نظرة أخرى: صفعة للعلمانية وصحوة للأمة |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
نظرة أخرى: صفعة للعلمانية وصحوة للأمة
الدكتور ماهر أبو ثائر ـ فلسطين
يبدو أنه آن الأوان أن نتجاوز مرحلة الحديث عن الانتخابات التشريعية الفلسطينية وحرمتها لنتأمل نتائجها… فالكفاح السياسي هو حول الشأن الجاري من أجل إحباط ما يكاد للأمة، والعملية الانتخابية –كعملية- قد أصبحت تاريخا سواء ندم من دفع لها أم جاءت كما أراد، والواقع الحالي هو ما أفرزته، وهو الشأن الجاري الذي يجب أن يشغل الأذهان.
لذلك حري بنا أن نفرّغ الشحنة التي تملكتنا ضد تلك الانتخابات ومن ثم نقف وقفة على مفترق الطرق الجديد الذي يقف أمامه الجميع منتفضين من هول الصدمة –إن صح أن هنالك صدمة: من الذين انتخبوا والذين لم ينتخبوا، ومن الذين انتخبوا حماس أو الذين انتخبوا فتح، أو من الذين دفعوا الملايين ليروّجوا لبعض الساقطين أو الذين ترقبوا الخلاص بشعار الإسلام هو الحل. ومن الذين ترشحوا وصوتوا من الشرفاء والبسطاء من أجل تحسين واقع بلدة قديمة هنا، أو ضبط أموال الدعم من هنا وهناك. لا شك أن هذه الانتخابات جاءت تنفيذا لمرحلة خارطة الطريق وعلى سكة اتفاقية اوسلو بلا ريب، ورغم محاولة البعض أن يرى وأن يري هذا الواقع من خلال منظور خاص يشوه صورة الحقيقة، إلا أنه عندما "تذهب السكرة وتأتي الفكرة" وتصحو الجموع من نشوة هذا "الانتصار" تنكشف حقيقة الطريق الذي خطة الأمريكان، وسدوا وسيحاولون أن يسدوا الطرق الأخرى التي قد تحاول أيد مخلصة أن تزيل الحواجز عنها. لست من الذين يتهمون الجميع بالجملة …
ولا أميل إلى الطعن باحتمال وجود محاولات مخلصة من أخوة في هذا الزخم القيادي الجديد، وهم أمام هذه الصدمة إما أن ينصدموا بهول المفاجئة ويرضخوا تحت ضغط الواقع الجديد، وإما أن يصدموا العالم بوقفة تعيد ترتيب الأوراق من جديد على أساس أن العدو عدو ولا يمكن أن نتقارب معه، وعلى أساس أن الجهاد هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين كل فلسطين. فيتمثل المخلصون منهم قول الشهيد :"إن الإسلام والجاهلية خطان متوازيان … لا يلتقيان … ولا يوجد جسور تربط بينهما"،
ولذلك فإنني آمل أن بعض المخلصين سيقفون وقفات تأمل طويلة قبل أن يقبلوا أن ينبطحوا جسورا تعبر من خلالهم مؤامرات التفاوض والتنازل. هذا الأمل والرجاء لا ينقطع في ثلة لا زالت تحسب نفسها تتعبد الله من خلال هذا العمل السياسي. وهذا ما يتطلب منا وقفة أخوة ناصحة أمينة … رغم صعوبة أداء هذا الدور بعد "معركة" تبيان الحكم الشرعي، فمن المتوقع أن العديد منهم قد يضعون أصابعهم في آذانهم ويستغشون ثيابهم لئلا يسمعوا من نفر نفروا في وجوههم بكلمة كرهوا أن يسمعوها فتناولوهم بالشتم. وكان ما كان من فعل وردات فعل أوقعت الفريقين في حيص بيص من ناحية التآلف والتآخي. ولذلك فلتغسل النفوس أدران تلك الصدامات باحتساب الأمر لله واستشعار موقف الحساب بين يدي العدل الذي لا يظلم مثقال ذرة، وأن تبتعد عن حسابات الربح والخسارة في مقاييس هذه الدنيا الفانية جميعها.
إذا تجردنا من تلك الآثار، ونظرنا للنتائج نظر القوامين على فكر المجتمع وحسّه، نجد أن فيها صحوة وصفعة … صحوة للأمة التي تلتف حول شعار الإسلام، وتلفظ من يرفع شعارات تافهة يرضعها من الغرب كما يرضع دولاراته … فتأتي صفعة مؤلمة له ولمن خلفه، ولعلها تشرّد من خلفهم جميعا عندما تحين ساعة الحسم النهائي. من هذا الباب أجد في الأمر صحوة للأمة … صحوة للأمة لأنها عندما لا تتيقن من وجود مؤامرة، وتصرّ على المشاركة في الانتخابات … فإنها تصوت للإسلام. إذن فهذه الأمة سترفع صوتها عاليا وعاليا جد خلف نداء ساعة الصفر الذي يقلب موازين العالم. هذه صحوة يجب أن نسعد بها. صحيح أن البعض قد يرى في المقابل كبوة في "الجهل" السياسي من باب عدم كشف وانكشاف التآمر على الأمة، إلا أن هذا التبيان السياسي هو دور المخلصين الواعين الذين يتقدمون لقيادة الامة.
وهذه النتائج صفعة مؤلمة لفتح وعلمانيتها ونهجها التنازلي لعلها تتنحى للأبد عن قيادة زائفة ما فتئت من خلالها تقود أهل فلسطين من ذل إلى ذل، وخصوصا بعض أن أفرغت جعبتها من أي بقايا إخلاص كانت توجد لدى بعض مخلصين فيها حاولوا التصدي للاحتلال من خلال العمل المسلح عندما كانت هي السبيل. ولا أجدها الآن إلا حركة فارغة من أي محتوى لذلك، فبات يصرح البعض فيها أنهم سينكفئون على الحركة لبعثها من جديد. هي صفعة لأبواق مفضوحة أرهقت آذاننا على الفضائيات وهي تجهر بالباطل الصريح، من أمثال جبريل الرجوب ونبيل عمرو ومحمد دحلان وعباس زكي، وقد باتوا الآن يتصابرون على هذه المأساة التي من الممكن أن تلفظهم خارج حسابات هذا الزمن إذا لم تنقذهم الأيادي التي ربتهم أساسا. وفي خضم هذه الصحوة والصفعة … تأتي اللعبة الحاذقة من فتح رغم أنها تترنح وتتمايل ذات اليمين وذات الشمال لتغرق حماس في مستنقع السلطة، فترفض أن تتشارك فيما يسمونه حكومة ائتلاف بين حماس وفتح إنها حركة فذة من فتح رغم سكرتها المهلكة …
فهل تدرك حماس هذه الخطورة أم تذوب الخطوط الفاصلة بين دعاة الإسلام والعلمانية فتصبح حماس هي السلطة ؟ وتستبدل اسمها بحمام وتحلق الذقون ويتحول الشعار إلى "الإسلام هو الحل إذا أمكن تطبيقه" ؟ لا أقول هذا استباقا للأحداث ولا آملا في أن تغرق حركة تجمع مسلمين في وحل مكائد الغرب، ولكن غيري وقبلي من أمثال الكاتب إبراهيم علّوش قد أنذروا من الخسارة المبدئية التي يمكن أن تزيل نشوة هذا الربح الانتخابي. يبقى الرجاء قائما في إخلاص رجال يتأملون الحاضر والتاريخ ويتدبرون قول الحق سبحانه: "أفحكم الجاهلية يبغون" ومن ثم قوله في سياق الآيات "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"