلم الحكام وطغيانهم في حرمانهم منها.
حق الحرية هو الحق الأول للإنسان ، وبه تبدأ سائر الحقوق ، وهي منحة من الله تعالى وليس للإنسان فضل في إيجاده ، وكل اعتداء عليه يعتبر جريمة في نظر الإسلام .
ويجب على سائر الأفراد أولا ، والمجتمع ثانيا ، والدولة ثالثاً ،حماية هذا الحق من كل اعتداء .
وينبني على ذلك ، تحريم قتل الإنسان : إلا لأسباب معينة ومحددة من قبل الشارع قال تعالى :( و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) ، وقال تعالى :(والذين لا يدعون مع الله إله آخر و لا يقتلون النفس التي حرم اله إلا بالحق ).
ثم هدد القرآن الكريم القاتل تهديدا شديدا ، ولا مثيل له إلا الكفر والشرك ،فقال :( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ).
ويحرم امتهان الكرامة الإنسانية ، ومن فعل ذلك عوقب عليه ، ومن ذلك ما روي في قصة الأمير الغساني جبلة بن الأيهم الذي لطم الأعرابي ، فأمر عمر بالقصاص منه ، وكذلك قصة القبطي الذي ضربه محمد بن عمرو بن العاص وقال له : أنا ابن الأكرمين ، فذهب القبطيُّ إلى المدينة ، وشكا إلى عمر ما أصابه من الهوان ، فاستقدم عمر عمراً وابنه من مصر ، وطلب من القبطي أن يقتص ، وقال له : دونك الدُّرة فاضرب بها ابن الأكرمين ، فضرب القبطيُّ ابن عمرو ، وقال عمر لعمرو كلمته الخالدة – كما سيمر معنا - : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار ؟! ". فأين هؤلاء الظلمة من هذا العدل الذي يكتب بماء الذهب ؟!.
إن الإسلام يعتبر الحكم مشاركة بين الحاكم والمحكوم ، وإن الحاكم يتمتع بالسلطة لتحقيق مصالح الناس ، وأغراض المجتمع ، ولذلك وضع الفقهاء القاعدة الفقهية المشهورة : " تصرفات الإمام منوطة بالمصلحة " وإن كل فرد في الجماعة الإسلامية مطالب برقابة الحكام من جهة ، ونصحهم من جهة أخرى . وإن قصر الأفراد بذلك أصابهم البلاء ، وعمهم العقاب ، لقوله تعالى : ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ). ووصف القرآن الكريم الأمة الإسلامية بأنها خير المم ، وعلل ذلك بهذا الحق العظيم ، فقال :( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) .
وفي الحديث الصحيح : " الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ".
وحرية الرأي والتعبير هي قدرة الإنسان على التعبير عن وجهة نظره بمختلف وسائل التعبير ، وأن يبينوا رأيهم في سياسة الحاكم التي تعود بالنفع والخير عليهم .
وكان عمر رضي الله عنه يقول للناس : " من رأى منكم فيَّ اعوجاجاً فليقومه " فقام رجل من المسلمين على الفور : " والله لورأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا " فعاتبه أحد الحاضرين على شدته على أمير المؤمنين ، فقال عمر رضي الله عنه مؤيدا ومعززا ":" لا خير فيكم إن لم تقولوها ، ولا خير فينا إن لم نقبلها " . والأمثلة في تاريخ الخلافة الإسلامية طافح ، وكان العلماء وغيرهم ينصحون الخلفاء ، والولاة ، والحكام ، ويبدون لهم الرأي السديد في شؤون الحكم والرعية ، سرا وعلانية .
وإن الضمان لحرية الرأي والتعبير أنه – أولا – واجب من واجبات الأمة ، وهو واجب ديني ، وأنه – ثانيا- لا يعتمد على إذن السلطان ، ما دام القصد فيه رضا الله تعالى ، والتذكير بدينه وأحكامه وشرعه .
كما أن لحرية الرأي والتعبير حدودا في الشرع لا يجوز تجاوزها ، فمن ذلك أن تتقيد بالحق ، والحجة ، والبرهان ، وألا تؤدي إلى حرمان الآخرين من إبداء رأيهم ما داموا يستندون إلى الدليل الشرعي وإن خالفوك ، أيضا أن يكون الرأي مطابق للحقيقة والواقع .
و بخلاف ما يدعو إليه أولياء الشيطان من الدعاء إلى حرية الرأي دون ضوابط ولا قيود شرعية ، فسب الله والطعن في الرسول والتشكيك في ثوابت الأمة مكفول في شريعة الشيطان ، إلا حضرة جناب السلطان فهو معصوم من الخطأ والزلل زعموا !؟ فهل يستويان مثلا ؟
ويعني وجوب المشاورة بين المسلمين من الرعاة ، والحكام ، وسائر الرعية في اتخاذ القرار المناسب الذي يحقق مصلحة الشعب والأمة الإسلامية .
والشورى إحدى القواعد الأساسية في نظام الحكم في الإسلام ، وتدرس مفصلة أحيانا ، وكجزء من أحكام الخلافة ، أو الدولة في الإسلام .
و الأساس في الشورى من الاستبداد في الرأي ، أو الانفراد في اتخاذ القرار الذي يخصُّ جميع الأفراد والأمة ، وأن يعتمد على استطلاع رأي الأمة ، أو من ينوب عنها .
والاستعانة بأهل الرأي و الخبرة لمعرفة حقائق الأمور ، والوصول إلى أقرب الطرق للحق والصواب ، في معالجة القضايا .
وجاء الأمر بالشورى في نصوص القرآن الكريم ، ولكنه بشكل عام وشامل ، وترك التفصيل ، وطريقة التنفيذ ، واختيار طريقة الشورى حسب اختلاف الزمان والمكان وما تقتضيه المصلحة العامة .
وجاء الأمر بالشورى في آيتين : خاطب الله تعالى فيها رسوله محمد e وأمره بالمشاورة فقال تعالى : (فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) والأمر بالشورى في الآية للوجوب ، لأن الأصل في الأمر الوجوب ، ما لم يصرف عن ذلك بقرينة ، ولا صارف له هنا .
والآية الثانية جاءت في معرض صفات المؤمنين التي يلتزمونها ، وهي من شأنهم ، فقال تعالى (00و الذين استجابوا لربهم و أقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ) ، وسمي السورة كلها باسم الشورى نظرا لأهميتها ، ووجوب الالتزام بها .
والتزم رسول الله e بأمر ربه ، فكان يدعو للشورى ، والاستشارة من الناحية القولية والعملية ، وكان كثير الاستشارة لأصحابه ، كما قال أبوهريرة رضي الله عنه : " لم يكن أحدٌ أكثر مشاورة من الرسول e " ، قال الحسن البصري : " كان النبي e مستغنيا عنها ، ولكن أراد أن تصير سنة للحكام " .والفائدة من الشورى : الإطلاع على رأي وجيه ، وتقليب وجهات النظر في الموضوع ، والانتباه إلى نختلف الجوانب التي يفطن لها الجماعة أكثر من الواحد .
هذا ما أردت بيانه بإيجاز فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن الشيطان، هذا واسأل الله تعالى أن يهدي حكامنا إلى تحكيم كتابه والعمل بسنته ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.