ياغزة كوني بلال عصرنا |
|
غزة كوني بلال عصرنا كنت وأنا صغير في المدرسة الابتدائية ، اسمع من معلمي قصة بلال الحبشي الصحابي الجليل – رضي الله عنه – حيث كان كفار قريش يعذبونه بالضرب والجوع والعطش وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر وحميت الظهيرة يخرجونه وتوضع الصخرة العظيمة على صدره ثم يقال له : والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد فيرد عليهم وهو في ذلك يقول : أحد أحد . ( البداية والنهاية ) 1 / 492
وكان يحدث هذا في العهد المكي حيث ضعف المسلمين وقلة حيلتهم فكان يأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه بالصبر والمصابرة حتى يأتي نصر الله ، وكان القرآن يتزل بذلك يأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابته من بعده بالصبر كما في وقوله تعالى : \" فأصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون \" الآية رقم 60 من سورة الروم ، وغيرها من الآيات المكية التي كانت السمة العامة لها الأمر بالبصبر والتمسك بدين الله وعدم التنازل عن ثوابت الدين
كما قال تعالى :\" فاستمسك بالذي اوحي اليك\" آية 43 سورة الزخرف ، وينهاهم عن المداهنة في دين الله كما قال تعالى : \" ودوا لو تدهن فيدهنون \" أية 9 سورة القلم ، وقول الله في سورة الكافرون : \" قل يا أيها الكافرون \" .
فكان هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – والصحابة في زمن الاستضعاف هو الصبر والتمسك بدين الله ، وإن كان الصبر مطلوبا كذلك حتى في زمن القوة والتمكين ولكن في زمن الاستضعاف أشد طلبا لأن النفس قد تضعف فتتنازل عن أمر الدين وتعطي الدنية في دينها .
لذا أقول لغزة كوني بلال عصرنا واصبري وصابري ولا تعطي الدنية في دينك فإنك من آخر معاقل الإسلام في عصرنا هذا عصر تكالب الأمم على أمة الإسلام ، وإن كان يجوز للمسلم في وقت الضرورة والاستضعاف وشدة عذاب الكفار له أن يقول كلمة الكفر بشرط أن يطمئن قلبه بالإيمان كما قال تعالى : \" من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم \" الآية 106 من سورة النحل ،
فيجوز للمسلم أن يترخص بهذه الرخصة كما ترخص بها بعض الصحابة من أمثال عمار بن ياسر – رضي الله عنه – عندما اشتد عليه عذاب المشركين ، ولكن أبى ذلك بلال الحبشي – رضي الله عنه – لحكمة رآها ، كما حدث لإمام أهل السنة أحمد بن حنبل عندما وقف وقفته الشهيرة في فتنة القرآن وترخص من ترخص فنطق بخلق القرآن طائفة من العلماء ، أبى الإمام أحمد أن يقول بخلق القرآن لأنه رأى من نفسه أنه على ثغر من ثغور الاسلام ، إن قالها يضيع من دين الله ما يضيع وتفتن الأمة بعده بموقفه هذا .
وكذلك أقول لغزة كوني بلال عصرنا وأثبتي فإنك آخر عقبة في طريق الاستسلام الذي يريده اليهود وحلفاؤها لهذه الأمة ، فلم يبق لهم بعد أن بيعت مقدسات الأمة وكرامتها إلا أنت ، وللأسف من يطلب من غزة الاستسلام وإعطاء الهدنة لليهود يحتج أن الأمة الآن في زمن الاستضعاف فلا تستطيع أن تقاتل عدوها من اليهود وغيرهم ، وينسى أن زمن الاستضعاف هو زمن الصبر والتمسك بثوابت الدين كما هو هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابته في العهد المكي ، لا زمن الذل والخضوع لاعداء الامة والاسلاخ من الدين .
ولا يظن ظان أنه باستسلام عزة وإعطائهم الهدنة لليهود ، فإن اليهود سينادون إلى السلم والسلام فهذا غير صحيح ولن يكون ، فإن حكام العرب قد أعطوا اليهود معاهدات السلم معاهدة تلو الأخرى ، وما أخذوا من اليهود من شيء ، فالموضوع أكبر من غزة ، الموضوع هو حرب بين الإيمان والكفر ، حرب بين جنود الرحمن وجنود الشيطان ، حرب أعلنها إبليس عليه لعنة الله على آدم وذريته من بعده منذ أن خلق الله آدم وأمر الملائكة بالسجود له ، وهي باقية إلى يوم القيامة كما سأل إبليس ربه ذلك فقال : \" قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون \" آية 36 من سورة الحجر . وما غزة الا مظهر من مظاهر هذه الحرب .
فالحرب بين جنود الرحمن وجنود الشيطان باقية ببقاء إبليس إلى يوم يبعثون ، ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم من داخل الأمة أو من خارجها حتى يأتي وعد الله ، وحتى يقاتل آخرهم الدجال . فاصبري يا غزة وأثبتي وكوني بلال عصرنا .
خالد بن صالح الكويت