أيتها المتبرجة أيها المدخن لا تصبحا من المفلسين!! |
|
أيتها المتبرجة أيها المدخن لا تصبحا من المفلسين!!
ــــ
بقلم : خالد بن صالح الغيص
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا » رواه مسلم ،وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ » رواه البخاري ، وعَنْ أَبِى مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « إِذَا اسْتَعْطَرَتِ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِىَ كَذَا وَكَذَا قَالَ قَوْلاً شَدِيدًا ». رواه ابوداود وحسنه الألباني . وقد تكلم العلماء عن حرمة خروج المرأة متبرجة لقول الله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى (33) سورة الاحزاب .
وتكلم العلماء كذلك عن تحريم شرب الدخان كما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى رقم( 515 ) : شرب الدخان حرام : لأنه من الخبائث وقد حرم الله ورسوله الخبائث ، وقال تعالى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم : { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } سورة الاعراف ، ولما فيه من الضرر بالصحة وتلف المال ، وقد جاءت الشريعة بوجوب حفظ الأبدان وحفظ الأموال ، وجعل العلماء قديماً وحديثاً حفظهما من الضروريات الخمس ، التي لا بد منها في حفظ كيان الأمة ، وقيامأمرها على وجه ينتظم به شأنها ، وثبت في الحديث النهي عن إضاعة المال ، ولا شك أن إنفاقه في شراء الدخان إنفاق فيما لا جدوى فيه ، بل إنفاق له فيما فيه مضرة لشاربه وللمجتمع ، فكان من إضاعة المال ، وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
والجهل بحرمة تبرج المرأة واظهار زينتها للرجال الأجانب وبحرمة شرب الدخان في هذا الزمان نادر جداً لانتشار وسائل نقل المعلومة وسهولتها لكل أحد ، ومع ذلك نجد كثيراً من النساء لا ينزجرنّ عن التبرج واظهار الزينة المحرمة مع شدة الوعيد الذي جاء في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك من الرجال -والنساء أحياناً- لا ينزجرون عن شرب الدخان ، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين فيحاسب كل أنسان على ما جنت يداه ، فيحاسبهم على معاصيهم والنتائج والآثار المترتبة عليها والتي قد يكون منها التبرج المحرم وشرب الخان ، قال الشيخ خالد المشيقح في شرح منظومة الشيخ ابن عثيمين : والإثم المرتب على الفعل المحرم أنواع منها : النوع الأول : إثم على ذات الفعل ، النوع الثاني : إثم على النتائج والآثار المترتبة على الفعل ، فمن زنى بأجنبية فإنه قد ترتب على ذلك آثار منها : إدخال الولد الأجنبي على غير والده ، ومنها : إفساد المرأة على زوجها ... إلخ . فالعبد يُعاقب بالفعل ذاته والآثار المترتبة عليه . (1/113 ) ، ألا يظن أولئك أنهم قد آذوا المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد يحق عليهم قول الله تعالى :وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58) سورة الاحزاب ، قال الشوكاني رحمه الله في فتح القدير عند تفسيره لهذه الآية : ثم لما فرغ من الذم لمن آذى الله ورسوله ذكر الأذية لصالحي عباده فقال : { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات } بوجه من وجوه الأذى من قول أو فعل ومعنى { بغير ما اكتسبوا } أنه لم يكن ذلك لسبب فعلوه يوجب عليهم الأذية ويستحقونها به فقال : { فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا } أي ظاهراً واضحاً لا شك في كونه من البهتان والإثم . انتهى بتصرف يسير .
فما الذي فعلتُه أو آذيتُ به المتبرجة حتى تؤذيني بتبرجها أو تفتني وتؤثمني به ؟! فقد يقول قائل : هلا غضضت بصرك كما أُمرت بذلك ، فأقول : أنا أقر بذنبي وأسأل الله تعالى أن يغفر لي وأن يعينني على غض البصر ، ولكنها بتبرجها هيجت الأنظار إليها فهي السبب الرئيس ، قال المباركفوري في تحفة الأحوذي عند شرحه لحديث : إِذَا اسْتَعْطَرَتِ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِىَ كَذَا وَكَذَا قَالَ قَوْلاً شَدِيدًا »- الذي مر بنا آنفا- قال رحمه الله : لأنها هيجت شهوة الرجال بعطرها وحملتهم على النظر إليها، ومن نظر إليها فقد زنى بعينيه فهي سبب زنى العين فهي آثمة . (8/58) ، فلو أنها التزمت اللباس الشرعي التي أُمرت به لضعفت الفتنة بها ، وسأسأل ربي أن يأخذ لي حقي من كل متبرجة فتنتني فجعلتني انظر إليها – ان كان لي حق في ذلك – وأسأله أن يهدي أخواتي المتبرجات للاقلاع عن هذه المعصية الكبيرة ، وقد يقول قائل : كما سألت لنفسك المغفرة فما الذي يمنع المتبرجة أن تسأل لنفسها المغفرة ؟! فأقول : لا يمنعها شيء ، ولكن لتعلم أن للمغفرة أسبابها وشروطها كما بينها العلماء استناداً لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والتي منها : الندم ، والاعتراف والاقرار بالذنب ، والتوبة والاستغفار ، والاقلاع عنه ، والعزم على ألا تعود إليه والتستر بستر الله وغيرها من شروط ، فلتنظر المتبرجة هل حققت هذه الشروط أم لا ؟! حتى تكون ممن ينالها عفو الله ، فهل هي أقلعت عن التبرج وامتثلت قول الله تعالى في سورة الاحزاب : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) فهي مأمورة باللباس الذي يستر جميع الجسد فلايصف ولايشف وغيرها من شروط ، لا ما تفعله بعض النساء فتغطي شعر رأسها فقط وتظن بتزيين الشيطان أنها حققت الستر المطلوب وابتعدت عن التبرج المحرم .
وكذلك ما الذي فعلتُه أو آذيتُ به المدخن حتى يؤذيني بدخان سيجارته ؟! فقد يقول قائل : هلا خرجت من المكان الذي فيه المدخن ، فأقول : بل هو المخالف مرتكب المعصية الذي يجب عليه الخروج والاستتار بمعصيته ، وهو الذي يجب عليه أن يبعد أذاه عن الناس ، فشريعة رب العالمين ثم جميع الأعراف والأنظمة تأمره أن يبعد أذاه عن الناس ، فبأي حق يأمرني المدخن بالخروج من مكاني حتى يتسنى له أن يفعل مايريد ، وسأسأل ربي أن يأخذ لي حقي من كل مدخن آذاني بدخان سيجارته – ان كان لي حق في ذلك – وأسأله الهداية لأخواني المدخنين .
ألا يخشى المدخن أو المتبرجة أنه قد يحق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث : « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ ». رواه مسلم ، فسيحاسب الله الانسان على ظلمه وتعديه على الآخرين سواء بالشتم أو بالضرب أو بأي صورة من صور الظلم التي عددها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث والتي قد يكون منها الأذية بالتبرج المحرم أو بدخان السيجارة المحرمة ، فالظلم ظلمات يوم القيامة .
وليكن مقالي هذا نصيحة لاخواني المدخنين وأخواتي المتبرجات للتوبة والرجوع الى الله ، وليعلموا جميعاً أن ليس الشأن شأن معصية قد مضت ، بل الشأن أخطر من ذلك فهو حساب على الذنب وعلى النتائج والآثار المترتبة عليه كما قال تعالى : إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) سورة يــس ، فاذا كان الله تعالى في حساب الحسنات لا يظلم المسلم شيئاً حتى الحسنات التي لايشعر بها كما في حديث جَابِر بن عبدالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلاَّ كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةً وَلاَ يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ » رواه مسلم ، فاذا كان هذا في حساب الحسنات أفلا تخشى المتبرجة أو المدخن أن الله تعالى قد يستقصي حساب سيئاتهم التي آذوا بها الناس وهم لا يشعرون .
وسيحاسب الله تعالى العباد على مثقال الذرة كما قال تعالى :فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) سورة الزلزلة ، ولن يغادر كتاب الأعمال لا صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها كما قال تعالى : وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) سورة الكهف ، بلإذا كان الله قد توعد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة بمجرد محبة شيوع الفاحشة ، واستحلاء ذلك بالقلب ، فكيف بما هو أعظم من ذلك ، من إظهاره ونقله ؟! وسواء كانت الفاحشة ، صادرة أو غير صادرة كما قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) سورة النور ( بتصرف من تفسير السعدي ) ، فكم أغوت بعض المتبرجات من مؤمن كان غافلاً عن الفاحشة ؟! وكم فتنت من مؤمن يحب الله ورسوله فأضحته يحب الفاحشة والشهوات ؟! وكم أضرت من مؤمن في دينه ؟! وكم .. وكم .. وكم .. !! ألا تخشى المتبرجة أن يشكوها أحد من هؤلاء إلى رب العالمين ، أم هل تظن المتبرجة أن تلك الشرور يغفل عنها الملك الديّان الذي يحاسب على مثل مثقال الذرة ؟!! ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فمن أخطر ماقد تتحمله المتبرجة أو يتحمله المدخن هو آثام أذيتهم للناس المتضررين بهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون .
فلنتق الله تعالى جميعاً ، ولتكن منا أمة كما قال تعالى : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) سورة آل عمران ، وأسأل الله أن يعفو عنّا .
والله تعالى أعلى وأعلم فإن أصبت فمن الله تعالى وحده وله الفضل والمنة ، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان ، واستغفر الله وأتوب إليه .
خالد بن صالح الغيص
12/7/1431 هـ
ksmksmg@hotmail.com
الكاتب: بقلم : خالد بن صالح الغيص
التاريخ: 27/06/2010